|
وأخيرا ….. القضية العراقية ترسو على " مقاول ثانوي
سيف صادق
الحوار المتمدن-العدد: 134 - 2002 / 5 / 18 - 23:30
المحور:
اخر الاخبار, المقالات والبيانات
منذ وصول الجمهوريين الى الحكم في الولايات المتحدة وطرحهم لموقفهم من النظام العراقي، وترويج مراكز صناعة القرار وكتاب الأعمدة الرئيسية في الصحافة هناك بانتقال السياسة الأمريكية تجاه العراق من " الاحتواء " الى "استراتيجية إسقاط النظام " والنقاش مندلع في أوساط المعارضة العراقية بين مصدق حتى الثمالة بالرواية الأمريكية الجديدة وبين مصاب بالدهشة وبين مكذب للرواية من ألفها الى يائها.
كما انه ومنذ " خطاب حال الاتحاد " الذي ألقاه بوش بداية هذا العام وفيه تم حسم الصراع بين " الحمائم " و " الصقور " حتى تصاعدت حمى النقاش كانتشار النار في الهشيم. فلم تترك نقاشا أو ندوة سياسية أو مجلس حزبي أو جريدة إلا ولوحظ أن هناك أصواتا، من هذه الجبهة أو تلك، تروج لمفهومها ومواقفها من المشاريع المطروحة لحل الأزمة البنيوية التي تواجه نظام الطغمة في بلادنا ومستقبله .
ولأن النقاشات هذه تندلع في مواقع عدة، وتنطلق من مقاربات متنوعة ومتقاطعة، وتمثل مصالح قوى وجماعات متباينة سياسيا واجتماعيا، وتحرك مواقف العديد منها بالونات سياسية تطلق هنا وهناك، فإنه لا يبدو أن هنالك إمكانية حقيقة لإطلاق حوار جدي حول مشكلات ومعضلات حقيقية تواجه حاضر بلادنا ومستقبلها المفتوح على احتمالات عدة.
وحين يلتقي المرء ناسا ينتمون الى مواقع سياسية مختلفة، فإنه وبرغم هذا الاختلاف يتلمس ذات الأسئلة التي تتطاير في كافة الاتجاهات، والتي تعبر في جوهرها عن ذات القلق العميق الذي يعيشه أبسط مواطن والسياسي في ذات الوقت. حيث فرض تطور الأحداث وتنوع السيناريوهات المطروحة صياغة كافة الأسئلة بلغة متشابهة ألا وهي ضرورة " ضرورة رحيل النظام الديكتاتوري "، ولكن هذه اللغة وإن كانت من حيث الشكل واحدة، إلا أنها تُخفي، في واقع الأمر، نوايا ودوافع سياسية مختلفة، انطلاقا من مضمون التغيير ذاته، وتوقيته، وقواه المحركة، واليات تحقيقه.
ورغم شعور جميع قوى المعارضة واتفاقها على شيء واحد ووحيد هو أن هذا النظام الإرهابي القمعي هو مصدر معاناة الكل، وإنه استنفذ دوره ويجب أن يرحل، إلا أن ضخامة ووضوح هذه القضية لا يشفع حين يطرح الجميع السؤال : ولكن كيف ؟
عندها تندلع الخلافات، وبدلا من إعمال العقل بالتفكير في القواسم المشتركة لإنضاج بديل واقعي وحقيقي، ونابع من الإرادة الوطنية والمصالح الأساسية لجماهير شعبنا، تشرأب الأعناق نحو خيار الرهان على ما تطرحه الإدارة الأمريكية ودهاقنة سياستها وصائغي السيناريوهات العجيبة لتحقيق " النصر " عبر شن حرب مدمرة لا توفر أحدا بحجة إسقاط النظام الديكتاتوري الذي يضحك رئيسه ملء شدقيه على سادته الذين أنتجوه وهو يردد في داخله المثل الشعبي " حرام الهوش يعرف حرامي الدواب " .
