|
اعلامنا المستقل بين هاجس الخوف و فلسفة الولاء المطلق
فارس خليل ابراهيم
الحوار المتمدن-العدد: 2289 - 2008 / 5 / 22 - 10:07
المحور:
الصحافة والاعلام
بالرغم من حالة الاجماع المسبق بمقولة امتداد ازمة الاعلام العراقي الجديد لهذا المشهد المشوه للمرحلة الراهنة وافرازات الحقب السابقة ، مما يضفي عليها مسحة من الخصوصية . الا ان هذه الازمة لا تختلف كثيراً عن مثيلاتها في المنطقة .. والى وقت قريب ، الا من حيث الشدة في البروز . فلم يكن الاعلام العربي عموماً الا اداة لاختزال الجماهير وتوحيد انماطهم الذهنية ، وتغييب الفرد (كمشروع ) في الجماعة (ككيان) خدمة للامة والمثل العليا ! وضمن اطار نظام مقولب ينحو الى استنساخ ذاته واعادة انتاجها من خلال العودة للماضي التليد او (الذات المفقودة) وبواسطة جملة من الشعارات والرموز التي تتمحور حول المنقذ او (القائد الملهم) . ورغم هذا التطابق بين ازمتي الاعلام العراقي والعربي عموماً ، فان طبيعة العلاقة التي تربط السلطة بالمؤسسة الاعلامية في العراق هي التي وسمت الاخيرة بهذا الطابع المميز . فلم يكن تعامل اشد الانظمة شمولية مع المؤسسة الاعلامية الا من خلال تلك الصفة المؤسساتية التي تنظم العلاقة بين (السلطة) واحدى (مؤسسات الدولة بصفة عامة) . في حين لم يكن لهذه الصفة أي حضور في تلك العلاقة في العراق . بعد اختزال كل من الدولة والسلطة في شخص (القائد الملهم) والذي اختزل بدوره (المنظمة) المهيمنة على السلطة . ليصبح ما كان صعباً تصحيحه في تلك المؤسسات الاعلامية التي عانت من سطوة الانظمة الشمولية ، امرا مستحيلاً في العراق . لماذا ؟ فلسفة الولاء لا الاداء! من جملة النتائج التي افرزتها احداث 9 نيسان 2003 هو بداية هيمنة الخطاب الاثني على الساحة السياسية العراقية ، وسيطرة (رأس المال السياسي) على الماكنة الاعلامية ، والذي فتح بدوره الباب واسعاً لكل من هب ودب (وبشرط الولاء المطلق) لخوض هذا المعترك الجديد ، وهيمنة تلك النماذج المجدبة علمياً والفاقدة للخبرات المتراكمة و المؤهل الاكاديمي ، على المفاصل المهمة في المؤسسات الاعلامية . محيطين انفسهم في الوقت ذاته بكم لا يستهان به من اشباه المثقفين الذين لا يجيدون سوى تلميع وجوه قادتهم التي اصابها الكثير قبل رميها على الجمهور ، مزيحين بذلك الكثير من الكفاءات التي وجدت طريقها اما الى خارج البلد او الى طوابير العاطلين عن العمل . وسط غياب تشريعات قانونية تحصن العملية الاعلامية من هذه النماذج وتوصد الباب امام كل غريب . لقد افرزت هيمنة رأس المال السياسي والمتولد من الفساد المالي والدعم الخارجي والصفقات المشبوهة ، الى سيادة خطاب اثني مؤدلج على المسرح الاعلامي وبروز محاولات حذقة لتغليف الازمة الاجتماعية الراهنة بعلب واوراق سياسية محضة ، لتحويل اهتمام بؤرة المواطن العراقي عن ازمته الحقيقية ومنعه من المطالبة بحقوقه التي استحقها بسنوات الألم الطويل ، وتحت ضغط عامل الخوف من الاخر الذي يتربص بنا (والذي هو بدوره خائف ايضاًَ) ! لكي تحافظ تلك القوى على