|
ما بعد -صولة الفرسان- و -أم الربيعين-
دحام هزاع التكريتي
الحوار المتمدن-العدد: 2286 - 2008 / 5 / 19 - 10:56
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
ما كانت لتنجح الصحوة في الأنبار و "صولة الفرسان" في البصرة الفيحاء و "أم الربيعين" في الموصل الحدباء لولا حصول تغير عميق وجذري في وعي العراقيين وإرادتهم في فرض تغيير حقيقي يُزيل مسلسل الدم والخراب والركود الذي خطط له الأرهابيون وفلول النظام السابق وجيوش العبث وحُماتهم من خارج الحدود. إن الرأي العام العراقي بعد الاطاحة بأوثان الديكتاتور السابق، بقدر ما رحّب بإزاحة هذه الأوثان وكوابيسها، إلاّ أنه ظل حائراً أو أصابه الالتباس جراء هذه التغيير المفاجئ والسريع والعارم الذي لحق ببلادهم. فقد ظل الرأي العام عرضة لموجات متضاربة من الآراء والدعوات، في ظل ثقافة من التجهيل والعنف والفساد سادت كل زوايا المجتمع العراقي خلال سنوات القهر والإذلال الذي عصف بالعراقيين خلال سنوات حكم البعث. وهكذا أنجر البعض في فوضى منفلتة دموية سواء عن قصد، وهم فلول النظام السابق وحلفاؤهم من التيار الأرهابي الدولي، أو عن دون قصد بفعل عدم قدرة البعض على تحديد الأولويات التي يتطلب الأخذ بها كي يقف العراق على سكة إزالة التدمير السابق وآثار ما حل بالعراق بعد الإطاحة بالحكم الديكتاتوري، والسير بالبلاد على طريق بناء دولة دستورية ديمقراطية خالية من كل أنواع التمييز والقهر القومي والطائفي. ومما عمق هذا الالتباس هو دخول العامل الإقليمي بسلبياته على الخط ولدوافع متنوعة كي يدفع بالعراق إلى نفق مظلم مشحون بصراعات لا مخرج منها وبعيدة عن مصالح العراق واستقراره. كما عزف على هذه النغمة جمع من العراقيين والعرب كتاباً ومن المولعين بالسياسة والطارئين عليها من مدنيين أو رجال دين بهدف حرف العراقيين عن المهمة الأساسية وهي بناء دولة القانون على أنقاض دولة البطش والفوضى واللاقانون. وجلب هؤلاء الكوارث بأبشع حالاتها للعراقيين ولم يجلبوا لهم أسباب الأمان والسلام كي يبنوا بلدهم التي حولها حاكمهم السابق إلى خراب. ولكن بعد تجربة مريرة شهد العراقيون الأمرين خلالها، تبين أن كل دعوات هؤلاء حول "مقاومة شريفة أو غير شريفة" ومقارعة المحتل هي ضرب من الهراء والخداع. وتأكد بأنها وصفة خارجية من أعداء البلاد للإيقاع بهذا البلد وشعبه. إن جميع هذه العصابات بكل ألوانها ما هي إلا تيارات، كما أوضح سلوكها العملي، تسعى إلى حجر العراق في دائر الركود والظلامية والجهل. وقد برز ذلك بكامل أبعاده ووضوحه في أهدافهم التي تركزت على هدم دور الثقافة والعلم بدءاً من شارع المتنبي وإلى الجامعة المستنصرية والتكنولوجية وجامعة البصرة والموصل والأنبار وبغداد وإلى قتل طلبتها وأساتذتها. كما سعت هذه العصابات إلى إثارة حرب عرقية وطائفية في بلد أسكن فيها الخالق كل هذه الأطياف كي يتعايشوا ويبدعوا ويتمتعوا بخيرات وثمرات هذه الجنّة الأرضية. وأفتضح أمر هذه الزمر الظلامية عندما عمدوا إلى تحويل نصف المجتمع، أي المرأة العراقية، و أينما تسلطوا إلى موجودات مهمشة عاطلة لا دور ولا حول ولا رأي لها في المجتمع، بل مجرد أحياء ملفوفة بأقمشة السواد والبؤس. وتشمئز النفس من تعداد "أفضال" هؤلاء الطارئين والدخلاء على الأرض التي سنت أولى القوانين وأولى الأبجديات وأولى الحضارات. فقد تبين أن الورقة الطائفية التي كانوا يلوحون بها ما هي إلاّ خدعة ومهزلة وكيان هش لايؤسس لدولة مستقرة بعد أن أنغمر حملتها سواء في داخل الطائفة السنية أم الشيعية في قتال دموي وتصفيات من أجل السطو على الغنائم والنهب كتلك التي شهدناها في أوج احتراب الطوائف، والذي أرادوا تحويله إلى جهنم للعراقيين وليس لمقارعة الأجنبي. هذا الأفعال أوقعت مدبريها في عزلة تامة عن المواطن العراقي الذي استيقظ وبدأ يستجمع قواه وإرادته لكنس هذه الفلول وتطهير البلاد من آثامها. وجاء القرار الحكيم والجرئ للحكومة ورئيسها السيد نوري المالكي في مطاردة الخارجين على القانون وفلول النظام السابق والأرهابيين منسجماً مع هذا التحول الهام في وعي العراقيين وفي أصطفاف القوى الجديد في الشارع العراقي. ولعب القرار الخاص بدعم إرادة العراقيين في الأنبار في ملاحقة القاعدة وتطهير البصرة من الشلل الأجرامية ومطاردتهم في مدينة الثورة والشروع بتحرير أهالي الموصل من المجرمين ليصب في عملية تعزيز الكيان الجديد للدولة العراقية والتقريب بين أطراف العملية السياسية ورص صفوف العراقيين بشكل لم يشهد العراق مثيلاً له منذ عقود. لقد مزق رئيس الوزراء في قراراته الأخيرة وفي خطبه التي وجهها إلى العراقيين أخيراً الستارة المريبة للدعوات الطائفية بكل ألوانها، وقدّم بديلاً أكثر غنى وفائدة للعراقيين وهي الهوية الوطنية العراقية التي تؤمن وحدة حقيقية لأبناء هذا البلد العزيز. ولم يخضع رئيس الوزراء إلى الضغوط الداعية إلى الحوار مع العصابات الأجرامية في البصرة ورفض بشدة إرسال وفد بأسمه للدخول في حوار سواء مع طرف أجنبي وهم حكام التطرف في إيران الذين يحتضنون هذه الزمر العابثة، ولا مع أقطاب هذه الزمر القابعة في الخارج. ونتيجة لذلك غدا نهج الحكومة متجاوباً مع ما يطمح إليه العراقيين لإستعادة وحدتهم وأحياء بلدهم المنكوب. ومن الملاحظ إن كل هذه الخطوات التي أقدمت عليها السلطة التنفيذية لم تلق الدعم اللازم، أو الخجول أحياناً، من قبل السلطات التشريعية والقضائية اللتين بقيتا تراوحان دون أن تتخذا اجراءات منسجمة مع اجراءات السلطة التنفيذية، أو أن يسعى بعض أطراف فيها حتى إلى الصيد في الماء العكر لحرف الأجراءات الحازمة للسلطة التنفيذية التي لقيت قبولاً واسعاً من قبل الشعب العراقي بشكل لا سابق له سواء قبل أو بعد الإطاحة بالديكتاتورية. إن إقدام فريق من الائتلاف العراقي الموحد على القبول بالتفاوض مع حزب الصدر هو لا يمكن إلا أن نشبهه بالموقف الذي إتخذ أزاء هؤلاء أثناء أزمة النجف في عام 2004 وأزمات أخرى لاحقة والتي أسدل الستار على خروقات هذه المجموعة مما شجعها على تعزيز قوتها العسكرية، كما أكدته أحداث البصرة الأخيرة. ومما يلفت الأنظار أن السلطة التشريعية لم تتخذ أي إجراء ضد 30 نائباً من نواب حزب الصدر الذين نقضوا القسم في مجلس النواب وأعلنوا ويعلنون صراحة عن تمسكهم بميليشيات عسكرية هي جيش المهدي خلافاً لبنود الدستور العراقي الذي وافق الجميع عليه، والذي