نشأت المصري
الحوار المتمدن-العدد: 2292 - 2008 / 5 / 25 - 03:21
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
رجع أبني من المدرسة حاملاً فرحة نهاية العام الدراسي وبداية أجازة الصيف بعد فترة قاربت تسعة أشهر من المذاكرة والامتحانات والدروس الخصوصية وشدّة الأعصاب , وحان الآن موعد التغيير من كل هذا ومزاولة الأنشطة والهوايات والرياضة,, فهذا حق أبنائنا!.
فقال لي : يا بابا أنا كدة free , النهار دة أول الأجازة.
فقلت له : هذا حقك لأنك عملت الواجب المطلوب منك, وطول العام ,, بالنجاح إن شاء الله,, ولكن ماذا تريد أن تفعله في الأجازة.
فقال لي: سوف أشترك في النادي بالكنيسة, وسوف أشترك في مهرجان الكرازة في الكنيسة, مع العلم أنني أكره مهرجان الكرازة لأنه يشد أعصابنا ,, لأننا طول العام مذاكرة وامتحانات ومسابقات ,, وهذا كسب وهذا خسر ,, وفي الأجازة المفروض أننا نكون أكثر حرية من هذا المهرجان الذي يضعنا وكأننا في أشد أيام الامتحانات, وسوف أواظب على التربية الكنسية في الكنيسة وميعادها الأسبوعي, وأيضاً حصة الألحان والقبطي في الكنيسة.
فقلت له : معنى هذا أنك سوف تقضي اليوم كله في الكنيسة ,, حتى نهاية أجازة الصيف, ولكن يا أبني هل يوجد في نوادي الكنيسة أولاد في سنكم غير مسيحيين , أو حتى من طوائف مسيحية مختلفة؟.
فرد أبني بضحكة من كل قلبه لأنه فكر فيّ أنني أهذي وقال: يا بابا أنا أقول لك في الكنيسة!! في الكنيسة!! فكيف يكون مثل هؤلاء هناك ,, أنا أقابلهم في الأماكن العامة والمدرسة ولكن ليس في الكنيسة.
فضحكت وقلت له : ما مدي علاقتك معهم في الأماكن العامة والمدرسة ؟ هل هي علاقة كما باقي أخوتك المسيحيين؟
فقال لي في الحقيقة لا!! لأننا لا نتفق ولا يوجد بيننا ما يجمعنا مع بعضنا,,فنحن المسيحيين منعزلين تقريباً والمسلمين أيضاً منعزلين, حتى في الأنشطة الرياضية في المدرسة نحن نحرس على عدم الاشتراك فيها خوفاً من تحرش المسلمين لنا.
فقلت له : ألم تحاول أن تصادق أخوة غير مسيحيين؟
فقال : لي أصدقاء كثيرين وأنا أحبهم وأفتخر بهم ولكن علاقتنا مغلقة محدودة بها كثير من العوائق ,, وهم أيضاً يشعرون نفس الشعور, مناقشتنا لا تتعدي المنهج المقرر , بالأكثر حول كرة القدم والأندية.
فقلت له: هذا طبيعي لأنك متقوقع داخل الكنيسة ,, وهم أيضا متقوقعون داخل الجوامع ,, لأنك تُخضع تفكيرك لآراء معينة تبغي كم المشتركين في أنشطة الكنيسة ولا تبغي مصلحة هؤلاء المشتركين,, وهم أيضا كذلك بل بأكثر خطورة لأنه يلغي فكره فينساق وراء أفكار من شأنها بث التفرقة والفتن الطائفية التي يمليها عليهم بعض الشيوخ المسلمين المتطرفين لأنهم مرتزقة يربحون الكثير من وراء هذه التفرقة,, وكل هذا في داخل الجوامع.
فتفرس فيّ وبدت على وجهه علامات التعجب .
فقلت له : لا تتعجب لأن الخوف صنع هذا ,,, المسلمين يخافون ويتحاشون التعامل مع غير المسلمين,, وكأنهم كالعصافة التي تزريها الريح ,, يخافون أن تنجرف أفكارهم حول معتقدات غير إسلامية,, فتحول خوفهم إلى دفاع مسلح ,, والشيوخ المسلمين أعجبتهم اللعبة فبدلاً من التعليم الديني ,, أخذوا يعلّمون الفتن الطائفية والحروب الإسلامية والفتوحات والانتصارات,, وكل شيء مباح في سبيل الدعوى!!! وما شابه هذا!!!, والمسيحيين تقوقعوا على أنفسهم داخل الكنائس , وأغلقوا عقولهم, بسبب الخوف من رد الفعل المسلم تجاههم.
فقال لي أبني : معنى هذا أننا نشرك مع المسلمين والمسلمين يشتركون معنا في هدم مصر بمعول التفرقة العنصرية!!.
فقلت له :نعم ! مع الأسف الشديد.
فقال إذاً نحن في مشكلة ولكن أين الحل .
