ملامح من الفكر النقدي عند ياسين الحافظ ( منهج الشلف التأويلي)

اسماعيل خليل الحسن

الحوار المتمدن-العدد: 2290 - 2008 / 5 / 23 - 10:26
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    

يرى المفكر الراحل أن أزمة الفكر السياسي العربي و عجزه عن تحقيق التغيير المنشود, ناجم عن كونه فكر معتقدي إيماني ( دوغمائي ) ينطلق من يقين مسبق معين, وهو بذلك يتعارض مع المنهج النقدي. هذا الفكر لم يفلت من العاهة تلك, الأمر الذي كان له أسوأ تأثير على مسارات و اتجاهات التيارات السياسية و اليسراوية منها بشكل خاص, ومن ابرز التأثيرات السلبية ما يسميه المفكر بالشلف التأويلي, و هو منهج يجد منبعه الأول في المعتقدية الإيمانية, و منبعه الثاني في ردود الفعل الشعورية المستفزة التي اتخذتها الانتلجنتسيا العربية إزاء التجربة الكولنيالية, أغلب هؤلاء إما مركوب بتجربة الإذلال الاستعماري أو متحرر منها لكن يلاحقه هاجسها.
الشلف التأويلي: عند تحليل كل من عنصريه فهو ينبع من عقلية المزايدة النابع من وطنية جريحة مستفزّة, من الكسل في البحث و التمسك بالعموميات ( نبذ الخاص) و المجردات.
يفتقد الشلاّف إلى هم التقاط عناصر و نوابض الواقع العياني المتحركة, المتغيرة, المعقدة.
يزعم الشلاّف انه يغوص عميقا وراء البحث عن الأسباب البعيدة للحدث و أنه يمسك بأسباب الظواهر الخفية, متجاهلا أسبابه القريبة, الجلية, المشخصة, فيسقط في ما يشبه الميتافيزيقيا السياسية.
التأويل لدى الشلاّف يفسر كل الأمور دفعة واحدة ونهائيا, بعلة شبه خفية, أو شبه مجهولة, تجنبا للغرق في التفاصيل, والعلل الظاهرية.
طريقة الشلف التأويلي: حدة لفظية, طلاق بين الأقوال والأفعال, تقريرية متوترة, تفسيرات مسطحة و فقيرة , محاكمات مبتسرة, تشبه محاكمات الطفل: متعب, مضيع, و مضلل, إدراك مجزوء للواقع, أو عمومي, تقريبي, ضبابي.
لا يفصل الشلاّف بين الرغبة و الواقع, ويحيل عجزه إلى لغة ظفراوية: ألم يتوهم ( ثوريو الشعور) أن العرب في طريقهم إلى تحرير فلسطين, في الوقت الذي كانت الأمة تتخبط في بنية مهزومة من داخلها؟
الشلاّف يرى في كل وجهة نطر مغايرة خيانة و انحراف و تحريف, وفي وجه آخر كفر و مروق وهي صفات لكل من يحيد عن الدوغما.
يحيل الشلاّف أزمته إلى عنصر خارجي ( الاستعمار, الشيطان, الخطايا ) و إلى المؤامرة أو القدر المحتوم.
نحو عقلانية جديدة:
يرى مفكرنا, للخروج من المأزق, إرساء مطابقة للواقع أو القبض على الواقع العياني بكليته, وهذا يفترض جهدا دائما في التنقيب والتحليل.
عناصر الواقع و نوابضه كثيرة, جوانبه عديدة, وحركته دائمة, و المطابقة لا تكون مطلقة بل هي مقاربة من الواقع, من الموضوع, و الأهم التقاط الطفّ.
الطفّ: هو الفرق الطفيف أو البسيط بين شيئين أو لونين أو أمرين, و الطفّ كما يقول فولتير عنه عنوان عظمة الفكر, ومن الناحية العملية, يتوقف مستقبل حركة فكرية أو سياسية, على مدى التقاطها طفـّا و أخذه بالاعتبار في تحليل ما أو موقف ما, لقد قيل مرة إن السياسة هي علم الفروقات.
و في محاولة لعقد مقارنة يضع المفكر الكبير المنهجين: الدوغمائي و العقلاني إزاء بعضهما في لوحة يستطيع القارئ من خلاله التمييز بين أدوات و خصائص و سمات كل منهما:
النظرة الدوغمائية و الإيديولوجية ...................... الفكر التحليلي ـ التركيبي
الواقع مؤلف من لونين أبيض وأسود. ...................... الواقع مؤلف من ألوان لا حصر لها.
الفطرة. ...................... العقل.
الحقيقة مطلقة و ثابتة ...................... الحقيقة نسبية و متغيرة
انفصال بين الظاهر و الباطن ...................... لا انفصال بين الظاهر و الباطن
الحدس, التقريب, العموميات. ...................... التحليل, التركيب, التحديد, التفاصيل
الواقع معطى نهائي ...................... الواقع معطى متغير و متطور
تسندها رؤية شلاّفة, مشبـّرة ...................... يرتكز على منهج مدقـّق, مطفـّـّف
تنطلق من المثال, الرغبة, الشعو,ر المعتقد ................... تنطلق من الحقيقة الواقعيّة
تخمين الواقع مرة واحدة و نهائية ...................... اكتشاف تدريجي للواقع, وجهد مستمر للمطابقة
تقريرية. ...................... تحليلية