أقر من قبل الشعب، والذي يحرم تكوين جيوش وميليشيات عسكرية خارج سيطرة الدولة ووجوب أن تحتكر الدولة وحدها السلاح بكل أنواعه. فأين رئيس مجلس النواب واللجنة الأمنية من هذا الخرق الفاضح لحزب الصدر ونوابه للدستور العراقي، ولماذا لا يُحاسبون أو تتم مساءلتهم إلى حد رفع الحصانة عنهم وطردهم من البرلمان. أما السلطة القضائية المفترض فيها أن تكون مستقلة، فهي ليست مستقلة عندما يتعلق الأمر بملاحقة من يخرق القوانين ويرتكب أعمال القتل والخطف من أتباع حزب الصدر وجيشه. إن جميع الأدلة متوفرة لدى هذه السلطة والسلطة التنفيذية حول تورط هذا الفريق في أعمال القتل التي طالت رجال دين وأفراد في القوات المسلحة وجال علم ومعرفة وقتل الناس الأبرياء من خلال قصف بغداد ومدن عراقية اخرى بالصواريخ والهاونات وعددهم بالمئات. كما إن الحق العام مطالب من خلال السلطة القضائية بالتحقيق عن المسؤول الذي ورط مئات من الشباب المغرر بهم وأرسلهم إلى خارج الحدود لتلقي تدريبات عسكرية، ثم زجهم في شراك الموت والهلاك بدون أي مبرر ومصلحة وطنية عراقية منذ الإطاحة بالنظام السابق ولحد كتابة هذه السطور في مدينة الثورة. كما لا تقوم السلطة التشريعية بواجباتها في مسائلة المسؤولين في اللجنة الاقتصادية التابعة لحزب الصدر عن أخذ الخاوات والأتاوات وابتزاز المقاولين والشركات الخاصة لدفع نسبة من أرباحها إلى هذه اللجنة وإلا يصيب أفرادها الهلاك وقطع أرزاقهم، وهي ممارسات يعرفها رجل الشارع في كل المدن التي تسلط عليها بقوة السلاح أتباع مقتدى الصدر. ولكي تصبح أجراءات السلطة التنفيذية ذات فاعلية وديمومة فما عليها إلاّ أن تولي الاهتمام المطلوب بالإعلام وكيفية التعاطي معه. إن الحديث يدور في الأساس عن الإعلام الممول من قبل الخزينة المركزية العراقية، أي من قبل الشعب العراقي. فشبكة الإعلام العراقي هي الشبكة الإعلامية شبه الرسمية التي تدير قنوات فضائية ومحلية ومحطات إذاعية وعدد من الأصدارات الدورية. ولا يعلم أحد من يتابع هذه الشبكة؟ ولا يعرف المواطن العراقي لماذا تم إزاحة حبيب الصدر عن ادارته للشبكة واستبداله بمدير جديد غير معروف للوسط الاعلامي؟ كان من الأحرى أن يعلم العراقي بدوافع هذا التغيير والتعريف بالمسؤول الجديد. كما يجب على الشبكة أن تتعامل بحذر ومسؤولية مع البرامج والأخبار كي لا تفسر بأنها منحازة إلى هذا الفريق أو ذاك أو تلك الطائفة أو تلك. إن قيام المدير الجديد مثلاُ بالذهاب للقاء السيد عمار الحكيم دون غيره من أعضاء مجلس النواب للاستئناس بآرائه يشكل أنحيازاً واضحاً وينطوي على مسحة طائفية واضحة. كما يجب أن تقوم الشبكة بكل فروعها بتغطية ما يجري في كل زوايا العراق، وأن لا تكتفي في تغطية أخبار محافظة النجف الأشرف وكربلاء والناصرية وميسان وبغداد أو تغطية جريمة تفجير الضريح العسكري دون نقل هموم ومشاكل أبناء سامراء والرمادي وتكريت وبعقوبة والنشاطات الثقافية والإبداعية فيها. إن القناة الفضائية العراقية التي تنقل مشكورة أخبار ونشاطات بعض المحافظات، إلاّ أنها لم تستذكر محافظة الموصل بأصالتها الثقافية والمهنية إلاّ بعد أن بدأت العمليات العسكرية لإخراج عصابات القاعدة