فقلت له : ليست هناك مشكلة بدون حل ,, الحل يا أبني في أيدينا بشرط أن يبدأ كل واحد منا مسلمين ومسيحيين بتغيير نفسه أولاً ثم تغيير من يقبلوه معلماً ومرشداً, الحل في يد كل مرشد ديني , وفي يد كل رب أسرة , وفي يد قيادات الأحزاب السياسية , وفي يد مديري الأماكن العامة مثل الأندية وقصور الثقافة, وكافة المؤسسات الثقافية الأخرى ,, الحل في يد وزير التعليم ووزير الثقافة.
الحل ببساطة شديدة وهو: لابد أن يلتقي المسلم مع غير المسلم والمسيحي مع غير المسيحي ,, في أماكن عامة ثقافية اجتماعية,, ويكون اللقاء حول أشياء من شأنها بنيان الأوطان ,, وترابط أبناءه ,,أن يكون اللقاء بعيداً عن الدين والعنصرية الدينية,,أي أن يكون في موضوعيات وأنشطة يحبها كل الشباب مثل الموسيقى والرسم والألعاب الرياضية ,, والمواطنة ,, وندوات تاريخية وثقافية.
فقال لي: ولكنك نسيت شيء مهم ,, كيف نهرب من تحرشات بعض المسلمين؟ كيف نهرب من تحرشات بعض من المسئولين عن هذه الأماكن ممن يعتبرون أنها خاضعة للدولة والدولة إسلامية ,, فلا مكان لغير المسلمين فيها؟
فقلت له : أنا معك في كل هذا فهناك نفوس ضعيفة كثيرة,, ولكن أيضاً أطرح عليك سؤال ,,هل كل من في الكنيسة لا يوجد بينهم من يحمل هذه الروح العدوانية لزملائه ؟ وإن ذهبت للكنيسة لا يوجد بينهم من يتحرش بك؟
فقال لي : في كل مكان فيه مشاكل ,, وفي كل مكان يوجد مثل هؤلاء,, ولكن في الأماكن العامة سوف يكون الوضع أكبر من المشاكل ,, ممكن أن يصل لفتنة طائفية.
فقلت له : كل شيء جائز ,, ولكن أقصر الطرق بين نقطتين هو الخط المستقيم ,, ولأننا في وطن واحد لابد أن نتواصل نحن المسيحيين مع المسلمين ,, ولابد أن تكون بيننا أهداف مشتركة نعمل معاً على تحقيقها,,كما أنه إذا بعدنا عن المسلمين الآن ألم نقابلهم فيما بعد في المدرسة والجامعة والعمل,,إذا لماذا نبتعد الآن أليس بالأجدر بنا أن نهدم حاجز التفرقة وهو مازال صغير ؟ إذا كان 10% من المسلمين ينحازون لهذا الرأي فهناك أمل كبير في هدم حائط التفرقة العنصرية في مصر, لهذا واجب علينا ان نواجه هذا العدو اللدود الذي هو التمييز الديني وننتصر عليه بمساعدة أخوتنا المسلمين المؤمنين بمصر,, لهذا:
ـ يجب أن نشترك في الأنشطة الرياضية والثقافية والفنية في الأماكن العامة وليس في الكنيسة أو الجامع.
ـ يجب أن تبحث وتتواصل مع كل من له أهداف تشبه أهدافك حتى تعملا معنا في تحقيق هذه الأهداف والنجاح فيها, حتى لو أختلف معك في الدين
ـ أن نكون متدينين تدين فعلي ,, في ممارسة طقوس العبادة ,, والمواظبة على التعليم من خلال التربية الكنسية,, والمواظبة على حصص القبطي والألحان الكنسية ,, بأن نخصص جزء من الأسبوع لهذا الأمر ,, والباقي من الأسبوع نقضيه للتواصل والمواطنة الحقيقية.
ـ يجب أن نحب ونرعى المحبة كما علمنا ربنا يسوع المسيح في الكتاب المقدس, لأنه أعطانا مثل السامري الصالح ,, كما أحب هو الكنعانية الغريبة الجنس ,, ومدح إيمانها,, وكما أحبنا وإذ نحن خطاة وبذل نفسه عنا,, كما أحب الجندي الذي قطع بطرس أذنه فأعادها له صحيحة,, وكما أوصانا معلما بولس الرسول أن نربح الجميع اليهودي واليوناني ,, فيجب علينا الآن أن نربح المسلمين !!
ـ يجب علينا أن نوحد صفوفنا مسلمين مع مسيحيين بالنهوض بمصر والسيطرة على مشاكلها.
فقال أبني: معك حق يا أبي , سوف أشترك في نادي مصر الرياضي ,, وليس في نادي الكنيسة الرياضي ,, سوف أتصل بزملائي المسلمين أحفزهم على الاشتراك في نادي مصر الرياضي وليس في نادي الجامع الرياضي ,سوف نفوز ونحقق جوائز لمصر ونشترك في تحقيقها مسلمين مع مسيحيين .
سوف نحقق نحن الشباب ما لم يستطيع جيلكم تحقيقه.
#نشأت_المصري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