|
بصدد ما ينبغي تعلمه - دراسة لتجربة الطبقة العاملة الفلسطينية
عدنان الصباح
(ADNAN ALSABBAH)
الحوار المتمدن-العدد: 2285 - 2008 / 5 / 18 - 07:55
المحور:
الحركة العمالية والنقابية
دراسة لتجربة الطبقة العاملة الفلسطينية حتى1948
الاهداء
الى عمال بلادي الذين يبدعون فعلا على الارض دون ان يجدوا ما يوازي ابداعهم فكرا
عدنان
رؤية عامة
( التاريخ هو العلم الوحيد الذي نعرفه ونعترف به)
من اجل التثبت من أية فرضية كيميائيه ينبغي نقلها إلى المختبر، ومن اجل التثبت من أية فرضية في الثورة الاجتماعية ينبغي لها أيضا أن تنقل إلى المختبر، ومختبر الحركة الاجتماعية هو التاريخ ذلك العلم الوحيد الذي نعرفه ونعترف به والتاريخ هنا ليس فعل الماضي بل هو آليات الحاضر ومقدمات المستقبل والتاريخ يصبح مختبرا حين يتكامل بتجلياته الثلاث الماضي والحاضر والمستقبل رؤية وتطور فهو بذلك وحده القادر على فحص ادواتنا المستخدمة في عملية التدخل في صياغة التاريخ واعادة رسمه او كتابته من خلال المشاركة الفاعلة في العملية الاجتماعية حاضرا ومستقبلا فالتاريخ صياغة فعل حي يترجم لغة مكتوبة او محفورة او مجسدة فلا يجوز رهن التاريخ بالكتب الصفراء فالادوات والسلع والفن والادب والتراث والتجارب الحية للشعوب بكل تجلياتها المادية تدخل ايضا ضمن الوجود الحي للتاريخ ونحن بذلك نعطي للتاريخ صبغته الحية والفاعلة ونضمن له صورته الحقيقية المثبته بعيدا عن صياغة المنتصر او السيد او الحاكم او اولئك الذين يجعلون من اقلامهم لصوصا يسرقون به اداء البشر وفعلهم الحي المتجسد ماديا على الارض. اعتمادا على هذه الارضيه فان على الدارسين والباحثين بشان الطبقة العاملة الفلسطينية وكذلك اولئك الذين يعتبرون انفسهم ممثلين حقيقيين لتلك الطبقة أن يدرسوا بإمعان كافة جوانب تطورها التاريخية مستوضحين الجوانب والعوامل التي شاركت بالتأخير أو التطوير لبنية الطبقة العاملة الفلسطينية التنظيمية و الأيديولوجية, كل ذلك من اجل استخلاص الدروس والعبر التي ينبغي تعلمها من التاريخ، فالذين يبدأون من فراغ لابد وان تكون محطتهم التالية هي الهاوية وليس ضروريا أن نعرف كيف يتقن البعض البدء من الفراغ حتى لا نتعب أنفسنا بالتصور لما ستكون عليه الهاوية.
ولابد لاولئك الذين يتحدثون باسم الطبقة العاملة ولها وقبل أن يرفعوا صوتهم ويدلوا بدلوهم في طرح رؤيتهم السياسية والتنظيمية ورسم مسيرة هذة الطبقة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وتصور مكانتها في تلك المسيرة وما هو المطلوب منها وما عليها, ينبغي لهم قبل ذلك أن يعرفوا خصوصياتها جيدا وعبر التاريخ الطويل، جذورها، ظروف تشكلها، العوامل التي أثرت في بنيتها على الصعيدين التنظيمي والأيديولوجي, البنية الفكرية التلقائية لها وعلاقتها بالبناء الايديولوجي والروحي للمجتمع الذي ينخرط به وتشكل مكونا اساسيا من مكوناته, ذلك إن دراسة التاريخ برؤية علميه وحدها، يمكنها أن تشكل خميرة الوعي الطبقي والسياسي الذي ينبغي للطبقة العاملة اعتماده عبر مسيرتها وطبيعتها الثورية.
أن الدوافع الرئيسية التي قادتني للخوض في هذه الدراسه رغم ضعف المصادر أن هناك نقص حاد في الدراسات الجادة للتاريخ التنظيمي والأيديولوجي للطبقة العاملة الفلسطينية, ذلك ان معظم الدراسات التي صدف وشاهدتها، فهي إما عبارة عن جمع وثائق عن النقابات والأحزاب وغيرها، أو دراسات عامه للتاريخ السياسي لفلسطين يكون التركيز فيها على الطبقة العاملة ضئيلا أو لا يتعدى التعميمات البعيده عن التناول كمعطيات مترابطة تصلح لإعطاء صوره عامه ولو كتحضير لدراسة أكثر علميه.
إن هذه الدراسة هي محاولة – أمل أن انجح بها - من اجل تسليط الأضواء على جذور طبقتنا العاملة لما لذلك من أهمية في البعد التنظيمي لهذه الطبقة وكذلك إخضاع التوجه الأيديولوجي للقوى التي حملت راية الطبقة العاملة لمبضع العلم (قدر المستطاع ) في محاولة للتفريق بين الغث والمفيد، ذلك أن كشفنا للهفوات والمطبات التي وقع فيها من من بدأوا كطلائعيين للطبقة العاملة او قدموا انفسهم على انهم كذلك, سوف يعطي خلفائهم القدرة على تلافي هذه المطبات في توجههم حاليا ومستقبلا.
من جانب آخر فانه ايا كانت الاراء حول المتغيرات التي اصابت العالم بانهيار المنظومة الاشتراكية وحالة التراجع التي اصابت اولئك الذين اعتنقوا الفكر الاشتراكي ومهما كانت الانتقادات الموحهة لهم حول آليات هذا الاعتقاد والسبل التي استخدموها للعمل بالفكر الاشتراكي في واقع الشرق ومهما كانت الجهات التي بدأت العمل فان حقيقة ان الطبقة العاملة وحلفائها الفقراء يبقون اصحاب المصلحة الحقيقية بالتغيير نحو الافضل واعادة صياغة الحياة بما يتلائم ورؤية اكثر صلاحا وعدالة, ولا يعني ذلك ابدا ان هناك سلاح فكري بعينه يمكن له ان يكون الاصلح لتلك المسيرة واهدافها بل ام دراستنا تهدف لخلق مناخ يمكن الآخرين من قراءة الفكر المناسب لتسليح الطبقة العاملة به, والمناسب هنا ينبغي لها ان تأخذ بعين الاعتبار ما يلي:
1- حقيقة كون الطبقة العاملة هي صاحبة المصلحة الحقيقية بالتغيير وانهاء الاستغلال والفقر. 2- ان العمال صناع حقيقيين للحياة وانهم اصحاب القوة الوحيدة الفاعلة والقادرة على تحويل المعنوي الى ملموس. 3- انها الاقدر على توفير اوسع تحالف ممكن مع سائر الفقراء والمظلومين اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا. 4- وحدها من تملك سمات متجانسة في سائر بقاع الارض وبذا فهي الاقدر على حشد تحالف اوسع افقيا على المستوى العالمي. 5- الاكثر قهرا هم الاكثر سعيا نحو التسلح بقناعات روحية 6- وحدها الطيقة التي يتعرض اعضائها للقهر علنا وبشكل جماعي لا يمكن اخفاؤه او الخجل منه فهو لا يجري خفية ابدا.
على ضوء ما تقدم يصبح من مهمة هذه الدراسة أن تقوم (قدر المستطاع ) بدور الفاحص للممارسات و الشعارات والتثقيف الذي قدمته قوى أيديولوجية الطبقة العاملة للطبقة الأكثر ثورية، ومن ثم إلقاء الضوء على الدروس التي ينبغي استخدامها من هذه التجربة وكيفية الاستفادة منها على ارض الواقع المعاش, وهل استجابت الطبقة العاملة لاصحاب الدعوات الطبقية ام وجدت في الحركات الوطنية والدينية ضالتها المنشودة بعيدا عن فكر جديد مشكوك بحامليه القادمين الى بلادهم قسرا ومشكوك في الغايات الروحية منه اكان ذلك صحيحا ام اتهام لم يتمكن اصحابه من دفعه بقوة المثال او العكس.
مقدمات نشوء الطبقة العاملة
من المؤكد أن التاريخ هو حركة فعل يعمل في الأصل بصورة موضوعية وبمعزل عن وعينا، ولكنه يخضع وبصورة كاملة للقوانين الاجتماعية، والتي تؤثر في فعلها سلسلة من الأحداث تساهم في إنجاز فعل القانون إلى الأمام أو تأخير إنجاز هذا الفعل وبالتالي فان البشر هم الصناع الحقيقيين للتاريخ بسلوكهم وفعلهم قبل ادراكهم المعنوي لذلك. مثل هذه الحقيقة العلمية وغيرها كفيلة بان توضح لنا العوامل التي اخرت إنجاز فعل كان من الضروري أن يحدث فلقد كان ينبغي أن تتحدد معالم ومسيرة الطبقة العاملة الفلسطينية كطبقة اجتماعية تتبلور منذ النصف الأول من القرن التاسع عشر تلك الفترة التي تبلورت فيها إحدى أهم الحركات القومية البرجوازية العربية في العصر الحديث بقيادة محمد علي وولده إبراهيم في مصر وسوريا وفلسطين ويبين لنا تاريخ هذه الفترة أن محمد علي وولده إبراهيم قد ساهما في وضع الأسس الأولية تحضيرا للانتقال إلى المرحلة البرجوازية في فلسطين، وأكثر ما يؤكد لنا صحة مثل هذا الحكم هي أعمال إبراهيم باشا في فلسطين، وقد أورد عارف العارف المؤرخ الفلسطيني المعروف في كتابة المفصل في تاريخ القدس "ص 288-289" على أن إبراهيم باشا. قد قام بالأعمال التالية في فلسطين:
أ- ( طرد جميع المتسلمين والموظفين الذين ولا هم عبد الله باشا نيابة عن السلطة في اسطنبول ثم أمر بنفيهم من البلاد ) وعمليا فقد كانت هذه الخطوة ضربة قوية لأركان السلطة الإقطاعية الاكليركيه من بقايا الدولة العثمانية وقد كان المتسلمين والموظفين هم أهم أركان النظام الإقطاعي العثماني في بلادنا.
ب- ( ساوى بين المسلمين واليهود والنصارى فأعفى النصارى واليهود من عادة النزول عن الدابة إذا ما صادفوا مسلما في الطريق تلك العادة التي كانت متبعة من قبل كما اتاح لهم لبس الحذاء الأحمر.... وأمر بأن لا يؤخذ من اليهود والنصارى أي مبلغ من المال باسم عوائد ومرتبات, لا ولا ضريبة من النوع المعروف " بالأغفار " التي كانت مفروضة على الزوار). إضافة إلى كون هذا القرار يشكل ضربة للقاعدة المادية لأركان الاقطاع لصالح البرجوازية وخاصة ضد الاستقراطية الدينية والمستفيدة الأولى من مجمل الضرائب والعوائد المذكورة كذلك عبرت هذه الخطوة عن أرقى أشكال التوجه القومي البرجوازي ممثلا حيا على السعي الواقعي والعملي في (فصل الدين عن الدولة ) والتعامل مع القومية كوحدة واحدة يمكن أن تضم جملة من الأديان وإذا كان يحق للمرء أن يتعامل مع التاريخ من خلال المشاعر فلا بد له يأسف لأنه لم يكتب لمثل هذه الخطوة النجاح.
ج- ( الغى الضريبة التي كان يجبيها حراس الكنيسة، آل نسيبه وجوده منذ عهد صلاح الدين ) ولا شك ان هذه الخطوه كانت ستؤدي عمليا الى القضاء على البنية الارستقراطية الدينية من خلال بعض رموزها كالعائلات المذكوره، اضافة الى ان مثل هذا الاجراء يساهم في مركزه الاقتصاد في ايدي الدولة وخاصة جباية الضرائب والتي تشكل احد اهم مصادر البناء الاقتصادي للدولة، وتشتيتها يساهم في خلق مراكز ثقل تعيق المركزة القومية البرجوازيه للدولة.
ه- ( امر بالغاء الخمس من الحاصلات الزراعية, وزع البذار على الفلاحين، شجع الناس على غرس الاشجار المثمرة كالعنب والتوت والتين والزيتون، وزع على المزارعين المحاريث الزراعية، أتى بعدد غير قليل من عرب البادية واسكنهم القرى والسهول الخصبة ليزرعها وانشأ مصرفا زراعيا لمساعدة المزراعين ) ساهمت هذه الاجراءات في تقوية البنية الاقتصادية والقاعدة المادية لنشوء طبقة مستقلة من الفلاحين الفقراء الاحرار دون سيطرة واضطهاد الاقطاعي المالك الرئيسي للارض، فقد عنت هذه الاجراءات عمليا القضاء على احتكارات طبقة الاقطاعيين والملاكين الكبار وهي الخمس والادوات الزراعية، ثم ان نقل البدو الرحل الى التوطين يعتبر مساهمة جادة في التطوير الحضاري لفلسطين وفق ارضية برجوازية ثابته، تساهم عمليا في نمو تطوير الدولة البرجوازية، كما ان انشاء المصرف الزراعي يعتبر اهم الخطوات على الاطلاق بأن شكلت ضربه قوية موجهة للمرابين الذين شكلوا احد اقوى العوامل المساعدة على تقوية الاقطاع، من خلال تدمير الفلاحين الفقراء وتحوليهم الى اقنان لصالح الاقطاع – والى جانب ذلك فقد كانت هذه الخطوه انجاز عملي لصالح البرجوازية المالية والمتمثلة في الدولة.
لقد كان ينبغي لهذه الخطوات النجاح من اجل انجاز تطور طبقي واضح المعالم في فلسطين وغيرها من البلدان العربية، وما الاجراءات الاتية الا توضيح اقوى لاهمية تلك المرحلة في التاريخ الطبقي لفلسطين.
و- ( لاجل حماية صناعة الصابون زاد الضرائب الجمركية على الصابون المستورد بنسبة 3% فراجت هذه رواجا كبيرا ) ولا مجال للمناقشة في ان الصناعة هي اهم الاسس المادية الضرورية لانجاز التحول البرجوازي في الانتاج من اجل تثبيت قيام التشكيلة البرجوازية اقتصاديا واجتماعيا، ومثل هذا الاجراء الجمركي يعتبر اكبر مثال واضح على التوجه الجاد لخدمة وتنمية البرجوازية الصناعية المحلية وتقويتها، اضافه الى انها ضربة قوية للكبرادور بكل اشكالة والمعني دائما بالقضاء على أي نمو صناعي في اسواقة لصالح الدولة المحتكرة للسوق والتي يمثلها بدوره.
ز- ( اهتم بطرق المواصلات فأنشأ مسافات غير قليلة من الطرق ) ونعتقد انه لا احد يداخله الشك في اهمية خطوط الموصلات لبناء اقتصاد برجوازي قوي, فمعظم الدول الصناعية تتميز بأنه يربطها داخليا ومع الخارج شبكة قوية من الطرق والسكك الحديدية والخطوط الجوية, فطرق المواصلات عامل مهم في مساعدة البرجوازية ودولتها على احكام سيطرتها على ثروات البلاد و اسواقها الداخلية، اضافة الى ان ذلك يساهم في انجاز التوحيد العملي للوطن القومي لخدمة البرجوازية واهدافها وعلى هذه الارضية نبحث اهمية مثل هذا الاجراء. ح- ( كافح الرشوة ومنع تقديم الهدايا للحكام في شهر رمضان وضرب على ايدي ( شهود الزور ) بيد من حديد وعين الرواتب للموظفين وكانوا يتناولون اجورهم من اصحاب القضايا، كان الباب العالي يعين المفتي والمفتي يعين القضاه وهؤلاء ينظرون في جميع القضايا, ويحكمون بأحكام الشرع فغير هذه الاصول, وانزل قيمة الربا والفوائد المالية ) والاجراءات الواردة ايضا كسابقاتها ساهمت عمليا في انجاز اصول المركزه العامة لكافة قضايا البلاد في ايدي الدولة، ثم ان اقالة القضاه الذين عينهم المفتي المعين من قبل الباب العالي وتغيير اصول عمل القضاة والمحاكم ساهمت في علمنة البناء الاجتماعي والسياسي للدولة، كما ان وظائف المحاكم كانت عمليا بأيدي الاقطاعيين وابناء الارستقراطيه الدينية، ومعنى انهاء المركز الخاص الذي كان يحتله المفتي واعوانة من رجال الدين والقضاه هو عمليا ضربة لممثلي الايديولوجية الاقطاعية من خلال ممثليها ودعاتها.
ليست وحدها هذه الاجراءات التي ابرزت الوجه البرجوازي لوجود ابراهيم باشا في فلسطين رغم اهميتها بل ان هناك اجراءات عديدة له توضح مثل هذا البعد الطبقي، فقد عمل ابراهيم باشا كما اورد عارف العارف في "المفصل في تاريخ القدس ص 290-291" (على ازالة نفوذ المشايخ و الزعماء والرؤساء واصحاب الاقطاعات مثل عائلة ابي غوش في جبل القدس والمواضي في اجزم وطوقان و آل جرار في جبل نابلس وآل عمرو في جبل الخليل وغيرهم كثيرين فألغى مثلا العوائد التي يجبيها آل غوش من السياح الذين يسلكون طريق القدس في سفرهم تلك العوائد التي سمح لهم بجبايتها السلطان سليمان القانوني، فعصى امره – أي امر ابراهيم باشا ع.ص – الاخوان جبر وابراهيم ابو غوش وثابرا على جبايتها بالقوة فنفاهما ابراهيم الى عكا وجبر الى الشام ونفى معهما عدد اخر من الزعماء ).
ان الدارس لمثل هذه التشريعات يرى بوضوح عمق التوجه القومي البرجوازي لادارة ابراهيم باشا في فلسطين, وقد كان ذلك جليا في مواقف ابراهيم باشا مما لايدع مجالا للشك في البعد البرجوازي للتوجه فعلى سبيل المثال رفض ابراهيم باشا تأجير السير موسى حاييم مونتفيوري احد كبار اغنياء اليهود ارضا مساحتها خمسون فدانا ومئتي قريه لخمسين عاما التي كان يهدف من وراءها دعوة اليهود المقيمين في اوروبا وامريكا للهجرة الى فلسطين والاستيطان فيها.
رغم ذلك التوجه الجاد و الحثيث من قبل ابراهيم باشا لانجاز التحول البرجوازي لفلسطين الاانه جوبه بثورة عارمة من قبل الفلسطينين الذين لم يكونوا مهيئين ابدا لمثل هذا الانتقال الثوري, ذلك ان اي انتقال من تشكيلة اجتماعية الى أخرى عادة ما يجابه بالرفض والتشكيك وهو بحاجة لتفاعلات داخلية كبيرة وحراك اجتماعي اقتصادي سياسي يؤدي بالتدريج بالمجتمع الى الوصول نحو نقطة التحول الثوري- الثورة – التي ينجزها المجتمع نفسه واي اسقاط لذلك من الخارج لا يمكن له ان يجد مؤيدين حقيقين وخاصة من الغالبية العظمى من السكان وممثليهم ولذا ليس غريبا ان نجد الن المقاومة الحقيقية لمشروع ابراهيم باشا قد جاءت اصلا من الغالبية المسلمة الذين شكلوا جسم الثورة المضادة للانقلاب الثوري الذي جاء به ابراهيم باشا من الخارج – مصر -، وقد تطورت هذه الحركة الى ثورة مسلحة 1834م بقيادة الاقطاعيين والاستقراطية الدينية والموظفين الدواوينيين الذين قضى ابراهيم باشا نهائيا على مكاسبهم ومواقعهم الطبقية، وقد ادت هذه الثورة بدعم من تركيا من جهة وبريطانيا من جهة اخرى الى فشل تجربة ابراهيم باشا وعودة الهيمنة الاقطاعية في ظل الاستعمار التركي على فلسطين من جديد، فما هي مبررات هذه الثوره المضادة. 1- لم تكن الظروف الداخلية قد وصلت الى حد من التطور يفرض انجاز الانتقال نحو المرحلة القومية البرجوازية، ولم يكون عند الطبقات المعنية كالفلاحين و البرجوازية ارضية تدفعهم لمثل هذا التحول، فالاستعداد الذاتي للطبقات المعنية بالتغير هو احد اهم الشروط لانجاز مثل هذا التحول فلم تأت حركة محمد علي نتيجة " ازمة وطنية عامة " في فلسطين وان كانت كذلك في مصر حيث كتب لها النجاح اكثر، فلقد كان ينبغي من اجل نجاحها في فلسطين وجود عاملين الاول موضوعي وهو احتدام الازمة العامة والثاني ذاتي وهو ظهور تنظيم قوي وضروري في الظروف العامه يقول لينين في كتابه ( مرض اليسارية الطفولي في الشيوعية ص 94) في سياق تعريفه لقانون " الثورة الاساسي " ( لايكفي من اجل الثورة ان تدرك الجماهير المستثمرة والمظلومة عدم امكانية العيش على الطريقة القديمة وان تطالب بتغييرها, ان من الضروري لاجل الثورة ان يغدو المسيطرون غير قادرين على العيش والحكم بالطريقة القديمة، ان الثورة لا يمكن ان تنتصر الا عندما تعزف الطبقات الدنيا عن القديم وعندما تعجز الطبقات العليا عن السير وفق الطريقة القديمة ) ومثل هذا الوضع لم يكن قائما في فلسطين آنذاك ولذا جاءت اجراءات ابراهيم باشا اجراءات فوقية، ليس لها ارضية متوافقة معها او حتى اية سابقة تنويرية مرتبطة بالظروف والمناخ الاجتماعي الاقتصادي الخاص في فلسطين ولم تكن نوايا ابراهيم باشا تكفي ابدا لانجاز التغيير وبالتالي فان كون ابراهيم باشا قادما من الخارج ولم ينخرط لا هو ولا جيشه في الواقع الفلسطيني ولم يصبحوا جزءا من الحراك الاجتماعي, كل ذلك ساهم في احباط المحاوله.
2- كان الاستعمار العثماني قد ساهم في تركيز وجود الطائفية في فلسطين، ومما ساهم في تعزيزها، هو الاساس الانتاجي لكل طائفة دينية من الطوائف فقد تركز اليهود والمسيحيين في الاعمال الصناعية الجنينية او ذات الصبغة الراسمالية بينما بقيت الاسس الزراعية – الاقطاعية – سائدة في اوساط المسلمين، ويعتبر هذا عاملا رئيسيا اذا عرفنا ان المسلمين كانوا يشكلون الغالبية المطلقه للسكان في فلسطين، ولذا كان على اية حركة تغيير جذرية ينبغي لها ان تاخذ بعين الاعتبار التوجهات العامه لدى المسلين اضافه الى انه كان ينبغي دراسة الواقع الطبقي والاجتماعي والايديولوجي في فلسطين وخاصة من الناحية الدينية لما لها من اهمية في عكس الواقع المعاش، يقول ماركس ( ليس العالم الديني الا انعكاسا للعالم الواقعي )- راس المال, الجزء الاول ص 103, حيث ان الدين وايديولوجيته هي عمليا ايديولوجية العلاقات الانتاجية القائمة والطبقة الاقطاعية المسيطرة انذاك والتي استغلت الستار الديني ضد محاولة ابراهيم باشا وذلك بالتعاون مع تركيا وبريطانيا وممثلي الرسمال الاحتكاري العالمي من الكمبرادور, مما ساهم في تأليب الرأي العام الشعبي ضده، حيث اعتقد الاقطاعيون ان محمد علي وولده ابراهيم باشا باجراءاتهم يعملون لصالح الطوائف الاخرى من غير الاسلام، وان هذه الاجراءات تنتقص من سيادة المسلمين وقد ساعدت تركيا على ترسيخ هذه الفكرة في اذهان المسلمين في فلسطين واقنعوهم ان اجراءات ابراهيم باشا تخدم اليهود والمسيحيين وانها اعطتهم ما ليس لهم فيه حق وبالتالي استطاعوا ان يدفعوا بالقاعدة الشعبية للثورة ضد هذه الاجراءات.