السياسة الدوغمائية توجه فعلها, بدلالة معتقد يقيني, أي أنها لا تأخذ الوقائع العيانية أو التاريخية بالاعتبار, لذا تأتي الأحداث لتفرض نفسها عليها, فتجرجرها ورائها و تنتقل من النطنطة و التقلّب, إلى اللهاث وراء الأحداث, إلى السقوط في وهدة لمغامرات.
"إن جدة العمل السياسي تظاهرة ماثلة" كما يقول لوكاش, لذا فإن كل حدث سياسي جديد بحاجة الى تحليل جديد, أما الدوغمائية, بحكم فكرها التقريري, عاجزة عن ذلك فتستبدل التحليل بالمقارنة, " عقل قياسي".
غياب الواقعي في عقل الدوغمائي ( لصالح المتخيـّل, المتوهم) حيث يشحب الواقع وصولا إلى غيابه على مذبح الايدولوجيا, فيترتب على ذلك نتائج لخص المفكر النهضوي أبرزها:
1- العجز عن التمييز لا الفصل بين حكم القيمة و حكم الواقع, أو كما في الفلسفة بين حكم الوجود و حكم الوجوب, أو بين ما هو كائن وبين ما ينبغي أن يكون.
2- من نتائج ضعف الواقعي يتحول الفكر إلى تقريرية, خطابية, رغبوية, شعورية,و ينحدر إلى الديماغوجية.
3- لأن الواقع معطى نهائي, فهو يتجاهل فكرة الصيرورة و التطور, إنه فكر غير تاريخي, و لأنه كذلك فهو لا يراكم " يبدأ على الدوام من جديد" و بالتالي تفتقد النخبة العربية القدرة على وعي التجربة التاريخية العربية بخاصة, و الوعي التاريخي بعامة.
4- تغذّي الدوغما النزعات غير الديمقراطية,نتيجة الطابع المطلق و الثابت للحقيقة, و لاحتكاره إياها
5- يميـّز الكاتب بين " عقلية النقد" و "العقلية النقدية" فالأولى امتثاليـّة غير شكوكية, تقوم على التجريح و التحقير, بينما تقوم الثانية على التساؤل حول قيمة ادعاء, قبل وزن الحجج التي تقدم, و صولا إلى التثبت من سلامة الادعاء.
لربما يلاحظ القارئ الكريم ولع الكاتب بتوليد المصطلحات الجديدة, وذلك لان النهضة عمل مستمر, ينال اللغة و يفجرها من الداخل, لقد اجتهد المفكر الكبير, و كانت النهضة هاجسه, حاول و المشقة تكمن في المحاولة, في حين غلب على الأمة الكسل في كل شيء,و الكسل أمرّه في الفكر على وجه الخصوص.

كتاب الهزيمة و الايدولوجيا المهزومة
ياسين الحافظ

#اسماعيل_خليل_الحسن (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات