يبدو لي النقاش الحار والمتصاعد حول قضية الحجاب منذ زمن بعيد ، والذي اشتد واحتد هذه الايام خاصة ، وعلى خلفية القضية المطروحة تحديدا ( الحجاب الفرنسي ! ) .وتناولها من قبل الكثير من الكتاب العرب والمسلمين ووسائل الاعلام المسموعة والمرئية ، والنشاطات المحمومة التي تجسدت في الاجتماعات الاحتجاجية والمظاهرات المنددة والمناشدات "الحارة " من شخصيات مهمة ومسؤولين وجماهير ( عريضة ) و...الخ .والتي من المحتمل ان تتصاعد بعد ! حيث ان( الشعوب العربية والاسلامية ) تعتبرها الان قضيتها الاولى! فلا تلتفت ولا يهمها فحوى تقارير الامم المتحدة ، ولا اليونسكو ، ولا المنظمات المحلية المحايدة ، التي تحكي عن مآسي العرب والمسلمين في نسبة الامية ودرجات التخلف وكثرة الامراض والعدد الهائل للوفيات غير المبررة والهدروالتبذير الظالمين للاموال العامة والهدر الاخر والاهم في( وقت ) هذه الشعوب . في الوقت الذي تضع اقوام اخرى في القرن الواحد والعشرين البرامج العلمية لغزو الفضاء ولتطوير العلوم بكل فروعها , ووضع حلولا للقضايا الملحة التي تشغل البشرية كالبطالة وتوفير فرص العمل امام ملايين الشباب والخريجين ، وعدم التوقف عن تطوير برامج التعليم وتحسين الخدمات ، وفي كل يوم تنتج الالاف من الافكار القيمة والمبتكرات في مختلف مجالات الحياة ، وتكتشف كل يوم قضايا جديدة في باطن الارض وظاهرها والفضاء ايضا ، والبحث عن كل ما يمت لحياة الكائنات الحية وغيرالحية . غير ان ( العرب والمسلمين ) لا يعطون اية اهمية لكل ذلك ولما يتعلق بحياتهم وحياة الاجيال القادمة بقدر اعطائهم هذا القدر من الاهتمام والتعظيم لقضية الحجاب !! اذ انهم ومنذ قرون ما زالوا في نقاش محتدم ولم يحسم بالطبع ! في هل ان النبي محمد في قوله قصد الحجاب او البرقع والفروق بينهما ! ( مقالة صافيناز في الشرق الاوسط ) ومجموعة مقالات اخرى بهذا الشأن . ويتناول النقاش ويطول حول اشكال الحجاب وهل يشمل كل الوجه ام شعر الرأس ، وغيرها من التفاصيل المملة المتعلقة بأشكال وعرض وطول والمساحة التي يجب ان يشغلها هذا الحجاب !! .
والظاهر ان قضية الحجاب هذا قد غطت على العقل ( العربي والاسلامي ) كما غطت شخصية وقضية صدام المجرم على عقلية اغلب ( المثقفين والجمهور العربي والاسلامي ) . ويضطر المرء المتابع لهذه القضية ان يخرج باستنتاج واحد لكـــــنه مآساوي مع الاسف ، وهو كأن ( مصير الاسلام ومستقبله) مرتبطان بوجود هذا الحجاب على وجوه المسلمات؟!.والاّ ما معنى وما سر ان تعم اعمال الاستنكار والمظاهرات والمسيرات الاحتجاجية في فرنسا وبلدان عربية واسلامية ، والمناشدات من شخصيات معتبرة بدءا من الشيخ القرضاوي والسيد فضل الله ومرورا بللسيد عامرالحسني العالم الشيعي العراقي الذي دعا الى مقاطعة البضائع الفرنسية . ويمكن ان يثني المرء على موقف الازهر الذي اعتبر ان المسألة شأن داخلي .
والغريب ان هؤلاء المعترضين والمستنكرين يدعّون بأن موقفهم هذا ينبع من مسألتبن : الاولى انهم انما يدافعون عن الحريات الشخصية !! ولعمري ان هذا الادعاء ليس له اساس من الصحة . فهذه الاصوات لم ترتفع ولو بالهمس ليس ضد تقييد الحريات فحسب ، وانما ضد جرائم الابادة والقتل العشوائي واساليب التعذيب والقمع والاعتقال لسنواتٍ طويلة دون توجيه تهمة معينة ، او الكبت الابدي على انفاس الناس افرادا وجماعات في البلدان العربية والاسلامية . لا بل ان الكثير من تلك الاصوات كانت وما تزال تبرر الكثير من تلك الجرائم والممارسات البشعة وبحق العرب والمسلمين بالذات !! . ويمكن ملاحظة ان تلك الاصوات تكليل بمكيالين لمختلف الاعمال والافعال وفي الواقع توجد الكثير من الامثلة على ذلك . و حجتهم الثانية .. ان الامر يتعلق بتطبيق الشريعة والسنة . مع احترامي الكامل لكل شرائع وسنن الاديان ، ولكن هل من المعقول ان تتم الدعوة و"اجبار " الناس للتمسك بقضية مظهرية " تتعلق مظهر الانسان " ليس الاّ . وقد قيلت في حينها وفي ظل ظرف معين ؟ . والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا لا يتم وبهذا الالحاح او " اجبار " الافراد والجماعات والذين بيدهم الحل والربط ومنهم الحكام بشكل خاص في الاهتمام بالانسان ذاته ،حريته وحقه في الحياة والعمل و...الخ من القضايا الجوهرية التي اكد عليها الشرع والتعاليم السماوية والتي وردت على لسان الانبياء والمرسلين والكتب السماوية ؟!