3- الغالبية العظمى من البرجوازية المحلية كانت " تجارية كمبرادورية " ولذا لم يكن لها ااية مصلحة في التحول نحو البرجوازية الصناعية وتطوير الصناعات المحلية والاقتصاد الوطني بشكل عام حتى تبقي السوق خاضعة للانتاج الرسمالي العالمي الذي يمثلونة وقد ظلت تقف ضد اية محاولات قد تؤسس لظهور بنية طبقية وطنية ذات تطور طبيعيي لان ذلك يدمر مصالحها ويضع البلد على سكة التطور الطبيعي.
4- انعدام المنظمات الطبقية الخاصة بالبرجوازية والتي يمكن لها ان تساعد على ارساء القاعدة الاجتماعية للثورة فلم يكن هناك أي شكل من اشكال التجمع لاصحاب المهن والحرف والصناعات وبالتالي لم يكن هناك اي نوع من التنسيق او التنظيم بين البرجوازيين لعلاقاتهم وبالتالي السهر على حماية مصالح هذه الطبقة الحيوية والرافعة لبناء وطن قومي مستقل ومتماسك.
5- التحالف الاستعماري الاقطاعي القوي بين تركيا وبريطانيا من جهة والاقطاعي المحلي من جهة اخرى اضافة الى اتساع الرقعة التي امتد فيها نفوذ محمد علي وساهم في استنفاذ طاقاته ساهمت في اضعاف دور البرجوازية وتاثيرها وبنيتها التنظيمية بسبب كثرة المعنيين بمنع تطورها الذي يهدد مصالحهم آنيا ومستقبلا.
6- التخلف السياسي والايديولوجي للبرجوازية ووضعها العام اذا ما قارنا ذلك مع اوروبا او حتى مع مصر التي بدأ فيها محمد علي حركته وبالتالي ظلت هذه الطبقة الجنينية متقوقعة على نفسها متخلفة في الاداء والفكر لا تسعى للقطيعة مع الاقطاع والكمبرادورية وغير مدركة لمصالحها ولا تنتمي لفكر يؤسس لمصالحه وتطورها.
7- كون ابراهيم باشا وجيشه غزاة وليسوا مواطنين وبالتالي كانت الحركة غريبة عن الجماهير الشعبية ساعد ذلك في قدرة الاقطاعيين على تاليب الرأي العام ضده.
8- رغم انه لا وجود لحقائق مثبته الا انه ليس غريبا ان يكون لليهود وتنظيماتهم المهنية والدينية دور في الساهمة في احباط تجربة ابراهيم باشا القومية والتي كانت بالضرورة ستحبط اية محاولة قادمة للاستيطان في فلسطين من قبل الحركة الصهيونية والتي شكلت فيما بعد الاساس لما سيكون من احتلال فلسطين وتفريغ الجزء الاكبر منها من سكانها.
نتائج فشل حركة ابراهيم باشا
كما هو واضح فان مجمل هذه الأسباب الواردة أدت إلى فشل أول وانضج المحاولات لإنجاز التحول البرجوازي القومي في فلسطين ورغم ان اهم انجازاتها كونها حفزت عمليا على المدى المستقبلي لانجاح التوجه القومي وارساء جذور التجربة كمااعطت درسا كان ينبغي دراسته والاستفاد منه بشكل واعي عبر توجهنا للمستقبل.
المهم في الامر ان فشل حركة ابراهيم باشا ادت الى تقوية نفوذ بريطانيا وزيادة ربط فلسطين في السوق الراسماليه العالمية, ففي عام 1838 وقعت تركيا معاهدة مع بريطانيا ساهمت في زيادة دخول البضائع الراسمالية الى البلاد وقد جعل هذا من سوريا وفلسطين وغيرها تابع طبيعي للراسمال العالمي أخر بصورة ملحوظة نمو الراسمال الصناعي الوطني مما اثر على المدى البعيد في التطورات التي طرأت على القضية الوطنية الفلسطينية، وبينما زادت بصورة ملحوظة الكمبرادورية في حين ظلت الصناعة الوطنية مقتصرة على الانتاج الزراعي او الخدمي التابع للاقطاع والمرتبط عضويا مع الراسمال العالمي.
ذلك ادى عمليا حسبما اورد د. عبد الوهاب الكيالي في كتابه" تاريخ فلسطين الحديث" ص 44 ( الى انهيار المراكز الصناعية القديمة وتخريب الحرف والبضائع المنزلية كما اعاق تطور المعامل اليدوية ( المانيفاتورة) الوطنية والانتاج الصناعي الذي لم يستطيع مقاومة او مزاحمة الانتاج المصنعي الاوروبي ) ولم تكن الاتفاقية التركية – البريطانية الوحيده التي ساهمت بالوصول لهذا الوضع، لقد كان من الضروري ان يقوم الاستعمار التركي برد الجميل للاقطاع من خلال البحث عن اقوى الوسائل لتثبيته، لذلك فقد تصاعد الربط العملي لفلسطين بالراسمالية العالمية وعلى نفس الوتيرة، ضرب اية محاولة للقضاء على الاقطاع وذلك بان اصدر الباب العالي بتاريخ 21 نيسان 1858م قانون الاراضي العثماني الذي الغى نظام الاقطاعيات العسكرية ولكنه لم يعطي هذه الاراضي للفلاحين بل للباب العالي واعطى حق شرائها لمستأجريها بأثمان عاليه وفي 1867م صدر قانون يعطي الاجانب حق شراء وامتلاك اراضي في الامبراطورية.
الى جانب ذلك فتح الاستعمار التركي ابواب مستعمراته ومنها فلسطين امام الاستثمار الرأسمالي الاوروبي فقد اقامت بريطانيا خط سكة حديد يافا_ القدس_ استوعبت سكة الحديد هذة اعدادا كبيرة من العمال العرب ومن بين عمالها كانت اول نقابة عمالية للعمال العرب، كما كان لفرنسا دورها في راس المال المالي المصدر وذلك بافتتاحها فروعا لبنك ليون للاعتماد في المدن الرئيسية في فلسطين، كما اقامت المانيا فروعا لبنكين هما البنك الالماني الشرقي والبنك الألماني الفلسطيني.
يوضح لينين في كتابه الامبريالية اعلى مراحل الراسمالية ص 48 عمل البنوك بقولة: انة يتم وفق مصالح الراسمال الضخم وفي الدرجة الولى الراسمال الاضخم، الاحتكاري، الذي يعمل في ظروف يقاسي فيها السكان شظف العيش ويتاخر فيها تطور الزراعة برمتة تاخرا يدعو للقنوط عن تطور الصناعة ) وهذا بالتحديد ما ارادتة تركيا وحلفائها الاقطاعيين في فلسطين وذلك بربطها كلية مع الراسمالية العالمية سوقا ومواد خام، ورغم ذلك ساهم هذا الارتباط مضطرا الى زيادة عدد افراد الطبقة العاملة من خلال المؤسسات المالية والمصرفية وخطوط المواصلات وكافة فروع الخدمات العامة.
الى جانب ابراهيم باشا وحركتة فقد ساهمت الردة والارتباط بالامبريالية في توسيع صفوف الطبقة العاملة فقد ساعدت اجراءات ابراهيم باشا الى نقل البدو من الحياة القديمة ومشاركتهم في العمل الزراعي وبالتالي ونتيجة فشل اجراءات ابراهيم باشا تحولوا في غالبيتهم الى شغيلة زراعيين_ بالمياومة_ اول عمال نقل وخدمات في المدن الكبيرة وكذلك شكل الفلاحين الفقراء مصدرا لتوسيع صفوف الطبقة العاملة وكان العامل الرئيسي لذلك سببين:
اولاهما: عودة الربا للظهور من جديد بعد فشل حركة ابراهيم باشا وبشكل اكثر جشعا من خلال البنوك الاوروبية – الالمانية والفرنسية _ الى جانب عودة المرابين الافراد من الاقطاعيين للنشاط في الريف مما كان يساهم في النهاية الى اجبار الفلاح الفقير – الحر الى ترك ارضة والتحول الى شبة قن - قطروز – عند الاقطاعي والاضطرار للانتقال للمدينة لبيع قوة عمله مقابل القوت كالعمل في الموانئ، سكة الحديد, مصافي التكرير وكذلك المعامل كالدخان والاسمنت، والمحلات التجارية والمرافق العامة.
ثانيهما: فداحة الضرائب، المفروضة على المواطنيين والفقراء منهم بالتحديد وبالتاي كان الاقطاعي هو المستفيد الرئيسي من فرض هذه الضرائب وخصوصا المكلفين بجمعها من قبل الباب العالي والعاملين في خدمتهم, هذه الضرائب ثبتت السلطة الاقطاعية واعطتها مصدر القوة والسلطة الى جانب انها ساهمت بشكل فعال في توسيع صفوف الطبقة العاملة, ومجرد تفحص هذه الضرائب عددها وانواعها يبين لنا بوضح دورها في تحقيق ما تقدم ضد الفقراء ولصالح الاغنياء الاقطاعيين ويذكر ساطع الحصري" البلاد العربية والدولة العثمانية القاهرة 1957 ص 142 ان( جباية الضرائب الاميرية تفوض الى اشخاص عن طريق المزايدة, واخذ هؤلاء الملتزمون يلجأون الى ضروب من وسائل الضغط والتسلط لكي يحصلوا على اعظم مقدار من الجباية تضمن لهم ثروة محترمة بعد دفع ما التزموه من اموال) وهذه الضرائب هي:
أ- ضريبة العشر: وهي نسبة 10 % تدفع على الحاصلات الزراعية من الفلاح وبما ان الاقطاعي لم يكن المنتج المباشر فانة لم يكن يدفع هذة الضريبة بل يتحملها الفلاحون الفقراء, ومما ساهم في فداحة جباية هذة الضريبة ونتائجها المريرة على الفلاح هو تسليم جبايتها للملتزمين، الذين بدأوا ينتهجون الجباية المضاعفة لهذة الضريبة وغيرها من اجل زيادة أرباحهم وقد ادت زيادة الضرائب وعدم قدرة الفلاح على سدادها وحسب د. عبد الوهاب الكيالي" تاريخ فلسطين الحديث" ص 45 ( الى استيلاء الدولة على اراضي الفلاحين وقراهم وعرضهم في المزاد (1869) لاستيفاء ديون الضرائب المترتبة عليهم ، وهكذا حصل اغنياء بيروت وتجارها من امثال العائلات بسترس,سرسق وتويني ومتى وفرح وسليم الخوري على اخصب اراضي فلسطين في مرج بن عامر ) وقد ساعد على هذا التدمير للفلاح الفقير وانتقال ارضه الى الاقطاعي التنظيمات العثمانية الصادره 1856م من اجل اصلاح الاداره في البلاد فكان من نتائج هذه التنظيمات ان زادت من سيطرة العائلات الاقطاعية على مصادر رزق الفلاحين الفقراء (اذ اضطر العديد من صغار الملاك من الفلاحين الى تسجيل اراضيهم وقراهم باسم الاقطاعيين والتجار هربا من الضرائب والجندية وغير ذلك من الموجبات التي ربطت بملكية الفلاح لأرضه ) – المصدر السابق- مثل هذه العوامل ساهمت اجباريا في ترك الفلاح لأرضه والانتقال لبيع قوة عملة في السوق ولقد كان الاقطاعي والملتزم وشيخ القرية مستفيدين جميعهم من جمع ضريبة العشر من الفلاح الفقير.
فقد كان الفلاح مجبرا على دفعها حتى ولو ادى ذلك الى استعمال القوة وبدون اعتماد على مصادر فلقد سمعتها من اكثر من شيخ عاش زمن العثمانيين، انهم كانوا يحملون الضرائب تحت السوط الى " ساحة البلده " والا فالخراب جزائهم حيث يدمر الجند وحرس شيخ القرية كل ما في بيوتهم، هذا ان وجد شيء وبذلك شكلت ضريبة العشر عمليا شكلا رئيسيا يؤدي في معظم الحالات الى اجبار الفلاحين الفقراء على ترك اراضيهم.
ب) ضريبة الاغنام: وتجبى على الاغنام و الخنازير وكذلك على الجمال المعدة للنقل، وغني عن القول ان الاقطاعي لم يكن معنيا باقتناء جمالا للنقل لانة اصلا لا يمارس أي شكل من الاهتمام بناتج ارضة سوى حين يصله نقدا فهناك من ينوب عنه في ذلك – الوكيل – اما ضريبة الاغنام والخنازير فهي موجهة ضد الذين يحاولون ملكية قطعان كبيرة من الاغنام بامكانهم منافسةملاكي الثروة الحيوانية الكبار، بمعنى كان الهدف هو افقار الفقير اكثر واغناء الغني على حسابة اكثر.
ج- ضريبة التمتع: وهي مفروضة على الانتاج الحرفي والتي تشكل عمليا جنين الصناعة الرأسمالية وبالتالي نواة لتبلور طبقة برجوازية وهذه الضريبة جاءت في الواقع لمنع نشوء طبقة برجوازية صناعية تساهم في تقوية وانشاء انتاج وطني مستقل.
د) ضريبة العمال المكلفون: وهذه الضريبة كانت مفروضة على كل شخص بين سن الاربعين والستين وهي ان يدفع عشرة قروش في السنة او يشتغل ثلاثة ايام في تعبيد الطرق على ان لا يقل يوم العمل عن ثماني ساعات واذا عرفنا القيمة الفعلية والشرائية للقرش في تلك الفترة لفهمنا كون العشرة قروش تشكل ثروة لا يملكها الفقراء ولذا كانوا يضطرون الى انجاز عمل السخرة هذا.
ه) الجمارك وضرائب التجارة: ساهمت هذه الضرائب والرسوم الجمركية في منع نمو اية طبقة برجوازية تجارية محلية مستقلة . فقد كان نظام الامتيازات العثماني كما اوضح " لوتسكي " يعفي التجار الاجانب من الضرائب ويستثنيهم من المحاكم الشرعية ويحمي ممتلكاتهم المصادرة ، وقد كان التجار المحليين يدفعون رسوما جمركية تبلغ 30% من قيمة البضاعة بينما كان التجار الاجانب يدفعون رسوما تتراوح بين 7-10% لمرة واحدة عند دخولها البلاد بينما كان التجار المحليين يدفعون الجمارك عدة مرات ، وكلما مرت بضائعهم من اقطاعية الى اخرى ومن دائرة جمركية الى اخرى .
هذه الضرائب الكثيرة التي رزح تحت نيرها الفلاحين الفقراء والحرفيين اسست لاخطر نظام بنيوي سياسي واجتماعي في فلسطين والمنطقة العربية بعد ذلك بان جعلت السلطة مصدرا للثروة وليس العكس, بمعنى ان الاثراء الذي حققه كبار الملاكين والموظفين وطبقة الحكم منعت الراسمال المحلي من القدرة على المنافسة, فالعادة ان يسعى اصحاب المال والثروة للامساك بالسلطة لحماية مصالحهم بينما الذي حدث عكس ذلك فقد تحول الحكم والسلطة الى مصدر للاثراء على حساب الشعب وافقاره وهذا عرقل كليا نشوء اقتصاد وطني مستقل وظلت تاثيرات ذلك حتى يومنا هذا بشكل او بآخر.
ويبدو واضحا كيف ان معظم هذه الضرائب والاجراءات المصاحبة التي ظهرت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر كرد على حركة ابراهيم باشا في محاولة لمنع تكرارها من خلال القضاء على اية ارضية يمكن ان تساهم في خلق القاعدة المادية للانتاج البرجوازي وبالتالي لتشكيل طبقة برجوازية قوية, ولذا تركزت المؤسسات التي استوعبت افراد الطبقة العاملة المتزايدة الاتساع في ايدي مؤسسات تابعة للراسمال الاوروبي الاحتكاري ورغم ذلك فقد كان لابد من وجود بعض الصناعات البسيطة، ساهم في عدم تدميرها ، اما كونها متفردة ، او في انها لاتعني الصناعة الراسمالية الاوروبية ولذا لم تكن هناك من بديل لوجودها وحسب عبد القادر ياسين- كفاح الشعب الفلسطيني- ص 14فقد (اقيمت المشاريع الصناعية الاولى فيها – أي فلسطين ع.ص – في تسعينات القرن الماضي حيث انشأ مصنع لصناعة الحرير في الجليل وآخر لتحضير الزبيب والتوابل وثالث لصناعة الزجاج في الطنطورة. وفي وقت لاحق اقام بعض رجال الاعمال بعض المصانع الصغيرة، لصناعة الصابون وطحن الحبوب وغيرها من مشروعات الصناعات الغذائية، وفي غزة والمجدل كان يعمل عدد محدود من المواطنين في النسيج وفي القدس كان هنا بعض الحرفيين الذين يعملون في دباغة الجلود وانتشرت يشكل محدود، صناعة وتجهيز زيت الزيتون والسمسم في نابلس ويافا وحيفا والقدس، وفي يافا وحيفا كانت هناك ورشتان تقوم احداهما بتصنيع بعض اجزاء ماكينات الري، في حين كانت الثانية لعصر زيت الزيتون ) اضافة الى ذلك والى جانب الموانيء وسكك الحديد والمتاجر فقد ازدهرت صناعات مثل الادوات المدرسية والهدايا الدينية – للحجاج – والعلب المصنوعة من خشب الزيتون والصدف وعلب الزعوط والشموع المختلفة وكل هذه الصناعات والمعامل ساهمت في استيعاب اعداد متزايدة من العمال في فلسطين ولكن الذي ينبغي لنا ان نعيه ان كل ذلك لم يشكل الارضية الملائمة لانجاز الاسس لضرورية لاحداث الانتقال الثوري نحو البرجوازية والتي كان من الممكن ان تحدث في نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، ولكن هناك عدة عوامل ساهمت في احباط اية امكانية لذلك وهذه العوامل هي:
1- اتمام الاستعمار التركي للربط الكلي للمنطقة بعجلة الرأسمالية العالمية لما ساهمت في تحول التجار الى كومبرادور غير معنيين بالانتقال البرجوازي رغم ان التجار في اوروبا شكلوا اهم عناصر الثورة البرجوازية وساهم هذا الربط الكلي في خراب الانتاج الصناعي الوطني لصالح البضائع المستوردة عن طريق الكومبرادور المحلي او بصورة مباشرة. 2- انتشار الطائفية التي غذاها الاقطاع فقد تركزت المؤسسات الرأسمالية في ايدي الصهيونيين ففي جدول يورده عارف العارف (المفصل في تاريخ القدس ص 348, 349, 350) نرى ان من اصل "6" بنوك في فلسطين هناك اربعة لليهود واثنين فقط للبروتستنت, والطراقوان من اصل "20" هناك "17" يهود, التنكجيه من اصل "36" هناك "34" يهود, والحدادون من اصل "28" هناك "7" يهود "3" روم و "18" لاتين بينما نرى ان الطوائف الاخرى غير اليهود تركزوا في اعمال مثل المصابن والمعاصر "السيرج" والتجارة بالمفرق والصباغة اضافه الى ان الصناعات الرئيسيه في فلسطين مثل صناعة النسيج والقاشاني والقزاز والخزف والبلاط تولتها جمعية محبي القدس وهي جمعية صهيونية، وبالتالي فان هذا تحكم ونتيجة للتطور اللاحق للمسألة الفلسطينية في عجز القيادات العربية نتيجة انتمائها الاقطاعي الديني في الغالب عن القدرة على قيادة حركة التغيير نحو البرجوازية وبذلك ساهمت هذه التقسيمة للتوزيع الطائفي في الانتاج على توزيع العمال العرب في المؤسسات العمل مستقبلا.
نتائج الحرب العالمية الاولى
كان من اولى نتائج الحرب العالمية الاولى انتقال السيطرة على فلسطين الى الاستعمار البريطاني ، ومنذ البدء عملت سلطات الاستعمار البريطاني على وضع كل الحواجز في طريق تطور الرأسمال العربي في فلسطين لصالح اقامة الوطن القومي لليهود ، وتمثلت الاجراءات التي وجهت ضد العرب فيما يلي : 1- ايقاف القروض الزراعية ويترتب على هذا خراب الفلاحين الفقراء 2- جمع قروض البنك الزراعي العثماني ، وهذا يعني ان الذين لايستطيعون دفع هذه القروض سيترتب عليهم بيع اراضيهم 3- منع تصدير محصولات الفلاحين كالقمح والزيت فهبطت اسعارها مما جلب الخراب على الفلاحين الفقراء . 4- باعت الدواب للفلاحين باسعار عالية بلغت 60-80 ج.ف للدابة ، وتبدو اهمية ذلك اذا ادركنا ان الدواب وخاصة الخيول تستعمل للحراثة وبالتالي فهي اداة رئيسية لانتاج الفلاحين . 5- عملت على استيفاء الضرائب نقدا كالعشر الذي خمسته فكان يصل الى 1/3 الموسم . 6- رفعت معدل الفائدة على الديون 30% عن كل ثلاثة اشهر وقد تبلغ 50%.
