أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - جدول الحضور والغياب في الميدان السوري العام















المزيد.....

جدول الحضور والغياب في الميدان السوري العام


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 712 - 2004 / 1 / 13 - 04:47
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


باتت مفردات الحضور اللافت للمثقفين السوريين في الشأن العام في بلدهم معروفة لا تحتاج  إلى  استعادة. يكاد الربيع السوري، وهو الاسم الذي أطلق على مجمل ظواهر الحراك الاجتماعي والثقافي التي شهدتها  سوريا  منذ بداية حملة مكافحة الفساد  في الشهور الأخيرة من حكم  الرئيس حافظ  الأسد حتى شباط  الماضي، يكاد  يكون من صنع المثقفين. ستحاول هذه المقالة  تقديم  بعض العناصر التفسيرية  لهذا  الدور الذي يبدو أنه يعاني الآن من أزمة. السؤال الذي نطرحه في هذا السياق (وهو استفهامي وليس استنكارياً بالطبع) هو: ما السبب في تصدر المثقفين السوريين  واجهة  النشاط  المستقل في بلدهم؟ وسنتبين  في سياق  محاول الإجابة أن السؤال عن هذا  الحضور  هو الوجه الآخر للتساؤل عن الغياب: غياب المجتمع والطبقات  والأحزاب السياسية،  غياب السياسة والحوار العلني  والمنابر المستقلة  داخل البلد.
الجامعة، الأحزاب، الطبقات
أول ما يلفت نظرنا  في سياق  محاولة  الإجابة على هذا  السؤال هو غياب طلبة  الجامعة غياباً تاماً عن  الميدان العام بخلاف ما كان  عليه الحال حتى  1980، عام آخر نشاط علني عام شهده المجتمع السوري. ولعله  لا يصعب تفسير ذلك إن  انتبهنا  إلي أن طلبة  الجامعة  في سوريا اليوم هم من مواليد أواسط  السبعينات حتى أوائل الثمانينات، أي من جيل طلائع البعث (كل تلاميذ  المدارس  الابتدائية) وشبيبة الثورة (كل طلاب  المدارس  الإعدادية  والثانوية) واتحاد طلبة سوريا (معظم  طلبة الجامعات السورية الأربعة). هذا الجيل  عرف  سوريا  منكمشة  وخائفة، مجردة بعمق من السياسة  والاهتمام العام والاختلاف. إنه جيل بلا ذاكرة  تقريباً، ابتدأ التاريخ بالنسبة له عام 1970. وهو  أيضاً جيل غير مسيّس، وخاصة غير مؤدلج وغير متعصب، رغم  التسييس  والأدلجة والتعبئة الحكومية المكثفة. ولعلنا هنا إزاء مفارقة مثيرة للتأمل. فنجوع التسييس والأدلجة  يرتبط بوجود  آخر سياسي وإيديولوجي مباين، بل يقتضي وجوده. لكن  الإغراء الطبيعي للتعبئة السياسية والإيديولوجية هو تحويل  المباين إلى عدوٍ تمهيداً للقضاء عليه. ومع إلغاء الآخر في أوائل الثمانينات أصبح  التسييس والأدلجة  الحكوميين من غير موضوع. وبما  أن كل الناس صاروا  بعثيين وموالين للرئيس فقد خسرت التعبئة الحكومية معناها ومبررها رغم حفاظها على مبناها التعصبي الحربوي. والآلة التعبوية  التي  شحنت  إلى أقصى طاقتها لم  يعد  أمامها  إلا الانفراغ لأن كثرة الشد ترخي كما يقول المثل الشعبي. وإذا  استمر شحنها مع ذلك  فلأنها  تحولت إلى القيام بوظيفة أخرى: إضفاء القداسة –وبالتالي الرهبة والخوف- على  علاقات سلطة مجزية. لكن، المقدّس  يحتاج  إلى حرب، والحرب تحتاج  إلى عدو أو خصم أو آخر، والآخر يفترض  وجود  السياسة ، والسياسة  تشترط الحد من الحرب. وهذه هي المفارقة التي يشعر  بها الجميع  حتى لو لم  يدركوها تماماً.