مكاسبها السياسية والاقتصادية والتي انتزعت من الاخرين . الامر الذي يتطلب اداة قادرة على اختراق الازقة والبيوت والحواس ولا يقف امامها أي مانع (مثل هاجز الخوف في العراق) . لتشويش الاذهان المتعبة مسبقاً والتي لم تفق من حالة الصدمة بعد ، وتخليق ذلك التشويش لحالة خوف يمكن استثماره سياسياً وعلى المدى الطويل . لذى فكان لابد لكل كيان سياسي من (مطية اعلامية) تحمل اعباء ذلك الكيان (لبيوت من لا يذكر الا في ساعات الشدة والقتال) . مطية تركض وتصهل وتزأر اذا دعت الضرورة ! مؤسسات اعلامية عكست ومنذ نشأتها القريبة خطاب اثني مؤدلج وبأمتياز ، ساهمت وما زالت تساهم في زيادة حالة الاحتقان الاجتماعي ظناً منها ان اعتماد مثل هذا الخطاب سيوفر لها مقعداً ثابتاً في هذا المشهد العراقي المضطرب . خصوصاً بعد رواج ذالك الخطاب في مراحلة الاولى والتي سعت من خلالها القوى السياسية من جملة ما سعت اليه ، ازاحة الاخر او تهميشه في اقل تقدير ، وزيادة حالة التشويش المسيطر على الاذهان نتيجة هذا الكم الهائل من الاخبار والمعلومات المتضاربة والمتشنجة والمعدة بصورة سيئة وبجرعات سامة تفوق الحدود . فلا يمكن تفسير هذا الكم الهائل من المؤسسات الاعلامية العراقية ، الى عطش المواطن العراقي للجانب المعلوماتي اثر سنوات التعتيم والاعلام الموجه احادي الجانب ، بل الى تلك الرغبة المفضوحة للقوى السياسية في محاولاتها المحمومة لاخفاء صوت الاخر بضجيج موسساتهم الاعلامية العالية ، ذلك الاخر الذي يراد تغييبه بخطاب جمع كل التناقظات الحادة والموجودة في المسافة الواقعة بين الموضوعية المدعاة والاجندة الاثنية الصارخة ، الساعية الى اختزال (الكل العراقي) في ايقونة (النحن الاثنية) .. قالبة بذلك كل المقولات الاعلامية رأساً على عقب . فبعد ان كانت الدعاية جزء من النشاط الاعلامي ، اصبح الاعلام جزء مكملاً للدعاية السياسية . اثر تحميل الخبر بكل ما لا يمكن تحميله عند الصياغة. ليتفتق عند عرضه عن غائية مفضوحة وغباء قل نظيره . في الوقت الذي اهمل فيه فن التقارير الصحفية والذي بأمكانه استيعاب التفسيرات الموجهة والتي تلجأ اليه المؤسسات الاعلامية المحترفة عند ترويجها لسياسات جهة ما ، كما في محطة (FOX, CNN , CBS) ... الخ تاركين بذلك للخبر مساحة صغيرة ولكن غير مشوهة . لقد امست مؤسساتنا الاعلامية في عراق اليوم لا تستطيع قول ما تريد بقدر قول ما يمكن ان يقال . اثر تعامل صحفيينا مع طيف واسع من المحذورات القاتلة ! بالاضافة الى المسافة التي تفصل كل مؤسسة عن الحكومة ، والقوى السياسية التي يغلب عليها التشنج اثر أي نشاط اعلامي يتجاوز خطوطهم الحمراء ، وانقسام خطابنا الاعلامي بين خطابين : الاول خطاب حكومي الفناه وعرفنا نزقه من الاخر ، وخطاب معارض يعتمد الصراخ العالي ورفع عقدة الذب في وجوه الاخرين لتعويض ضعف امكاناته المادية والتي لا ترقى لمستوى (الطموح السياسي) لهذه المؤسسات . ازمتنا الاعلامية الراهنة والاحجية العراقية لقد اصبح واضحاً وبما لا يقبل الشك ، عدم جدوى التفكير بحل لمعضلتنا