وكل هذا الاجراءات ساهمت بشكل واضح في انجاز الهدف بتجريد الفلاحين من اراضيهم وانتقالهم للعمل كشغيله في المدن او شغيلة زراعيين، بالمياومة او العمل الموسمي وهو ما يسمى بالبطالة المقنعة وعملت السلطات الاستعمارية من نواحي آخرى على جعل الاقتصادعلى الصعيد العربي تجاريا تصريفيا للمنتجات الرأسمالية البريطانية او اليهودية المحلية، فقد فرضت الضريبة على شكلين هما:
1. من ينتج 23 جنيه و 370 ملا يدفع ضريبة 25% 2. التاجر الذي يحصل على الفا جنيه سنويا يدفع 12% 3. ويبدو واضحا الهدف من زيادة الضرائب على المنتجين وقلتها على التجار الذين يساعدون اكثر من غيرهم في ربط البلاد بعجلة الاقتصاد الرأسمالي العالمي، الى جانب ان ذلك يساهم في تدمير اسس الاقتصاد الوطني, اما على جانب اليهود فقد عملت السلطات الاستعمارية على تأمين نمو رأسمالهم الموظف انتاجيا في فلسطين، فالى جانب منحها امتيازات استخراج الاملاح والمعادن من البحر الميت وكذلك امتياز روتنبرغ لتوليد الطاقة الكهربائية لليهود وحسب قسطنطين خمار( الموجز في تاريخ القضية الفلسطينية ص 75, 76) فقد عملت ايضا على تشجيع الصناعة اليهودية ( وذلك عن طريق زيادة الرسوم الجمركي على كل الواردات التي يمكن ان تنافس المنتجات اليهودية وتخفيفها او حتى الغائها عن المواد التي تحتاجها الصناعة اليهودية ) مما ساهم في نشوء مصانع يهودية ضخمة مثل مصنع (نيشر )للاسمنت ومصنع (شيمن ) لاستخراج الزيوت, وبينما كان عدد العمال في القطاع الصناعي العربي 8804 عمال عام 1942 فقد وصل عدد العمال في القطاع الصناعي اليهودي من نفس العام حسبما نقل ذلك د. عادل سمارة عن الجنيدي والعامري في كتابه " الراسمالية الفلسطينية من النشوء التابع الى مازق الاستقلال" ص 125 ويتابع د. عادل سمارة في نفس المصدر ص124 نقلا عن باميلا سميث ( وصل حجم الاستثمار في القطاع العربي الى 704,000 جنيه فلسطيني عام 1939 في حين وصل الاستثمار في القطاع الصناعي اليهودي الى 10,2 مليون جنيه ووصل هذا الاستثمار في القطاع الصناعي اليهودي الى 170,8 مليون جنيه فلسطيني في عام 1942, اي ما نسبته 86% من مجموع الاستثمارات في الصناعة) لاحظوا حجم الفرق العائل بين حجم الاستثمار العربي لاصحاب البلاد وحجم الاستثمار اليهودي الطامع في البلاد، اضافة الى ذلك فقد ساهم الاستعمار البريطاني بمساعدتهم في استملاك الاراضي وهي المصدر الرئيسي للفلاحين الفقراء العرب وحسب "المصدر السابق" ص73 فقد ( وهبتهم الحكومة 175 الف دونم من املاك الدولة ، كما منحتهم ايضا 200 الف دونم لقاء اجرة اسمية ، ثم زادتها ، بعد مدة ، حتى وصلت الى 300 الف دونم ) وكمثال على ذلك فقد نشرت الوكالة اليهودية في احصاءاتها المنشورة عام 1947 في نهاية شهر ايلول من عام 1946 ان ما يملكه اليهود بلغ 1807000 دونم اي ما يعادل 6% من جميع اراضي البلاد وثد توزعت الدونمات حسب الحصول عليها كما اورد المعلومة مصطفى مراد الدباغ في بلادنا فلسطين الجزء الاول ص 22,23 كما يلي: 175000 دونم اجرتها الحكومة البريطانية للوكالة اليهودية. 325000 دونم منحتهاالحكومة البريطانية من املاك الدولة للوكالة اليهودية. 420600 دونم ماحصل عليه اليهود من الدولة العثمانية من البيوعات العربية قبل ان يتبين لهم النوايا الصهيونية في فلسطين وهي تساوي 1,6% من مجموع اراضي البلاد. 261400 دونم اشتراها اليهود من العرب بناء على قانون نزع الملكية وتنفيذا لقرارات المحاكم او لظروف اقتصادية بالغة القسوة والشدة. 625000 دونم ما باعه الاقطاعيون العرب من غير اهل فلسطين.
ولقد اثرت هذه الاجراءات ومنها الانتزاع القسري او شبه القسري للارض من مالكيها او اصحاب الارض الشرعيين بسبب غياب حكومة وطنية بشكل سيء على عملية الانتقال البرجوازي لفلسطين وساهمت في تدمير اسس الاقتصاد الوطني الانتاجي وافقار الآلاف الكثيرة من عائلات الفلاحين الفقيرة.
دفع هذا التوجه الذي كان ينتهجه البريطانيون والصهيونيين القيادة الوطنية العربية وعلى رأسها الاثرياء حسب غسان كنفاني ( ثورة 36-39 في فلسطين ص 29) الى التفكير ( بوسائل تجعلهم قادرين على المزاحمة وكان هذا من الاسباب التي ادت الى عقد مؤتمر اقتصادي في القدس عام 1923 م ولقد قرر المؤتمر:
1- السعي لالغاء ضريبة العشر و الويركو ورسوم الافراز 2- تشجيع غرس الاشجار 3- تاسيس مدرسة زراعية 4- اعادة المصرف الزراعي 5- تخفيض رسوم التبغ البلدي وتزييد رسوم التبغ الاجنبي 6- تحسين الطرق 7- منع بيع الاراضي اذا كان المالك لا يملك اكثر من مئتي دونم 8- زيادة ضريبة المشروبات الكحولية 9- تحديد المهور 10- تخفيض اجور السكك الحديدية 11- استنكار افة القمار المنتشرة في البلاد 12- مقاطعة مشروع روتنبرغ 13- تشجيع تعليم فن الخياطة في مدارس الاناث )
ولكننا لا نرى في هذه القرارات أي توجه نحو تقوية الاقتصاد الصناعي الانتاجي او حتى مجرد الدعوة لانتهاجه، والاخطر من ذلك يبدو في قرار رجعي واضح وهو حرمان من يملك اقل من 200 دونم من بيع ارضه وعدم منع من يملك اكثر، ورغم ذلك فان لهذه القرارات اهمية لو وجد قيادة ثورية صادقة في توجهها لقد جاءت الحرب العالمية الاولى و29% من الفلاحين كانوا لا يملكون ارضا وبالتالي فانهم كانوا يعلمون كشغيلة زراعيين او بالمحاصصة في حين ان 63% يملكون اقل من 50 دونم وهؤلاء كانوا يضطرون للعمل في اراضي الاقطاعيين لان ارضهم لا تكفيهم، يبقى 8% فقط من الفلاحين هم المالكين الحقيقيين للارض، في وقت كانت الكنيسة الارتذوكسية تملك 631 عقارا والاوقاف الاسلامية تملك 100, 000 دونم، ثم ان ما يؤكد ان البند السابع بالتحديد جاء لخدمة مصالح الاقطاعيين وحسب غسان كنفاني ( المصدر السابق ص 27, 28) فان ( كثيرا من الفلاحين العرب الصغار في انتفاضة 1929م وانتفاضة 1933م باعوا اراضيهم للملاكين العرب الكبار كي يشتروا باثمانها سلاحا لمقاومة الغزو الصهيوني والانتداب البريطاني, ان الغزو الذي يتحدى طراز عيش له نفوذ الدين والتقليد والشرف هو الذي مكن القيادات الاقطاعية الاكليركية من مواصلة لعب دورها بالرغم من الجرائم التي ارتكبتها، ففي كثير من الحالات كانت العناصر الاقطاعية التي تشتري تلك الارض تبيعها للرأسمالي اليهودي ) من هنا يبدو ان الذين باعوا ارضهم ليس اولئك الملكين الصغار – الفلاحين الفقراء – ولكن الاقطاعي الجشع، ومثل هذه الممارسات للقيادات الاقطاعية نراها واضحة في شهاداتها امام لجنة " بيل " والتي امتدحت الاستعمار العثماني مما يؤكد ان الخلاف كان في الموقع الذي تحتله هذه القيادات لدى الاستعمار، لا في الصراع الوطني القومي ضد الاستعمار و الصهيونية، وبالتالي فان موقف هذه القيادات كان في طبيعة هذا الاستعمار وفي توجهه لها وموقفه منها، لا موقفا ضد الاستعمار ومن اجل الاستقلال القومي لفلسطين.
وقد حكم مجرى التطور الطبقي في فلسطين على وجود الاستعمار البريطاني والحركة الصهيونية متخالفتين في طرف واحد ضد حركة قومية يقودها الاقطاع الاكليركي بضعف واضح للبرجوازية بسبب معاداة الاستعمار والصهيونية لها وعملهم ضد تطورها وغياب واضح للدور المؤثر الذي كان ينبغي وجوده للطبقة العاملة، ولذلك فقد حكم التطور البرجوازي على صعيد القاعدة المادية لصالح الحركة الصهيونية ويذكر سعيد حمادة" النظام الاقتصادي في فلسطين بيروت "1939 ص 281 ان ( عدد المحلات الصناعية بلغ 3505 محلات عام 1927 منها 1373 محلا اي 60,5% كانت عربية وان راس المال المستثمر فيها بلغ 613 الف جنيه اما الباقي فكان يهوديا وبلغ راس ماله المستثمر نحو14275 جنيها, وفي احصائية تبين الشركات في بلدية القدس في 1-3-1945م اوردها عارف العارف في كتابه " المفصل في تاريخ القدس " نرى ان من بين 18 شركة كيميائية هناك 16 شركة يهودية 2 اجنبية و4 شركات سجائر هناك 3 يهودية وواحدة اجنبية ولا أي شركة عربية في مجالات مثل الطباعة او السينما او شراء الاختراعات او جلود واحذية او كاوتشوك او مياه, وفقط شركة زراعية عربية واحده من اصل 7 شركات زراعية, و3 شركات ميكانيكية وكهربائية من اصل 22, و 6 شركات اقمشة ونسيج من اصل 31, وشركة واحده للتجارة العامة من اصل 66, و8 شركات نقل وسفر من اصل 24, وشركة اخشاب وزيتون واحده من اصل 15, وشركة تامين واحدة من اصل 44 ,وشركة سكب وحديد واحده من اصل 5, وشركة ساعات واحدة من اصل واحدة ، في احصائية اخرى اوردها نفس المصدر عن الاعمال ذات الصبغة الصناعية 1947م في القدس نرى انه لا وجود للعرب في كل من الاعمال التالية ، المعكرونة ، المصابن ، البيرة ومعاصر الخمور و الكبريت والروائح العطرية وادوات الزينة ، المختبرات الباثولوجية والبكتريولوجية ، المواد الكيماوية و العقاقير والمستحضرات الطبية ، معامل الورق ، الاحذيه وغيرها الكثير وبينما يتركز المسلمين والمسيحيين في معامل الحلويات ،معاصر الزيت وصناعة الاحذية ومصانع التحف وماكنات النشر وصناعة العربات . فما الذي يمكن الدارس لمثل هذه المعطيات ان يستنتج سوى ان الحركة الصهيونية تسيطر سيطرة شبه كاملة علىالمرافق الصناعية الانتاجية وكذلك على رأس المال فمن اصل 17 بنكا فهناك ثلاثة للمسلمين وللمسيحيين و 14 لليهود، فماذا يعطينا ذلك.
1- ان القادرين على انجاز التحول نحو المرحلة البرجوازية في أي بلدهم فقط اولئك الذين يملكون القاعدة الانتاجية الملائمة و السمات الضرورية لهذا الانتقال والاستعداد لهذه النقلة وقد كانت الحركه الصهيونية والرأسمال اليهودي هم المسيطرين على مرافق الاقتصاد الانتاجي.
2- ان الرأسمال العربي معظمة منكب على الانتاج التابع للاقطاع مما ابقى على سيطرة الاقطاع الاكيركي الكامل على الصعيد السياسي ولذلك ظلت البرجوازية العربية في فلسطين ضعيفة وذيلية بينما كانت الرأسمالية اليهودية على العكس تماما.
ورغم ان دراستي لا تعني بالمسأله الفلسطينية بشكل عام الا ان على الدراس لمثل هذا التوجة ان ياخذ هذا التوزيع بعين الاعتبار عند دراسته للعوامل التي ساهمت في تطور المسألة الفلسطينية الى هذا الوضع.
الاستثناء الفلسطيني
رغم ان انجاز الاستقلال والافلات من الاستعمار التركي – الاقطاعي – كان سيوفر الظروف والاسس لاحداث الانتقال الثوري نحو البرجوازية في الوطن العربي الا ان التحالف الغير مقدس الذي اقامته القيادة القومية العربية مع الاستعمار الاوروبي والذي ادى بعد ذلك الى اخضاع المنطقة بكاملها الى الاستعمار تحت شعار الانتداب, كان العائق الاول امام مثل هذا التغيير الضروري من اجل اتساع صفوف الطبقة العاملة العربية وتشكلها كطبقة قوية ومتماسكة صانعة حقا للانتاج وثورية, وعلى العكس من ذلك فقد تقاذفتها عدة عوامل ساعدت في ضعفها وزيادة الانشقاقات في اوساطها وتحويلها الى مجموعات صغيرة منعزلة معظمها تعمل في منشآت حرفية او مزارع صغيرة او عائلية وهذه العوامل هي:
1- ان التحرر من الاقطاع الذي هيمن على المنطقة العربية في ظل السيطرة التركية لم يتبعه التحرر القومي الكامل وهو التحرر الضروري من اجل خلق برجوازية قويه، بل ادى ذلك الى السقوط تحت نير الاستعمار الاوروبي مما احبط كل محاولات البرجوازية الصناعية في الوطن العربي للوقوف على قدميها، وبتالي اعاق ذلك من خلق طبقة عاملة صناعية عربية وتحول الوجود الجنيني لهذه الطبقة والتي من المفترض ان تتشكل من كبار التجار والملاكين الى نمط الكسب السريع عبر التحول الى وكلاء لسلع الدول الاستعمارية او الى طبقة حاكمة تستخدم السلطة للاثراء بديلا عن المشاركة في العملية الانتاجية الوطنية وتقويتها وترسيخ جذورها. 2- ان جنين الحركة البرجوازية العربية بشكل عام اعتمد على التجار الذين لم يستطيعوا الانتقال الى منتجين صناعيين بسبب سيطرة الرأسمال الاوروبي على السوق العربي، اضافة الى انعدام التنظيم الطبقي للبرجوازية العربية او انحدارها في الغالب من اصول اقطاعية او كونها تعمل في الموقعين الانتاجيين الاقطاع والبرجوازية فهناك البعض يجمع بين ملكية الارض والعقارات والانتاج الصناعي مما يجعله اقرب الى تفكير الاقطاع منه الى البرجوازية الطموحة وبذا ظل الفكر الاقطاعي مسيطرا على العقلية العربية سواء في البنية السياسية او الاقتصادية.
3- ان الرأسمال الاوروبي اوجد طبقة كومبرادورية كبيرة عملت بكل قوتها على ربط الاقتصاد العربي ربطا كاملا بالاقتصاد الرأسملي المستعمر مما منع الرأسمال العربي من قدرة الحركة والمنافسة وبالتالي التطور الى الرأسمال الصناعي المنتج لوجود بضاعة رأسمالية اقوى تنافسة في سوقه.
هذه العوامل مجتمعة الى جوانب عوامل عديدة اخرى ادت الى تاخير انجاز الانتقال البرجوازي في الوطن العربي وهذه العوامل نفسها بالتالي هي التي منعت تطور الطبقة العاملة العربية فيما كانت على العكس بالنسبة للطبقة العاملة الفلسطينية وان بشكل فوضوي غير منظم وبكل الانقسامات وتحت تاثير وجود راس المال الاستعماري الاجنبي، وهذا يرجع على عدة عوامل ساهمت في اتساع صفوف الطبقة العاملة الفلسطينية بشكل دائم ولكن بشكل عشوائي وعلى قاعدة الافقار وسلب الارض لا على قاعدة التطور الراسمالي الطبيعي وهذه العوامل هي:
1- في حين ان الاستعمار البريطاني هدف من الاستعمار للبلدان العربية الاخرى ربطها باقتصاده الراسمالي ومنع قيام اقتصاد انتاجي وطني يساعدها على الاستقلال، فانه على العكس من ذلك فقد كان دورة في فلسطين هو التحضير لتحويلها الى دولة يهودية مستقلة وقوية تشكل مسمارا في عنق حركة التحرر الوطني العربية للابقاء على الوطن العربي كتابع تام للراسمال الاستعماري، وهذا الهدف دفعة الى تسهيل اقامة مؤسسات رأسمالية انتاجية ومصانع ضخمة لصالح الحركة الصهيونية تمهيدا لتحقيق هدفها وبالتالي ساهم ذلك في اقامة صناعة يهودية في فلسطين مع اتساع المجال ولو يشكل ضئيل لصناعة عربية.
2- ان الصهيونية سعت بجهد حثيث الى شراء الارض بينما سعى المالكين الكبار خاصة المقيمين في خارج فلسطين الى بيعها من اجل انجاز تحولهم نحو البرجوازية مما ساهم في خراب الفلاحين الذين كانو يعملون في اراضي الاقطاعيين المباعة لليهود الذين عملو وفق شعار "العمل العبري " وطردو الفلاحين من اراضيهم مما اجبرهم الى التحول الى عمال واكبر مثال على ذلك هي الاراضي التي باعها سرسق التي ادت الى طرد 900 عائلة عربية من الارض وبالتالي اضطرارهم للتحول الى عمال في المدن او شغيلة زراعيين عند اليهودفي غالبيتهم العظمى.
3- محاولة البرجوازية العربية الناشئة في فلسطين مواجهة البرجوازية اليهودية مما دفعها الى اقامة منشآت صناعية وتشغيل العمال العرب فيها وكذلك اضطرار اصحاب الاعمال اليهود الى تشغيل الايدي العاملة العربية لرخصها اضافة الى ضعف التنظيم الطبقي في صفوفها وبالتالي سهولة اخضاعها للاستغلال القومي والطبقي.
4- ترك الاستعمار البريطاني لقانون الاراضي العثماني معمولا به في فلسطين وهو ينص على ان الارض ملكا للباب العالي وبالتالي اصبحت ملكا للسلطات الاستعمارية مما سهل عملية مصادرتها طبقا لاصول القانون المذكور مما ادى الى طرد الفلاحين الذين يعملون فيها وانتقالهم الى صفوف عمال المدن.
5- الغاء الاستعمار البريطاني للقروض الزراعية والشروع بجمع قروض البنك الزراعي المدفوعة سابقا ومنع تصدير المنتوجات الرئيسية عند الفلاحين العرب كالقمح والزيت مما ادى الى هبوط اسعارها ورفعت اسعار الدواب بصورة عالية وبدأت باستيفاء الضرائب نقدا وغيرها من اعمال ساعدت على خراب الفلاح ولجوئه للمرابين او بيع ارضه، وكلاهما يؤدي الى انتقال الفلاح الفقير والمتوسط – في بعض الحالات – الى صفوف الطبقة العاملة او اشباهها.
6- حصول اليهود على اجود الاراضي الزراعية وامتلاكهم التقنيات التي تساعد في زيادة الانتاجية الزراعية عندهم مما افقد الفلاحين العرب القدرة على المنافسة بسبب قدرة المنتج اليهودي على تزويد السوق بمنتوج اجود واسرع واكثر وارخص في حين يفقد المزارع العربي ذلك وبالضرورة كانت الارض لا تفي بحاجاته، مما يدفعة الى تركها بدون زراعه او دفع النساء للاشتغال بها بينما ينتقل الرجال الى صفوف عمال المدن من هنا نرى ان الطبقة العاملة الفلسطينية اتسعت بشكل كبير من خلال انضمام اعداد هائلة متزايدة لصفوفها من الفلاحين الفقراء والحرفيين وغيرهم من الفئات الشعبية الكادحة.
النتائج المترتبة على الطبقة العاملة
كنتيجة لسياسة التمييز ضد العمال العرب من قبل الاستعمار البريطاني وسياسة العمل العبري من قبل الحركة الصهيونية فقد عانى العمال العرب من البطاله ، وقد اورد " جورج منصور " سكرتير جمعية العمال العرب في يافا امثلة حية على ذلك في شهادته امام لجنة بيل حين ذكر ان عدد العاطلين عن العمل في يافا وحدها في اواخر 1935م بلغ 2270 عاملا وعاملة في مدينة عدد سكانها انذاك 71 الف نسمة ويورد جورج منصور خمسة اسباب ادت الى هذا الوضع وهي : أ- الهجرة اليهودية ب- نزوح الفلاحين للمدن ت- طرد العمال العرب من الاعمال ث- سوء الحالة الاقتصادية ج- تحيز الحكومة الشنيع للعمال اليهود
كنتيجة لذلك فانه في اربع مستعمرات يهودية هي ملبس وديران ووادي حنين والخضيره كان يعمل 6214 عاملا عربيا في شباط 1935م وبعد ستة اشهر اصبح عدد العمال العرب في المستعمرات الاربعة 2276 عاملا وبعد عام هبط الرقم الى 677 عاملا عربيا فقط بينما قامت الحاميات اليهودية باعتداءات بشعة على العمال العرب لااجبارهم على التخلي عن اعمالهم في البيارات ومعامل السجاير والمحاجر والبناء ومعامل الكلس وباقي الاعمال الاخرى وبسبب شراء الاراضي من قبل اليهود وطرد فلاحيها وشغيلتها الزراعيين زاد باطرد عدد عمال المدن العرب ويقول غسان كنفاني في كتابه (ثورة 36-39 في فلسطين) ص26,27 ان ( 30% من الفلاحين العرب في 1941م لم يكن لديهم اية قطعة ارض فيما كان يملك 50% من الباقي ارضا صغيرة لا تكفيهم، هنالك من جهة اخرى 250 اقطاعيا عربيا كانوا يملكون 4 ملايين دونم مقابل 25 الف عائلة فلاحية بدون ارض و 46 الف عائلة فلاحية لها ارض صغيرة بمعدل 100 دونم للعائلة و 15 الف عامل زراعي مأجور يعملون عند ملاكين ) كما ان البدو الذين كانوا يشكلون 35% من مجموع السكان وبلغ تعدادهم 1922م " 103 " الاف نسمة فانهم ونتيجة الانتقال البرجوازي في فلسطين ومصادرة او شراء الاراضي اخذوا ينتقلون الى صفوف عمال المدن فبلغ تعدادهم 1931م 66,553 نسمة وقد بلغ عدد العائلات الفلاحية التي طردت من ارضها 1931م 20الف عائلة فلاحية كل هذا اضيف الى صفوف عمال المدن مما ساعد في اتساع الطبقة العاملة دون وجود مرافق انتاجية تستوعبهم . ونتيجة لهذا الاتساع المطرد في صفوفها فقد عانت الطبقة العاملة من حالة البؤس والفقر المدقع بسبب التزاحم في صفوفهم كنتاج للبطالة المتفشية وخضع العمال بسبب تزايد اعدادهم وقلة الطلب الى استغلال بشع ويذكر ناجي علوش في كتابه ( تطور القضية الفلسطينية 1917-1948) حول عدد ساعات العمل للعامل العربي قائلا ( فلقد كانت ساعات عملهم تتراوح بين تسع ساعات وست عشرة ساعة يوميا وكانت اجورهم متدنية ) ويتابع علوش في نفس المصدر ( بلغت نسبة الامية بين العمال 93% وكان 14% منهم يستطيعون توقيع اسمائهم ) ونتيجة لزيادة المزاحمة وسيطرة الرأسمال اليهودي فقد اخذت الصناعات العربية تتدهور مما عكس ذلك على العمال العرب الذين فقدوا أي نوع من الضمان الاجتماعي او الصحي بينما بلغ عدد العاطلين عن العمل 30 الف عامل وذلك كما جاء في شهادة سامي طه رئيس جمعية العمال العربية.
عانت الطبقة العاملة الفلسطينية من معانة شديدة بسبب حالة المنافسة الغير متكافئة مع العمال اليهود لاسباب عديدة اهمها: 1- طرد العمال العرب من المشاغل والمنشآت اليهودية تنفيذا للشعار الصهيوني العمل العبري. 2- الهجرة اليهودية المتواصلة والتي ركزت على استقدام القادرين على العمل اكثر من غيرهمفقد زاد مثلا عدد اعضاء الهستدروت في تسعة شهور من عام 1936 م تسعة آلاف عامل. 3- نزوح الفلاحين المعدمين من المدن وشدة المنافسة على الاعمال بين العمال العرب انفسهم بسبب زيادة العدد وتفاقم الفقر.
