محمد بن سعيد الفطيسي
الحوار المتمدن-العدد: 2287 - 2008 / 5 / 20 - 03:26
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
وجهان للعالم الحر كما يحلو للكثيرين أن يطلقوا عليه , نعم 000 هو ذلك العالم الذي صنعه الرجل الأبيض من عجينة الديمقراطية الغربية ومفاهيم حقوق الإنسان , بحيث يتضح احد تلك الوجوه للحرية وبكل جلاء – بحسب رؤية تلك الدول - , من خلال مواسم جراح هذه الأمة بمرور السنوات والأعوام على نكساتها ونكباتها في كل بقعة من بقاعها , في فلسطين والعراق ولبنان والسودان وغيرها من أجزاء هذه الأمة العظيمة والوطن العربي الغالي , أما الوجه الآخر فيتضح من خلال احتفال أعداءها ومغتصبي حقوقها بانتهاك تلك الحقوق والحريات , فما أعجب لعالم يدعي الحرية والعدالة والمساواة والديمقراطية , ويتخذ من دموع الثكلى واليتامى والمغتصب حقوقهم مواسم ومناسبات للفرح والاحتفال 0
وهذا على وجه التحديد ما نشاهده اليوم وكل يوم , وفي كل مناسبة للنزف العربي , حيث تمر علينا هذه الأيام ذكرى مرور 60 عاما على نكبة الأمة الإسلامية , بسلب واحد من أهم أبناءها – ونقصد – الوطن المسلم العربي الفلسطيني – ارض الطهر والرسالات والأنبياء , في وقت يحتفل فيه الصهاينة ومن ناصرهم وهاودهم في كل أرجاء المعمورة , وفي نفس الوقت واللحظة , بما يطلقون عليه مناسبة حرب الاستقلال او تأسيس دولة صهيون , على الأرض الفلسطينية العربية المغتصبة , لتكون مواسم أحزاننا وجراحنا , مواسم أخرى تحتفل فيها إسرائيل طربا بتلك الجراح والأحزان والماسي الإسلامية والعربية , ولكن بطريقتها الخاصة 0
وهنا تتضح لنا معالم الحقيقة المرة التي اشرنا إليها سابقا , آلا وهي صورة العدالة والمساواة والديمقراطية الغربية المزعومة , ذات المعايير المزدوجة والمركبة في هذا العالم الأعمى , وخصوصا الاميركية منها , والتي تتشارك والجلاد على عزف أهازيج الفرح والسرور بمناسبة اغتصاب وانتزاع الأرض العربية في فلسطين من أبناءها , وهو ما يتكرر كل موسم من خلال خطابات الداعمين والموالين للمستعمرة الإسرائيلية الكبرى وجرائمها وإرهابها , والتي كان آخرها ما سمعناه على لسان الرئيس الاميركي جورج 0 دبليو 0 بوش , يوم الخميس الموافق 15/ 5 / 2008 م , من خلال خطابه بالكنيست الإسرائيلي , وذلك بمناسبة احتفال هذه الأخيرة بيوم اغتصاب الأرض الفلسطينية العربية , وتأسيس مستعمرة الإجرام و الإرهاب " إسرائيل " على ترابها الطاهر0
وهكذا تتجلى أمامنا حقيقتين تاريخيتين لابد من استذكارهما دائما , وأولهما نقطة لابد أن يدرك معالمها جميع أبناء هذه الأمة بدون استثناء , وعلى وجه التحديد قادتها وزعاماتها ومن جعل الله في أيديهم تسيير أمورها وتسيس شعوبها , وهي أن عودة الحقوق المغتصبة الى أصحابها في كل أرجاء امتنا الإسلامية ووطننا العربي , لا يمكن أن تكون بالمداهنة والخنوع والانكسار , والسير وراء الجلاد والمعتدي في محاولة مكشوفة ورخيصة للحصول فيها على بعض فتات الحرية والديمقراطية والحقوق المغتصبة , بل يتأتى ذلك بامتلاك جميع وسائل القوة الإيمانية والمادية والإرادة السياسية , وتخطي عقبة العجز والتبعية للمعتدي بجميع أشكالها , وبذلك فقط سنتمكن من العودة من جديد الى الخطوط المتقدمة بين الأمم 0