لن نكلف القارئ الكريم بتاريخ تلك المشاهد السياسية المحبوكة بـ " دقة بالغة "، ولن نشغله بالكثير من المقالات والدراسات التي دبجت من اكثر من طرف وكاتب وسياسي معارض، فهي معروفة على أي حال. ولكن الذي يهمنا ما لاحظناه خلال الأسابيع الأخيرة من ظاهرة تستحق التوقف، وتطرح العديد من الأسئلة الملتبسة. وتتمثل هذه الظاهرة بإنشداد اغلب قوى المعارضة الى اجتماع واشنطن الذي خطط له معهد الشرق الأوسط هناك، والذي روج له وفي جولات مكوكية دافيد ماك، والذي أعلن في اكثر من مكان انه ليس سوى مقاول ثانوي أو بلغتنا الشعبية مجرد " قنطرجي " ينفذ مشروعا تعهد به " المقاول الكبير ". ولعل المتابع للشأن السياسي، ناهيك عن المواطن العادي، سيكشف جوهر هذه " المبادرات والمشاريع " حين يلاحظ أن اجتماع واشنطن وما أن بدأ حتى اشتعلت النيران تحته ممثلة بحزمة الخلافات التي انطلقت قبل أن يجف حبر الاتفاق على عقده، والتي وصلت الى حد منع السيد احمد الجلبي، أحد أهم عرابي المشروع " المشاريع " الأمريكي لحل القضية العراقية، من دخول قاعة الاجتماع المذكور. وتعكس هذه الخبطة طبيعة الصراعات الدائرة بين مؤسسات صناعة القرار في الولايات المتحدة، ولجوئها لحل صراعاتها وتناقضات مواقفها الى حرق أطراف ثالثة. لقد أدى منع الجلبي الى تداعيات عديدة تمثلت بعملية عرقلة وتخريب للمؤتمر المذكور، من طرف جهات في الكونغرس الأمريكي المتعاطفة مع المتضررين من عقد الاجتماع، خاصة موعم الذي يقدم نفسه باعتباره الخيمة الجامعة لقوى المعارضة العراقية. كانت نتيجة هذه المعركة بسيطة للغاية وذات دلالة : تم سحب تمويل الخمسة ملايين دولار المخصصة لمؤتمر الخبراء. وبتجميد مبلغ التمويل تم وضع المؤتمر المذكور في ثلاجة الانتظار لحين ينجز " مهندسو الديكور " آخر التعديلات، والاكتفاء بالحديث عن أن الخارجية الأمريكية ستقوم باستدعاء بعض مجاميع الخبراء للتشاور معهم حول مستقبل العراق.
ويبدو أن هذا الفيلم لم ينتهي نهاية هوليودية بل اتخذ نهاية على الطريقة الهندية : الخارجية الأمريكية أوقفت تمويل تلفزيون الحرية، التابع لموعم، بحجة وجود فساد مالي في إدارته ! وكأنهم اكتشفوا هذا الفساد اليوم فقط.
من كل هذا الاستعراض نستخلص نتيجة واحدة ووحيدة لعلها تبصر المراهنين على خيار الحرب ومهندسيه وهي أن هذا المسلسل المهين للمعارضة يأتي في سياق قناعات الإدارة الأمريكية ورغبها، التي تؤكدها في كل مرة وفي كل حقل، بتهميش العمل العراقي المعارض عموما. وبعيدا عن مطاردة أشباح، نقول أن القوى الرئيسية والفاعلة في المعارضة تتحمل المسؤولية الكبيرة في المآل الذي وصل إليه هذا الوضع. إن متابعة السلوك الأمريكي تجاه المعارضة العراقية يبين لنا حقيقة واحدة تفقأ العين وهي أن الأمريكان يتعاملون مع المعارضة العراقية وفقا لمعايير لا ترتقي حتى لتلك المستعملة مع المعارضة الأفغانية التي لا تمثل طبعا معارضة بالمعنى السياسي، بل هي في معظمها تعبيرا عن ائتلاف " تجار حروب " ينفذون مهام بالقطعة ! ورغم كل هذا، وعندما عقد اجتماع بون للمعارضة الأفغانية، عقد بدعوة ورعاية الأمم المتحدة، أما فيما يتعلق بالمعارضة العراقية فيتم التحرك لإعداده وهندسته برعاية أمريكية وواضحة ومكشوفة وبطريقة مهينة للأسف.
نقول هذا الكلام ليس بشكل عابر وإنما له " رباط " كما يقول المثل الشعبي المعروف. والحديث هذا له اكثر من رباط. والسؤال كيف ؟ والجواب يمكن الإمساك به من خلال القصة التالية.