في شهادةسكرتير جمعية العمال العرب بيافا جورج منصور امام لجنة التحقيق الملكية يوم 16 كانون ثاني 1937م اورد امثلة كثيرة عن الحال المأساوية للعمال العرب نورد منها على سبيل المثال ما يلي:
1- في عام 1935م كان عدد العاطلين عن العمل بين اعضاء الجمعية نحو الف عامل علما بان العدد الاجمالي لاعضاء الجمعية بلغ 4700 عامل. 2- في اواخر 1935م طلبت الحكومة من مخاتير يافا تقديم احصاءاتهم عن عدد العمال العاطلين عن العمل فبلغ العدد 2270 عاملا وعاملة.
3- اما في القرى فان البطالة عامة تقريبا الا في مواسم الحصاد والزيتون.
4- نقص عمال الصدف في بيت لحم من 1500 عام 1935م الى 150 عامل فقط في عام 193م.
5- اجرة العامل العربي في الدوائر الحكومية ( الاشغال العامة) تتراوح بين 70 – 130 ملا, بينما اجرة العامل اليهودي 250 – 300 مل.
ما تقدم يبين حجم المأساة التي تعيشها الطبقة العاملة العربية وخضوعها لانماط مختلفة من القهر والاستغلال الطبقي والوطني ومن مصادر متعددة.
التطور التنظيمي للطبقة العاملة الفلسطينية
ساهمت الهجرة المستمرة من الريف الى المدينة في فلسطين بعد ان اصبحت المدن الملاذ الوحيد للفلاح الذي عانى من الظروف الاقتصادية القاهرة والمنافسة التي مثلتها الحركة الصهيونية في فلسطين وتركيز اهتمامها على الارض الزراعية ومحاولة دفع الفلسطيني لكسر حالة الارتباط التي يعيشها مع الارض وبتاثير ذلك كله باتت الارض الزراعية والفلاحة لاتغطي احتياجات الفلاحين الاساسية, كل هذا الى جانب نقص رأس المال المستثمر في الاراضي الزراعية, وكذلك الضرائب الباهظة وشروط الريع المجحفة.
هذه الاوضاع مجتمعة ساهمت في زيادة الاتساع الافقي في صفوف الطبقة العاملة في فلسطين, وتوسع ظاهرة هجرة العمل بالزراعة لصالح التحول الى عمال المدن لسهولة توفر النقد بدل ظاهرة البدل او الاجر الموسمي للعاملين بالزراعة, وذلك الى جانب حاجة السلطة الاستعمارية الى توفير الخدمات المرافقة والضرورية من احتياجات جيشها غير العسكرية ( الخدماتية- الدعم اللوجستي) سواء في بداية مرحلة الاستعمار او في اوج الحرب العالمية الثانية وعلى نطاق اوسع دفعها ذلك, حسب الدكتور موسى البديري ( تطور الحركة العمالية العربية في فلسطين ص )2 الى ايجاد ( فرص عمل واسعة وخاصة في حقلي النقل والمواصلات" سكة الحديد، الخدمات البريدية، الموانيء، شق الطرق وصيانتها، ورش تصليح للجيش ) وكذلك ساهمت الشريحة البرجوازية التجارية العربية المرتبطة بالاستعمار البريطاني في نمو قطاع عمالي في فرع الخدمات التجارية كالنقل والتسويق وساعدت الزراعة الرأسمالية في الريف وخاصة في حقل الحمضيات الى بروز ظاهرة العمال الزراعيين او الشغيلة الزراعيين العاملين بالمياومة.
ان حركة التوسع المتواصلة في صفوف الطبقة العاملة ادت بالضرورة الى نشوء الحاجة لبروز العمل التنتظيمي للعمال وقد ساعد على ذلك ايضا وجود الحزب الشيوعي الفلسطيني والذي اخذ على عاتقة التوجة للعمال العرب من اجل تنظيمهم في صفوف منظمته العمالية _ فراكتسيا العمال _ وقد ساهم ذلك في انتشار فكرة النتظام في اوساط العمال في الحركة النقابية الفتية, بجانب عوامل عديدة اخرى وسوف نتتبع تطور التنظيم النقابي عند الطبقة العاملة العربية في فلسطين منذ بداياتة وجذورة الاولى مقسمين ذلك الى حقب زمنية:
1910 _ 1920 نشأت الحركة النقابية في فلسطين في مطلع العقد الثاني من القرن العشرين مرافقة للحركة الصهيونية في حين كان العامل العربي حتى ذلك الوقت لا يملك ادنى شكل او رابطة تنظيمية ولذى نرى انه وحسب د. سليمان بشير" الشرق العربي في النظرية والممارسة الشيوعية ص 91,92 ( تم وضع أسس الحركة النقابية الصهيونية في فلسطين في ربيع 1911, وذلك بأقامة اتحادين لعمال الزراعة في شمال ووسط البلاد ، وهذان الاتحادان مهدا لاقامة اللجنة الموحدة لعمال فلسطين في شباط 1914 التي نشأت عنها الهستدروت فيما بعد ), وهنا يتضح لنا ان التنظيم الطبقي والحركة النقابية دخلت البلاد مرادفة للحركة الصهيونية تماما ، كما سترى ذلك بشان نشوء الحركة الشيوعية ، ولذا ظلت هذة الحركة النقابية غريبة الى حد ما عن المجتمع العربي بسبب غرابة منشئيها, والاهداف المعادية للتطلعات القومية العربية التي حملتها معها الحركة الصهيونية الى فلسطين عبر مهاجريها بكل تلاوينهم, اليمينيين المباشرين في عدائهم لكل ما هو عربي واليساريين عماليين ليبراليين او اشتراكيين ديمقراطيين او شيوعيين وقد غلفوا اهدافهم بمنظور طبقي حاول السعي لدفع العمال العرب ومنظماتهم للائتلاف مع نظرائهم اليهود ، ولذا ظل تطور الحركة النقابية في فلسطين مقتصرا على الهستدروت حيث عقد في شباط 1919 م المؤتمر التأسيسي لاتحاد العمال اليهودي في فلسطين ( احدوت _ هعفودا ) وبمعنى اخر فانة حتى نهاية العقد الثاني من القرن العشرين لم يكن هناك اية حركة نقابية تهتم بشؤون الطبقة العاملة العربية, بل بالعكس ترافق وجود التنظيم النقابي للعمال مع وجود الحركة الصهيونية وقد يكون لذلك تاثيراته السلبية على مستقبل الحركة النقابية لدى العمال العرب.
1920 _ 1930 : نتيجة حالة المعاناه الشديدة التي عاشها العمال العرب في فلسطين والصراع مع الصهيونية والاستعمار وزيادة الوعي النقابي الى حد ما فقد بدأت في صفوفهم حركة تنظيمية بدائية ومثال ذلك ان عمال السكه الحديد في مدينة حيفا اخذوا يجمعون التبرعات من بين العمال العرب الفلسطينيين لمساعدة زملائهم المرضى وعائلات المتوفين وبدت تلك التحركات كاشكال جنينية اولى للعمل الجماعي والشعور باهمية التنظيم والتعاون لدى العمال العرب الفلسطينيين, وقد يكون لوجود التنظيم النقابي الصهيوني سببا مهما في دفع العمال العرب لمحاولة الانتظام بعيدا عن المؤسسة النقابية الصهيونية واندفاعا نحو ابراز التمايز القومي باوساط الحركة العمالية العربية.
على الصعيد الصهيوني فانه ونتيجة الصراع الذي كان يدور في صفوف الحركة العالمية لعمال صهيون فقد ادى ذلك الى انشقاق الجناح اليساري في الحركة وتم في تشرين اول 1920م تشكيل الجناح اليساري لحزب العمال الاشتراكي (مفليجيت بوعاليم سوتسالستيم م.ب.س ) وقد اهتم هذا الجناح بالعمال العرب وعتقدا ان بامكانه ان يكسبهم الى جانبه, وكان ذلك بداية اول توجه نحو العمال العرب, ذلك ان حزب (م.ب.س ) وحسب المصدر السابق ص 95 كان قد اعلن بأنه ( على العمال اليهود الوقوف الى جانب العمال الاخرين دون اخذ انتمائهم القومي بعين الاعتبار ذلك من اجل تحقيق اهدافهم ) ورغم اهمية مثل هذا التوجه بالنسبة للعمال العرب الذين لم تكن اعينهم قد تفتحت بعد على النضال الطبقي ومع ان دعوة العمال لتحقيق اهدافهم المطلبية والطبقية من المفترض ان تلقى استجابة في اوساط العمال انفسهم الا ان هذا الحزب نفسه دمر الارضية التي يمكن ان تبني عليها الفائدة من توجهه كحزب يساري حين تابع داعيا ( لاقامة نقابات عمالية مهنية ولقيام العمال اليهود بهجرة كثيفه الى فلسطين حيث سيشكلون طليعة الحركة الثورية هناك وفي الشرق الادنى ) المصدر السابق ص 95 هذه الدعوة جعلت العمال العرب يصنفون الحزب في خانة الاحزاب الصهيونية المعادية ولم تؤثر بهم اللغة الاممية التي يتحدث بها ما دام يدعو الى تصعيد الهجرة الاستيطانية الى بلادهم فهو بهذا الشكل او ذاك وضع نفسه في خدمة الاغراض الصهيونية الكولونيالية في فلسطين, ما تقدم جعل نشوء الحزب الشيوعي الفلسطيني م.ب.س حزبا لا يملك القدرة على الانخراط في البيئة العربية الاسلامية في غالبيتها والمعادية كليا للهجرة اليهودية والوجود الصهيوني في فلسطين, فهم لم ياخذوا في الحسبان ابدا الخصائص القومية والاجتماعية وحتى الدينية في اوساط العمال العرب ويالتالي فقد ساهموا بقصد او بدون قصد بالوصول الى حالة انقسام حقيقي وتوسيع الهوة بين العمال اليهود والعمال العرب ووضع الفكر الشيوعي في خانة المحتلين فكرا وتنظيما. المهم في الامر انه في كانون اول 1920م اشترك م.ب.س في انتخابات الهستدروت وحصل على 6 مقاعد من اصل 87 وهذا يبين الضعف الشديد للحزب حتى في اوساط اليهود فهو لم يقدم نفسه كجزء من الحركة الصهيونية ولذا لم يتماثل مع الصبغة العامة للستوطنين اليهود في فلسطين من المهاجرين والذين ينتمون في غالبيتهم الى الفكر الصهيوني الاستيطاني وفي نفس الوقت لم يتمكن الحزب من الحصول على القبول في اوساط العمال العرب الذين رأوا في كل يهودي صهيوني ومستوطن ايا كانت توجهاته الفكرية, ونتيجة طبيعة توجه القيادات النقابية اليهودية ونظرتها للعرب وحتى اليسارية منها ، وعدم فهمهم لجوهر المسأله اليهودية او اعتبارهم الهجرة اليهودية ، عامل تنوير في المنطقة فان م.ب.س نفسه قد اشترك في مظاهرة اول ايار 1921م المنظمة من قبل الهستدروت التي تحولت الى صدام دموي بين العرب واليهود في يافا مما ساعد في زيادة الهوة بين م.ب.س والعمال العرب اكثر فاكثر وبذا عاش الحزب حالة من الازدواجية لم يجد وسيلة لوضع حل جذري لها بخلطه بين الاممية والاخوة بين العمال وبين الحالة الخاصة للعمال اليهود في فلسطين واهدافهم المعادية للعمال العرب خاصة والمجتمع العربي عامة, فلم يكن بامكانه ابدا ان يكسب ثقة الجهتين .
استفاد من هذه الحادثة الى حد ما يسار م.ب.س حين حمل احد اجنحته اسم الحزب الشيوعي في فلسطين (ك.ب.ب ) وحسب د. سليمان بشير المصدر السابق ص 105 (فقد قطع حزب "ك.ب.ب" جميع علاقاتة باحدوق هعفودا وقاطع المؤتمر الثاني للهستدروت الذي عقد في 7-20/1/1923. بهدف الوصول الى الجماهير العربية ) ولكن ذلك لم يؤدي الى اية نتائج عملية ، بسبب كون هذا الحزب جميعة ، قيادة واعضاء من اليهود وكون الحزب حسب المصدر السابق ص 113 ( لم ينجح في تجنيد أي عضو عربي الى صفوف قبل 1924 ) ولذلك فان المشكلة لم تكن في توجه او عدم توجه الشيوعيون اليهود الى جماهير العمال العرب بقدر ما كان ينبغي للنهوض هذا ان يتم في صفوف الطبقة العملة العربية نفسها, وقد شكل الحزب الشيوعي الفلسطيني منظمة عمالية تابعة له تحت اسم "فراكتسيا العمال " الا ان الهستدروت طردتها ولم تعترف بها ولذا اضطر الحزب الى تشكيل منظمات تحت اسماء جديدة كان اهمها حركة ايحود 1925م والتي عقدت مؤتمرها الاول في 17 كانون اول 1926م وكان برنامجها يتالف " حسب المصدر السابق ص 161" (من نقطتين اساسيتين . الاولى : تحويل الهستدروت - التي لم تجذب حتى الان سوى عدد قليل من العمال العرب الى صفوفها - الى جسم اممي صرف عن طريق تنظيم جماهير العمال العرب العريضه داخلها ..... ) وقد اشترك في هذا المؤتمر عدد من المندوبين العرب يتراوح عددهم بين 18-25 من اصل 80-85 وقد تناست " ايحود " انها تدعو الى تنظيم العمال العرب تحت راية نقابة صهيونية يهودية باسمها وجوهرها و الاخطر من ذلك مما يوضح لنا عقم التوجه نحو العمال العرب لتنظيمهم في النقابات اليهودية وعدم فعاليته ان الشيوعيين انفسهم قد اشتركوا في اذار 1927م بقيادة مظاهرة ضد البطالة مطالبين بتشغيل العاطلين عن العمل من المهاجرين اليهود وهذا يعتبر موافقة ضمنية او مساهمة في عملية طرد العمال العرب وتكريس عملي لشعار العمل العبري واياكانت نواياهم فانها ينطبق عليها قول لينين ان " جهنم مبلطه بالنيات الحسنة " وتجدر الاشارة هنا الى خطورة استخدام الاسماء العبرية الصرفة في تسميات المنظمات العمالية حتى لدى اليساريين اليهود الذين رفعوا شعارات اممية صرفة, لكنهم لم يتمكنوا من قطع علاقاتهم مع الحركة الصهيونية وجسمها واهدافها ولذا نجدهم يشاركون في الانشطة الصهيونية او يديرون انشطة تتعارض كليا مع الطموحات القومية للعمال العرب.
كان اول توجه واضح المعالم للعمال العرب نحو العمل النقابي في " نقابة سكك الحديد " وقد ساعدهم في هذا التوجه اتصالهم بالعمال اليهود والمصريين الذين حبذوا العمل النقابي , الا ان عمل هذه النقابة اقتصر على الجانب الاقتصادي مبتعدة عن السياسة بسبب ارتباط قيادتها اليهودية بالاممية الثانية, لكن انضمام العمال العرب لهذه النقابة لم يستمر طويلا بسبب سياسة التمييز ضد العرب التي مارستها قيادة هذه النقابة فأنشق معظمهم تحت قيادة عيد سليم حيمور مشكلين جمعية العمال العربية الفلسطينية حسب د. موسى البديري " تطور الحركة العمالية العربية في فلسطين- مجموعة الوثائق- مجلة حيفا – العدد 15," بعد ان ( حاول العمال العرب مرارا الاتحاد والتفاهم مع هذه النقابة فدخلوها قبل مده وانضم اليها العدد الكبير منهم ولكنهم لم يلبثوا طويلا حتى انسحبوا منها نظرا لما شاهدوه من مراوغة وخداع زعمائها السائرين في ادارة شؤون النقابة على خطة سياسية صهيونية لا يمكن للعمال الموافقة عليها ) وقد عارض الشيوعيون خروج العمال العرب داعين لابقائهم والنضال من داخل النقابة لاسقاط قيادتها رغم ان ذلك كان شبه مستحيل ، فقد كانت قيادة الهستدرون قد طردت فراكتسيا العمال ورفضت قبول مرشحيها حين احست بخطورتها وكانت على استعداد لان تمارس ذلك مرة ثانية وثالثة ولكن الشيوعيين تابعوا نضالهم من اجل الوحدة حتى تمكنوا في كانون اول 1926م من عقد " المؤتمر الفلسطيني الاول الحركة الاتحاد " بين العرب واليهود وقد حضر هذا المؤتمر 85 مندوب منهم عشرون عربي فقط وقد انتخب عربيان لقيادة المؤتمر هما عبد الغني الكرمي و رفيق جبور ولم يدم هذا الاتحاد طويلا فقد عاد جبور في 1928م لانشاء جمعية العمال العرب شاقا الاتحاد من جديد وهذا يؤكد استحالة عملية الدمج بين العمال العرب واليهود بسبب الوجود الاستيطاني الكولونيالي العنصري للحركة الصهيونية وكذلك عدم سعي اليساريين اليهود الى قطع علاقتهم كليا نظريا وعمليا مع المشروع الصهيوني.
1930-1940م
في كانون ثاني 1930م عقد المؤتمر العمالي العربي الاول بدعوة من جمعية العمال العرب في حيفا ضاما 61 مندوبا كان من انشطهم محمد علي قليلات ( رئيس المؤتمر ) وهو عضو في الحزب الشيوعي ورضوان الحلو سكرتير الحزب الشيوعي فيما بعد وكامل عودة و صادق الجراح وابراهيم العمري ويونس فرح ومن خلال تفحص خلفية هذه الاسماء نرى ان الشيوعيين كانوا وراء االمؤتمر وهذا يوضح ان الحزب الشيوعي ظل يجري خلف الحركة العفوية للعمال بدل قيادتهم حيث نرى انه رضخ للحركة العنالية العفوية وقبل بعقد مؤتمرا عربيا محض للعمال ذلك انه من المستحيل بل والعار في بلد متعطش للحرية القومية ولحرية الوطن ان تدعوه للانضمام الى منظمة نقابية تحمل اسم عبري معادي شكلا ومضمونا للطموحات القومية والوطنية للجماهير العربية ومن ضمنها العمال ، تقول بنينا فاينهاوز وهي من كبار قادة الحزب الشيوعي الفلسطيني والاسرائيلي فيما بعد ( ان الواعين من العمال العرب طالبوا بتغيير اسم النقابة – تقصد نقابة عمال السكك الحديدية ع.ص – وحذف وصف " عبري " ليصبح في وسعهم الانتساب الى النقابة واكدوا مثل الشيوعيين اهمية النضال المشترك في سبيل مصالح العرب ولكن الصهيونيين احبطوا هذه المساعي انذاك ) وهذا الاعتراف من احد قادة الحزب الشيوعي يؤكد لنا ان الصهيونيين لا العرب هم الذين احبطوا مساعي الوحدة في الحركة العمالية .
المهم في الامر ان حجم الطبقة العاملة العربية في فلسطين كان في عام 1930م كما بينه محمد علي قليلات في خطابة امام المؤتمر المذكور اعلاه, كان ضخما ومتسعا جدا بحيث ان عدد افراد الطبقة العاملة العربية كان 50 الف عامل يبلغون مع عائلاتهم 200 الف وهم مقسمون على نحو التالي 15 الف عامل زراعي 15 الف عامل بناء ، 7 الاف عامل صناعي ( الصابون التبغ ، النجارون ، الحدادون ) و 3 الاف عامل في خطوط سكك الحديد ، والفين عامل موانيء ، الفين سائق سيارة الفين من الكتبة وفي الاجور المتدنية ، الفين حمال ، الفين اسكافي وخياط وغيرهم ونلاحظ هنا ارتفاع العدد في حقلي الزراعةوالبناء وهي اشكال لا يمكن الاعتماد عليها لانضاج وجود حقيقي لطبقة عاملة متماسكة وجذرية.
في خضم اشتداد التصاعد العام للحركة التنظيمية للطبقة العاملة العربية تنبهت البرجوازية العربية الفلسطينية لاهمية الحركة العمالية في مواجهة القيادة الاقطاعية – الاكليركية- للحركة الوطنية ، فحاولت البرجوازية ، استخدم الطبقة العاملة كمطية لها في حربها ضد قيادة المفتي ، وذلك حين قام فخري بك النشاشيبي بانشاء جمعية العمال العرب في القدس في تموز 1934م ثم و في ايلول من نفس العام انشأ فرعا لها في يافا وعين ميشيل متري نائبا له في رئاستها ، كل ذلك في محاولة منه لبسط نفوذه ونفوذ عائلته كممثلة للطبقة البرجوازية على الطبقة العاملة لاهميتها وتناميها المستمر ولقد انتهى الامر بفخري النشاشيبي اخيرا الى تشكيل فصيل ( انصار السلام) لكن المهم في الامر هو ان الطبقة العاملة العربية في فلسطين كانت مستعدة للتنظيم ومتلهفة علية وما محاولة النشاشيبي الا اثبات اكيد على ذلك حيث رأينا العمال يقبلون بقيادتة بهدف الوصول للتنظيم النقابي لهم .
المهم انه في السنوات ما بين 1930-1936م نشطت الحركة النقابية واستقطب التنظيم النقابي اهتمام كافة القوى فقد تشكلت بمبادرة من الشيوعيين جمعية عمال النقل في اللواء الجنوبي ثم بمبادرة حسن صدقي الدجاني تشكلت نقاية سائقي واصحاب السيارات ( ويرى الدارس عدم نضوج الوعي –وهذا ما تتحمل عواقبة الطليعة – ومحاولة الالتفاف على الطبقة العاملة في تشكيل نقابة تضم الشغيلة ومشغليهم مثل توحيد السواقين واصحاب السيارات ثم عملت الهستدروت ايضا لكي يكون لها دور في السيطرة على الطبقة العاملة العربية واستقطابها واخضاعها لاهدافها فشكلت اتحاد عمال فلسطين بقيادة جورج نصار ونقابات فرعية مثل ( النقابة العامة لعمال سكك الديد ( ونادي العمال العام في حيفا ( اتحاد عمال البحر في حيفا ).
ومن هنا نستطيع القول ان العقد الثالث من القرن العشرين كان عقد صراع مرير على استقطاب الطبقة العاملة من كافة الاطراف والطبقات وهذا يبين درجة الاهمية التي تمتعت بها الطبقة العاملة لكن الصراع العملي تجلى بين ثلاثة اتجاهات هي:، الشيوعيون، الاصلاحيون، الهستدروت وبدا واضحا ان الصراع القومي القى بظلاله بشده على الصراع الطبقي بل وحولها الى الدرجة الثانية. 1940-1948م
بدأ العقد الرابع والصراع على استقطاب الطبقة العاملة على اشدة . وخاصة بين الجناحين اليساري والاصلاحي . وقد مثل الجناح اليساري منشقين عن الحزب الشيوعي ومنهم يوسف فرح واميل توما وتوفيق طوبي الذين اسسوا نادي الامل في حيفا وفي تشرين ثاني 1942م شكلوا ( اتحاد نقابات وجمعيات العمال العربية في فلسطين ) في حيفا واسسوا فروعا له في الناصرة ونظموا عمال شركة (شل ) وشركة ( بترول العراق ) ( وشركة التكرير ) في حيفا وكذلك عمال الميناء وعمال (دائرة الاشغال العامة ) ولم يقبل الشيوعيين مشاركة يونس فرح وجماعته ( نادي الامل في اتحادهم فشكلوا ) ( نادي الشعب ) بادارة سعيد قليلات واميل حبيبي وعملوا على اعادة نشاط "جمعية العمال العربية الفلسطينية" في حيفا في عام 1942م واقاموا فرعا لها في يافا وكذلك في القدس و رام الله و انضمت لهم جمعية الناصرة وبيت لحم وعكا والرملة وطولكرم و اسسوا نقابة جديدة لعمال الطباعة في يافا في نيسان 1943م .
