منذ قيام جامعة الدول العربية في عام 1945 وحتى يومنا هذا تأسس الكثير من المؤسسات والمنظمات التي تسعى وتعمل لتحقيق التكامل الاقتصادي العربي , مثل مجلس الوحدة الاقتصادية العربية , منظمة التنمية الزراعية , منظمة التنمية الصناعية, منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول , صندوق الإنماء الاقتصادي الاجتماعي العربي, صندوق النقد العربي, كما تم توقيع عدد من الاتفاقيات بين الدول العربية مثل اتفاقية إنشاء السوق العربية المشتركة, اتفاقية النقل الجوي, وكذلك وضع عدد من الاستراتيجيات العربية التي تهدف إلى تطوير وتعميق التعاون العربي في مختلف المجالات من سياسية و اقتصادية واجتماعية, هنا نواجه سؤالاً هاماً جداً حول مدى مساهمة هذا الإطار المؤسسي الكثيف في صنع وتطوير التعاون العربي على طريق الوحدة الاقتصادية العربية و الوحدة الشاملة , إن معرفة مدى مساهمة هذه المؤسسات والاتفاقيات والاستراتيجيات , يقتضي التعرف عليها أولاً ثم دراسة أثرها على حركة التبادل التجاري والعمالة ورؤوس الأموال بين الأقطار العربية بعضها البعض. [1]
من خلال استعراض الاتفاقيات الاقتصادية العربية التي وضعت في إطار مؤسسات العمل العربي المشترك وجامعـة الدول العربية والمنظمـات العربيـة المتخصصـة ،نلاحظ عدم وجود تقصير في وضع الأطر القانونية والمؤسسية المتعلقة بمسيـرة التكامل الاقتصادي العربي غير أن واقع الأمـور مـا يزال دون الآمال والطمـوح ممـا يدعــو إلى التســاؤل هل خيبــة الأمــل ناتجـة عن قصـور الأطر القانونية أو المؤسسية أم في تطبيق نصـوص هذه الاتفاقيات والواقع أن هنــاك فرق كبير بين موافقة الحكومات على لاتفاقيــات والتصــديق عليها بين الممــارسة والتنفيذ الفعلي لهذه الاتفاقيات ، إن الأهمية الكبرى لا كمن في المصـادقة على الاتـفاقيات بقدر ما تكمن في تنفيذ هذه الاتفاقيات وتطبيقها . ومن أهم الاتفاقات والمعاهدات التي تم توقيعها والمصادقة عليها بين الدول العربية :
ا - اتفاقية تيسير وتنمية التبادل التجاري بين الدول العربية .
ب- الاتفاقية الموحدة لاستثمار رؤوس الأموال العربية في الدول العربية .
ج- ميثاق العمل الاقتصادي القومي .
د - الميثاق العربي للتنمية الاجتماعية الشاملة .
1ـ اتفاقية تيسير وتنمية التبادل التجاري بين الدول العربية : و التي تم تحريرها في تونس بتاريخ 27 شباط 1981 تهدف هذه الاتفاقية إلى ( تحرير التبادل التجاري بين الدول العربية من الرسوم و القيود المختلفة التي تفرض عليها وفقاً للأسس الآتية :
ا - تحرير كامل لبعض السلع و المنتجات العربية المتبادلة بين الدول الأعضاء من الرسوم و القيود المتنوعة المفروضة على المنتجات غير القطرية .
ب - تخفيض التدريجي للرسوم والقيود المختلفة المفروضة على بعض السلع والمنتجات العربية المتبادلة الأخرى .
ج - توفير حماية متدرجة للسلع والمنتجات العربية لمواجهة منافسة السلع غير لعربية المثيلة أو البديلة .
د - تحديد السلع و المنتجات المشار إليها في الفقرات (1 ,2 ,3) في المادة الرابعة أو تلك التي يقررها المجلس . [2]
كما تهدف الاتفاقية إلى التنسيق بين إنتاج السلع العربية وتبادلها , وتيسير تمويل التبادل التجاري بين الدول العربية , منح تسهيلات خاصة للخدمات المرتبطة بالتبادل التجاري بين الدول العربية . وضرورة الأخذ بمبدأ التبادل التجاري المباشر بين الدول العربية .