قبل عدة أيام تسني لكاتب هذه السطور أن يكون شاهدا ومستمعا لنقاش ساخن دار بين مجموعة من سياسيين ينتمون الى " الرعيل القديم " ممن " اكتووا بنار السياسة "، وعرفوا دهاليزها وخباياها ومناوراتها، علما بأنهم كانوا ( وبعضهم لا يزال ) نشطاء في العديد من الأحزاب. وجوهر الكلام دار حول تقيماتهم للمؤتمر العتيد أعلاه، وجدوى المشاركة فيه وبفعالية ! منطلقين من سؤال بسيط ( وهو بيت القصيد) : هل سيحضر الحزب الشيوعي العراقي أم لا ؟ وما هو الربح أو الخسارة من مثل هذه المشاركة ؟
بعض الاخوة المتحدثين بسّطوا النقاش بشكل مخل، وقدموا مقاربات عديدة مدعّمة وبأدلة وشواهد تنطلق من الفرضيات التالية ولا تتزحزح عنها قيد أنملة :
- الأمريكان جادون هذه المرة، وقد اتخذوا قرارا بإسقاط صدام، وانهم ابلغوا كافة القوى التي التقوها انهم جادون هذه المرة، وأكدوا على زوارهم أن لا يسألوا السؤالين التقليدين : متى وكيف سينفذون مهمتهم بالإطاحة بصدام حسين ونظامه ؟
- ويعني ذلك أن الجميع غير معنيين بالتغير، وهم مطلوبون لما بعد التغيير. ولأن المؤتمر العتيد مكرس لمناقشة تفاصيل عراق ما بعد صدام، والذي تجري هندسته بأيدي أمريكية صرفة، فإنه يتوجب على جميع قوى المعارضة أن تشارك وتستفيد من المشاركة بهدف ضمان حصة من الكعكة الكبيرة !
- ولم يكتف أكثر من صديق من استخدام كل الوسائل للإقناع بالأطروحة التالية : بما أن القوى الديمقراطية وفي مقدمتها الحزب الشيوعي العراقي هي اكثر الخاسرين من وجود واستمرار النظام الديكتاتوري الحالي، وان الأمريكان هم الذين سيسقطونه، فإنه من باب أولى أن تشارك هذه القوى وتحضر المؤتمر المشار إليه أعلاه لكي تخرج بأكثر الأرباح، وبعكسه ستخرج بأيد فارغة أو كما يقول المثل الشائع " تخرج من المولد بلا حمص " !
- ولم يكتف العديد من الاخوة بهذا الحد من المحاججة، بل قدموا لوحة ورسموا مشهدا للأحداث يقوم على أن رحيل النظام العراقي تحت الضربات الأمريكية سيفضي الى نتيجة واحدة هي نشوء فراغ سياسي في مناطق الوسط والجنوب ( ولم يتحدثوا عن كردستان وكأن الأمر مرتب بطريقة أخرى !) يجب أن تملأه القوى الديمقراطية، وبعكسه ستبادر قوى الإسلام السياسي لملئه !
والخلاصة من كل هذه المحاججة بسيطة :
· يوجد أمام شعبنا، بحسب تحليلات هؤلاء الأصدقاء وغيرهم طبعا، طريقان أو بديلان : أما بقاء النظام الديكتاتوري جاثما على صدور شعبنا، أو القبول بالخيار الأمريكي فهو الخيار الوحيد القادر على اسقط الديكتاتورية !
· ولأن جميع قوى المعارضة ترفض خيار الديكتاتورية، ونظرا لأن الولايات المتحدة هي الوحيدة القادرة على الإطاحة بنظام صدام حسين، فالخلاصة إذن بسيطة : يجب القبول بالبديل الأمريكي.
وهكذا عاد النقاش مجددا الى المربع الأول لتفنيد فكرة الثنائية القاتلة هذه، التي تنفي وجود خيار ثالث لا يراهن على أي من الخيارين بل هو في الواقع يمثل نفي النفي بالنسبة لهما.