ينبغي للدارس لتطور التنظيم الطبقي عند الطبقة العاملة العربية في فلسطين ان يدرس بامعان الصراع بين الاتحاد والجمعية او بين نادي الامل ونادي الشعب وبمعنى ادق بين فهمين للنضال الطبقي وبين طرفين يحملون راية ايديولوجية الماركسية اللينينية فلقد استغل العداء بين الطرفين وخاصة من قبل الجمعية التي كان يدعمها جناح قليلات – حبيبي- رغم الطبيعة الاصلاحية لقيادتها المتمثلة في سامي طه ولكن الاتحاد بقيادة فرح- توما - طوبي عمل جاهدا من اجل تقريب وجهات النظر وهو حسب د. موسى البديري" تطور الحركة العمالية العربية في فلسطين ص 41" ( لم يكن يعارض في اقامة علاقات ودية مع الجمعية وحاول عدة مرات ان يحقق تعاونا بين المنظمتين ولكن نصيبة كان الفشل بسبب صدود الجمعية وفي نهاية الامر توصل الطرفان – الاتحاد والجمعية ع.ص – الى اتفاق تعهدا بموجبه بعدم سرقة اعضاء الطرف الاخر ) ومن هنا يتضح لنا ان جناح قليلات – حبيبي قد اداروا ظهورهم للوحده يقول لينين في مجلد عن النقابات ص 339 عن ذلك ( فهم – أي الماركسيين ع.ص – ليسوا ضيوفا عابرين في الحركة العمالية وهم يعرفون ان النقابات ستقف جميعا عاجلا ام اجلا على تربة الماركسية وهم على يقين بان المستقبل لافكارهم وهم لا يسرعون الاحداث ولا يستحثون النقابات لا يلصقون النعوت ولا يشقوف النقابات ) فهل طبق الرفاق قليلات – حبيبي قول معلمهم هذا في تعاملهم مع الاتحاد, ان كل الدلائل العملية تشير بانهم لم ياخذوا به مطلقا فهم الى جانب تحالفهم مع الاقتصاديين امثال سامي طه فقد تراجعوا عن الاتفاق المذكور اعلاه بينهم وبين الاتحاد حين حاولوا تنظيم نقابة لعمال شركة التكرير في حيفا في حين كان عمال هذه الشركة منظمين في صفوف الاتحاد مما ساهم في توتر العلاقات بينهم من جديد . ثم ان قيادة الجمعية والتي ضمت قليلات –حبيبي في صفوفها اخطأت خطأ لن يغفره لها التاريخ حين رفضت حسب د. موسى البديري " المصدر السابق ص 42" ( عرض قدمته قيادة الاتحاد في اوائل عام 1943م يدعو الى اقامة اتحاد كونفدرالي بين التنظيمين ) ومرة اخرى وبعد سلسلة الاخطاء و وتعنت سامي طه في مواقفه, انفصلت معظم فروع الجمعية وعاد جناح قليلات – حبيبي ووافقوا قيادة الاتحاد على عقد مؤتمر العمال العرب وكان اتحاد النقابات قد اصدر في ايار 1944 جريدة الاتحاد ورأس تحريرها ( اميل توما ) الا ان التقابات العربية حتى تلك الفترة ظلت تعاني من نقص في مكاتب التشغيل التي كان معمولا بها في الهستدروت ولذا تفشى سماسرة العمل بين صفوف العمال العرب واصبح العامل العربي يتعرض للسرقة و الاستغلال الجشع مرتين يبيع خلالها قوة عمله مرة للسمسار ومرة لرب العمل عن طريق السمسار .
وقبل ان يتراجع جناح قليلات – حبيبي عن تعاونه مع سامي طه شاركوه في عام 1943م وبالتحديد في كانون الثاني أي في فترة دعوة الاتحاد وللوحدة وتمثلت المشاركة هذه في عقد مؤتمر للجمعية في يافا شارك فيه سكرتيرة فروع الجمعية الخمسة في حيفا والقدس و يافا وبيت لحم وقلقياية ولم يتم دعوة ممثلي الاتحاد للمشاركة في المؤتمر وقد اوضح اميل حبيبي ممثل نادي الشعب ان المؤتمر يمثل 28 الف عامل عربي والمهم في الامر ان البحث في المؤتمر تركز على القضايا الاقتصادية فقط وحسب المصدر السابق ص 50 ( وتجنب المؤتمر الخوض في المسائل السياسية مركزا على القضايا النقابية ) وهذا يبين موافقة جناح قليلات – حبيبي على اصلاحية سامي طه ونقابته اما الاتحاد بقيادة فرح – توما – طوبي ، فلقد كان واضحا ان توجههة السياسي انضج واعمق من اية حركة عمالية اخرى ذلك ان الاتحاد حسب المصدر السابق ص75 ( اعلن باستمرار دعمة للجهد الحزبي ورفض الاضرابات في ظل الظروف الخاصة التي تفرضها الحرب ، وفي وقت مبكر يعود الى تموز 1943 رفع الاتحاد مذكرة الى حكومة الانتداب شجب فيها الهجرة الصهونية وردد مطالب الحركة الوطنية كما صيغت خلال ثورة 1936 ) ولذلك فانه بعد انقسام الحزب الشيوعي وتشكيل ( عصبة التحرر الوطني ) في منتصف 1943م باشتراك اتحاد النقابات والاعضاء العرب في الحزب الشيوعي اصبح الاتحاد يشكل مركز الثقل في الحركة النقابية وتتوج ذلك في مؤتمر آب 1945 للعمال العرب والذي جاء كرد على مؤتمر العمال العرب وتشكيل عصبة التحرر الوطني التي انتهجت خطا يساريا واضحا عقدت الجمعية في آب 1946 مؤتمرها الاول بحضور 180 مندوبا وحسب المصدر نفسه ص75 فقد قرر المجتمعون (تحويل التنظيم النقابي الى حزب اسياسي جديد وعرف سامي طه الاشتراكية التي اعلن عنها كهدف لهذا الحزب الجديد بكونها حركة اصلاح اجتماعه تهدف الى توزيع ثروات البلاد الطبيعية ومنح الفرص المتساوية للجميع ، وفي الوقت نفسة شجب سامي طه الثورة كأسلوب للوصول الى هذا الهدف ) ومن هنا يتضح المآل الطبيعي الطبيعي الذي آلات اليه الجمعية وقيادتها الاصلاحية ، وقد عقد الجمعية مؤتمرها الثاني آب 1947 م بحضور 200 مندوب وادعت الجمعية انهم يمثلون 120 الف عامل ويبقى ان جناح قليلات – حبيبي والذين كانوا يمثلون الشيوعيين ساهموا بشكل او بآخر في دعم سامي طه وحزبه وجمعيته التي قضي عليها وعلى حزبه بعد اغتياله في ايلول 1947 م ولكن الحقيقة المؤلمة التي تمثلت في نتائج حرب 1948 م والتي تسببت في الهزيمه ونتائجها التي ادت بالنتيجة الى تشتت القوى النقابية والحزبية العمالية في فلسطين الى ثلاثة اقسام جغرافيا في ارض 1948 م وقطاع غزة والضفة الغربية ناهيك عن بلدان الشتات ورغم ان كل القوى تابعت نضالها في اماكن تواجدها لاعادة تنظيم صفوف الطبقة العاملة الا ان ذلك ظل مرهونا بعوامل ذاتية وظروف موضوعية حكمتها المتغيرات التي عاشتها تلك المناطق وقواها .
توجه الحركات العمالية
كنا ونحن نلعب بين الازقة نسمع الوالد والوالدة يرددون عندما تقوم بعمل خاطىء ( الولد العاطل بجيب لاهلة الشتيمة وحين ذهبنا الى المدرسة قال لنا المدرس الي بعمل عاطل الناس ما بتلومة بتشتم الي علمة وكبرنا وكان اول درس تعلمتة من العمل السياسي في اول جلسة حزبية ان العضو السيئ يجلب لتنظيمة الاساءة وفهمت اهم درس نظري تلقيتة وهو ان الخطأ يتم ارجاعة دائما للاساس فاذا انهار بنيان بيت ما فليس معنى ذلك ان الحجارة خاطئة ، بل ان الباني هو المخطئ وحين تحبط انتفاضة ثورية ما ،او تخفق الطبقة العاملة في بلد ما للوصول الى مصاف القيادة الاولى ،او تمتنع الجماهير عن السير خلف شعار رنان رفعة حزب ما ،فليس معنى ذلك ان الجماهير خاطئة ،اولا تستطيع القيام بالثورة او ان البرولتياريا رثة ، او جحشة، كما يحلو للبعض ان يتندر في مجالس المثقفين الفارغة بل ان الحزب ، برنامج الحزب ،تكتيكاتة ،شعاراتة ،قيادتة او خطة عملة غير صالحة ، وينبغي اعادة فحصها ، اعادة دراستها وتقييمها من جديد وفرز الصالح من الزوان ، فان سبب جلب الولد السيئ او التلميذ السيئ وعضو الحزب السيئ ، الاساءة الى اهلة ومدرستة وحزبة ، هو كون اهلة ومدرستة وحزبة لم يقومو بالدور المطلوب في تربيتة البيتية او التعليمية او السياسية على ما يرام .
انطلاقا من هذة المقدمة ، اقول لكل اولئك الذين سيتحدثون عن البروليتارية الرثة او الجحشة ، ان الرثة والجحشنة لا توجد الا في رؤوسهم وحدهم، فلو انهم حاولوا دراسة شكل التوجة الذي قامت بة قوى الطبقة العاملة الى صفوف هذة الطبقة لادركوا بوضوح لماذا لا زال هذا التأخير قائما في صفوف الطبقة العاملة تنظيميا وسياسيا. ولكي نستطيع السير بثقة اكبر في طريقنا للنهوض بالطبقة العاملة وحلفائها الكادحين كأكثر طبقة ثورية ومؤهلة لقيادة حركة التحرير الوطني في فلسطين ولكي ندرك كيف يكون شكل توجهنا ونضالنا في اوساط الطبقة العاملة وسائر طبقات الشعب وتثقيفها فالمناضل البروليتاري الحق يصبح من الضروري له ان يدرس على ضوء العلم الثوري والمعطيات الواقعية ، كل اخطاء الحركة في الماضي والحاضر وكل المعضلات التي واجهتها ثم يضع الاسس العلمية من اجل ايجاد الحلول الثورية لهذه المعضلات فما هي تلك النقاط التي ينبغي ان ندرسها.
سمات المرحلة
الحقيقة المؤلمة هي ان الشيوعيين في النصف الاول من القرن العشرين لم يدركوا ان فلسطين كانت تمر في تلك الفترة بمرحلة وطنية وديمقراطية ، وان من اهم اسس هذه المرحلة هو فهم طبيعة التحالفات الوطنية التي ينبغي اقامتها وان من اهم شروطها هي التحالفات الوطنية عبر جبهة وطنية عريضة وان السمة العامة لهذه المرحلة هي السمة الوطنية الديمقراطية, واذا لم تكن الطبقة العاملة قادرة على الانتقال الى قيادة المرحلة فليس من العار ان تشارك في تحالف تقوده الطبقات الاخرى المعنية بانجاز هذه المرحلة, كما ان القوى التي وقفت على راس الطبقة العاملة لم تفهم ابدا اهمية الدين ودوره في التاثير العميق بين اوساط المجتمع باسره وان الاقتراب منه هو اقتراب من المحرمات ومن غير الممكن السماح به وبدل الاستفادة من ذلك لجأ البعض الى معاداة الدين والهجوم عليه بدل الاستفادة منه كاداة تثويرية مما دفع بالجماهير العريضة للنفور منهم بل ومساواتهم بالصهيونية في الكثير من الاحيان .
فلقد كان من افدح الاخطاء واعظمها ان يخوض المناضل نضالة في مرحلة لا يملك ادنى فهم لسماتها الخاصة وظروفها وحجم تاثير معتقداتها ورسوخها لدى الجماهير العريضة والفقراء منهم بالذات ونحن نكتشف انعدام هذا الفهم حين نقرا ما نقله د. موسى البديري " تطور الحركة العمالية العربية في فلسطين" ( بان الوسيلة الوحيدة لنجاحنا هي : الاتحاد الدولي والتضامن المختلط بين كافة عمال البدان ولا يسأل احدنا الاخر عن اعتقاده او دينه او قومه اوجنسة ، بل عن طبقته فقط ومن ثم نسعى ، بل ونبذل الجهد التام لنزع وسحق الفكره الوطنية القومية المستبدة من رأس جميع العمال ومن الطبقة العاملة عموما (....) وليست راية الصهيونية الزرقاء البيضاء او العربية الوجيهة الخضراء الحمراء تهدي العمال وترشدهم الى طريق الحرية بل الى العلم الاحمر الدولي ) فهل هذا الطرح سليم, حتى من وجهة نظر الماركسية – اللينينية ، قطعا لا ، يقول لينيين في " ملاحظات انتقادية حول المسالة القومية وحق الامم في تقرير مصيرها" ص 24,25 ( ان مبدأ القوميات امر محتم تاريخيا في المجتمع البرجوازي وبالنظر الى هذا المجتمع ، يعترف الماركسي صريح الاعتراف بالشرعية التاريخية للحركات القومية ) شرط الوقوف الى جانب ما هو تقدمي من الحركة البرجوازية ولقد اثبت التاريخ ان الحركة القومية العربية في فلسطين بانتصارها كانت ستدفع بالانسانية خطوات واسعة الى الأمام وتختصر الطريق كثيرا نحو الاشتراكية والعدالة الاجتماعية في الوطن العربي وستشكل رافعة لقوى التقدم في العالم بينما اعاقت الصهونية كثيرا تحقيق هذه الانجازات وفي اكثر من مجال يؤكد لينين المعلم الاول للشيوعيين على ان الماركسيين هم اكثر الناس اعتزازا بقوميتهم وهو يفتخر انه روسي يعتز بلغته وقوميته ، فكيف يمكن للكتاب المذكور ان يدعوا الى اسقاط الفكره القومية بل ونزعها وسحقها يقول لينين " المؤلفات المجلد 38 ص 158, 159( ماذا نستطيع ان نفعله بخصوص شعوب من مثل القرغيز و الاوزبك والتاجيك والتركمان ..... ! هل نستطيع ان نأتي الى هذه الشعوب ونقول "اننا سنطيح بمستثمريكم " ؟ ان هذا لا نستطيع ان نفعلة لانهم خاضعون الى ملاواتهم كليا ففي مثل هذا الموقف يجب انتظار تطور الامة المعنية وتمايز البروليتاريا عن العناصر البرجوازية وذلك شيء حتمي ) وفي مجال اخر يقول لينين " المصدر السابق ص 160 ( ان نبذ تقرير المصير للامم وطرح تقرير المصير للشغيلة غير صحيح مطلقا,لان هذا الطرح لا ياخذ بعين الاعتبار المصاعب والطريق الملتوي الذي يسير فيه التفاوت داخل الامم ) والسؤال الان بعد هذة الاثباتات النظرية ، هو هل مارس الشيوعيون في فلسطين فهما حقيقيا للماركسية – اللنينية ؟ولاقوال مؤسسي النظرية الماركسية _ اللينينية ولنقرا ما يقول شيوعيينا حسب موسى البديري "المصدر السابق – الوثائق – منشور الحزب الاباحي في فلسطين ( يعيش معكم العمال اليهود الذين لم ياتو لاضطهادكم بل كي يعيشوا معكم وهم مستعدون للجهاد بجانبكم ضد هؤلاء الاعداء الماليين من اليهود والعرب والانجليز ), لا يمكن لاي ماركسي _ لينيني حق ، قرأ أدبيات الماركسية _ اللينينية وتجارب الثورات الوطنية والطبقية ان يصدق ان مثل هذا القول صادر عن ادبيات حزب شيوعي ، واين ؟ في فلسطين فهذا القول يتنافى مع ابسط قواعد التحالفات والتناقضات في الحركة الثورية يقول لينين في كتابه " الثورة البروتالية والمرتد كاوتسكي ص 83,84" ( واكد مجرى الثورة صحة محاكمتنا . اولا مع كل الفلاحين ضد الملكية ، ضد الملاكين العقاريين, ضد القرون الوسطى - ونظرا لذلك تبقى الثورة ، ثورة برجوازية ، ثورة برجوازية ديمقراطية - ثم مع الفلاحين الفقراء مع انصاف البروليتاريا ، مع جميع المستثمرين ضد الرأسمالية بمن فيها الريفيون الاغنياء ، الكولاك ، المضاربون وعلية تصبح الثورة ، ثورة اشتراكية ) فكيف ارتأى شيوعيينا القفز فوق المرحلة ، بل كيف ارتأى اولئك ان يصوروا الاثرياء العرب بانهم على درجة المساواة مع الانجليز واليهود ، كيف يمكن للمضطهد ان يتساوى مع مضطهدية ولقد كان الرأسمالي العربي مضطهدا ماعدا فئة قليلة من الكمبرادوريين والعملاء وبذلك كان الراسماليين العرب حلفاء للثورة البروليتارية في داخل بريطانيا والعالم الرأسمالي نفسه ، فضرب الاستعمار البريطاني في فلسطين وتكبيده الهزائم يساوي عمليا هزيمة للطبقة الرأسمالية الانجليزية حتى في صراعها مع برولتياري بريطانيا ، وان التحرر الوطني لفلسطين هو عمليا مساهمة في انتصار الطبقة العاملة البريطانية على مستغليها وكذا انتصار لفقراء اليهود ضد مستغليهم وليس العكس ، يقول ماركس " ماركس-انجلز المؤلفات مجلد 32 ص 558,559 مبينا اهمية ( ان يوقظ في الطبقه العاملة الانجليزية الوعي بان التحرر الوطني لايراندا ، ليس بالنسبة لها مسألة عدل او محبة انسانية بشكل تدريجي بل هو الشرط الاول لتحررها الاجتماعي الخاص ) وواضح لمن يعتقد بكون الماركسية – اللينينية مرشد طليعي للعمل ان هذا القول ينطبق بنفس الدرجة والشدة على التحرر الوطني لفلسطين بكونه احد الشروط الضرورية لتحرر البروليتاريا البريطانية وكذلك خلاص فقراء اليهود من مستغليهم تحت شعار الدين الواحد والمصير الواحد ، يقول لينين المؤلفات مجلد 54 ص 476 موردا اثباتا جديدا لصحة محاكمتنا ( انه من الممكن – والحتمي - الجمع بين الانتفاضات البروليتارية في الدولة الامبريالية العظمى وبين الانتفاضات الوطنية وحروب الامم الصغيرة والمستعمرات ضد الدول العظمى ) فهل فهم شيوعيي الكواكب الاخرى مثل هذه الاقوال الجذرية في النظرية الماركسية – اللينينية التي ادعوا تبنيهم لها عبر نضالهم في فلسطين.
ثم لاحظوا الترجمة المقيته لاسم الحزب الشيوعي الى العربية" الاباحي " وهذه الكلمة لها مدلولات بذيئة في مجتمع عربي مسلم في غالبيته العظمى ويكفي ايراد ما ذكره فهمي هويدي في كتابه" الاسلام والديمقراطية ص 100" عن حادثة ترشيح احمد لطفي السيد نفسه للبرلمان المصريعلى مباديء الديمقراطية في محافظة الدقهلية قبيل الحرب العالمية الاولى, وقيام خصمه بتعريف الديمقراطية التي يدعو لها احمد لطفي السيد بانها فكرة غريبة تسمح للمراأة ان تتزوج من اربعة لتتساوى مع الرجل وكان ذلك كاف لسقوط احمد لطفي السيد في الانتخابات, فكيف يمكن لاعداء حزب يسمي نفسه بالاباحي ان يستغلوا التسمية للتعريف بالحزب بما هو اسوا من ما فعله خصم احمد لطفي السيد علما بان كلمة الديمقراطية لا تتساوى مع الاباحية ابدا.
كان ينبغي للحزب الشيوعي ان يدرك مسألة التحالفات وعيا وممارسة مع كافة القوى والاحزاب المطالبة بالاستقلال الوطني مع حفاظه على اطاره التنظيمي من اجل ان يرقى في الطبقة العاملة كطبقة ليست مشاركة في الثورة الوطنية فقط وانما هي تسعى لقيادتها.