ولكن - وللأسف – فقد أدرك ذلك الواقع وتلك الحقيقة التي لا مفر منها , أعداءنا قبلنا بأشواط طويلة , فعملوا على أساسها ووفق قواعدها وقوانينها ومبادئها , - ونقصد – أنهم فقهوا لمسالة أن الرضوخ والتنازلات ومبادلة الأرض بالسلام , لن تسمن او تغني من جوع , وخصوصا على المدى الطويل , وان لم يمانعوا من ممارستها كتكتيك مؤقت يهدف لذر الرماد في العيون العربية , وفرصة لالتقاط الأنفاس , حيث أنهم يدركون من انه لم يوجد مثال واحد في التاريخ على شعب يقول نحن موافقون على التخلي عن أرضنا , وليات آخر ليقم عليه , ويؤكد ذلك الفهم لتلك الحقيقة , الصهيوني الإسرائيلي جوزيف وايتز في رؤيته للسلام مع العرب فيقول : يجب أن يكون واضحا في ما بيننا , أنه لا مكان في البلد لشعبين معا , فمع العرب لن نحقق هدفنا بان نكون شعبا مستقلا في هذا البلد الصغير , ويشاركه في نفس الطرح الصهيوني الآخر موشيه ديان في قوله :- أننا – أي – نحن الإسرائيليون محكوم علينا أن نعيش في حالة حرب دائمة مع العرب , وليس من مفر من التضحية واهراق الدماء , قد يكون هذا وضعا لا نتمناه , ولكنه أمر واقع , إذا أردنا أن نستمر في عملنا ضد رغبة العرب 0
ليتضح لنا بجلاء طبيعة تلك العلاقة التي يمكن أن تتحقق بين المعتدي والضحية , من خلال نظرة تلك القيادات الصهيونية المؤسسة لهذا الكيان السرطاني على ارض امتنا الإسلامية ووطننا العربي , فما لحظات الهدوء التاريخية بينهما أن وجدت أصلا , سوى لحظات تسبق عصف الرياح العاتية , والتي لابد أن يتلوها بالطبع عودة الى النزف والصراع واهراق الدماء 0
أما النقطة الثانية والتي لابد من إدراكها وفهمها في طبيعة الصراع العربي الإسرائيلي , وهي حقيقة مسالة استحالة وقوف الغرب معنا في قضيتنا ضد المستعمرة الإسرائيلية الكبرى , وخصوصا الولايات المتحدة الاميركية وبريطانيا , فقيام ووجود هذا السرطان أصلا كان بتبني ورعاية منهما , وبالتالي فان المستحيل نفسه هو أن تتخلى تلك الدول عن وليدها بعد كل هذه السنوات من الصراع , وبالتالي فان الاعتماد على الغرب ككل , والولايات المتحدة الاميركية على وجه الخصوص لإعادة حقوقنا المسلوبة في كل مكان , ما هو سوى ضرب من ضروب الخيال والهرطقة 0
فقبل بضعة أشهر من إعلان بلفور , كتب حاييم وايتزمان هذه الكلمات حول الآمال المتعلقة بالتأسيس التدريجي للوطن اليهودي في فلسطين , وكيفية وجوب أن تتبنى إحدى الدول الكبرى هذه القضية بالرعاية والحماية والدفاع , فهو يدرك تمام الإدراك بان هذه المستعمرة لا يمكن لها أن تنشا وتتوسع بدون وقوف وتحالف القوى الكبرى معها , فوقع الاختيار في ذلك الوقت على بريطانيا , حيث يقول وايتزمان :- ينبغي أن تبنى الدول ببطء , وتدريجيا ونظاميا وبصبر , وعليه نقول بان خلق دولة يهودية في فلسطين , لابد أن يمر بسلسلة من المراحل الوسطية , وإحدى هذه المراحل الوسطية والتي آمل أن تتحقق بنتيجة الحرب , هي أن توضع فلسطين تحت حماية قوة كبيرة مثل بريطانيا العظمى , وتحت كنف هذه القوة سيتمكن اليهود من أن يطوروا ويعدو الآلية الإدارية التي ستمكننا من تنفيذ المخطط الصهيوني 0