دفعتني هذه المناقشات الى العودة مجددا لتقرير الاجتماع الكامل للجنة المركزية للحزب الشيوعي المنعقد بتاريخ 18/12/2001 والذي تمت فيه صياغة " الموقف الوطني المسؤول " بركائزه الأربعة المعروفة، وكذلك الاطلاع على المتابعة السياسية الصادرة عن اجتماع اللجنة المركزية المنعقد في 16/4/2001، التي شكلت أي " المتابعة " إغناء وتطويرا وتدقيقا وتكيفا لبعض التصورات والاطروحات المصاغة في الاجتماع الأول والآخذ بنظر الاعتبار ما هو جديد يفيد الحزب في تطبيق إستراتيجيته وإغناء تكتيكاته الملموسة. لقد أتاحت لي قراءة الوثيقتين صياغة الاستنتاجات التالية التي أمل أن تساهم في توضيح بعض الأمور الملتبسة على الأصدقاء الذين عرضت آرائهم بتكثيف ولكن بأمانة :
أولا : بغض النظر عن الدعوات التي تطلقها الولايات المتحدة، والمناورات التي تقوم بها، بشأن القضية العراقية، ورغبتها " الجادة " في " التغيير "، فإن الحزب باعتقادي، واستنادا الى تحليله لجملة من المعطيات والمؤشرات، يختلف مع العديد من قوى المعارضة حول مضمون " التغيير " بطبعته الأمريكية، ويعتقد – استنادا الى ذلك التحليل- أن الأمريكان لا يريدون تغييرا حقيقي، بل فوقيا، ويريدون بديلا من داخل المؤسسة الحاكمة، أي انهم يريدون تغيرا في النظام وليس النظام ذاته. ولهذه الأسباب يلاحظ، وبالملوس، انهم يعملون جاهدين على الحيلولة دون قيام وحدة المعارضة العراقية، ويجهدون لتكوين تجمعات من المعارضة تتلاءم مع " مشروعهم"، ويروجون لسيناريوهات متنوعة ومتناقضة، ويريدون فرض شروطهم على هذه المعارضة، التي يتهافت، وبكل أتسف، قطاع منها على إيجاد موقع قدم له في أي سيناريو تطرحه الولايات المتحدة. بل والأسوأ من ذلك كله، هناك من يراهن حتى على بالونات الاختبار التي يطلقها موظفون من الدرجة الثالثة في الإدارة الأمريكية، أو بعض المعلقين الذين هم على دراية بكل شيء باستثناء تعقيدات القضية العراقية وتشابكاتها الإقليمية والدولية، ومن دون أن يكلف نفسه حتى عناء السؤال عن جديتها وجدية مروجيها.
ثانيا : أما بصدد المعارضة العراقية، فإنها الى جانب جملة المشاكل التي تواجها، والصعوبات الذاتية والموضوعية التي تعترض عملها، والجهود الدؤوبة التي يبذلها الحزب لتذليل ذلك في محاولة للتوصل الى قواسم مشتركة تخلق الأرضية لتبلور قوى التيار المناهض للحرب والديكتاتوري في الوقت نفسه، فإن استمرار هذا التشتت والتبعثر هو الذي يضع الشعب العراقي أمام خيارين، بقاء النظام أو الرهان على الضربة الأمريكية. ولم تنجح محاولات عدة بهدف توحيد قوى المعارضة، ومن بينها القوى الستة، وعدم تمكنها من الاتفاق على مشروع مشترك. ويمكن القول عموما أن القوى الأساسية ما تزال في موقف انتظاري من التطورات السياسية، وهذا هو مقتلها.
ثالثا : وبصدد خيار الحرب والبديل الوطني الديمقراطي فقد تم التأكيد في الاجتماعيين المذكورين على الخيار الوطني الديمقراطي، وتثبيت الحزب لموقفه من الحرب والتطورات المرتبطة بذلك انطلاقا من “ الموقف الوطني المسؤول “ الذي تم تثبيته في اجتماع 18/12. ومقابل ذلك يمكن ملاحظة بعض العناصر الجديدة في موقف الحزب والمثبتة في اجتماع 16/4/2002 ، في هذا المجال وهي :
- تم توضيح افضل، على ما اعتقد، لموقف الحزب بالتأكيد على أن " رفضنا للحرب كخيار ستراتيجي، ورفضنا للنظام الديكتاتوري في الوقت نفسه، لا يعني وقوفنا مكتوفي الأيدي، متفرجين على الأحداث وتطوراتها، بل سندعو لمشروعنا الوطني – الديمقراطي كخيار أمثل لحل الأزمة العميقة والشاملة التي تلف بلادنا وشعبنا، وسنكون حيث جماهير شعبنا والى جانب مطالبها وتحركاتها ( الخط مني : س.ص) ". أي أن الحزب ليس في وارد أي نزعة انتظارية، كما يروج البعض.
