لا يبدو ان العراقيين وحدهم كانوا متوجسين من احتمال عودة صدام الى السلطة قبل الامساك به في جحره، بل يتعدى الامر ذلك الى الكثير من الاطراف الخارجية خصوصاً العربية. فهذا وزير عربي قرر اخيراً، بعد اعتقال صدام، "الكشف" عما دار في لقائه به قبيل الحرب. وقد قيل سابقاً ان صدام طرد ذلك الوزير لانه اقترح استقالته لتجنيب العراق حرباً مؤكدة. وهذه الجامعة العربية توفد، بعد تسعة اشهر من المعاناة العراقية، والتمنع "الجامعربي"، مندوبين الى العراق للاطلاع على اوضاعه، ليس من خلال مؤسساته الرسمية بل بجولات ميدانية دون مرافقة اجهزة مخابرات رسمية. بل ان مبعوث الجامعة قال في اول موقف رسمي لا ندري ان كان سيعاتب عليه، من الصعب تصور نظام يقوم بهذا الحجم من عمليات الابادة. وربما نشهد لاحقاً الكثير من التصريحات والمواقف التي احتجبت طوال شهور في انتظار ان يجري التأكد من ان اختفاء صدام ليس جزءاً من سيناريو ينتهي باعادته الى السلطة.
الجامعة العربية تحتاج الى الكثير من اجل كسب ثقة العراقيين والتخفيف من اندفاعتهم النافرة من الواقع العربي، وهي اندفاعة مبنية على اساس الاستهانة العربية، ليس فقط الرسمية، بالانسان العراقي وحقوقه البشرية الاولية.
يكفي ان يزداد زخم هذه الاندفاعة "الانتي عربية" في العراق حين يرى العراقيون ويسمعون ان المئات من العرب يتطوعون للدفاع عن جلادهم على مدى عقود، بل يخرج بعض هؤلاء بمرافعات دفاعية سياسية عبر الفضائيات مصرين على وصفه بـ"القائد العربي الرمز الذي يجسد ضمير الأمة العربية وشرفها". تُرى كيف يراد للعراقيين ألا ينفروا من أمة هذا رمز شرفها وعزتها كما يدّعي اصحاب هذا الخطاب الجاهلي المتلبس بلباس المدافعين عن العدالة؟ هذا الموقف يطرح الكثير من الاسئلة عن رسالة المحاماة وهل هي احقاق الحق ومساعدة المحكمة في الوصول الى الحقيقة وبالتالي انقاذ البريء؟ ترى كيف سينظر العراقيون لمن يدافع عن جلادهم وقاتل ابنائهم وناهب ثرواتهم وهادر كراماتهم طوال عقود؟
من الواضح ان هذا الموقف سياسي وليس مهنياً، وبالتالي فان الدفاع هو سياسي ايضاً. واذا كان الامر كذلك فان نتيجة هذا التصرف ستكون مزدوجة: فهو سيضيف لبنات جديدة على الجدار الذي ساهم بعض العرب، رسميين واحزاباً "ثورية" في رفعه بين العراقيين والعرب، كما انه سيحوّل المحاكمة من محاكمة صدام حسين الى محاكمة لنهج عربي يقوم على مناصرة المستبد والظالم والطاغية في وجه ملايين الضحايا الذين اعدوا منذ الآن ملفاتهم وقدموا دعاواهم الى المحاكم العراقية.