|
الثقل الاستراتيجي للعراق في الشرق الأوسط
سهيل أحمد بهجت
باحث مختص بتاريخ الأديان و خصوصا المسيحية الأولى و الإسلام إلى جانب اختصاصات أخر
(Sohel Bahjat)
الحوار المتمدن-العدد: 2286 - 2008 / 5 / 19 - 10:44
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
للحظ دور كبير في خلق القيمة الاستراتيجية لأي بلد، فالأرض و الثروات و الموقع الجغرافي كلها أمور ليست من صنع الإنسان، لكن هذا لا يعني أن الإنسان لا يد له في صنع قيمة استراتيجية و سياسية لأي بلد، فالشعب الذي يستطيع تجاوز مشاكله و بناء إنسان حر و عقل قائم على الحرية و رفض الاستبداد و المستبدين، يخلق عبر هذا الفعل الإرادي قيمة تتجاوز معايير الحظ التي تؤثر في خلق الاستراتيجية، و الأهم هنا هو أن قيمة الأرض و الثروات و الموقع الجغرافي تضيع أو تقل إذا ما وضعنا فيه شعبا يعاني من أمراض الدكتاتورية و الطائفية و العنجهية القومية إضافة إلى الجهل و التخلف. و العراق الآن يخوض هذا الامتحان العسير الذي يتطلب الكثير من الجهود الحكومية و الشعبية و شرائح المجتمع، و كلما رسخت ثقافة الديمقراطية و الحرية الفردية و الحريات العامة، و كلما رفض الشعب أن يتنازل للسلطة التي تحاول قهره و سلب بعض أو كل حقوقه، كلما ازداد العراق قوة و أهمية على الساحة الدولية و الإقليمية، و إذا كان البعض يظن أن العراق كان قويا في وقت ما! و تحديدا أيام البعث و حكم و هيمنة النظرية القومية، فإن هذه نظرة قاصرة و محدودة بكل معنى الكلمة، فالعراق كان يملك جيشا ضخما و مليارات الدولارات، إلا أن الإنسان كان عديم القيمة و لم يكن هناك وجود لشيء اسمه "حقوق الإنسان"، "الحرية كوجود واقعي و قيمة قانونية"، "حق الاعتراض و الاحتجاج" و غيرها من المباديء التي ترسخ مفاهيم الدولـــة و القانـــون. لقد كان العراق دوما يدفع ثمن الصراعات الإقليمية و الدولية، و دوما كانت حكوماته ـ على الأخص في العهد الجمهوري الشمولي 1958 ـ 2003 م ـ تدفع بالعراق باتجاه دفع الثمن و اتخاذ الموقف الخاطيء من الأزمات، فكان العراق في العهد الملكي يتجه نحو سياسة واقعية براغماتية، لكن أحزاب المعارضة الرجعية ـ الشيوعية و القومية و الإسلامية التي كانت آنذاك ضعيفة ـ دفعت بالحكومة إلى انتهاج مواقف قائمة على الشعارات و ثقافة الهتاف و الخطابات الرنانة، و كنتيجة عن ثقافة "المؤامرة" و الزج بالثقافة و العقل العراقي في المعركة أو ما أسموه الصراع العربي ـ الإسرائيلي أو مواجهة "الاستعمار و الامبريالية الغربية" حسب تعابير الأحزاب الآيديولوجية، خسر العراق كل فرصة في أن يصبح أولا دولة بالمعايير الحديثة و ثانيا لم يصبح العراق ذا أهمية استراتيجية لصالح شعبه، بل كان مهما "استراتيجيا" للآخرين فقط، فقد اهتم بأهميته الاتحاد السوفيتي و الولايات المتحدة، لكن العراق في الواقع لم يكن سوى ســاحة لصراعات الآخرين لعقود إن لم نقل لقرون!. كان العهد الملكي رغم كل سلبياته إيجابيا من ناحية أنه كان يسعى إلى جعل البلد جزءا أو عضوا مهما في المنظومة الغربية الديمقراطية الرأسمالية ـ هذه الكلمة لها مردود سيء في العقل العراقي الذي لا زال يعاني من جراثيم الماضي ـ لكن ما أن جاء العهد الجمهوري حتى أصبحت السلطة مكانا و ساحة صراع للأحزاب الآيديولوجية القومية و الشيوعية و فيما بعد دخل الإسلاميون في هذه الحلبة، و انجر العراقيون شاءوا أم أبوا إلى الصراعات الإقليمية و هيمنة ثقافة "الجماهير التي لا وعي لها" التي تركض وراء الزعيم الأوحد، و كان للعراق رغم كل ثقله و أهميته أن يصبح حاله حال دول المنطقة في أن شعبه مسلوب الإرادة باسم "الحرية"، "الاستقلال الوطني" و "حكم الشعب" و أنه مجرد معبر للآخرين. و من الطبيعي أن ينتهي حال بلد هيمن عليه عقل "الصراع" و التخوين و نسبة الآخرين إلى العمالة و الجاسوسية و الشعب الذي ليس إلا وقودا لطموحات كل فاتح جديد، من الطبيعي أن ينتهي الأمر بكارثة حقيقية، و عندما دخلت قوات التحالف إلى العراق في 2003 م لم تعثر في طريقها إلا على الخراب و المعاناة و العقول المخدرة و الملوثة بـ"ثقافة المقاومة" و تعليق صور الزعماء "الأصنام" الدينية و القومية و الآيديولوجية، و كان العراق قد انتهى كدولة منذ انقلاب 1958 الذي أطاح بنواة دولة كان من الممكن أن تتخطى التفرقة الطائفية و العرقية، و رغم كل البساطة و الوطنية التي أظهرها "عبد الكريم قاسم" إلا أنه لا يستحق كل المديح و التضخيم الإعلامي لأن الرجل فتح أبواب جهنم على العراقيين و لأنه هيء ـ من حيث لا يدري ـ لإصابة العراق بسرطان البعث. و الآن و نحن في طريقنا لبناء نظام سياسي و اجتماعي و اقتصادي جديد، علينا تخطي جملة أمور و على الشعب أن يُسقط أؤلئك الذين يريدون منا أن نعود إلى الماضي و لغة "تمجيد المقاومة" المزعومة و الصراعات و الحروب الإقليمية و بالأخص ما يسمى الصراع العربي ـ الإسرائيلي، لأن المصلحة الوطنية تقتضي أن نتخلى عن العاطفة و الشعارات في سبيل إبقاء العراق آمنا كشعب و أرض و لكي لا يصبح العراق ضحية شعارات الآيديولوجيين الدكتاتوريين في المنطقة، و للأسف فإن هناك أحزابا و تيارات "دينية" تدفع بالعراق بهذا الاتجاه و أؤكد أن رفع هؤلاء لشعار "مصلحة العراق" ليست إلا لأغراض تجارية و لخداع المواطنين الذين لا زالوا أسرى الثقافة القديمة، كما أن هناك أحزابا ـ قومية تشعر و تؤمن بأن لها امتدادا خارج العراق ـ تريد زجّ العراقيين في حروب جديدة مع دول مجاورة، و من واجب الشعب و طبقته السياسية المثقفة أن لا تنجر وراء الطموح السياسي لهؤلاء و منعهم من تسلق طموحهم السياسي اللا قانوني على أكتاف و دماء الشعب العراقي. حقيقة أنه من الغريب أن يقوم السياسيون و الحكام ـ الجدد ـ برفع ذات الشعارات التي كان البعث و نظامه الإرهابي يعتز بها و أجد ازدواجية ـ نفاقا بالتعبير الديني ـ بين ما يطرحه هؤلاء من شعارات و برامج سياسية تختصر العراق الكبير إلى جزء من أمة أكبر ـ حسب زعمهم ـ أمة عربية أو أي قومية أخرى أو أمة إسلامية، بينما العراق الديمقراطي الجديد يقتضي جعل العراق "أمة قائمة بحد ذاتها" و أن هذه الأمة ليست بحاجة إلى إسباغ أي نوع من الشرعية الدينية أو القومية على وجود و ماهية الشعب و الدولة العراقية، العراق البراغماتي الذي لا مقدس فيه إلا مصلحة المواطن العراقي و أن كل الأفكار و المناهج القائمة على الصراع و الحرب سواء تلك القائمة على التبرير الديني أو القومي أو الآيديولوجي النظري لا بد لنا من حذفها من قاموسنا السياسي، لبناء عراق حرّ و آمن و ديمقراطي. Website: http://www.sohel-writer.i8.com Email: [email protected]
#سهيل_أحمد_بهجت (هاشتاغ)
Sohel_Bahjat#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الإعلام العراقي .. ثقافة احتقار الشعب
-
أهمية انتخابات مجالس المحافظات للمواطن العراقي
-
السيد الخازن .. و القرود الثلاثة..!!
-
لبنان و أزمة الشخصية القانونية
-
لا -عراق- مع فقر..
-
العراقيون و تداعيات الكوارث الفكرية
-
أيها الائتلافيون.. ألا تستحون؟
-
نحو -أُمم ديمقراطية متحدة-!!
-
الثقافة العراقية و الطريق إلى الحداثة
-
حربنا المصيرية ضد الإرهاب
-
فليأكل الجياع -الكعك-!!
-
الأحزاب -الشعاراتية- العابرة للحدود
-
العراق و النقلة الحضارية
-
العراق .. نحو -الهوية الإنسانية-!!
-
المواطن العراقي .. و حكم الأقلية الفاسدة
-
سؤال حيَّر العراقيين!!
-
حياة ثقافية.. للرجال فقط!!
-
لبننة العراق و عرقنة لبنان!!
-
المشهداني: -وا معتصماه.. وا صدّاماه-!!
-
لن ننسى جرائم البعث.. و لن يخدعنا المسئولون الجدد
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار
...
/ حاتم الجوهرى
-
الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن
/ مرزوق الحلالي
-
أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال
...
/ ياسر سعد السلوم
-
التّعاون وضبط النفس من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة
...
/ حامد فضل الله
-
إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية
/ حامد فضل الله
-
دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل
...
/ بشار سلوت
-
أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث
/ الاء ناصر باكير
-
اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم
/ علاء هادي الحطاب
-
اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد
...
/ علاء هادي الحطاب
المزيد.....
|