- ميّز الحزب موقفه الرافض لخيار الحرب، الذي لا يعني إطلاقا أي تردد في مواصلة النضال ضد النظام الديكتاتوري، وهو ما أكد عليه في " المتابعة السياسية " الصادرة عن اجتماع 16/4/2002، من إشارة الى انه " وفي الوقت الذي نرفض هذا الخيار فإن شعبنا لن يترحم على النظام الدكتاتوري في حال سقوطه، لأنه هو المسؤول الأول عن المصائب التي حلت بشعبنا طيلة اكثر من ثلاثة عقود ".
- تأكيد الحزب على التعامل بمرونة وانفتاح، وبشعور عال من المسؤولية، مع كل الجهود المبذولة لتوحيد قوى المعارضة وخاصة الأساسية منها. وهنا لابد من التنبيه الى ضرورة الحذر من البالونات السياسية التي تطرح بين حين وأخر، والتي ليس لها أي رصيد في الواقع، بل تستهدف التشويش على أي محاولات جادة لتوحيد العمل المعارض.
- ومن من المفيد الإشارة الى أن تأكيد الحزب على ثوابته التي صاغها في اجتماع 18/12/2001 من جهة، ورهانه على وجود إمكانية وطريق ثالث يمثل نفيا لخياري الدكتاتورية والحرب ، لا يعني أن ذلك سيجلب العزلة للحزب ولن يكون له مكان في " الطبخة المعدة " كما يجري الحديث عن ذلك في كواليس ومطابخ العديد من القوى المعارضة. فالحزب، كما يستنتج من أدبياته ومواقفه العديدة، سيكافح أية محاولة لعزله من خلال مسعاه الدائب لكي يكون في قلب الأحداث من جهة، كما انه يتعامل مع هذه " العزلة " ويفهمها بمعنى واحد ووحيد هو مدى قربه أو ابتعاده عن جماهير شعبنا وتطلعاتها الأساسية من اجل إزاحة النظام الدكتاتوري، ورفع الحصار، ومن اجل تحقيق الديمقراطية والحرية والسلم والفيدرالية، وهذا هو المعيار الذي يحتكم إليه دوما ولن يحيد عنه. فعندما يكون الحزب في معمعان النضال وليس قابعا في غرف مكيفة ودافئة، وفي وسط الجماهير، وفي قلب الأحداث، منظما ومحرضا ومدافعا عن حقوق الشعب وكادحيه، لن تستطع أية قوة تهميشه وعزله وإقصائه عن المشهد السياسي، والعكس صحيح أيضا. فالحزب ليس طارئا على النضال الوطني، بل يتكأ على ما يقارب السبعة عقود من تاريخ نضالي مشرف بكل انتصاراته، وأعراسه، ومشاكله، وصعوباته، وحتى إخفاقاته. ومن المؤكد انه سيوظف تجاربه وخبراته في خدمة النضال الهادف لنفي خياري الديكتاتورية والحرب.
وفي لجة الأحداث وتطوراتها، وفي مراحل اليأس والإحباط وانسداد الأفق السياسي، تواجه المعارضة العراقية اليوم طائفة من الأسئلة المصيرية، والتي ينبغي أن يجري النقاش حولها في إطار سياقها الفعلي ومحدداتها الرئيسية، وليس باللجوء الى سياسة الهروب الى الأمام والسقوط في وهم انتزاع " اكثر المكاسب " من خلال تقديم " أقصى التنازلات " بهدف الحصول على " مواقع افضل ". وينسى كثيرون من المشتغلين في الشأن السياسي العراقي حقيقة أن هذه " المواقع الأفضل " لن يتم الحصول عليها في ظروف توازن قوى فعلي، وليس مفترض، بين الطرفين المتفاوضين على مصير العراق، وهو توازن يشبه "التوازن " القائم بين الفيل والنملة.