2 ـ الاتفاقية الموحدة لاستثمار رؤوس الأموال العربية في الدول العربية : تسمح هذه الاتفاقية بانتقال رؤوس الأموال العربية فيما بين الدول الأطراف في الاتفاقية بحرية وتشجع استثمارها . وذلك للمساهمة في تنفيذ خطط و برامج التنمية الاقتصادية الاجتماعية في الدول العربية . ويجب أن تحقق الاستثمارات النفع لكافة الأطراف ( الدولة المضيفة , والدولة المستثمرة ) . ويجب أن تتعهد الدولة المضيفة بحماية المال المستثمر وتوفر له الاستقرار .
وتهدف الاتفاقية إلى تشجيع الاستخدام لرأس المال العربي في عملية التنمية الاقتصادية في الدول التي تحتاج لتمويل التنمية وتنقصها السيولة اللازمة .ويجب أن يحقق المال المستثمر عائداً , مع إمكانية التحويل إلى صاحب المال المستثمر في أي قطر من أقطار الوطن العربي ويجب أن تضمن الدولة المضيفة حق الاستثمار و تصون عوائد و حقوق المستثمر . ( يتمتع المستثمر العربي بحرية القيام بالاستثمار في إقليم أية دولة طرف في المجالات غير الممنوعة على مواطني تلك الدولة و غير المقصورة عليهم و ذلك في حدود نسب المشاركة في الملكية المقررة في قانون الدولة كما يتمتع بما يلزم لذلك من التسهيلات والضمانات وفقاً لأحكام هذه الاتفاقية ) . [3]
كما تقوم المؤسسة العربية لضمان الاستثمار بالتأمين على الأموال المستثمرة وفقاً لهذه الاتفاقية في أي بلد عربي , حسب الشروط و أحكام النصوص الوارد في اتفاقية إنشاء المؤسسة العربية لضمان الاستثمار , كما نصت الاتفاقية على أن تكون أحكامها منسجمة مع القواعد والمبادئ المشتركة في تشريعات الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية ثم بالمبادئ المعترف بها في القانون الدولي .
3 - ميثاق العمل الاقتصادي القومي : أقر مؤتمر القمة العربي الحادي عشر الذي انعقد في عمان بتاريخ 26 تشرين الثاني 1980 ميثاق العمل الاقتصادي القومي , الذي يؤكد المسؤولية القومية لحكومات الوطن العربي لتحقيق الأمن القومي و التحرر والوحدة , وتأمين سير عملية التنمية الشاملة المتوازنة , واعتراف المجتمعون ( أن العمل الاقتصادي يمثل عنصراً رئيسياً في العمل العربي المشترك وقاعدة راسخة ومنطلقاً مادياً له , وبأنه يشكل الأرضية الصلبة للأمن القومي الذي يتعزز بالتنمية المستقلة الشاملة وبأن جدوى العمل المشترك يتجاوز الجمع الآلي للعمل القطري ), لذلك من الضروري تحييد العمل الاقتصادي العربي المشترك عن الخلافات العربية و إبعاده عن الهزات و الخلافات السياسية الطارئة , وقررت الدول العربية كيفية التعامل التفضيلي المتبادل وفقاً لما يلي :
ا - تزم الدول العربية بأولوية علاقاتها ومعاملاتها الاقتصادية بالنسبة لعلاقاتها مع العالم الخارجي .
ب - تتكفل بمبدأ التعامل التفضيلي الكامل للسلع والخدمات وعناصر الإنتاج العربية ذات لهوية العربية المؤكدة ( ملكية و إنتاجاً وعملاً وإرادة ) .
ج - المعاملة التفضيلية التامة للمشروعات العربية المشتركة ذات الطبيعة الإنتاجية و التكاملية . [4]
وأقر الميثاق عدم التفريق بين العمل ورأس المال العربي والوطني في كل قطر عربي , ودعا إلى تحرير تنقل الأيدي العاملة العربية , والعمل من أجل تقليص الفحوى التنموية فيما بين أقطار الوطن العربي . واعتماد مبدأ التخطيط القومي للمشاريع العربية المشتركة كأسلوب لتوجيه وتنظيم وتطوير العمل العربي المشترك , ( تحرير التبادل التجاري المباشر بين الدول العربية على أن يكو ذلك في إطار جهد تنموي تكاملي يعزز القاعدة الإنتاجية وينوعها.)
و أكد الميثاق على ضرورة تعزيز التعاون العربي مع الدول النامية للإسهام الفعال في إقامة نظام اقتصادي دولي جديد يهدف إلى إقامة علاقات اقتصادية متكافئة وعادلة , ووقف استنزاف موارد العالم الثالث .ودعا الميثاق إلى ضرورة تدعيم القدرة الذاتية العربية على المستوى القطري والقومي لمواجهة التحدي الصهيوني والتصدي له في كافة المجالات .