وبالفعل فقد وقفت بريطانيا بكل عدتها وعتادها مع مستعمرة الظلم والإجرام الصهيوني في فلسطين , حتى تمكنت هذه الأخيرة من توطيد أركانها وقوتها وبسط نفوذها وسيطرتها على اغلب الخارطة الفلسطينية وبعض من حولها من الأراضي العربية , ولتستمر المأساة بمشاركة الإمبراطورية الاميركية في تنفيذ ذلك المخطط الصهيوني في الشرق الأوسط , لدرجة أن يتطور ذلك التبني ليكون جزء لا يمكن تقسيمه او تجزئته من العقيدة الصهيواميركية السياسية منها وحتى الدينية , والدليل على ذلك اعتبار إسرائيل جزء من الولايات المتحدة الاميركية , واليهود الصهاينة في إسرائيل من أهم أولويات ومسؤوليات القيادات الاميركية المتوالية - " انظر كتاب سياستان إزاء العالم العربي لـ بونداريفسكي والفكرة الصهيونية لـ ابرهام ارتسبورغ 0
لدرجة أن الرئيس الامريكى الثالث توماس جفرسون اقترح أن يكون رمز الولايات المتحدة الاميريكية شعارا بمثابة " أبناء إسرائيل " تقودهم غيمة في النهار وعمود بالليل , متأثرا في ذلك بثقافة أميركية تستمد جذورها من التوراة العبرية – سفر الخروج - : كان الرب يسير أمامهم نهارا في عمود سحاب ليهديهم سواء السبيل , وليلا في عمود نار ليضيء لهم , كما وانه وفي هذا السياق يقول قسيس كلينتون , موجه خطابه الى الرئيس الاميريكي السابق بيل كلينتون " انك إذا أهملت إسرائيل , فلن يغفر لك الله ذلك أبدا ... فان الله يشاء أن تبقى إسرائيل لشعب الله , الى ابد الأبد". , هذا الى جانب الكثير الكثير من الدلائل المادية والمعنوية على ذلك الانحياز والمولاة للكيان الصهيوني والمستعمرة الإسرائيلية الكبرى في فلسطين0
وها نحن اليوم وفي سياق تلك المولاة , نسمع تكرار تلك الأصوات من مرشحي الرئاسة القادمين , فقد شدد باراك اوباما الطامح لنيل ترشيح الديمقراطيين في السباق الى البيت الأبيض بتاريخ 27 / فبراير / 2008 م على دعمه الثابت لإسرائيل والعلاقات مع المجموعة اليهودية , أما هيلاري كلينتون , وفي مقال نشر مؤخرا بمجلة " نيويورك ريفيو أوف بوكس الأميركية للكاتب مايكل ماسنج فقد أشار هذا الأخير الى أن " الديمقراطيين هم المستلمون الأوائل لتبرعات المؤيدين لإسرائيل , ويواصل قوله إن "اكبر مؤيدي إيباك في إسرائيل هم الليبراليون المعروفون مثل نانسي بيلوسي و هينري واكسمن و جيرولد نادلر وهاورد بيرمان وهيلاري كلينتون , - انظر مقالنا : قضايانا العربية في ضوء الانتخابات الأميركية 0
وأخيرا ها هو الرئيس الاميركي جورج دبليو بوش , وفي مناسبة مشاركته الصهاينة الإسرائيليين ليوم حرب الاستقلال او تأسيس دولة صهيون , على الأرض الفلسطينية العربية المغتصبة , وفي خطابه أمام الكنيست الإسرائيلي بتاريخ 15/ 5 / 2008 م , يؤكد دعمه اللامحدود للكيان الصهيوني ومستعمرته الإجرامية فيقول بان شعب إسرائيل قد يزيد عن سبعة ملايين نسمة بقليل ، لكن عندما تواجهون الإرهاب والشر سيكون عددكم 307 ملايين لان أميركا الى جانبكم , ويصف بوش إسرائيل حليفة الولايات المتحدة في الذكرى الستين لقيامها بأنها " وطن الشعب المختار " مع إشارة عابرة الى آمال الفلسطينيين في إقامة دولة , وقال بوش : يرى البعض انه إذا قطعت الولايات المتحدة علاقاتها مع إسرائيل فان كل مشاكلنا في الشرق الأوسط ستتبدد , ومن وجهة نظري بان هذا جدل مبتذل ينتمي الى دعايات أعداء السلام وأمريكا ترفضه بصورة مطلقة 0
باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية – سلطنة عمان
[email protected]
#محمد_بن_سعيد_الفطيسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