|
الحراك التفاوضي وشلل أولمرت
برهوم جرايسي
الحوار المتمدن-العدد: 2292 - 2008 / 5 / 25 - 03:27
المحور:
القضية الفلسطينية
رد الفعل الأول الذي ظهر عند كثيرين في الساحة السياسية الإسرائيلية وخارجها، على إعلان البدء بمفاوضات مباشرة بين إسرائيل وسورية، هو أن رئيس الحكومة، إيهود أولمرت "هرب من شبهات الفساد التي تلاحقه باتجاه سورية"، وفي محاولة لإثبات أنه ما يزال موجودا، ويقوم بمهامه كما لو أنه ليس ملاحقا من وحدة التحقيق في الشرطة الإسرائيلية. من يتابع سير الأمور الداخلية في إسرائيل، وخاصة استراتيجية السياسة الإسرائيلية في الملفات والقضايا والصراعات الكبرى التي تواجهها، يستصعب تبني مثل هذه الفكرة التي تضمنها رد الفعل. وهذا لأن أولمرت، "وبتبوئه" مكانة "أضعف رئيس حكومة في تاريخ إسرائيل"، هو أيضا أضعف من أن يتوجه بمفرده نحو المسار التفاوضي مع سورية، أو حتى التقدم فعليا وبشكل جدي في المسار الفلسطيني، من دون الحصول على موافقة المؤسسة الأمنية والعسكرية، التي نسمع أنها ليست موحدة في الرأي بما يتعلق باستئناف مفاوضات السلام مع سورية، إلا أن غالبيتها تميل إلى استئنافها. وليس من المستبعد جدا أن تكون المؤسسة العسكرية الأمنية الإسرائيلية معنية بفحص جوانب معينة في الموقف السوري، دون أن "تتورط" إسرائيل بعملية تفاوضية طويلة ملزمة، بمعنى أن هذه المفاوضات تبدأ الآن، مع معرفة مسبقة بأنها لن تعمر طويلا بسبب القلاقل السياسية في إسرائيل، التي قد تقود إلى انتخابات برلمانية مبكرة، وبهذا تكوّن إسرائيل تصورات استراتيجية أكثر وضوحا متعلقة بالشأن السوري، تهميدا لمرحلة قادمة فيها ثبات سياسي أكبر. وما يؤكد هذا، هو ما نشره جميع المحللين العسكريين والأمنيين في إسرائيل، في اليوم التالي للإعلان عن تلك المفاوضات، وجميعهم على مختلف اتجاهاتهم نقلوا نفس الرسالة، مما يعني انها موجهة من أعلى مستوى في المؤسسة العسكرية الأمنية الإسرائيلية. ونحن نقرأ مثلا، في مقال المحلل عاموس هارئيل في صحيفة "هآرتس"، أن كبار قادة الأجهزة الاستخباراتية والعسكرية دفعوا أولمرت نحو تلك المفاوضات، ويكتب زميله في نفس الصحيفة، باراك ربيد، إن نقطة الاختلاف الوحيدة في الأجهزة الأمنية نجدها في جهاز "الموساد" (المخابرات الخارجية) الذي يتحفظ رئيسه من مفاوضات كهذه، "ولكن السطر الأخير الذي يلخص موقف الأجهزة الأمنية يقول: إن لإسرائيل مصلحة استراتيجية في التوصل إلى سلام مع سورية". وينضم إلى هذين المحللين، آخرون، مثل أليكس فيشمان في "يديعوت أحرنوت"، وعمير ربابورت في "معاريف"، وغيرهم. ولكن موقف العسكر هذا بحاجة إلى ذراع سياسي تنفيذي، بمعنى حكومة قوية، وأكثر من هذا، رئيس حكومة قوي ذي قدرة على اقناع الجمهور، وحاليا، فإن المشهد السياسي في إسرائيل يفتقد لهذا وذاك، فرئيس الحكومة أولمرت في أدنى مستويات الشعبية لأي رئيس حكومة إسرائيلية على مر عشرات السنين، وما يزيد طينته بلة، هو مسلسل التحقيقات في شبهات الفساد، وهذا ينعكس مباشرة على الحكومة ككل، التي باتت ترتكز، على الأقل في هذه الأيام، على أغلبية هشة، 64 نائبا من أصل 120 نائبا. فمع افتتاح الدورة الصيفية للكنيست (البرلمان) هذا الأسبوع، ظهر المشهد السياسي العام بحالة شلل وإرباك واضحين، بفعل حالة الترقب التي تسيطر عليها، لما ستفضي إليه تحقيقات الشرطة مع أولمرت بشبهات تلقيه رشاوى. فعلى الرغم من زخم التقارير الصحافية التي تنشر على مدار الساعة في إسرائيل حول قضية أولمرت، إلا أن تعامل القوى والشخصيات السياسية الأساسية الكبرى مع هذا الملف يطغى عليه الحذر، خاصة وأنه في قضايا أخرى واجهها أولمرت، وحتى غيره، تجلت في نهاية المطاف فجوة كبيرة جدا بين ما كان ينشر، وبين توصيات الشرطة، فمثلا في ملف وُصف في حينه الأخطر الذي يواجهه أولمرت، وهو محاولته إرساء عطاء لخصخصة ثاني بنك في إسرائيل على أحد المقربين منه، حين كان وزيرا للمالية، أوصت الشرطة بإغلاق الملف نظرا لعدم وجود أدلة. ولكن هذا الحذر لا يمنع سياسيين من الصف الثاني والثالث من