ولتجاوز هذا " التوازن " المخل، يتعين على قوى المعارضة أن تباشر على الفور ببناء إستراتيجية قادرة على بلورة ميزان قوى جديد، وعلى العمل لبلورة الخيار الوطني الديمقراطي من جهة، والكفاح ضد خيار الحرب والمشاريع المرتبطة باستبدال الديكتاتورية بنمط جديد للهيمنة من جهة أخرى. ويبدو أن من بين أسباب عدم تبلور مثل هذه الاستراتيجية، لحد هذه اللحظة، هو أن النقاش بصدد أزمة المعارضة العراقية ما زال لحد الآن يدور حول " حواشي " هذه المشاكل، ولم يستطع اختراق البنية وتفكيك إشكالياتها وبالتالي تحديد المهمات الناضجة حقا. ويشير واقع المعارضة وركضها وراء طبخات " تنضج على نار هادئة !! " الى حقيقة مهمة هي أن كثيرا من هذه القوى يرغب بالابتعاد عن فتح نقاش حقيقي حول مشاكل حقيقية، من اجل عدم توريط النفس بتقديم إجابات ملموسة عن سبب أو أسباب بقاء النظام الدكتاتوري قابعا على دست الحكم طيلة اكثر من ثلاثة عقود، رغم أن كل برامج هذه القوى تبدأ بالمهمة الأولى : إسقاط النظام الديكتاتوري وبناء النظام الديمقراطي التعددي. ولا يمكن لقوى المعارضة أن تنجز مهمتها الأساسية طالما ما تزال، حتى هذه اللحظة، تتجنب طرح الكثير من الأسئلة الحارقة، ولا تؤرق الرأس بالسعي الجدي للتفكير في إجابات صادقة بصددها.
ومن جهته، وبغض النظر عن الصعوبات العديدة، سيواصل الحزب، سوية مع قوى المعارضة الوطنية والديمقراطية، جهده بحزم وقوة من اجل تجنيب بلادنا خيار الحرب المدمر وخيار بقاء الديكتاتورية، مروجا لخيار وطني ومستقل في أن، فهو وحده القادر حقا على بناء عراق ديمقراطي فيدرالي تعددي تداولي. وبعكس ذلك ستظل القضية العراقية تراوح في مكانها منتقلة من " مقاول ثانوي " الى آخر !!
#سيف_صادق (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
يا أعداء النظام الديكتاتوري وخيار الحرب المدمرة اتحدوا
-
ما هكذا تورد الإبل يا أستاذ مكرم !
-
!!!"بعد11 عاما من الحصار الظالم يتحدثون عن " الانتصار الاقتص
...
-
الطريق الثالث ….. فرصة نادرة يجب أن لا تهدر
-
مناورة في موعدها المناسب… أم بعد فوات الأوان ؟
-
حين يدافع الصحفي عن الجلاد ويصمت صمت القبور تجاه الضحية !
-
ينبغي الرهان على شعبنا العظيم وليس على العدوان أوالديكتاتوري
...
-
هل للشعب الكردي مصلحة في - الحوار غير المقطوع ولكن غير النشي
...
المزيد.....
-
-أخبرتني والدتي أنها عاشت ما يكفي، والآن جاء دوري لأعيش-
-
لماذا اعتقلت السلطات الجزائرية بوعلام صنصال، وتلاحق كمال داو
...
-
كيم جونغ أون يعرض أقوى أسلحته ويهاجم واشنطن: -لا تزال مصرة ع
...
-
-دي جي سنيك- يرفض طلب ماكرون بحذف تغريدته عن غزة ويرد: -قضية
...
-
قضية توريد الأسلحة لإسرائيل أمام القضاء الهولندي: تطور قانون
...
-
حادث مروع في بولندا: تصادم 7 مركبات مع أول تساقط للثلوج
-
بعد ضربة -أوريشنيك-.. ردع صاروخي روسي يثير ذعر الغرب
-
ولي العهد المغربي يستقبل الرئيس الصيني لدى وصوله إلى الدار ا
...
-
مدفيديف: ترامب قادر على إنهاء الصراع الأوكراني
-
أوكرانيا: أي رد فعل غربي على رسائل بوتين؟
المزيد.....
-
فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال
...
/ المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
-
الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري
...
/ صالح ياسر
-
نشرة اخبارية العدد 27
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح
...
/ أحمد سليمان
-
السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية
...
/ أحمد سليمان
-
صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل
...
/ أحمد سليمان
-
الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م
...
/ امال الحسين
المزيد.....
|