أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سيار الجميل - شرانق الماضوية والقطيعة التاريخية














المزيد.....

شرانق الماضوية والقطيعة التاريخية


سيار الجميل

الحوار المتمدن-العدد: 2290 - 2008 / 5 / 23 - 10:30
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


معنى القطيعة
ليس معنى " القطيعة " مع التاريخ ، نفيا له ، ورميه في سلة المهملات ، بل الانقطاع عنه وامتلاكه بعد فهمه واستيعابه .. اننا لسنا بمسؤولين عن صناعة الماضي ـ حسب خطاب ميشال فوكو ـ .. ان فلسفة القطيعة ليست من جيبي ، بل يعد الفيلسوف باشلار مؤسسها ، ولكنه سماها فلسفيا بـ " القطيعة المعرفية " ، وقصد بها ايبستمولوجيا : " فهم المعرفة بعيدا عن الايديولوجيا " . والقطيعة التاريخية اعني بها : فهم التاريخ والوعي به بعيدا عن الحاضر والمستقبل . اننا غير ملزمين بأن نكون مجموعة سلالات ماضوية تتابعية لا نعرف غير ترديد ما قيل وتتناسل ما حدث بكل غلو وتعصّب واحقاد ، فلكل زمن من الازمنة التاريخية ظروفه وعناصره واشكاله ومضامينه والوانه .. فليس من العقل ابدا ان نبقى سجناء الماضي سواء كان كلاسيكيا لآلاف السنين ، او وسيطا لألف سنة ، او كان معاصرا لنا انتهى قبل ثلاثين عاما فقط ! هذه مسألة حيوية تجاوزها التفكير الفلسفي المعاصر في معظم المدارس المعرفية وخصوصا الفرنسية منها .. ولكن التفكير حتى لدى النخب المثقفة والعليا في مجتمعاتنا لم يزل يراوح في مكانه باسم الانتماء مرة وباسم القيم الموروثة مرة وباسم التراث مرات اذ يعد الخروج عن شرانق الماضي خطا احمرا قانيا كما يرسمه الخطاب الشعبوي الذي يمجده الجميع ..

التعصّبات المتورمة
ان المسؤولية التاريخية قد رفعت عن كاهل الحاضر لتصبح من تبعات الماضي .. وهذا هو منطق من يفكر تماما في اطار قطيعة تاريخية حقيقية ويؤمن بالفكر الحر .. وعادة ما يكون الاحرار من اللامنتمين الحقيقيين ، ونحن ندرك من هو اللامنتمي الذي يبحث عن الحقائق باستقلالية شبه كاملة ـ حسب قول كولن ولسن ـ . عندما اقرأ بامعان عن قطيعة شعوب متنوعة تفكّر مليا في تاريخها ، وتعتز جدا بذاكرتها .. وكيف تتعامل مع حاضرها ، وكيف تريد ان يكون مستقبلها .. اجد نفسي ازاء مجتمعاتنا وهي لا تتزحزح قيد انملة عن بنية صلدة من التفكير وهي ترتع في حالات فوضوية ، وتردد شعارات ساخنة ، وتتعامل مع افكار متيبسة ، وتتشبع بعواطف ساخنة ، وترتطم حياتها بتعصبات لا اول لها ولا آخر .. ان اسوأ ما نجده هو هذا التواصل للتعصبات وهذا التقليد ازاء الانشقاقات والجهل المطبق للحقائق والمعلومات .. ان الماضي لم يصبح تاريخا حتى يومنا هذا ، فاحداث وشخوص وحالات ومصارع ومآثر وهلوسات وخرافات وكرامات وحكايات وبطولات .. الخ لم تزل تعيش حتى يومنا هذا في مشاعرنا واعصابنا على مر اللحظات ..
الذاكرة التاريخية
ان تاريخنا المضيئ الذي يزدهر باعظم الاعمال والادوار الحضارية في الماضي .. لم يزل يحمل شقاقات سياسية حية ولم يزل يتعّثر بركام تقاليد اجتماعية حية ترزق وكأنها ولدت هذه الايام .. والتاريخ لم يشكّل في ذاكرتنا الجماعية اي بنية بعيدة عّنا ، بل ان كل انقسامات تاريخنا لم تزل تعيش في ذاكرتنا ، وبشكل مختلف جدا عن حقيقة التاريخ نفسه .. لقد انتج التاريخ جملة هائلة من التقاليد والاعراف والمواريث والنصوص والافكار والمرويات والاشعار والكتابات والقصص والاساطير .. منها ما هو ايجابي وحضاري يخدم الانسان والمجتمع ، ومنها ما هو سلبي ومتردي يؤذي كل الحياة .. ان المواريث التاريخية في مجتمعاتنا ربما لم تبق على نفس شاكلتها القديمة ، بل انها اخذت لها مجموعة اساليب هجينة .. مثلا ثمة تمرس ذكي في شعر الهجاء في الثقافة العربية ، ولكن لم نجد اليوم شعر هجاء ، بل نجد شتائم مقذعة ومقالات فارغة وخواطر مضحكة .. لم نجد سجالات سياسية وفكرية واجتماعية او حتى خطابات ردح رئاسية او اذاعية كالتي كانت في الامس ، بل تفاقم الامر الى قذف سياسي جماعي ومن خلال اسلوب ردح تلفزيوني فاضح على الملأ !