دعوتهم أولمرت للاستقالة من منصبه والتوجه إلى انتخابات برلمانية مبكرة، وهي خطوة من الصعب رؤيتها تتحقق قبل أن تقول الشرطة كلمتها في هذا الملف، أو تقع مفاجأة أخرى تضطر أولمرت لتقديم استقالته. ولهذا فإن الحلبة السياسية في المجمل، بما فيها الحكومة، تجهل طبيعة التطورات في الأسابيع والأشهر القريبة، وهذا يخلق حالة من الإرباك في العمل السياسي في إسرائيل، يمنع أي تقدم في أي اتجاه جدي على المستوى الاستراتيجي، لتصبح حكومة أولمرت، عمليا، حكومة تسيير أعمال، دون الإعلان رسميا عن هذا. وبالتالي فإن هذه الحكومة لن تكون قادرة على دفع العملية التفاوضية في أي من المسارين، السوري والفلسطيني، هذا إذا وجدت أصلا رغبة بذلك لدى أقطاب الحكومة الحالية، خاصة وأن ما يجري على الأرض من مشاريع استيطانية وفرض حدود من جانب واحد، إن كان في الضفة الغربية ككل والقدس وهضبة الجولان، لا يدل على نوايا حقيقية لدفع الصراع نحو الانفراج. وعلى ضوء الحالة السياسية الداخلية في إسرائيل، هناك قناعة سائدة بأن الانتخابات البرلمانية القادمة، التي موعدها القانوني خريف العام 2010 ستجري قبل تاريخها بكثير، ولكن من الصعب رؤيتها أن تجري قبل نهاية العام الجاري، فإما ان تجري في نهاية شتاء العام القادم 2009، أو بعد ذلك ببضعة أشهر. وهذا يعود لعدة أسباب، وأبرزها أن الشرطة اعلنت مسبقا ان ملف أولمرت الأخير شائك، ويحتاج لعدة اشهر إلى حين التوصل إلى استنتاج بشأن تقديم لائحة اتهام أو لا، كذلك فإن إسرائيل ستشهد في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) القادم انتخابات للمجالس البلدية والقروية، وتتفق جميع الأحزاب على رفض إجراء انتخابات برلمانية في آن واحد مع تلك الانتخابات، بل تحبذ أن تكون انتخابات هذه المجالس بمثابة "بروفة" لاختبار قوتها الميدانية وجاهزية كوادرها الحزبية، تمهيدا للانتخابات البرلمانية القادمة. وعلى الرغم من ذلك، فإن هذا لا يصد الباب في وجه سيناريوهات قد تقلب الأوراق رأسا على عقب في اتجاهين، الأول ان تعلن الشرطة أن لا أساس للشبهات، وهنا يظهر أولمرت "ضحية مؤامرة"، تعطيه دعما جديدا يمنع سقوطه السياسي وسقوط حكومته، أو أن تتوصل الشرطة إلى استنتاج بضرورة تقديم لائحة اتهام، في موعد أسرع مما تعلنه، أي في غضون أسابيع قليلة جدا، مما يضطر أولمرت لتقديم استقالته، وفي حالة كهذه سيكون إما تشكيل حكومة بديلة، برئاسة شخصية من الحزب الحاكم، أو التوجه إلى انتخابات برلمانية في غضون ثلاثة أشهر من يوم استقالته.
#برهوم_جرايسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حكومة أولمرت -بسبع أرواح-!
-
مصير أولمرت ومصير المفاوضات
-
باراك وسياسة الأرض المحروقة
-
أولمرت وسورية
-
الجائع يناضل من أجل الخبز فقط
-
بيرس من النووي إلى النانوية
-
القدس ويافا وأخواتهما
-
الإرهاب وإسرائيل
-
معضلة باراك و-العمل- المزدوجة
-
أولمرت واستيطان القدس
-
أولمرت وباراك والحرب على غزة
-
قاموس إسرائيلي عنصري
-
تراجع اعداد اليهود في العالم وازديادهم في اسرائيل
-
هلع إسرائيلي دون مبالغة
-
إسرائيل والاعتراف الضمني باغتيال مغنية
-
-أنين إسرائيل- وأنين فلسطين
-
فلسطينيو 48 والأمم المتحدة
-
عقبات جديدة أمام أولمرت
-
5 ملاحظات بعد فينوغراد
-
-علام الضجة فهم مجرد 13 قتيلا؟-
المزيد.....
-
السعودية تعدم مواطنا ويمنيين بسبب جرائم إرهابية
-
الكرملين: استخدام ستورم شادو تصعيد خطر
-
معلمة تعنف طفلة وتثير جدلا في مصر
-
طرائف وأسئلة محرجة وغناء في تعداد العراق السكاني
-
أوكرانيا تستخدم صواريخ غربية لضرب عمق روسيا، كيف سيغير ذلك ا
...
-
في مذكرات ميركل ـ ترامب -مفتون- بالقادة السلطويين
-
طائرة روسية خاصة تجلي مواطني روسيا وبيلاروس من بيروت إلى موس
...
-
السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في ا
...
-
قصف على تدمر.. إسرائيل توسع بنك أهدافها
-
لتنشيط قطاع السياحة.. الجزائر تقيم النسخة السادسة من المهرجا
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|