والحصيلة أن التعبئة الحكومية  تحوّلت إلى طقس نُسيت  أسطورته ومعناه، وخلفت  وراءَها شعوراً  بالفتور والاغتراب والفراغ. ويتدخّل هنا عامل معاوض يتمثل في أن  الأسرة السورية صمدت، رغم  ضيق ذات يدها واستعادت خلال الأعوام العشرين  الأخيرة  ليس كامل دورها  التربوي  فحسب، بل ودوراً  تعليمياً كبيراً عوّض  بعض  الشيء عن تدهور المدرسة وفسادها هذا فضلاً عن  ضمان الذاكرة والحفاظ على أساطير وطنية ودينية حية. (ومعظم  هذا العبء ملقى  على كاهل المرأة بالطبع).
هذا  السبب العمري الذي  يفسر غياب طلبة  الجامعة  يفسر أيضاً ظاهرة مثيرة أخرى. فحتى أواخر السبعينات كنت  تجد مثقفين سوريين معروفين في النصف الثاني من عشرينيات  عمرهم أو في أوائل ثلاثينياتهم. أما اليوم فلا يستطيع أحد خارج سوريا، بل ولا حتى في داخلها، أن يشير إلى مثقف واحد معروف لم يتجاوز عقده الرابع. هذا لا يشير إلى أن  سن الإبداع الثقافي قد ارتفع في  سوريا خمسة عشر عاماً فحسب، بل يعني بكل بساطة خسارة خمسة عشر عاماً من عمر البلد ثقافياً أي في الواقع خسارة جيل كامل.
حتى أواخر السبعينات أيضاً كان جيل العشرينيين من العمر هو مادة العمل السياسي والكتلة الأكبر من أعضاء الأحزاب وكوادرها الفاعلة، الرسمية منها والمعارضة. أما اليوم  فمعظم عدد أعضاء التنظيمات المعارضة القليل في أواخر عقده الرابع على الأقل، أي هم شبان فترة مابين أواخر السبعينات وأواسط الثمانينات. يعني هذا الواقع  أننا نشهد اكتهالاً لافتاً للسياسة السورية، الرسمية والمعارضة؛ وهذه ظاهرة تقع في تعارض حاد مع حقيقة كون ثلثي المجتمع السوري من الشباب. يكاد  يكون  رئيس الجمهورية أصغر السياسيين السوريين سناً .
الاكتهال المذكور هو أحد أسباب ضعف الأحزاب السياسية المعارضة في سوريا على الأقل. السبب الثاني هو ما تعرضت له تلك الأحزاب من قمع عنيف ومديد وصل إلى حد  تدميرها بالكامل.
ولا زالت آثار هذا العقاب العنيف، الذي خلق شرخاً في وجدان المجتمع وذاكرته، ماثلة في آلاف المعتقلين  السياسيين المفرج عنهم بدءً من عام 1991، لكن المتروكين لأسرهم وحدها تحمل أعباء عودتهم وما أصيبوا من خراب مادي ومعنوي، مثلما تحملت  مكرهة وصابرة أعباء  وآلام غيبتهم المديدة؛ هذا فضلاً عن بضع مئات من الباقين  في السجون. والقضية هنا ليست  قضية إنسانية ولا سياسية بالمعنى  الضيق للكلمة. إنها قضية اجتماعية ووطنية فعلاً. فتكوّن الأحزاب وقدرتها على الاستقطاب وجلب الأنصار هو جهد اجتماعي وحصيلة عمل وكفاح فعليين، وتدميرها بالتالي هو هدر لطاقة وإمكانيات وتجارب  تعب المجتمع لإنتاجها ولم تأته من السماء. هذا لا يتعارض مع شرعية اعتبار بعض هذه الأحزاب أو التيارات  ضارة أو خاطئة أو خطرة، لكن  شرعية هذا  الاعتبار تتعلق  باعتبار الشرعية وحده، أي بسيادة القانون وعموميته واستقلاله. القصد على كل حال هو ضرورة النظر  إلى المسألة في إطار بناء المجتمع لقواه السياسية وقيادته، وحاجته الحيوية إلى إنتاج التغيير وإبداع الحلول لمشاكله  تحت طائلة التعفن والتحلل .
لكن  تدهور الأحزاب المعارضة يعود أيضاً إلى أزمة  إيديولوجياتها وهياكلها التنظيمية. لا ننسى أن الأفتى  منها تجاوز الخمسين عمراً، أي  أن  سوريا بلدٌ يستهلك معانٍ وأنظمة لم  ينتجها أي من أجياله الحاضرة. كان يمكن للاكتهال العمري أن يكون  نسبياً وعابراً لولا أن  اكتهالاً معنوياً يضاف إليه ويثبته. هذا  جزر آخر عميق للاغتراب العام.