والعابثين من مدينة الموصل ومحافظة نينوى. ولا تنشر الشبكة إلاّ اليسير مما يجري في إقليم كردستان ومحافظاته. إنه لأمر جدي يجب معالجته كي يشعر كل العراقيون بإن الدولة الجديدة التي يُراد بناؤها تختلف عن كل تجارب البناء السابقة، فليست هناك محافظات بيضاء أو سوداء كما كان يحلو لصدام حسين تسميتها. فجميعها محافظات وبأهلها الطيبين عراقية، تغني للعراق بتنوعه ومنابع ثقافاته وتقاليده الملونة، وهذا ما يُوحد الدولة فدرالية كانت أم لا ويقرب بين العراقيين كي يحترم ويفهم بعضهم الآخر. إن قيام السلطة التنفيذية لوحدها بواجباتها ضد الخارجين عن القانون دون أن يرافقه قيام السلطات الأخرى ومرافق الدولة المختلفة بواجباتها، يضعف أجراءات السلطة التنفيذية ويجعل من اجراءاتها وكأنها موجهة ضد تيار سياسي ولأغراض التنافس الشخصي والسياسي وليس حملة وطنية عامة ضد الخارجين على القانون والمفسدين في بلادنا. ولذا من واجب كل المؤسسات التي انتخبها الشعب أو يمولها من مجلس النواب وإلى المجالس المحلية وكل السلطات الرسمية وإلى أجهزة الأعلام العراقية أن تشرع بإتخاذ إحراءات تتناغم وليست تتطابق مع اجراءات السلطة التنفيذية التي استقبلها الشعب بارتياح ودعم. ولا يمكن بالطبع تجاهل أجراءات ضرورية وهامة في الميادين الاجتماعية والاقتصادية والتربوية التي هي الأخرى تعد ركن أساسي من أركان استقرار الوضع في العراق وهزيمة الخارجين عن القانون، وردع أي تدخل أجنبي في العراق وإيصال العراق إلى شاطئ الاستقلال الناجز بعد خروج القوات المتعددة الجنسيات من بلادنا.
#دحام_هزاع_التكريتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مزعطة أم خداع وضحك على الذقون أم ماذا؟؟؟
-
من حق التيار الصدري....ولكن!!!
-
ليتعض التيار الصدري من مصير -القاعدة- في العراق
-
المطلوب ليس إعادة هيكلة وتمديد تجميد جيش المهدي بل حلّه وتسل
...
-
العراقيون بين عربدة -مهدي- وبين عنجهية -بدر- ووحشية -الدولة
...
-
علام هذا التشبث بممارسات وتقاليد عهد فاسد
-
القناة الفضائية العراقية وهموم العراقيين
-
على حسقيل قوچمان!! الإعتذار للشعب العراقي والكف عن الإساءة ل
...
-
هل يحرق أياد علاوي مراكبه؟
-
الى السيدة سعاد خيري : لطفاً حذاري من لوي عنق الحقيقة
-
عندما يتحول الاجتهاد الى تخريف، يتحول هتلر وموسليني وصدام ال
...
المزيد.....
-
العثور على قط منقرض محفوظ بصقيع روسيا منذ 35 ألف عام.. كيف ب
...
-
ماذا دار خلال اجتماع ترامب وأمين عام حلف -الناتو- في فلوريدا
...
-
الإمارات.. وزارة الداخلية تحدد موعد رفع الحظر على عمليات طائ
...
-
صواريخ حزب الله تقلق إسرائيل.. -ألماس- الإيرانية المستنسخة م
...
-
كيف احتلّت إسرائيل جنوب لبنان عام 1978، ولماذا انسحبت بعد نح
...
-
باكستان ـ عشرات القتلى في أحداث عنف قبلي طائفي بين الشيعة وا
...
-
شرطة لندن تفجّر جسما مشبوها عند محطة للقطارات
-
أوستين يؤكد لنظيره الإسرائيلي التزام واشنطن بالتوصل لحل دبلو
...
-
زاخاروفا: -بريطانيا بؤرة للعفن المعادي لروسيا-
-
مصر.. الكشف عن معبد بطلمي جديد جنوبي البلاد
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|