اذن برأيي فان القضية لا تعدو عن كونها مسألة فكرية مرتبطة بالموقف الرجعي والمتخلف من حرية وحقوق المرأة بشكل عام ، مهما اعطيت واحيطت من تفسيرات نظرية محذلقة ، او ان يتم ربطها بتفسيرات دينينة او لاهوتية او ربطها بالانبياء والاولياء . وهي اضافة الى ذلك تعكس موقفا تسلطيا من قبل كل تلك المجموعات التي تتشدد في هذه المجالات .
وهنالك من الامثلة ما لا تحصى . واقرب الامثلة الينا هي، النظام الاسلامي في ايران ، وافغانستان بكل تنظيماتها الدينية من طالبان الى التنظيم الاقل تشددا ، وجميع الاحزاب الاسلامية بدءا بالاخوان المسلمين الى احدثها في العراق والتي يقف افراد من ميليشياتها او مؤيديها على ابواب الجامعات العراقية لاجبار الطالبات بما فيهن المسيحيات لارتداء الحجاب !!.
عدا الكثير من الاعمال والتصرفات المنافية لابسط القيم الانسانية والدينية ، منها مثلا تشويه خلقة ( وجوه ) الكثير من النساء من غير المسلمات ايضا برش المواد الكيميائية عليهن . والتي كان يقوم بها مؤيدو الاحزاب الدينيه في العراق وبشكل خاص ما يسمون بانصار الاسلام ، فضلا عن مثل هذه الحالات والتصرفات في عديد من البلدان العربية والاسلامية ومما يجدر ذكره بان حالة فرض الحجاب او الزام النساء به يأتي بالدرجة الرئيسية من خلال التوجيهات الضمنية والمبطنة
والتي تحمل في طياتها الكثير من التهديد وبأشكال مختلفة ، عدا عن التوجه المنظم لخلق حالة مما تسمى ب " العيب الاجتماعي " بحيث توصف شعبيا واجتماعيا بالقصور ، كل امرأة تشذ عن قاعدة ارتداء الحجاب . وهي حالة تخضع لها الاغلبية من النساء اللواتي يرتدين الحجاب دون قناعتهن . ان تاريخ فرض الحجاب بدعوى تطبيق " الحرية الشخصية" مليئ بالتجاوزات الكبيرة على تلك الحرية .
ومن المحزن حقا ان يشغل هؤلاء شعوبهم بقضايا ليس لها مساس بتحسين حياتهم ومعالجة امراضهم او ازالة اميتهم وتغيير واقعهم البائس الى ما هو افضل بعض الشيئ . او البحث عن الاسباب التي تعيق شعوبهم عن التقدم في مختلف مجالات الحياة والتوجة الجاد والرصين لمعالجة تلك الاسباب . ويلاحظ عوضا عن ذلك ، يشغلون هذه الشعوب المنهكة
بما لا يشكل شيئا لا في العير ولا في النفير . ويتسببون و مهما كانت الذرائع التي اضفي عليهاطابع القداسة ، بتجهيل شعوبهم وصرف انتباهها عن كل ما يمكن ان يؤدي الى استعادة وعيها وممارسة حقها في الحرية والحياة كما ترتأيها هي .
ان ابسط وصف لهذه الحالة لا يكون سوى انها ردة الى الوراء ، تضاف الى الردات الاخرى والتي تهدف بمجموعها
للسيطرة على اذهان وحياة الناس وابقائهم اسرى لتوجهات ونوايا ومصالح الذين يقودون هذه الاتجاهات اللاعقلانية واللامعقولة .
وحسناً فعل شيراك " رغم تحفظاتي على موقفه تجاه العراق " . وستندم ليس فرنسا فحسب، وانما اوربا والعالم المتحضر ايضا اذا ابدوا تساهلا ازاء هكذا مشاريع وفي عقر دارهم ، والا فأن الكثير من اشكال وانواع التخلف " المقدسة " ستغرقهم كما اغرقت وتغرق غيرهم .
صبحي خدر حجو
10 . 01 . 2004 المانيـــا