الوعي التاريخي
انه يأتي مع الزمن ولا يمكن خلقه الا بالانتقال من الايديولوجيا الى المعرفة .. اي عندما تترسخ القطيعة . لقد اثيرت قبل ايام زوبعة اعلامية وثقافية لأن هناك من خدش التفكير السائد وقال بعودة الوعي التاريخي في تقييم اناس لم يكونوا لوحدهم بمسؤولين عن بقايا تاريخية وامراض اجتماعية وفواجع سياسية . لماذا الزوبعة ؟ لأسباب سياسية طبعا . لم يستوعب التفكير في مجتمعاتنا ان ليس من حقنا احتكار التاريخ لوحدنا ، فهو ملك لكل الاجيال القادمة .. ولم يخرج التفكير بعد من سخط الايديولوجيات والعواطف التي اضّرت جدا كل صنّاع المعرفة على امتداد النصف الثاني من القرن العشرين . لم نلمح الى حد الان اي قطيعة مع الماضي ، بل ان الاحقاد والتعصبات والانقسامات التي خلقها الماضي لم تزل تشكل عصب حاضرنا وانها ترسم الفوضى لمستقبلنا .. فما الذي نحتاج اليه حقا ؟ خلق القطيعة ، وفهم التاريخ بعيدا عن تقديسه او تدنيسه . ان " القطيعة " لم تجد نفسها مؤسسة في مجتمعاتنا بعد ، ومن النادر ان نجد من يؤمن بالقطيعة التاريخية ، ذلك لأن لا رؤية لأي مستقبل ان كان التفكير قد غرق في مشاكل التاريخ واوزاره والتعصب له .. ولا مستقبل لأي مشروع او رؤية اذا كان التفكير مسطحا وخاليا من اي فهم للتاريخ وظواهرة واحداثه .. في مجتمعاتنا ، التاريخ يعيش بيننا ولكنه تاريخ غير حقيقي وغير منطقي ابدا ! فكيف سيكون حال هكذا مجتمع ليس له الا ترديد ذكر الماضي وتقديسه واقتصاصه مساحات واسعة من الزمن الحاضر وقتل المستقبل ؟

وأخيرا : هل من جواب حقيقي ؟
طيب ، ما السبب الذي يبقي مثل هذه " الحالة " التي سوف لا تقدم ولا تؤخر من قيمة الحدث شيئا ؟ ما السبب الذي يحول حتى الان عن اي قطيعة مع تاريخ عمره الف واربعمائة سنة ، فكيف بتاريخ لم يتجاوز عمره الخمسين سنة ؟ ان مجتمعاتنا قاطبة تعيش ازمة تفكير مطلق ولم تعرف بعد كيفية الخروج من شرانقه ، ولا تعرف كيف تؤسس لنفسها قطيعة حقيقية مع الماضي وتأسيس نقد حقيقي . كنت اتمنى ان احدد لكم محاولة كتابة جواب حقيقي ، ولكنني آثرت التوقف كيلا يطول مطال هذا المقال ويترك قراءته القراء الكرام ! ولكن باختصار: هل ستحدث القطيعة في مجتمعاتنا يوما ؟ انني اشك في ذلك !



#سيار_الجميل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- امريكا مطالبة باعتذار تاريخي !!
- قصة التحّول التاريخي من عالم بريطانيا القديم الى عالم امريكا ...
- ثقافة الكراهية .. فجيعة التاريخ !
- البرلمانيون العرب .. هل يمثلون مجتمعاتهم ؟
- مار بولص فرج رحو : علامة تاريخية فارقة على طريق العراق
- قمّة خطابية ام ورشة عمل قيادية !؟
- ديميتري مدفيديف: الخروج من عباءة بوتين
- كاسترو : استراحة آخر محارب
- الى كبير اساقفة الموصل .. في محنته !
- كوسوفو : الاستقلال أم الاضمحلال ؟
- الظاهرة المدنية مستعارة والظاهرة الدينية مصنوعة
- دمعة حزن على رحيل الصديق رجاء النقاش
- ستشرق الشمس في بلاد الشمس
- تقرير اتلانتيك : شرق اوسط جديد بعد العراق!
- التدمير الخّلاق من أجل شرق أوسط جديد !
- مكابدات تكنولوجيا الاعلام المعاصر
- الموصل في اعناقكم جميعا مجرد اسئلة موجّهة الى المسؤولين الام ...
- الديمقراطية : ضرورة تاريخية
- متغيرات القوة في الشرق الاوسط
- عبد الباسط يونس ذكرى صحفي من طراز خاص


المزيد.....




- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سيار الجميل - شرانق الماضوية والقطيعة التاريخية