كان ينبغي اتقان فن التحالفات اذن لان الصراع في فلسطين كان يمر في حالة استقطاب حادة على محورين رئيسيين بسبب طبيعة المرحلة ( الاول) وتمثلة الامبريالية البريطانية والحركة الصهيونية و( الثاني ) وتمثلة الحركة القومية العربية, تلك هي المعركة بشقيها, الفلسطينيون والعرب من جهة والاستعمار البريطاني والحركة الصهيونية في الجهة المقابلة. كان ينبغي اذن على سائر القوى ايا كانت ان تقوم بتحديد الموقع الذي تقف فيه, والاجابة على السؤال المهم في خندق من يقف الشيوعيون، فلا مجال ابدا لقدم في هذا الخندق وقدم في الخندق المقابل ، ينبغي للجسم كله وللطاقات كلها ان تحدد موقعها في خندق واحد من خندقي الصراع, في جبهة واحدة محددة وواضحة بلا غموض ، كان ينبغي التحالف وتحديد معسكر الحلفاء و الاعداء بكل وضوح دون ان تذوب في صفوف الحلفاء ، حتى ولوادي هذا التحالف الى استياء البعض لكون البروليتاريا تقف الى جانب الاقطاع او بعض ممثلية ولنا مثال واضح عن ثورة العشرين في العراق حسبما يورد عزيز محمد في مقدمته لكتاب باقر ابراهيم " دراسات في الجبهة الوطنية ص 3" ( واذا مادرسنا ثورة العشرين فيما يتعلق بالقوى المحركة لها ، سنرى انها تجسد تحالفا طبقيا واسعا من جماهير الفلاحين وجماهير المدن وفئات برجوازية المدينة وحتى الفئات الاقطاعية ، ان هذا التحالف يتناسب مع مرحلة التطور الاقتصادي والاجتماعي ، الذي وصلت اليه البلاد والمهام المطروحة امام الثورة للتحرر من الاحتلال الاستعماري وتحقيق الاستقلال الوطني ) كان ينبغي التحالف اذن شرط الابقاء على امكانية الحركة في تبيان التضاد العدائي بين البروليتاريا واعدائها الطبقين ، كان ينبغي التحالف – لا الذوبان – فلقد كان التحالف مع الحركة القومية العربية في فلسطين رغم تركيبتها الطبقية ضروريا لانجاز المهام الوطنية ،فالطبقات المشاركة في الحركة القومية العربية كان لها مصلحة طبقية في اقتلاع الاستعمار ومنع السيطرة الصهيونية على فلسطين وهي نفس مصلحة البروليتاريا الفلسطينية والعربية والعالمية واليهود جزء من هؤلاء جميعا وهذا الموقف يبدو واضحا لان البروليتاريا الفلسطينية والعربية جزء من البروليتاريا العالمية ، ثم وجود علاقة ترابط جدلي وثيق بين المسألة الوطنية والمسألة الاممية ، فالمسألة الاممية هي محصلة لمجموع المسائل الوطنية للبروليتاريا وحلفائها الجذريين ، فليس يمكن لثوري يدعي الاممية ان يعطي امميته الصدق ان لم ينخرط باشد مايكون في نضالات جماهير عماله وشعبه ضد اعدائهما واعداء الانسانية ، ذلك انه ينبغي ربط النضال البروليتاري جذريا مع المهمات الوطنية لكل بلد يقول لينين ا- المؤلفات مجلد 27 ص 62- ( يجب ان نربط النضال الثوري في سبيل الاشتراكية ببرنامج ثوري في المسألة القومية ......... يجب ان نوحد النضال الثوري ضد الرأسمالية ببرنامج وتكتيك ثوريين بشأن جميع المطالب الديمقراطية ) كذلك فان طرد الاستعمار هو ضرب لاحد اهم مواقع الرأسمال, ثم لانه الشرط الاساسي لانجاز المرحلة الوطنية الديمقراطية التي هي الشرط الجذري لاتمام المهمات الثورية للبروليتاريا المتمثلة بانجاز المرحلة الاشتراكية ثم لان وجود الحركة الصهيونية سوف يساعد ( وهو كذلك ) على استمرار سيطرة القوى الرجعية في المنطقة ولذا يصبح التحرر الوطني للجماهير العربية في فلسطين حجر الزاوية في انجاز ثوري كامل يحقق مطامح السلام والامن و الحياة الهادئة والخلاص من اشكال المعاناة و الاضطهاد بالنسبة للعمال والكادحين اليهود المستوردين فبين عامي 1930-1936 دخل فلسطين حسب الاحصاءات الرسمية (1380) يهوديا يملكون اكثر من الف ليرة فلسطينية و 17119 يعتمدون عليهم وحوالي 130الف وصفوا رسميا بانهم قادمون للاستخدام او يعتمدون على هؤلاء القادرين او مهاجرين سيقدهم ذلك يعني اذن ان فقراء اليهود كانوا يخضعون للاستغلال من قبل رأسمالييهم تحت الشعارات الصهيونية البراقة ولذا فقد كانت اية هزيمة للصهيونية وبالتالي لايديولوجيتها – ان صح التعبير – تشكل ارضية حقه لنمو الوعي الطبقي في صفوف اليهود الفقراء والعمال منهم بالتحديد، وزيادة ادراكهم لحجم الاستغلال الواقع عليهم من قبل الراسمالية الصهيونية, من هنا نرى ان المهمات التي كانت ملقاة على عاتق البروليتاريا الفلسطينية عظيمة بدرجة عاليا وكان ينبغي لها حزب عظيم بدرجة عالية وهذا ما كانت تفتقده بروليتاريتنا وقد كان ينبغي العمل بعناد وصلابة اكبر من اجل ان يوجد مثل هذا الحزب, كان ينبغي للطليعة البروليتارية في فلسطين ان تضع برنامجا وطنيا وديمقراطيا يقسم المهمات المقاه على عاتق الطليعة على صعدين
المهمات على الصعيد العربي
وكان ينبغي على هذا الصعيدان مهمات الطليعة تتمثل في مشاركة الحركة القومية العربية في فلسطين نضالها ضد الامبريالية البريطانية والصهيونية ، من اجل فلسطين حرة ، مستقلة ، وديمقراطية ، فلم يكن بمقدور الجماهير الشعبية العربية في فلسطين ولم يكن صحيحا ايضا ان تتقبل شعارا مثل شعار " عاشت فلسطين السوفيتية " الذي ورد في احد منشورات الحزب ، الحزب الاباحي في فلسطين ، يقول لينين في كتابه " حركة شعوب الشرق التحررية ص 104 " ( وما تزال البرجوازية في اسيا تسير مع الشعب ضد الرجعية ، فمئات الملايين من الناس تستيقظ للحياة وللثورة والحرية وياله من ابتهاج تبعثة هذة الحركة العالمية في قلوب جميع العمال الواعيين الذين يعلمون ان الطريق الى الاشتراكية يمر عبر الديمقراطية ) ولذا يبدو واضحا ان الشيوعية لا تعني ولا باي شكل من الاشكال الدوس على الراية القومية بل بالعكس كان على شيوعيينا ان يكونوا ( منعمون بالكرامة القومية ) كما اشار لينين ولذلك كان على الحزب ان يساند مطالب الحركة القومية دون ان يتخلى عن التنظيم المستقل للعمال والفلاحين وسائر الطبقات والفئات الكادحة مما يساعدة في انجاز التحالف الثوري مع كافة الطبقات المتضررة من الامبريالية والصهيونية .
كان ينبغي العمل بهمة اكبر من اجل حمل جميع الطبقات والاطراف للاعتراف بطليعية الطبقة العاملة وقيادتها ، وكحد ادنى كان ينبغي العمل لحمل الاطراف جميعا للقبول والاعتراف بضرورة التحالف مع الطبقة العاملة وحلفائها الكادحين . ممثلين بقيادتهم الثورية . كل ذلك من اجل انجاز التحالف لاهميتة حتى ولو كان وفق برنامج حد ادنى ، وكان على الحزب ان يقبل من اجل الوصول لبرنامج وطني ديمقراطي مشترك بالتنازل التكتيكي عن بعض شعاراتة . التي لا تمس الجوهر . يقول لي زوان" تاريخ ثورة آب الفيتنامية ص 23 " ( لاحداث المزيد من التمايز في صفوف فلاحي البلاد واعدت اللجنة يقصد _ اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الفيتنامي ع . ص _ التاكيد على وجوب تاجيل الثورة الزراعية والمناداة فقط بمصادرة المستجيرين _ المستعمرين _ والخونة وتبنت الشعارات الجديدة وهي " تخفيف نسبة التحاص في الزراعة والفوائد واعادة الاراضي المشاع والتقدم في طريق تسليم الارض لمن يزرعها ) كان على شيوعيينا لو انهم وعوا ظروف التطور الاجتماعي في فلسطين والسمات الخاصة لكل طبقة من الطبقات ان يدركوا متى وكيف واين يطرحون شعاراتهم وما هي ماهية هذه الشعارات ، كان عليهم مثلا ان يدركوا من يعادوا من الاثرياء ، كسماسرة الارض والاقطاعيين الذين يبيعون ارضهم للوكالة اليهودية والخونة للاستعمار والصهيونية بدل ان يعادوا كل الاغنياء.
من جهة اخرى فقد بقي الحزب الشيوعي بعيدا الى حد كبير عن الفلاحين والارياف بشكل عام واقتصر نشاطه على المدن وبالتالي فانه لم يتوصل عمليا الى ادراك اهمية التحالف مع الفلاحين الفقراء ، يقول لي زوان " المصدر السابق ص 23 " ( ان البلادنا زراعية حيث يشكل الفلاحون 90 في المئة من السكان والامبريالية التي تعتمد على الاقطاع في استغلال شعبنا ، تستغل الفلاحين بالدرجة الاولى ، ولهذا السبب فان التحرر الوطني يجب ان يكون في المحل الاول وبشكل جوهري تحريرا للفلاحين والديمقراطية يجب ان تكون في المحل الاول وبشكل جوهري ديمقراطية للفلاحين ) هذا ما قاله لي زوان عن الواقع الفيتنامي اما على واقعنا فانه لن يستطيع احد ما ان ينكر ان الغالبية العظمى من الجماهير الشعبية العربية في فلسطين كانت من الفلاحين الفقراء وحتى ان الطبقة العاملة الفلسطينية في معظمها كانت ذات اصول فلاحية او انهم كانوا يرتبطون بعلاقات جذرية مع الريف ، وهي حقيقة كان ينبغي الاستفادة منها على غرار ما فعل الحزب الشيوعي الفيتنامي, يقول لي زوان " الثورة الفيتنامية, المشاكل الرئيسية والمهمات الرئيسية ص 12 " ( ولان الطبقة العاملة الفيتنامية قد خرجت حديثا من صفوف الفلاحين المعدمين ، فانها تحتفظ بروابط وثيقة مع الفلاحين وهي روابط تخلق ظروفا ملائمة لاقامة حلف عمالي – فلاحي ثوري ) اذن كان ينبغي على الشيوعيين ان يدركوا اهمية هذا التحالف من اجل انجاز المهمات الوطنية الديمقراطية كمقدمة للاشتراكية لقد كان بامكانية الفلاحين المنظمين لو احسن تنظيمهم ان يمنعوا ويحبطوا معظم ان لم يكن كل محاولات بيع الاراضي برفضهم التخلي عن ارضهم بصورة منظمة وواعية ، وكان بامكانهم ان يشكلوا اعظم مادة ملتهبة للثورة الشعبية الوطنية الديمقراطية . وكان ينبغي من اجل ذلك انجاز التحالف الثوري مع عمال المدن حتى يتمكنوا من خلال قيادة طليعية من خوض نضال مبرمج وواعي . كان ينبغي على الحزب ان يبحث دائما عن حلفاء اقوياء يساهمون في تغيير ميزان القوى لصالح الطبقة العاملة ، ويورد لي زوان اثباتا من اقوال لينين " المصدر السابق ص 26 " ( ان المرء لا يستطيع ان ينتصر على عدو اكثر قوة الا بممارسة اقصى ضغط عليه ، وفي ظرف يسمح بالاستفادة بطريقة اكثر ما تكون دقة ، ووعيا ، وحذرا ، وذكاء من اقل ( صدع ) في صفوف الاعداء ومن اقل امكانية للحصول على حليف قوي عدديا ، حتى ولو كان هذا الحليف مؤقتا ، ومترددا ، ومشروطا واقل ما يكون قوة وضمانا ) فهل مارس الحزب الشيوعي الفلسطيني ادنى اسس التحالفات بشكل واعي ومنظم وعبر كونهم حزب بروليتاري – فلاحي ممثل لاغلبية الجماهير الشعبية ، قطعا لا ، رغم وجود بعض التنسيقات الغير منظمة والغير معتمدة على اسس عمل جبهوية او تحالفات واضحة المعالم فلقد اتخذت في بعض الاحيان شكل العلاقات المزاجية .
على صعيد العلاقات مع الاحزاب الشيوعية العربية والعالمية والقوى التقدمية الاخرى ، فرغم انه كان للحزب الشيوعي الفلسطيني دور مركزي في المساعده على اقامة الحزب الشيوعي في سوريا ولبنان واقامة علاقات مع الحزب الشيوعي المصري الا ان الحزب لم يستفد من هذه العلاقات الثورية على صعيد قضيته الوطنية ، فلقد كان ينبغي التنسيق مع الاحزاب الشيوعية في الوطن العربي وكذلك انجاز التنسيق مع القوى الوطنية والقومية والبرجوازية منها على الصعيد العربي العام – من اجل حل جذري للمسألة اليهودية ضمن هذه البلدان العربية وبلدان العالم – أي وضع الاسس لحل المسألة اليهودية ضمن البلدان التي يعيش فيها اليهود . وطرح برامج مشتركة على الصعيد المحلي والعربي والعالمي لمنع انتشار الصهيونية والحد من نشاطاتها في اوساط اليهود في البلدان العربية . وكان ينبغي ان يتوج ذلك في التوجه التنظيمي ليهود من قبل الاحزاب الشيوعية العربية قبل غيرها في بلدان العالم . ذلك ان الاحزاب الشيوعية هي اكثر القوى قدرة على تجاوز عامل الاختلاف الديني آنذاك في صفوفها ، وان كان من الضروري لذلك ان يشمل الحركات الوطنية القومية ايضا ، كان ينبغي التوجه لليهود على انهم جزء من الحركة القومية الناهضة في الوطن العربي وعدم دفعهم للبقاء مغلقين على انفسهم في غيتوات خاصة بهم تساعدهم على تعميق الشعور بانهم غرباء ، ثم كان ينبغي للاحزاب الشيوعية والقوى التقدمية في الوطن العربي ان تقف ضد كل مظاهر الشوفينية ضد اليهود التي ساهمت على دفعهم للهجرة الى فلسطين اكثر من عامل اندفاعهم للوطن القومي وارض الميعاد ، ثم كان ينبغي ايجاد هذا التنسيق في العلاقة مع الاحزاب الشيوعية العمالية العالمية وخاصة في المانيا من اجل النضال بحزم ضد الشوفينية البرجوازية ضد اليهود والتي كان لها تاثير فعال في دفع الهجرة اليهودية الى فلسطين .
المهمات على الصعيد اليهودي
كان على الحزب الشيوعي منذ البدء ان يعرف كيف يفرق بين طبيعة مهماته على الصعيدين العربي و اليهودي حسب خصوصيات كل منهم ، فلكل من العرب والمستوطنين اليهود ظروفهم الخاصة ، وشعارات خاصة للمرحلة التي يعيشونها، وايا كانت المعاناة التي يعتقدها الشيوعيين لدى اليهود فلم يكن من الجائز ابدا حلها على حساب الحقوق القومية والوطنية للعرب اصحاب البلاد الشرعيين ولذا كانت اولى المهمات التي ينبغي للحزب ممارستها على الصعيد اليهودي هي اقامة تنظيم خاص للحزب يعني بشئون الكادحين من المهاجرين اليهود وخوض تحريض في اوساطهم ضد الاهداف الاستيطانية الاحتلالية للحركة الصهيونية القائمة على طرد العرب واحتلال ارضهم وتحويلها لارض للمهاجرين اليهود الذين سيسهل بذلك استغلالهم من قبل راسمالييهم اولا ومن قبل الدول الاستعمارية لتنفيذ اهدافها في المنطقة ، مع الحرص على اهمية تحديد الدور الذي يمكن لهم القيام به ، والذي يتمثل في المساعدة والتحالف مع الحركة القومية العربية من اجل اقامة فلسطين حره ، وديمقراطية ، الى جانب اهمية التحريض في اوساطهم لاهمية انتظامهم في حركات البلدان التي قدموا منها كجزء من شعوبها من اجل التحرر الوطني والديمقراطية او تحرر الطبقة العاملة وحلفائها الكادحين من الظلم الاقتصادي والسياسي والاجتماعي .
كان ينبغي الفهم انه لا يعني كون اليهود عانوا من الفاشية والنازية ان علينا ان نقف الى جانبهم ضد الحركة القومية العربية ، ذلك ان الوقوف الى جانب الهجرة الصهيونية – كما فعل ذلك الحزب الشيوعي الفلسطيني في بعض المراحل وقبل تعريبه يشكل عمليا وقوفا الى جانب الامبريالية العالمية ، ففي سنوات 1840-1850م كان ماركس يقف الى جانب القضية الوطنية للبولينيين والمجريين كقضية ثورية ضد التشيكيين والسلاف الجنوبيين كحلفاء للقيصرية الروسية والوقوف الى جانبهم كان يعني الوقوف الى جانب الحكم القيصري الروسي ، ولذلك كان على التقدميين اليهود ان يقفوا الى جانب القضية العربية في فلسطين كقضية تقدمية لكي يثبتوا كونهم اعداء حقيقيين للاستعمار والراسمالية .
وقد كان على الشيوعيين اليهود بدل ان يناضلوا في صفوف المؤسسات الصهيونية مثل المجلس القومي اليهودي والهستدروت ان يناضلو الى جانب المؤسسات العربية في حين يقومون بالنضال بين اوساط اليهود من اجل انخراطهم في نضال بلدانهم ومهمات البروليتاريا في البلدان التي ينتمون لها ، بدل الهجرة الى فلسطين للاستيطان ولتنفيد مصالح الراسمال الامبريالي والصهيونية العالمية. بعد انشقاق فيلق العمل في آب من عام 1927 قام " مناحيم الكند " مع 50 – 60 شخص بترك فلسطين فعلا والهجرة الى الاتحاد السوفياتي حيث وطنوا هناك وكانو يشكلون الجناح اليساري للفيلق , ولذلك كان على الشيوعيين اليهود ان يناضلو ضد انتشار الصهيونية في صفوف العمال اليهود وبدل اعتبار الهجرة اليهودية وهجرة العمال بالذات عامل تثوير للمنطقة كان عليهم ان يوضحوا للعمال اليهود وينشروا في اوساطهم فكرة انهم عمليا يجسدون مصالح البرجوازية اليهودية آنيا, ولصالح الاحتكارات الامبريالية العالمية مستقبلا واستراتيجيا ضد كل محاولات التحرر في المنطقة، ولاتمام ربط المنطقة بالامبريالية العالمية وبالتالي كان على الشيوعيون اليهود ان يقوموا بدور مركزي واحد وهو النضال في اوساط العمال اليهود وكل الكادحين ودفعهم لادراك ان حريتهم يحصلون عليها من خلال مشاركتهم الشعوب التي يعيشون ويتمثلون فيها وينخرطون في نضالها ضد الراسمالية والاستعمار بدل ان يتحولوا الى ادوات في يد الاستعمار وحماة لشعارات الشوفينية والعنصرية واضطهاد الشعوب. من هنا نستطيع القول بان عدم قدرتهم على التفريق بين مهماتهم و فهم ادوارهم على الصعيدين العربي واليهودي كان احد الاسباب الرئيسية التي ادت الى الضعف العام الذي عانى منه الحزب الشيوعي في فلسطين والذي ادى به الى عدم ادراك التوجهات القومية لدى الجماهير العربية مما ساهم في ابتعاد حتى جماهير الكادحين الفلسطينيين عن الحزب و التفافهم حول الحركات والاحزاب البرجوازية ولذا يبدو واضحا ان فهم المهمات هو احد اهم الاسس الرئيسية لانتصار أي حركة وهذا نابع اصلا من ضرورة الادراك الثوري لطبيعة المرحلة النضالية ومهماتها وتحالفاتها .
منشأ وتركيبة الحزب الشيوعي
يدرك الجميع ان الشيوعية دخلت الى فلسطين مع بدء الهجرة اليهودية اليها ونتيجة وجود مهاجرين شيوعيين من بين اليهود الذين كانوا في الاصل يشكلون الجناح اليساري داخل حركة العمل الصهيوني ونتيجة اختلافات عديدة داخل هذا الجناح سواء ول الانتماء للكوفترن والقبول بشروطه ، او او الموقف من الهجرة ، ومن القضية الوطنية للعرب في فلسطين ، كل ذلك ساهم في احداث الانشقاق في داخل هذه الحركة مما ادى بالنتيجة الى بروز الحزب الشيوعي الفلسطيني .
ثم ان كون الحركة النقابية برزت مع اليهود كالهستدروت والشعارات الاشتراكية كذلك ، اصبحت الشيوعية مترادفه في اذهان الجماهير العربية مع الصهيونية وليس غريبا ان الكثيرين الكتاب المعادين للشيوعية في الوطن العربي لازالوا يكررون ان ماركس يهودي ، بل ويذهب بعضهم الى اعتبار كل مؤسسي الشيوعية والحركة الصهيونية صنوان ، من هنا كانت صعوبة قدرة الحزب على التغلغل في اوساط الجماهير العربية وفيما بعد ادى ذلك الى اخفاقات وانشقاقات عديدة عانى منها الحزبالشيوعي على الصعيد الداخلي وبقيت مستمرة وكان اخرها انقسام ركاح وماكي 1965م وقد قاد هذا العامل ذاته الى اخفاقات عديده اخرى فيما بعد ساهمت جميعها في ضعف قدرة الحزب على قيادة الطبقة العاملة وخرقها كطرف رئيسي في الحركة القومية العربية فلم يكن عمليا بمقدور الحزب الشيوعي في تلك الفترة ان يوحد العمال العرب واليهود معا تحت قيادة واحدة رغم الاختلاف التام في السمات والتوجهات الخاصة بكل فهم .
آليات التوجه السليم للطبقة العاملة
لم يكن الحزب الشيوعي يملك وعيا ونضجا كافيين حول الاسلوب الذي كان عليه اتباعه في توجهه عبر وسائل الاعلام المتاحة وفي اتخاذ مواقفة من قضايا الجماهير العربية ، وسيتضح ذلك من خلال اطروحات هذا الحزب سواء على لسان قادته او من خلال صحفة التي كانت تصدر في فلسطين وسنرى ان التوجه الخاطئ للطبقة العاملة ليس من جانب الحزب الشيوعي فقط بل من كافة القوى العمالية والمؤسسات التي تدور في فلك ذلك الحزب في معظمها .
على صعيد الهجرة اليهودية كان على الحزب الشيوعي ان يدرك حساسية هذه المسألة بالنسبة للجماهير العربية والطبقة العاملة وسائر الجماهير الكادحة العربية بالتحديد ، والتي كانت تعاني من الهجرة بشكل مباشر نتيجة سياسة العمل العبري وشراء الاراض ومصادرتها وغيرها ، ففي احد بيانات ( فراكتسيا العمال ) وهي احدى منظمات الحزب الشيوعي الفلسطيني تقول حسبما اورد ذلك د. سليمان بشير " المشرق العربي بين النظرية والممارسة الشيوعية ص 149 " ( نحن لم نعارض الهجرة ابدا غير ان الفرق بيننا وبين دعاة الهجرة الصهيونية كبير جدا ، فهم يرون في ( الهجرة ) وسيلة لحل جميع مشاكل العامل اليهودي ، اما نحن فنرى في الهجرة ظاهرة طبيعية في مجتمع الملكية الفردية ), واي قول هذا الذي كان يمكن للعمال العرب والفلاحين الفقراء المهددين بالدمار فرديا ووطنيا ان يقبلوه, جلي جدا ان الشيوعيين يؤيدون الهجرة كظاهره طبيعة في مجتمع الملكية الفردية رغم ادراكهم ان هذه الهجرة هي عمليا لصالح الرأسمال العالمي بشكل عام والحركة الصهيونية بشكل خاص ، اذن فهم عمليا ليسوا مستفيدين ، وليست الحركة الثورية للبروليتاريا بمستفيدة من هذه الهجرة لا في فلسطين و لا في الوطن الاصلي للمهاجرين اليهود وبمعنى ادق كان الفارق في الموقف هو في التفسير وليس في النتائج ، المهم في الامر ان الهجرة مقبولة من كلا الطرفين ، الشيوعيين والصهيونيين رغم انها تخدم الصهيونيين قبل غيرهم ، لذا يصبح الشيوعين في الموقف مساهمين في خدمة الهجرة كاحد اهم الاسس في ارساء القاعدة المادية للصهونية حتى ولو جاء ذلك من باب النيات الحسنه من قبل الشيوعين ، فلقد علمنا لينين ( ان جهنم مبلطة بالنيات الحسنة ) و الاخطر من ذلك ان الامور لم تقف عند هذا الحد ، بل ان الشيوعيين اوجدو للهجرة مبررا ثوريا بنظرهم ، حين هتفوا قائلين حسب د. موسى البديري " تطور الحركة العمالية العربية في فلسطين – الوثائق – من منشور للحزب الاباحي في فلسطين " ( ان هذا العامل اليهودي ، جندي الثورة ، جاء يمد يده الى ايديكم كزميل لكم لمقاومة الماليين الانجليزية واليهود والعرب ومصيركم واحد في الحرية ام في الاضطهاد ), وهذا امعان آخر بالضرب بعرض الحائط بمصالح القضية الوطنية والقومية للعرب لصالح المستوطنين اليهود والحركة الصهيونية.
لا داعي للخوض في نقاشات طويلة ولكن كل الذين درسوا التاريخ يدركون ان الهجرة اليهودية كانت اكثر الهجرات رجعية الى المنطقة وقد كرست قيام اكبر حارس للمصالح الامبريالية في المنطقة، ثم ان جندي الثورة هذا القادم لصناعة الثورة في وطن آخر, من حقنا ان نساله، لماذا لم يمارس الثورة في موطنه الاصلي، وجاء ينقلها الينا ام ان شيوعيينا الافاضل قد نسوا قول لينين ( كل شعب كفيل بتأديب برجوازيه ) الم تكن البروليتاريا العربية قادرة على فعل ذلك وتأديب برجوازيتها والاستعمار من قبلها، ألم تؤدب جماهير الشعب المصري الاستعمار البريطاني، ألم تنحر جماهير شعب العراقي جلاديها. والسؤال هل كان ينبغي من اجل انجاز الثورة الوطنية والاجتماعية في المنطقة احداث الهجرة اليهودية، ان هذا قلب اخرق للعلم الماركسي – لينيني الحق، ولن يكون في مقدور احد ان يخطيء ويرجع سبب ضعف الطبقة العاملة وحزبها في فلسطين الى جماهير العمال العرب بقدر ما هو مجبر ومفروض علية ان يرجعها الى مثل هذا التوجه الأخرق عند حزب يدعي انه يمثل الطبقة العاملة وفكرها التقدمي، فكيف يمكن لحزب الطبقة العاملة ان يناشد العمال العرب الا نطواء تحت لواء قيادته في حين يصرح علنا في بياناته وتوجهه للعمال العرب حسب المصدر السابق – نفس الوثيقة - ( يعيش معكم العمال اليهود الذين لم يأتوا لاضطهادكم بل كي يعيشوا معكم وهم مستعدون للجهاد بجانبكم ضد هؤلاء الاعداء الماليين من اليهود والعرب والانجليز ), والسؤال اذن, كيف يمكن لحزب هذا موقفة من العمال اليهود المهاجرين من وطنهم الاصلي ان يفكر بأنه يستطيع في أي يوم من الايام ضمن هذا الخط من التوجة ان يقود الطبقة العاملة لموقع الطبقة القائدة في حركة التحرر الوطني في فلسطين.
الاخطر من هذا ان الحزب كان بعيدا كل البعد عن القدرة على تحديد رؤيا واضحة من المسائل العاملة والحساسة بالنسبة للطبقة العاملة فهو تارة يصف الهستدروت ونقاباتها بالصهيونية وتارة اخرى يتراجع عن هذا الموقف فقد كتب احدهم في مجلة حيفا بتوقيع عامل المصدر السابق – الوثائق مجلة حيفا العدد 6 - يقول ( ان نقابة السكك الحديد ليست صهيونية ولا يمكن ان تكون صهيونية لانها جمعية عمال تسعى لتحسين الاجرة وتنظيم العمل اليومي والحصول على قوانين رسمية للرفق بالعامل، فهل ذلك مما له علاقة بالصهيونية ), لا يمكن لأحد ان يصدق ان هذا الكلام كتب في مجلة يشرف عليها الشيوعيين فما الذي له علاقة بالصهيونية ان لم تكن مثل هذه المسائل، والادهى من ذلك اننا في جريدة الحزب الى الامام نقرأ فيما بعد " المصدر السابق – الوثائق – مجلة الى الامام العدد 11 " ( اما الهستدروت " نقابة عمال اليهود الصهيونية " فانها وان كانت تظهر رغبتها في تنظيم العمال العرب وضمهم تحت تأثير الصهيونية فانها بالحقيقة لم تعترف بحق تنظيم العامل العربي وتنظر له نظرة استعمارية أي انه غير متعلم و لا يمكن تنظيمه الآن، فهذه النقابة اليهودية البحتة هي في الحقيقة تسعى لغدر العامل العربي ), فأين الموقف الواضح اذن واين الرؤي العملية والشمولية للمسائل، كيف يمكن لعامل ان يفهم ان الهستدروت هي صهيونية وان نقابة تسيطر عليها الهستدروت تسعى لاهداف غير صهيونية، اية شيوعية فذة وخارقة للعادة هذه.
الايديولوجيا والفهم الابداعي
رغم إن حزب الطبقة العاملة الشيوعي ، هو أكثر الجهات التي ينبغي لها إن تدرك أهمية إيديولوجية الطبقة العاملة وأسلوب تطبيقها الخلاق كمرشد طليعي للنضال ، إلا أن أدبيات واطروحات الحزب الشيوعي توضح بما لا يدع مجالا للشك أن شيوعيينا لم يكونوا يدركون من الماركسية – اللينينية سوى بعض نصوصها لا أكثر ، ففي تبريرهم لإصدار مجلة حيفا التي كانت منبرا للشيوعيين يقولون " المصدر السابق, مجلة حيفا – العدد الاول – من مقالة بعنوان , حيفا مجلة العمال ( مقصد هذه المجلة الفرد وغايتها الوحيدة ، الاهتمام فقط بالعمال وما يقاسونه من الأتعاب والمشاق في حياتهم التعيسة الطافحة من الصعوبات والاها نه والذل والمسكنة ) وعندما أصدروا جريدة إلى الأمامبرروا اصدارها بقولهم " المصدر السابق – مجلة الى الامام, آذار 1929م"( قررنا اصدار جريدتنا الى الامام, الجريدة الوحيدة في هذا التطور التي ستوجه كل اهتمامها إلى الدفاع عن مصلحة طبقة العمال والفلاحين الواقعين تحت ظلم طبقة الرأسماليين و الملاكين على اختلاف أجناسهم في هذه البلاد من جهة ومن جهة أخرى تحت اضطهاد الاستعمار الإنجليزي ) فهل مثل هذه الاطروحات صحيحة وتتوافق مع اساسيات العلم الماركسي اللينيني ، يقول لينين بوضوح " مجلد عن النقابات – مجموعة مقالات ومقتطفات ص 175" ( ان ثورتنا هي ثورة الشعب باسرة ، هكذا تقول الاشتراكية الديمقراطية للبروليتاريا و لهذا عليك بوصفك الطبقة الاكثر تقدما والطبقة الوحيدة الثورة الى النهاية ان لا تستهدفي الاشتراك في هذه الثورة باشد العزيمة وحسب ، بل ان تستهدفي ايضا الاضطلاع فيها بدور قيادي ولهذا عليك ان لا تحقري نفسك في اطار نضال طبقي ضيق المفهوم ) وهذا يعني ان الطبقة العاملة هي الطبقة القائدة ، ولذا ينبغي ان تقود نضالات الجماهير الشعبية ، نضالات كل الشعب ، ومن الجريمة ، والحالة هذه ان يقوم حزب هذه الطبقة بالاهتمام بها فقط ، او بعلاقات مع اصحاب الاعمال ، ينبغي للحزب ان يدرك موقعه كقائد للطبقة العاملة والتي بدورها ينبغي ان تكون طليعة حركة الجماهير الشعبية من اجل الحرية والاستقلال ، يقول لينين " المصدر السابق ص 135 " ( لا يمكن ان يصبح طليعة للقوى الثورية في زمننا غير الحزب الذي ينظم تشهيرا يستدعي انتباه الشعب كله حقا ) فهل عبر الشيوعيون في تعريفهم لجريدتهم عن هذا التوجه ، ام عبروا عن معارضة تامة للينينية حين اعلنوا انهم سيهتمون بقضايا الطبقة العاملة فقط وفي احسن الاحوال بالفلاحين يقول لينين " المصدر السابق ص 112 " ( ان من يوجه انتباه الطبقة العاملة وقوة ملاحظتها ووعيها الى نفسها فقط او الى نفسها بالدرجة الاولى ليس باشتراكي ديمقراطي ، لان معرفة الطبقة العاملة لنفسها مرتبطة ارتباطا وثيقا لا ينفصم بمعرفتها معرفة واضحة تامة للعلاقات المتبادلة بين جميع طبقات المجتمع الراهن ) وبعد فهل بقي هناك مجال للشك بان شيوعيينا في مجلة حيفا الى الامام قد حكم عليهم لينين بانهم ليسوا بشيوعيين فحتى بايضاحهم ضد من سيوافعون عن الطبقة العاملة كان جوابهم ضد الرأسماليين اولا ، وحين اضطروا للتحدث عن السياسة اقتصروا ذلك على " الاستعمار الانجليزي " فاين الموقف من الصهيونية ؟ واين الموقف الواعي لطبيعة المرحلة من الطبقات الاخرى ؟ اين الموقف من البرجوازية من الحرفيين ، من الاقطاع ، من رجال الدين والبرجوازية الصغيرة ؟ يقول لينين " ما العمل ص 60 " ( ان الاشتراكية الديمقراطية تمثل الطبقة العاملة لا في علاقاتها مع فئة معينة من اصحاب الاعمال وحسب ، بل ايضا في علاقاتها مع جميع الطبقات في المجتمع الراهن ومع الدوله يوصفها قوة سياسية منظمة ) والسؤال المهم هو ، هل قام شيوعينا الافاضل بهذا الدور ضد الاستعمار البريطاني ، ضد الصهيونية ، ضد الهجرة ؟ طبعا لا ! ثم هل قاموا بتوضيح الموقف من الطبقات الوطنية ، من طبيعة التحالفات والتناقضات ؟ طبعا لا ! اذن اين الفهم الخلاق للماركسية – اللينينية ؟
في أحد منشوراتهم كتب الشيوعيون " د. موسى البديري – تطور الحركة العمالية في فلسطين- الوثائق من نشرة بعنوان – ما هو الدافع لانتظام الاحداث من العمال – ص 8 ( و لا تقوم حرب الطبقات هذه بالسيوف والحراب والمدافع والرصاص كما تقوم حرب الشعوب وانما هي حرب سلمية لغزيه ، استعرت لظاها فجأة دون ان يشعر بها الجميع وكان سلاح المحاربين – الكفاح والمقاومة ) " رحم الله " ذاك الذي فسر الماء بعد الجهد بالماء فأية هرطقة لغوية هذه ، ففي هذه الكلمات وحدها اكثر من مغالطة لابسط قواعد العلم ولألف ...... ياء الماركسية – اللينينية, حرب لغزية؟؟ اي كلام هذا لا معنى له ام ان شعورهم بعدم قدرتهم على الاجابة على استحقاقات اتلحركة الشعبية وكون العمال جزء رئيس من حركة جماهيرهم جعل من حالة الجمود لدى مدعي الكفاح والمقاومة لغزا.
انهم في قولهم المتقدم يفصلون عشوائيا بين حرب الطبقات وحرب الشعوب رغم ان الحرب بين الدول وليست بين الشعوب فمن زاوية العلم، تكون الحرب في الاصل حرب بين الطبقات, ذلك حين نكون مدركين الفهم المادي " للشعب " فاما ان تكون هذه الحرب بين رأسماليتين متنازعتين على اقتسام مناطق النفوذ والاسواق كالحرب بين بريطانيا وفرنسا وروسيا القيصرية من جهة والمانيا من جهة اخرى في الحرب العلمية الاولى او ان تكون حربا بين شعب من جهة وطبقة رأسمالية مسيطرة في بلد آخر وتحتل ارض الشعب المقاوم كما كانت الحرب الوطنية السوفيتية بين جماهير الشعب السوفيتي من جهة ونازيي هتلر في الجهة الاخرى لذلك تصبح مسألة التفريق بين حرب الطبقات والشعوب ليست اكثر من فهم (ميكانيكي اعتباطي للظاهرات الاجتماعية) حسب تعبير كارل ليبكنخت كما اورده لينين في المختارات العربية مجلد 3 ص 457 ذلك ان طبيعة الحروب بين "الشعوب" كما يتابع لينين قوله في المصدر السابق ص 453(ان النزعه العسكريه المعاصرة هي نتيجة للرأسمالية وهي بشكليها " تجل حيوي " للرأسمالية كقوة حربيه تستخدمها الدول الرأسمالية في مصادماتها الخارجية) اليست الحرب بين الشعوب اذن حرب بين الطبقات والا لماذا عارض الاشتراكيون الديمقراطيون وعلى رأسهم لينين مشاركة البروليتاريا في الحرب العالمية الاولى واعتبروها حربا بين الرأسماليين يقول لينين – المصدر السابق ص 454 - في معرض حديثة عن قرار مؤتمر شتوتغارت ( ان الحروب بين الدول الرأإسمالية هي عادة عاقبة لتنافسها على السوق العالمية لان كل دولة لا تجهد لكي تؤمن لنفسها منطقة للتصريف وحسب بل تجهد كذلك لاكتساب مناطق جديدة علما بان الدور الرئيسئ في هذا المجال يضطلع به استعباد الشعوب والبلدان الاخرى ) وفي جهة اخرى هل كانت الحرب بين الاتحاد السوفياتي والمانيا الهتلرية في الحرب العالمية الثانية حربا بين الشعبين السوفياتي والالماني ام بين البروليتاريا السوفيتية وحلفائها من ابناء الشعب السوفياتي من جهة ورأسماليي المانيا من جهة اخرى ان من لم يدرك هذه الحقائق البديهية في الماركسية – اللينينية ليس بامكانه ان يدعي حمل لوائها ثم يقولون ان حرب الطبقات واستعرت فجأة، يالتعاسة هؤلاء القادة ! أي تصوير اخرق للتاريخ هذا، أي انعدام وعمى واضح في فهم التاريخ الاجتماعي وتاريخ صراع الطبقات وتطور الطبقات وعلاقاتها عبر التاريخ، فهل حقيقة ان صراع العبيد ضد الاسياد استعر فجأة، او صراع الاقنان ضد الاقطاعيين، ام البروليتاريا ضد الرأسمالية ؟ ام ان فجائيته هذه قد وجدت في عقل شيوعيينا الافاضل هؤلاء.
ثم ما هي الحرب " السلمية " التي تقوم بين الطبقات و" اللغزية " التي لا تستخدم الادوات الحربية، وما هو هذا السلاح الذي سموه اعتباطا وبصورة غامضة " جبانه " الكفاح والمقادمة, فهل تكون هذه المقاومة بالايدي او بالانتظار ؟ ام انهم عمليا كانوا ينتظرون لصالح اعداد جماهير شعبنا ؟ واذا كان الصراع بين الطبقات ( سلميا لغزيا ) رغم ان ( لغزيا ) هذه لن يستطيع عامل في التاريخ ان يفهمها حتى ولو لبس رأسه بالمقلوب الا اذا استعار رأس ( ميليداف ) و ( وكاوتسكي ) و( اوتوباور) وغيرهم، اذا كان الصراع كذلك فهل الهجوم على قصر الشتاء تم بدون رصاص وهل قنابل " اورورا" الشهيرة كانت من محارم " فاين " الجميلة ام ان ثوار كومونة باريس الابطال استخدموا عطور " ريفدور " في ثورتهم كسلاح " سلمي لغزي " ام ان ثورة الجرمان في روما القديمة انتصرت بمجرد تقديم عريضة احتجاج للامبراطور وعقد اجتماعات خطابية لازالة الامبراطورية فزالت، حقيقة ان روح " رودبروكوس " قد طلبت " الرحمة " ذلك انه اذا كانت الحرب بين الطبقات هي كما يصورها شيوعيينا المهذبين فماذا يعني قول لينين حسبما اورد ذلك جوزيف ستالين في كتابه اسس اللينينية ( ان ديكتاتورية البروليتاريا هي نضال عنيد دام وغير دام، عنيف وسلمي، عسكري واقتصادي، تربوي واداري ضد قوى المجتمع القديم وتقاليدة ), ومن هنا نستطيع القول ان وصفهم هذا لحرب الطبقات لا يعدو كونه انتهازية فجة فضحها لينين اكثر من مرة في معرض نقاشة للاقتصاديين، فاطلاق الشعارات اللفظية التعميمية بلا مضامين ككلمات " الكفاح والمقاومة " لا ينفي عن الحزب ضرورة اعطاء اجابات واقعية واضحة ومحددة، وتحويل اللفظ الىسلوك حي على الارض وغير ذلك فقد كان يتوجب على الحزب ان يفسر الهجمات الدموية التي كان يتعرض لها العمال العرب من قبل الحاميات اليهودية وهي تسعى لتطبيق سياسة العمل العبري في فلسطين وحجم القمع والقهر الذي تعرضت له الطبقة العاملة العربية في فلسطين على ايدي العمال اليهود الذين شكلوا درعا حيا للاهداف الصهيونية الاستيطانية, ثم ما راي اولئك الذين يخوضون نضالا يوميا واستراتيجيا عنيدا من اجل الانتقال بالطبقة العاملة الى قيادة الحركة الوطنية وهم يقراون عن حزب هذه الطبقة وهو يتوجة اليها في تلك الايام قائلا حسب موسى البديري- المصدر السابق – الوثائق – ص 3( ان المؤتمر الفلسطيني الاول لحركة الاتحاد الذي اشترك فية خمسة وثمانون مندوبا يمثلون ( 1624 ) عاملا قرر ان يرجوكم في هذا المنشور ) كيف تتوجة لشخص ترجوه ان ياخذ دوره في الدفاع عن حقوقه وقضيته. هل نثقف ونبني الطبقة العاملة بالرجاء ام بالدعوة، بالتحريض، بحفز الهمم على اوسع نطاق، بالدعاية والتنظيم.
تحت عنوان " ماذا يريد الشيوعيون " كتبت صحيفة الى الامام تقول المصدر السابق ص 2 ( نحن الشيوعيون نريد ان نغير نظام العالم، فهل هذا بامكاننا ؟ نعم نحن نقول ان هذا بامكاننا ) لقد اخطا عمالنا لانهم لم يعلقو على صدر الحزب الذي يقول هذا القول " خرزة زرقاء " خوفا من اعين " الحساد " فهؤلاء " الدون كيشوتيون " مالكي خاتم " شبيك لبيك " يعتقدون ان ما يريدونة ممكن، لانهم هم يريدونة، بدون تحالفات، بدون محطات، العالم دفعة واحدة، ففي مجلة حيفا – العدد 18 – ص 145 حسب المصدر السابق نفسه يقولون ( ومن الصحيح الثابت هو انه لا يجب ان يتحد العمال العرب واليهود والانجليز والاغرقيين والالمان والروس وغيرهم مع الطبقة الراسمالية، بل مع بعضهم، لان في الاتحاد مع مع الراسماليين خطرا وضررا عظيما ) يا سلام!, فانتم تريدون تغيير العالم حتى دون التحالف مع البرجوازية في اية حاله مهما كانت، رغم الاختلافات في السمات والظروف الخاصه بكل بلد من البلدان فهناك فرق شا سع بين واقع الطبقة العاملة العربية والالمانية من معظم الجوانب ، ولذا فان برنامجها يختلف ، ام انكم تريدون ان نصدقكم لانكم مزعجون من " الخطر والضرر العظيم " الذي يتحدثون عنة ، يقول انجلس, حسب لينين – مرض اليسارية الطفولي – ص 69 ( انها لسذاجة صبيانيه ان يجعل المرء من جزعه الشخصي برهانا نظريا ), فشيوعيينا تصوروا باذهانهم ان العمال في كل العالم هم من " ماركه مسجله " واحده ولذلك فهم يساوونهم متخطين الاختلافات, وبعد يريدون تغيير العالم دون اخذ الاختلافات والواقع في كل بلد بعين الاعتبار ، يقول لينين – مرض اليسارية الطفولي – ص 75( ان نظريتنا ليست عقيده جامده، بل مرشد للعمل _ هكذا قال ماركس وانجلس ان اعظم غلطه واعظم جريمه ارتكبها الماركسيون "من الماركه المسجله" مثال كارل كادوتسكي و اوتوباور ومن في شاكلتهم ، هو ان هاؤلاء لم يفهموا هذا الامر ولم يستطيعوا تطبيقة في اللحظات الفاصله من ثورة البروليتاريا ), واعتقد ان شيوعيينا ينطبق عليهم وصف لينين بانهم من " الماركه المسجله " وان كانت ماركتهم المسجله هذه تكون في بعض الاحيان من صنف اوغست بلانكي ، اولئك الذين يريدون القفز من فوق كل الحواجز يقول لينين – المصدر السابق – ص 75 ( اما البلانكيون الثلاثة والثلاثون فهم شيوعيون لانهم سيتصورون انهم لو ارادوا القفز من فوق المحطات الانتقاليه والمساومات فان الامور ستكون على ما يرام ، وانه اذا بدأت في هذه الايام ، وهو مايثقون به بحزم ززقعت السلطة في ايديهم فان الشيوعية ستتحقق في اليوم التالي ), وانطلاقا من صبغتهم هذا يتابع شيوعيينا تعداد اهدافهم قائلين حسب لينين – المصدر السابق ص 68,69 ( فنحن الشيوعيين نريد ان نلغي النظام الرأسمالي المؤسس على الاستغلال وتنزع منه الحكومة الرأسمالية ، والفبارك والآلات والاراضي والقصور ونحولها لملك عمومي ، نريد ان نعطي الفلاح ارض كافية يعيش من وراءها وللعامل الحقوق السياسية والحريات اللازمة والاهم من هذا هو ان نزيل من بين البشر مسألة ( واحد يعيش على شقاء وشغل الثاني ), انهم يقولون.. نحن الشيوعيون نريد كذا وكذا والسؤال مادام الشيوعيون وحدهم يريدون عمل هذه الاشياء والانجازات جميعها فاين دور الجماهير الشعبية، اين دور العمال الفلاين ام ان الشيوعيون من ( الماركة المسجلة ) هم كل الجماهير الشعبية والدارس لمثل هذا الطرح لا يستغرب وجود اطروحات الآن تستثني الجماهير الشعبية في مجمل السياسات الرسمية وغير الرسمية في فلسطين والوطن العربي بل وسائر البلدان النامية، بل وتلقنها انها هي التي ستقوم بكل الشيء وما على الجماهير الا ان تصفق، اضافة الى ان ما يريده شيوعينا في حديثهم السابق ظل عبارة عن امنيات تتحدث عن احلام خيالية معلقة في السماء وللوصول لها في فلسطين وحدها كان لا بد من نضالات وانجازات عديدة ضرورية لتهياة الظروف الموضوعية والذاتية لتحقيقها, وهم لا يتحدثون عن القضايا المباشرة والتي تعاني منها جماهير شعبنا ولم يتحدثون عن آمالها بالحرية والاستقلال.
من جانب آخر فان في حديثهم مغالطة لروح الماركسية – اللينينية فهم يقولون انهم يريدون انتزاع الحكومة, كيف واية حكومة هذه التي يرغبون بانتزاعها من ايدي الاستعمار, بمعنى ان الحكم استعماري فهل يرغبون في استخدام ادوات الاستعمار نفسها لحكم شعبهم وطبقتهم، رغم ان الفهم العلمي يقول بتدمير اجهزة الحكم البرجوازية ( فكيف اذن مع الاستعمارية ) وخلق اجهزة ثورية تتمكن القوى الثورية من ادارة السلطة من خلالها.