4 ـ الميثاق العربي للتنمية الاجتماعية الشاملة : اعتمدت اللجنة العليا المشرفة على إعداد ميثاق واستراتيجية التنمية الاجتماعية في اجتماعها المنعقد بتونس يومي 1 و 2 أيلول 1983 صيغة الميثاق العربي للتنمية الاجتماعية الشاملة , التي تحدد حجم الأخطار المحدقة بالأمة العربية وفقاً لما يلي :
ا - التجزئة الإقليمية و الاجتماعية التي تهدد الأمن القومي , وتهدر الإمكانيات العربية و تزيد من فجوة التفاوت الإنمائي بين الدول العربية .
ب - التبعية ذات الأخطار المتنوعة والتي تحول دون التقدم الاقتصادي وتؤخر عملية التنمية وتعيق الاستقرار .
ج - التخلف الاجتماعي والذي يتجلى في عدم الاستغلال للثروة البشرية والمادية,وفي تفاوت مستويات المعيشة .
د - الاستعمار بشكلية القديم والحديث وخاصة الاحتلال الأجنبي الذي يهدد الكيان لعربي, والغزو الثقافي الذي يشوه الهوية الحضارية للأمة العربية .
"تجسيداً لما ورد في هذا الميثاق من مبادئ و أهداف و منطلقات , و تنفيذاً لها , يتم العمل على وضع استراتيجية عربية للتنمية الاجتماعية الشاملة في إطار جامعة الدول العربية تستمد منها الخطط القطرية و القومية الأبعاد الاجتماعية و الثقافية للتقدم الاجتماعي و مستلزماته , و تتكامل مع استراتيجية العمل الاقتصادي العربي المشترك و الاستراتيجيات القطاعية الأخرى على المستويين القطري و القومي ". [5]
لذلك حرصت الدول العربية من خلال الجامعة العربية على وضع ميثاق عربي للتنمية الاجتماعية يوضح الرؤية و يحدد الأخطار المحدقة بالأمة العربية لتطويقها والعمل على تراجعها والقضاء عليها , بما يضمن المستقبل الأفضل للإنسان العربي والمجتمع العربي .
إن العمل الاقتصادي العربي المشترك لا يمكن أن يظل دائماً مجرد رد فعل أو تعبير عن الحد الأدنى لأنه يعد المستقبل ذاته للأمة العربية , ولا مستقبل للعرب في ظل دويلات و كيانات ضعيفة وصغيرة في عالم الغد , إن العمل العربي المشترك والفعال هو الممكن الوحيد للأمة العربية لكي تخرج من تخلفها وتتخلص من تبعيتها على الساحة العالمية , والظروف العربية الراهنة من انقسام و تفارق تدعونا أكثر من أي وقت مضى , وتدعو كل من له غيرة وانتماء عربيين للدفع أكثر باتجاه إعادة النظر في أساليب العمل الاقتصادي العربي المشترك بل إعادة صياغة أساليب التوحيد العربي على أساس أكثر صلابة ورصانة من الصيغ الترقيعية التي اتبعت لحد الآن. [6]
الدكتور مصطفى العبد الله الكفري
جامعة دمشق – كلية الاقتصاد
[email protected]
--------------------------------------------------------------------------------
[1] - أنظر , ملف المستقبلات العربية البديلة , جامعة الأمم المتحدة , منتدى العالم الثالث , مكتب الشرق الأوسط , العدد 2 القاهرة تشرين الأول 1986م ص 10.
[2] - المادة الثانية من اتفاقية تيسير وتنمية التبادل التجاري بين الدول العربية, جامعة الدول العربية, وثائق اقتصادية رقم 2 تونس 1982 ص 6 .
[3] - الاتفاقية الموحدة لاستثمار رؤوس الأموال العربية في الدول العربية وثائق اقتصادية رقم 3 . جامعة الدول العربية . تونس 1982 ص/8/.
[4] - ميثاق العمل الاقتصادي القومي , جامعة الدول العربية , الأمانة العامة .
[5] - ميثاق العمل الاقتصادي القومي , جامعة الدول العربية , الأمانة العامة 1980 .
[6] - د.عبد العال الصكبان, نحو تنظيم جديد لإدارة العلاقات الاقتصادية العربية الجديدة, مجلة المستقبل العربي العدد 46 كانون الأول 1982 ص69.