|
أي بلال : الحق لا يعرف بالرجال (1)
سعيد الكحل
الحوار المتمدن-العدد: 2290 - 2008 / 5 / 23 - 10:30
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
بداية أحب أن أنبه إلى مسألتين أساسيتين : الأولى لعلها تكون عبرة وتذكرة للأخ بلال التليدي ، وهي فتح جريدة الأحداث المغربية صفحاتها لردوده ، وهو الذي لم يمسك لسانه ، وكذلك حزبه وحركته ، عن التشهير بها وبخطها التحريري والتيار الديمقراطي الذي أسسها ويشرف عليها أو الذي ينشر عبرها . وهاهي جريدة"الاستئصاليين" كما يحلو لبلال وتياره نعتها ، التي كفّرها الإسلاميون المعتدلون وسعى الجهاديون لتدميرها وقتل العاملين بها عبر الطرود الملغومة ، تثبت من جديد أنها فضاء حقيقي للحرية وللتنوير وللاختلاف ، وتلتزم بما ترفعه من شعارات ، بخلاف ما يفعله أصحاب شعار"تميز بدون تحيز" . الثانية : وهي إقرار الأخ بلال باقتتال الصحابة فيما بينهم بعدما كان ينكره . إلا أنه يتبنى موقف التمويه الذي سلكه إسلاميون غيره ، من خلال نفي الأسباب السياسية والقبلية لهذا الاقتتال وحصرها في اختلاف الاجتهاد بين الصحابة . ونِعْمَ "الاجتهاد" الذي تجيش فيه الجيوش بعشرات الآلاف وترتكب فيه أبشع المجازر ضد النساء والأطفال والشيوخ دون مراعاة حرمة الدين والدم والمكان . نِعْم "الاجتهاد" الذي تطاحن بسببه الصحابة الستة المبشرون بالجنة ، وقُتل من الصحابة ما لم يُقتل في كل الغزوات التي قادها الرسول عليه الصلاة والسلام . وهذا الأمر ذكره الدكتور القرضاوي وتحسر له في خطبة الجمعة ليوم 15/6/2007 حيث قال ( أن الآلاف من الصحابة قتلوا، ومن قتل في غزوات الرسول منهم 27 وفي سرايا الصحابة بضع وخمسون سرية، مئات في كل الغزوات والسرايا، وهنا قتل عشرات الآلاف) . إن كان الاختلاف في الاجتهاد ثمنه عشرات الآلاف من أرواح المسلمين الأبرياء زمن الحكم الراشدي والخلافة الأولى الراشدة ، فكم سيكون ثمنه اليوم أو غدا زمن الخلافة الثانية أو حكم الإسلاميين ؟ إن أصل الخلاف بيني وبين التليدي هو مدى جدوى الشورى التي يطالب بها الإسلاميون في حماية المسلمين سابقا ومستقبلا من الاقتتال الداخلي . وخلف هذا الخلاف يكمن الإشكال الحقيقي وهو طبيعة المشروع المجتمعي الذي يتبناه كل منا وطبيعة القوى المجتمعية والسياسية التي يصطف إليها كل منا . لهذا فالنقاش ينبغي أن يركز على جوهر الصراع الفكري والإيديولوجي بين المشروعين المجتمعيين . ومسألة الأيديولوجية كمعيار للتصنيف ضرورية في هذا المستوى . وإلا على أي أساس اختار التليدي الانتماء إلى حركة التوحيد والإصلاح وليس جماعة العدل والإحسان أو الصراط المستقيم أو الهجرة والتكفير أو أهل السنة والجماعة ؟ بل على أي أساس تشكلت هذه الجماعات والأحزاب الدينية وتنوعت برامجها وتباينت قناعاتها وهي التي تزعم أنها تمثل الإسلام وتنطق باسمه ؟ وهل الخلاف بين هذه التنظيمات خلاف فقهي/مذهبي أم خلاف فكري/إيديولوجي /سياسي ؟ ولماذا لم يستجب حزب العدالة والتنمية ومعه حركة التوحيد والإصلاح للميثاق الذي دعا إليه الشيخ ياسين إن كان الأمر متعلقا بالخلاف الفقهي فقط ؟ وسيكون مفيدا التذكير بالحوار الذي أجراه الأخ بلال مع الدكتور الريسوني في موضوع التحالف مع الشيخ ياسين حيث جاء فيه : ـ سؤال : في بداية الثمانينات أرسل إليكم عبد السلام ياسين وفدا من أجل التحاور معكم في شأن توحيد الصف الإسلامي. لماذا لم يستمر الحوار مع جماعة العدل والإحسان، هل لمستم في توجه عبد السلام ياسين ما يجعلكم ترون أن التوحد معه غير ممكن، وأن أفكاره لا تناسب توجهاتكم؟ ـ جواب : قضيتنا مع الأستاذ عبد السلام ياسين كانت شبيهة بقضية السنة والشيعة. الشيعة عندهم أئمة يتناسلون، لا يختارهم أحد ولا يحتاجون إلى اختيار أحد، وأهل السنة يحتكمون إلى الشورى واختيار الزعماء وفق السنن الاجتماعية ووفقا للتداول. وقد أحسسنا عبر سنوات من اللقاء الشخصي والجماعي مع الأستاذ عبد السلام ياسين أن الرجل يرى أنه الرجل العالم المربي الذي استجمع شرائط القيادة: الشرائط العلمية والتربوية والفكرية والسياسية، فهو كان يبحث عن جمع العمل الإسلامي حوله، ونحن كلنا ، أي ما سوى عبد السلام ياسين، كان لنا رأي آخر، وهو أننا لا نجتمع من البداية حول أي شخص، بل نجمع العمل الإسلامي ونضع الآليات ونشتغل وفق تلك الآليات، في حين كان لدى الأستاذ عبد السلام ياسين رؤية جاهزة لا تقبل المراجعة وكانت عنده مركزية ثابتة لا تقبل التغيير، فهذا في الحقيقة هو الإشكال الذي كان بيننا وبينه وهو الذي يفسر لماذا لم يمض الحوار معه طويلا. .. فالرجل له رؤية تشكلت، ويرى أنه بعلمه وطويل تفكيره ومنتجاته الفكرية وتجربته الروحية وغيرها يرى أن له رؤية، وأن على الغير أن يقترب منها ويحوم حولها، ثم يرى لشخصه مكانة مركزية وثابتة لا سبيل إلى زحزحتها، أما باقي المكونات الإسلامية، فكان رأيها هو تأسيس العمل الإسلامي أولا ، ثم إرساء آلياته، وبعد ذلك ووفقا لهذه الآليات يتم الاختيار بطريقة ديمقراطية وشورية، فلم يكن للأستاذ عبد السلام ياسين القابلية للاندماج فيما نحن فيه، ولا كانت لنا القابلية أن نندمج فيما هو فيه )( التجديد 13/1/2008) . ولا شك أن الاطلاع على الوثيقة التي أصدرتها الدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان التي تنتقد فيها حزب العدالة والتنمية على خيار المشاركة في انتخابات 27 شتنبر 2002 ، سيدرك بوضوح طبيعة الخلاف بين التنظيمين ، وهو خلاف سياسي في المقام الأول . لهذا أدعو الأخ بلال إلى الاطلاع على الرد الذي أعده حزب العدالة والتنمية على وثيقة العدل والإحسان ، لعله يدرك أثر الإيديولوجية في تأويل النصوص والأحداث وبناء المواقف . ومن ثم لعله يقتنع بأن الحقيقة في جوهرها نسبية وليست مطلقة ، وما يستتبع هذا الاقتناع ، إن حصل ، من تراجع عن الدوغمائية والتعالم ، وفي نفس الوقت ، الانفتاح على الاختلاف في القراءات لأي نص كان بما فيه القرآن الكريم الذي غدا متعدد القراءات بتعدد المذاهب والقناعات الفكرية والإيديولوجية ، حتى بات للصوفي قرآنه وللجهادي قرآنه وللعدليين قرآنهم وللبيجيديين قرآنهم . وقد يكون هذا الاختلاف في القراءات والتعدد في الفهوم إيجابيا متى ظل ملتزما بقاعدة "رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب" ؛ لكن متى زاغ عنها وتلبسته السياسية صار مصدرا للفتنة والاقتتال . وهذا ما طبع تاريخ الأمة الإسلامية منذ وفاة الرسول محمد عليه الصلاة والسلام وإلى اليوم . يقول د. محمد عمارة ( ومنذ اللحظة الأولى التي عقدت فيها البيعة لأبي بكر الصديق ـ وهي عقدت له قبل دفن جثمان الرسول ـ وحتى عصرنا هذا غدت الخلافة كنظام للسلطة والحكم في المجتمع أولى القضايا وأخطر القضايا التي اختلف من حولها المسلمون .. فخلافهم حولها وبسببها سبق أي خلاف ، وانقسامهم إلى فرق ومدارس وتيارات لم يحدث إلا بسببها ، والقتال فيما بينهم لم يحدث إلا عليها .. لقد اجتمعوا رغم تعدد اجتهاداتهم في الإلهيات والتصور للكون والاختلاف في بعض الأصول وكثير من الفروع ، ولكنهم انقسموا واقتتلوا على الخلافة ونظام الحكم وما ارتبط به من العقائد والممارسات )(ص 6 نظرية الخلافة) .للحديث بقية
#سعيد_الكحل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أية إستراتيجية لمواجهة الإرهاب ؟
-
تيار الإسلام السياسي خصم أم حليف للتيار الجهادي ؟(3)
-
تيار الإسلام السياسي خصم أم حليف للتيار الجهادي ؟(2)
-
بلال التليدي : كبر مقتا أن تقول ما لا تفعل !!
-
ماذا لو شملت عقوبة الإعفاء من المهام كل المقصرين ؟
-
تيار الإسلام السياسي خصم أم حليف للتيار الجهادي ؟(1)
-
على هامش فرار الإرهابيين : الدول لا تبنى بالعواطف .
-
مواقف الأحزاب والمنظمات الحقوقية والإعلام في مواجهة الإرهاب
...
-
المال -السايب- يشجع على النهب والتبذير .
-
الإسلاميون واليساريون أية علاقة ؟
-
الجماعات الإسلامية والنموذج المشرقي المفلس لأوضاع المرأة .
-
وإذا المستأسدون سئلوا لأي سبب جبنوا .
-
إلى أين يسير المغرب ؟
-
هذه مخططات الإرهاب فما هي مخططات الدولة والأحزاب ؟
-
الوهابية تعادي الحب وتنكر العلم وتكفر الديمقراطية .
-
في مواجهة الظلامية والعدمية
-
حركة لكل الديمقراطيين استنهاض للهمم واستنفار للطاقات .
-
هل المشروع الياسيني يتسع للقوى الحية ؟
-
ضرورة رفع الالتباس عن وثيقة -جميعا من أجل الخلاص-(2).
-
ضرورة رفع الالتباس عن وثيقة -جميعا من أجل الخلاص-(1)
المزيد.....
-
السيسي لرئيس الكونغرس اليهودي العالمي: مصر تعد -خطة متكاملة-
...
-
الإفتاء الأردني: لا يجوز هجرة الفلسطينيين وإخلاء الأرض المقد
...
-
تونس.. معرض -القرآن في عيون الآخرين- يستكشف التبادل الثقافي
...
-
باولا وايت -الأم الروحية- لترامب
-
-أشهر من الإذلال والتعذيب-.. فلسطيني مفرج عنه يروي لـCNN ما
...
-
كيف الخلاص من ثنائية العلمانية والإسلام السياسي؟
-
مصر.. العثور على جمجمة بشرية في أحد المساجد
-
“خلي ولادك يبسطوا” شغّل المحتوي الخاص بالأطفال علي تردد قناة
...
-
ماما جابت بيبي..فرحي أطفالك تردد قناة طيور الجنة بيبي على نا
...
-
عائلات مشتتة ومبيت في المساجد.. من قصص النزوح بشمال الضفة
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|