الاعلامية, الا في اطار حل احجيات الازمة العراقية ، مروراً بضرورة تحرك عجلة الاقتصاد العراقي وارتباطه بالماكنة الاقتصادية العالمية والتي لا تكترث كثيراً باحزابنا الاثنية ومكانتها الاقتصادية القزمة امام هذا العملاق الجديد القادم . وبروز رؤوس اموال مستعدة لتحمل مخاطر ولوج عالم الصحافة والاعلام ، وظهور اسواق اعلانية ضخمة قادرة على ادامة دوران عجلة الاعلام العراقي والذي يعني ضمناً انحسار تأثير رأس المال السياسي ودوره في الاعلام العراقي الراهن والذي لن ينتهي الا بانتهاء مبررات وجود واستمرار قواه السياسية التي تقتات وما زالت تقتات على ازمات ابناء هذا البلد . والتفكير ملياً بضرورة ولادة ارادة اعلامية تسبق أي حديث عن اعلام مستقل الذي سيبدو فارغاً من أي محتوى بناء, بغياب هذه الارادة القادرة على ترسيخ مفهوم (الاعلام المستقل) وعلى ضوء الفهم الصحيح للديمقراطية بأبعادها المدنية وبما يتناسب مع ما قطعه هذا الشعب من مسافة معلومة في درب التغيرات الديمقراطية الكاملة وغير المنقوصة ، وبدون أي افراط او تفريط في التصور او الخطوات .
#فارس_خليل_ابراهيم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العنف ودولة الطوائف في العراق
-
العولمة الاقتصادية والانظمة السياسية
-
العنف و دولة الطوائف في العراق
-
العولمة الإعلامية والضرورات الاقتصادية
-
العراق بين الديمقراطية كخيار وحاجات المرحلة الراهنة
-
الاعلام الحر..أكذوبة من القرن العشرين
-
العولمة والاعلام العربي واشكالية الانسان العربي المعاصر
-
ما العولمة؟
المزيد.....
-
معالجات Qualcomm القادمة تحدث نقلة نوعية في عالم الحواسب
-
ألمانيا تصنع سفن استطلاع عسكرية من جيل جديد
-
المبادئ الغذائية الأساسية للمصابين بأمراض القلب والأوعية الد
...
-
-كلنا أموات بعد 72 دقيقة-.. ضابط متقاعد ينصح بايدن بعدم التر
...
-
نتنياهو يعطل اتفاقا مع حماس إرضاء لبن غفير وسموتريتش
-
التحقيقات بمقتل الحاخام بالإمارات تستبعد تورط إيران
-
كيف يرى الأميركيون ترشيحات ترامب للمناصب الحكومية؟
-
-نيويورك تايمز-: المهاجرون في الولايات المتحدة يستعدون للترح
...
-
الإمارات تعتقل ثلاثة أشخاص بشبهة مقتل حاخام إسرائيلي في ظروف
...
-
حزب الله يمطر إسرائيل بالصواريخ والضاحية الجنوبية تتعرض لقصف
...
المزيد.....
-
السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي
/ كرم نعمة
-
سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية
/ كرم نعمة
-
مجلة سماء الأمير
/ أسماء محمد مصطفى
-
إنتخابات الكنيست 25
/ محمد السهلي
-
المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع.
/ غادة محمود عبد الحميد
-
داخل الكليبتوقراطية العراقية
/ يونس الخشاب
-
تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية
/ حسني رفعت حسني
-
فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل
...
/ عصام بن الشيخ
-
/ زياد بوزيان
-
الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير
/ مريم الحسن
المزيد.....
|