أما السبب الرابع والأهم فهو تراجع  اجتماعية المجتمع السوري تحت ظل الخوف والأزمة الاقتصادية والمعنوية، أي في الواقع زوال  الشعب كفاعل سياسي متدخل ومنتج  للأحزاب والبرامج  والأفكار والإيديولوجيات العملية والأكثريات والأقليات العصرية. لا يمكن أن توجد أحزاب سياسية دون شعب، ولا توجد تنظيمات وطنية حين يتراجع الطابع الوطني للمجتمع لمصلحة التكوينات الأولية والهويات  الفئوية الضيقة. لا توجد الأحزاب السياسية حين  تطرد السياسة من المجتمع كأنها روح شريرة. ولا توجد  الأحزاب كمنظمات اجتماعية حين  يفقد المجتمع تماسكه وانتظامه، أي اجتماعيته. لا توجد الأحزاب أيضاً حين لا توجد الطبقات كتكوينات اجتماعية عامة ذات  مشروع وأفق سياسيين. وينبغي أن يفهم أن زوال الطبقات الاجتماعية لم يتولد عن زوال التفاوتات بين الناس بل عن  تجريد هذه التفاوتات  من أية قيمة سياسية وثقافية، أي –مرة أخرى- عن دمار الاجتماعية العامة التي هي  قاعدة تأهيل السياسة  وإنتاج  الأحزاب ودعامة "الاستقرار والاستمرار" الاجتماعيين .
حضور المثقفين
لعلنا صرنا ندرك  إذن أن  صدارة المثقفين السوريين تعود إلى غياب الأحزاب والسياسة،  الذي يعود بدوره إلى غياب الطبقات وتدهور الاجتماع والوطنية السوريين، أي البنية التحتية لنشوء  وتمايز الأحزاب والدولة والصعيد  العام. نعم، لقد  احتل المثقفون، في "بيان الألف" خاصة، موقع الأحزاب ولعبوا دورها، لكنهم في الحقيقة احتلوا موقعاً شاغراً ولعبوا دوراً تلكأ ممثلوه عن الحضور. ثم أن استيلاء الدولة  على جميع جوانب الحياة الاجتماعية واحتلالها الحصري للميدان العام يجعل من كل نشاط عام نشاطاً سياسياً بالضرورة، ومن كل جهد يبذل للتفريج عن المجتمع اعتداء على الدولة وتحدياً لسلطانها. وبما أن الدولة هي الأكثر تمرساً بتسييس الثقافة فهي  تظهر حساسية خاصة تجاه  ما يبدو لها منازعة لها على أرضها ومجدها. إن خير وسيلة للحد من تسييس الثقافة هي تثقيف السياسة: انفتاحها على  قيم الخير والعدالة والإنسانية. كما أن اعتدال السلطة هو أقوى ضمانة للحد من التطرف داخل المجتمع .
هل، إذن، يعكس بروز المثقفين الضعف السياسي لمجتمعهم؟ نعم بالتأكيد. لكن هذا الضعف لا يلبث أن يرتد على كيفية بروز دور المثقفين: فضعف القاعدة  وهشاشة الاستناد انعكس في توتر التعبير المثقف وافتقاده إلى الصفاء والهدوء. إن شجاعتنا هي شجاعة القلق المعزول لا شجاعة  الواثق الآمن. ولا ننسى أن الشروط ذاتها التي تحكم مصير الجامعة والطبقات والأحزاب، تحكم أيضاً تركيبة المثقفين. وإذا كنا لا نستطيع الحديث عن طبقات اجتماعية، فلن نستطيع الحديث عن طبقة مثقفة تسيطر على وسائل إنتاج الثقافة وتداولها وتتحكم بالسوق المحلية الرمزية. ومن المؤسف أن الثقافة في بلادنا لا تزال مشروعاً مفلساً مادياً، وغير مجدٍ- إن  لم نقل إنه- خطر معنوياً.
نستذكر، في الختام، أن  الدور البارز للمثقفين هو إحدى السمات المميزة  للدول السشمولية، الدول التي تلغي الطبقات والأحزاب والجامعات المستقلة، أي – قبل أن ننسى- "المجتمع المدني…
دمشق 11 تموز 2001

    



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أفق مراجعة الإشكالية القومية
- دولة في العالم أم دولة العالم
- تراجع السياسة … وعودتها
- السقوط الحر للجماهيرية العظمى
- العلمانية المحاربة - مناقشة لخطاب الرئيس شيراك حول الحجاب
- المطابقة المستحيلة ياسين الحافظ ورهان الوعي
- مـن يــربــح مــاذا فـي ســوريــا ومـن يـخـســر؟
- إعادة التفكير في وحدة سورية ومصر عام 1958
- وقع الطاغية، أين الضحايا؟
- من يصلح المصلحين؟
- خطط العالمية المحاربة صناعة الحرب وإنتاج الأعداء
- سورية والعراق والمستقبل
- طريق إلى تدمر
- ما هو غير جيد لأمريكا جيد للعالم
- استراتيجية ضعف عربية!!
- نهاية الوطنية العسكرية
- هل الإرهاب هو نمط الصراع الدولي المناسب لصراع الحضارات؟
- ربـيـع حـقـيـقـي فـي سـوريـا أم سـنـونـوة تـائـهـة؟
- عـقـد مـع ســوريــا
- القوة الامبراطورية والضعف العربي أية استراتيجية ممكنة؟


المزيد.....




- -لن تفلتوا منا أنتم ميتون-.. عائلة تتعرض لهجوم -مرعب- من قبل ...
- هذه الجزيرة البكر تسمح بدخول 400 سائح فقط في الزيارة الواحدة ...
- اقتلعته الرياح من مكانه.. سيدة تتفاجأ بقذف عاصفة عاتية لسقف ...
- تحديات تطبيع العلاقات المحتمل بين تركيا وسوريا.. محللان يعلق ...
- رئيس الأركان الروسي يتفقد مقر قيادة إحدى مجموعات القوات في م ...
- روسيا.. تعدد الأقطاب أساس أمن العالم
- أنا ميشرفنيش إني أقدمك-.. بلوغر مصرية تهين طالبة في حفل تخرج ...
- -نسخة طبق الأصل عن ترامب-.. من هو دي فانس الذي اختاره المرشح ...
- مقتل 57 أفغانيا وإصابة المئات جلّهم من الفيضانات والأمطار ال ...
- الحكومة المصرية تنفي شائعة أثارت جدلا كبيرا بالبلاد


المزيد.....

- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - جدول الحضور والغياب في الميدان السوري العام