هم يتحدثون عن امالهم وكأن ذلك سيحدث غدا متناسين قول ماركس حسب موسى البديري – المصدر السابق - مجلة الى الامام – ص 5 ( قد يكون من السهل جدا صنع تاريخ العالم لو كان النضال لا يقوم الا ضمن ظروف تؤدي حتما الى النجاح ), اضافة الى انهم في حديثهم عن الجهة التي ستحقق هذه الانجازات لا يتحدثون عن صاحبة المصلحة الحقيقية في هذه الانجازات، وقد نسوا ان الحزب يستمد قوته من قوة طبقته الثورية وانها هي القادرة على تحقيق هذه الانجازات وان الحزب بدون جماهيره لن بكون قادرا على عمل شيء على الاطلاق، فلقد كان عليهم ان يثقوا ويهتموا بقدرة وطاقات الطبقة العاملة يقول لينين – المختارات العربية – مجلد 3 – ص 82 ( ان الطبقة العاملة قد اثبتت مرة وستثبت ايضا اكثر من مرة انها قادرة على مهاجمة السماء ) وفي معرض حديثة عن دروس الكومونه يقول لينين – نفس المصدر – مجلد 10 – ص 41 ( ان البروليتاريا التي نادت على النظام القديم قد اخذت على عاتقها مهنين – مهمة وطنية عامة ومهمة طبقية – تحرير فرنسا من غزو المانيا، وتحرير العمال من الرأسمالية تحريرا اشتراكيا ).
هنا نرى ان لينين لم يقول ان الشيوعيين – الاشتراكيين – الديمقراطيين, هم الذين سيحققون ذلك بل البروليتاريا، وبديهي معها حزبها القائد لها والفصيل الطليعي والمنظم من صفوفها، وهذه هي النظرة العلمية، وليست تلك التي تتحدث عن الحزب وحده من خلال نظرة فوقية بهلوانية للحزب على انه قادر على تحقيق كل الانجازات ثم يقول لينين – المصدر السابق – مجلد 3 – ص 409 ( ان انتصار الاشتراكية بوصفها الدرجة الاولى من الشيوعية على الرأسمالية يتطلب من البروليتاريا بوصفها الطبقة الوحيدة الثورية فعلا، اداء المهام الثلاثة التالية، المهمة الاولى، استقطاب المستثمرين ), لاحظ ان لينين يضع المهمة على عاتق البروليتاريا كطبقة لا على عاتق حزب الشيوعيين كما فعل جماعتنا من " الماركة المسجلة " وفي نشرة للحزب الشيوعي الفلسطيني بعنوان " ما هو الدافع لانتظام الاحداث من العمال " نقرأ ما يلي حسب موسى البديري – تطور الحركة العمالية العربية في فلسطين – الوثائق – منشور بالعنوان اعلاه ) كما في العالم طبقتين من الرجال طبقة تعمل وتشقى وتتعذب واخرى متموله تسعد وتتعزى باموالها وتفتخر كذلك، توجد طبقتان اخريان هما طبقة الصغار ابناء العمال الفقراء وابناء الموسرين الاغنياء), " الله اكبر يا بشر " ماركس وانجلس ماتوا ومن اين اتيتم بهذا التقسيم، ماركسيه جديده طبقة صغار وطبقة كبار في نفس الطبقة العامله وكذلك في الراسماليه والفلاحين وبمعنى ادق نقسم كل طبقة الى اقسام حسب الاعمار ولزيادة التوضيح حسب الجنس.
اية ماركسية هذة ؟ أي ابتذال فج للتقسيم الطبقي ؟ واستنادا الى كل تقدم نستطيع الوصول الى استنتاج واحد مفاده، ان الطليعه العماليه والتي كانت " تدعي " حملها لرسالة الماركسيه_ اللينينيه لم تملك الادوات والانماط الكفاحية السليمه في توجهها لجماهيرها من العمال والفلاحين ولم تتمكن من اتقان فن التحالفات العلميه والعملية عبر مسيرة الثورة الوطنية كحاضن طبيعي للثورة الطبقية في كل مراحلها والتي تعتبر احد الشروط الرئيسيه لانجاز النصر، ثم انهم لم يهتموا بدراسة العلم الماركسي _ اللينيني وفق اسس النظريه والتي ينبغي لها ان تدرس كعلم تماما كالكيمياء والفيزياء والرياضيات، هذه الاطروحه اللينينيه عن اهمية دراسة العلم الماركسي لم ياخذها شيوعينا بالحسبان ولذا كانت معظم اطروحاتهم بعيده كل البعد عن الطرح العلمي السليم
بصدد ما ينبغي تعلمه وبعد ما هي الدروس التي ينبغي لنا تعلمها _ نحن الذين نحمل راية الايدولوجيه الماركسيه في الربع الاخير من القرن العشرين _ من تجربة اولئك الذين حملوا راية هذة الايدولوجيه في النصف الاول من هذا القرن.
رغم انه من الممكن للدارس المهتم والمعني ان يخرج بدروسه منفردا ويدرك ما ينبغي تعلمه من التجربه، الا ان الواجب الثوري يعلم انه ينبغي دائما خلف كل طرح للاخطاء ايجاد البدائل، وينبغي للماركسيين اللنينيين ان يمارسوا التعلم من التاريخ قبل غيرهم، فالتاريخ هو ذاك المعين القادر على العطاء دائما انه نبع للثوريين، فهو المختبر الاكثر قدره على اعطاء الاجوبه العلميه الحقه للمعضلات التي يمكن ان تجابهنا عبر دربنا الطويل والعظيم، ولذا ينبغي للدروس التي علينا تعلمها ان تتناول الاحباط الذي اصاب الحزب الشيوعي ومنعه من الوصول الى مرتبة الممثل الحقيقي والاول للطبقة العامله، وبالتالي منع الطبقه العامل نفسها وحال بينها وبين موقع قيادة الحركة الوطنيه بمجملها من هنا يصبح على الطليعه البروليتاريه المسترشده بالماركسيه _ اللينينيه كايدولوجيه طليعه وعلم ان تاخذ بحسبانها وهي تخوض نضالها المهمات التاليه.
(1)
ينبغي انجاح المرحلة الوطنية الديمقراطية
" ان مستقبل التطور الاشتراكي لفلسطين، وطنا وشعبا " يتوقف عمليا على انجاز حل جذري للمسألة الوطنية الديمقراطية وانجازها في فلسطين وبدون مثل هذا الانجاز لن تستطيع الطبقة العاملة ان تشرع في مسيرتها الاشتراكية.
ان هذا يحتم علينا ونحن نخوض نضالنا العنيد هذا ان نحدد منذ الآن معسكر الاعداء والحلفاء، فمعسكر الاعداء فمثلا بالصهونية و الامبريالية والرجعية العربية واعوانها بين اوساط شعبنا يمثلن بسماسرة الارض والعملاء وكذلك الموظفين الكبار الفاسدين ( والرسمالية المختلطة او الطفيلية المرتبطة بالراسمال الصهيوني المحتل والتي شضكلت شركات ومنشآت مملوكة للطرفين او مملوكة شكلا للفلسطينيين ولكنها عمليا تعمل وتنفذ لحساب الراسمال الصهيوني المحتل وكذلك وكلاء الشركات والمصانع الصهونية والذين يشكلون فئة كمبرادوية مرتبطة مصلحيا مع الاحتلال وهي معنية بتكريسه وادامة امد وجوده الى اطول فترة ممكنة، اما القوى المحركة للنضال من اجل انجاز الحل الوطني الديمقراطي لقضيتنا فهي كامل طبقات وفئات وشرائح الجماهير الشعبية الفلسطينية المتضررة عمليا من الاحتلال وهذا يشمل فيمل يشمل سائر الطبقات المرتبطة بالارض من العمال الزراعيين والفرحين بكل درجات ملكيتهم وكذا الصناعين والحرفيين.
لقد عملتنا التجربة سواء في حركة ابراهيم باشا او ثورة سنوات 1936-1939م وفشل التجربيين ان هذا الفشل كان له اثر كبيرعلى التطور الاجتماعي لفلسطين وشعبها ولهذا يصبح من الضروي انجاز الحل الوطني الديمقراطي من اجل تحضير الارضية السليمة للتطور الاجتماعي والسياسي و الاقتصادي للوطن والشعب الفلسطيني ولذلك من اجل تحقيق هذا المطلب ينبغي قيام الجبهة الوطنية التقدمية وتوحيد كافة القوى الوطنية التقدمية في خضم النضال الوطني والطبقي الذي تخوضه الطبقة العاملة وان يكون هذا الهدف الرئيسي والمبدأي بالنسبة للطليعة البروليتارية المتقدمة، مدركين ان اسس التحالف الماركسية – اللينينية تتطلب منا ذلك شرط ان تسمح لنا الممارسة الثورية على ارض الواقع امكانية الحركة وتعرية كل الممارسات التي قد تؤدي الى احباط مثل هذا التحالف او تخريبة وتجييرة لصالح اعداء الجماهير الشعبية, ان علينا ان ندرك جيدا بالوعي والممارسات ان مطلبنا المباشر هو الحرية السياسية للجماهير الشعبية، للشعب كله والتي تتمثل بالحق في تقدير المصير والاستقلال الوطني والسيادة للشعب الفلسطيني في دولته الوطنية المستقلة من كل اشكال التبعية والوصاية والالحاق.
ان دروس الماضي تعلمنا من اجل انجاز هذه المرحلة ما يلي:
أ- ان نجعل حماية الاقتصاد الوطني احدى مهماتنا، ذلك ان الاقتصاد الوطني يعتبر الارضية المادي التي ستساهم بشكل واسع في انجاز استقلالنا الحقيقي ويتطلب هذا منا عملا ونضالا دؤوبين من اجل منع كل اجراءات " الدمج والتدمير والضرائب الباهظة " وكذلك من اجل " صيانة المشاريع والحرف الزراعية الوطنية ".
ب- المساهمة في ايجاد وتثبيت عوامل الارتباط الجذرية للسكان بالوطن ويتطلب هذا نضالا ضد " كافة اجراءات الاحتلال من مصادرة وشراء الارض تحفيزا لاعادة الارض الى اصحابها واجلاء المستوطنات عنها ذلك ان هذه هي الارضية المادية التي ستساعد على توزيع الارض وفق قاعدة الارض عن يزرعها تحت قيادة الطبقة العاملة الاكثر ثورية.
ج - ( تنظيم نضال الطبقة العاملة ضد الاستغلال والتميز وضمان حقها في التنظيم النقابي الوطني المستقل ) وذلك من اجل دفعها قدما وايجاد الوسائل الكفيلة لها لجعلها تستطيع المشاركة الفعالة والوصول الى دفة القيادة لحركة التحرر الوطني في خضم المرحلة الوطنية الديمقراطية،ذلك ان انجاز هذه المرحلة على ايدي الطبقة العاملة سوف يسهل ويسرع عملية انجاز التحولات الاشتراكية الثورية مستقبلا ، فأمساكها بدفة القيادة الان وتحديدها لمسار الحركة سوف يجعلها بالتعاون مع حافائها الطبيعين من الفلاحين الفقراء اللاجئين المعدميين العائدين والمقاتلين والجنود – خاصة اولئك الذين يخدمون الان في صفوف الجيوش العربية – والمثقفين الثوريين والشرائح الثورية التقدمية من البرجوازية الصغيرة ، سوف يجعلها ذلك قادرة على تحديد مسار الحركة مستقبلا ، وتجهيز كافة انجازاتها لصالح المستقبل الاشتراكي لفلسطين.
ح - ضمان حق ( سائر فئات الشعب في اقامة منظماتهم الجماهيرية والمهنية المستقلة ) مما يساعد عمليا في حماية الانتماء الوطني وايجاد الوسيلة النضالية المشتركة الكفيلة بدفعها للمساهمة في النضال, وانطلاقا من ذلك يصبح الزاما على الطبقة العاملة وحزبها الطليعي النضال الدؤوب من اجل احكام السيطرة على كافة المؤسسات لصالح الطبقة العاملة وايديولوجيتها وذلك من خلال استقطاب اكثر العناصر طلائعية ووعيا في خضم نضالنا الوطني الى جانب الجميع ان لا ننسى ان فلسطين المستقبل ينبغي لها ان تكون اشتراكية.
ه - حماية الثقافة والتراث الوطني وبرامج التعليم وكافة المقدسات الدينية " ذلك ان طبقة العمال لا تستطيع البدء بقيادة شعبها من الفراغ الحضاري للتراث الوطني، ولذا ينبغي اعادة دراسة التراث وتحليله لصالح التقدم والاشتراكية واغناء وعي الطبقة العاملة بتراثها الطبقي والوطني والتراث العام لكافة جماهير الشعب فان الحزب الذي يتناسب التراث التاريخي لجماهيرة سوف من يكون بمقدورة قيادة هذه الجماهير ثم ان المقدسات الدينية تعتبر احد اهم عوامل الارتباط الحضاري التاريخي والتراث الفكري والاجتماعي لجماهير الشعب الفلسطيني تصبح عملية التصدي لهدمها وطمسها قضية ملحة عبر نضالنا من اجل قضايا كامل الجماهير الشعبية.
ينبغي اعتماد هذه الاسس الى جانب اتفاق التحالفات وتناقضات من اجل انجاز مرحلتنا الوطنية الديمقراطية. وفوق كل هذا ينبغي للماركسية – اللينيني الحق ان يخرس كل الافواه التي تحاول التشكيك بوطنيته – فالماركسيين – اللينيين يعتزون مثل الغير ان لم يكن اكثر بوطنهم ولغتهم وقوميتهم، فذلك لا يتنافى مطلقا مع شعار " للبروليتاريا وطن " فلقد ادان لينين كليا اولئك الذين استخدموا هذا الشعارات ليعادوا كل الحروب بين الامم وان يعلنوا " الاضراب الحربي " فلقد اكد لينين اكثر من مرة انه " يعتز بلغته وقوميته " ونن بالتاكيد نعتز وينبغي لنا ان نفخر بالتراث النضالي لجماهير شعبنا وامتنا والكوكبة عظيمة من المناضلين والشهداء الذين قدمهم وطننا وهو يشارك شعوب العالم نضالها من خلال موقعة، مدركين ان نضالنا الوطني هو جزء من التزامنا بالاممية، وينبغي علينا لذلك ان نخوض نضالا عنيدا ضد كل مشوهي الماركسية الذين يصفونها وكأنها عدوه للوطن والقومية والدين وان هدفها الوحيد هو الالحاد لا غير و الاباحية، ان هؤلاء اعداء لشعبنا ويحتاج النضال ضدهم لوعي ايديولوجي وارقى اسلحة الايديولوجيا قوة وادراكا وبنفس الدرجة ينبغي خوض نضال عنيد ضد اولئك الذين يسعون لتحويل الماركسية بنصوصها الى فكر كهنوتي لا يقبل النقاش. اننا نعتز بوطننا وبالانتماء له اكثر من كل الذين يحاولون الانتقاص من شعورنا هذا ولذا ينبغي علينا دائما ان نحول هذا الاعتزاز الى ممارسة حية عبر كل مواقفنا كوطنيين تقدميين امميين بروليتاريين تنبع وطنيتنا اصلا م هذه الاممية وهذا يقتضي خوض نضال عنيد اولا وقبل كل شيء ضد رعاة حملها ومشوهيهها من انتهاز بين ولحرفين وفوضوية
(2)
الا بتعاد عن النخبوية والانعزالية والفوقية
ان حزب الطليعة هو قائد للبروليتاريا، عقلها المفكر، هيئة اركانها الذي يكرس كل طاقاته من اجل الاخذ بيدها ورفعها لتكون مؤهلة لتحقيق كامل اهدافها، وهذه الصفة لا تعني ان الحزب بديل للطبقة، فهو " الفصيل الطليعي والمنظم فيها " وبالتالي فهو لا يمارس دور السيد او الآمر الناهي الذي يتصور ان مراسيمه وحدها ستحقق كل شيء.
ان كل خطوة جديدة في الحركة لا يعتبرها الحزب الطليعي الحق انجازا له بقدر ماهي مهمة جديدة سياسيا وتنظيميا وجماهيريا من اجل انجاز جديد ولذا ينبغي لنا ان تلقي بلغة " نحن نريد ان نفعل كذا وكذا " الى المزبله ذلك ان مثل هذه الاقوال تعتبر على الصعيد التجسيدي تفريغا لدور الجماهير الشعبية وتجعل دور الجماهير الشعبية حكرا على فئة مما يقود عمليا الى انعزالها واخفاقها وعدم قدرتها على التحول الى حزب بروليتاري جماهيري حق ان علينا ان نخوض نضالنا الى جانب الجماهير الشعبية من منطلق الوعي، أي ان لا نكون ذيليين للحركة الجماهيرية وعفويتها بل معها، الى جانبها كهيئة للاركان قوية قادرة على الاستمرار ممثلة للوعي كناقض ومجير للعفوية لصالحة وصالح حركته الواعية.
ينبغي لكل ذلك ان يمر عبر معاناة الجماهير المطلبية من خلال ربط نضالاتها المهنية والمطلبية بالنضال الوطني العام ربطا جذريا باشاعة وعي ان تحقيق المطالب المهنية والمعيشية اليومية هو جزء صغير من تحقيق الحرية السياسية عبر تقرير المصير والعودة واقامة الدولة الوطنية المستقلة شرط ان ندرك ان المسائل المطلبية والقضايا اليومية للجماهير نستعملها عبر نضالنا كأحد اشكال النضال المكملة والخادمة لنضالنا السياسي وهي ليست اكثر من تجسيدات عملية يومية تعيشها جماهيرنا كعاكسة مباشرة للتجسيد العملي للوضع السياسي القائم أي انها احدى لغات تثقيف الجماهير بمعاناتها، مرآة تعكس في الوعي اليومي المباشر لدى الجماهير الوضع السياسي وعلاقته المباشرة بقضاياها الحياتية اليومية والهدف من كل هذا التفسير اننا نرفض ان تكون النضالات المطلبية – مدخلا من اجل الوصول للوعي والنضال السياسي – وانها درجة اولى في النضال السياسي ونرفض صبغها بالسياسة، بل هي جزء مكمل واحدة من العديد من المسائل التي تشكل في مجموعها المسأله السياسية وينبغي لكل قضية نناقشها كمسألة مطلبية يومية ان تخدم بوعينا الموجة يوميا للجماهير المطلب السياسي العام والرئيسي.
ان هذا يحتم على الطليعة كي تتمكن من ان تحصل على مقعد القائد الطليعي للجماهير ان تنخرط في نضالاتها مدركية بان عليها التخلص من النخبوية والانعزالية والمزاجية وغيرها.
(3)
الموقف من الطبقة العاملة وقضايا ها
ان المهمة الرئيسية في النضال من اجل دفع الطبقة العاملة قدما وزيادة وعيها السياسي حتى تتمكن من الوصول الى قمة الهرم في قيادة حركة التحرر الوطني عبر نضال جماهير شعبنا هي مهمة على جانب كبير من الاهمية، خاصة اذا رأينا ان على الطبقة العاملة وطليعتها خوض شكلين مترادفين متداخلين من النضال قوميا وطبقيا، وان عليها ان تحرص عبر خوضها للنضالين معا ان لا يطغى احدهما على الاخر اخذا دورة، وان لا يأخذ احدهما اكثر من حجة الطبيعي على حساب الشكل الثاني.
ان كثيرين عندنا يستخدمون المسألة الوطنية الآن قميص عثمان ضد نضال العمال من اجل قضاياهم الطبقية والمطلبية في حين كان شيوعيينا ( من الماركة المسجلة ) ايام زمان يقدمون المسألة الطبقية ويجعلونها المسألة المركزية محولين المسألة الوطنية الى هامش ثانوي.
مرضين ينبغي التخلص منهما في مسيرة الكفاح الوطني الفلسطيني:
الاول: الذي يمثلة دعاة السلم الطبقي الغبي الذي يلغي دور احدى الطبقتين الرئيسيتين او يوحد بين الاغنياء بغض النظر عن مصالحهم كالاغنياء الفاسدين والمرتبطين بالاحتلال او الموظفين الطفيليين الذين يمتصون قوت الشعب ويحولونه الى سيولة نقدية تختفي في ارصدتهم او مصالحهم خارج الوطن والبرجوازية الوطنية المنتجة والتي تكافح بكل ما تملك عبر صمودها على الارض في مواجهة الاقتصاد الصهيوني المتطور والمسيطر وبالتالي فان هناك اهمية فائقة لاقصى حد لفهم دور التحالفات في مسيرة الكفاح الوطني والتي يمكن لها ان تتطور الى انخراط اكبر في صياغة نموذج متقدم لعلاقة التعاون بين الجميع من منطلق الحرص على المصالح المشتركة لكلا الطرفين.
ان من الضروري من اجل ذلك ان يكون النضال في اوساط الحركة الوطنية والمنظمات الجماهيرية من اجل تثبيت مسألة مهمة في اذهان الجماهير والحركة الوطنية مفادها حسب د. مصطفى جفال – الطيقة العاملة الفلسطينية والحركة النقابية ص 87 ( ان وحدة الجبهة الوطنية ضد الاحتلال لا يمكن ان تقوم على قاعدة تجويع العمال وانما على اساس مشاركة جميع الطبقات في تحمل عبء السياسات الاحتلالية والنضال ضدها ) وبالتالي فان من يفهم التحالفات الوطنية على اساس اخماد النضال المطلبي للطبقة العاملة والقبول بالموت جوعا، هو عدو لدود للوطن وينبغي النضال ضده بكافة الاشكال فان من يريد مصلحة الوطن علية ان يدرك اولا ان حسب المصدر السابق ص 72, 73 ( المتضرر الرئيسي من هذه الاجراءات – اجراءات الاحتلال ع.ص – هو الطبقة العاملة الفلسطينية التي تشكل اغلبية السكان المنتجين فهي التي تتحمل ثقل هذه الاجراءات وهي التي يزداد تدهور مستوى معيشتها خاصة وانها محرومة من أي ضمان وتعمل بأجور منخفضة ) ووفق هذاالاساس فان ناقوس الخطر يدق محذرا، ان من يريد الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي من اجل القضية الوطنية لن تتحمله الطبقات الكادحة وحدها، بل هي اكثر من يحتاج للدعم والمساندة، من هذا المنطلق تحت تعلق قبولنا التحالف شرط ان يدرك الاغنياء ان للوحدة في في مفهومها شروط ينبغي لهم الالتزام بها لصالح الطبقة العاملة وسائر الكادحين ولا مجال للصمت دون هذه الشروط رغم انها ليست اكثر من المواد الضرورية لحياة العامل ليتمكن من متابعة نضالة والى جانب ذلك فان على الطليعة الثورية ان تعمل من اجل ايجاد ترابط جدلي حقيقي بين النضال الوطني والطبقي لمجمل المصلحة الوطنية العليا وبشكل اكثر تركيزا في صفوف العمال الذين يعملون وراء الخط الاخضر او في المشاريع المحلية المختلطة والذين يتعرضون بشكل مباشر لشقي الاضطهاد القومي والطبقي وبالتالي فالطبقة العاملة هي المؤهلة عمليا لحمل لواء المسيرة اكثر من غيرها من الطبقات لكونها الطبقة التي تواجه جوهر المسألة قبل غيرها واكثر ، ومن اجل ايصالها لموقعها ينبغي على الطليعة العمالية ان تخوض نضالها وفق محورين ، وطني.... ويتمثل في العمل الدؤوب من اجل حماية الشخصية الوطنية للعمال ماوراء الخط الاخضر وذلك من خلال تنظيمهم في نقاباتهم الوطنية وتحويلها بالتالي الى ممثل طبقي ووطني لهم, اضافة الى اهمية التربية السياسية للطبقة العاملة والتي تتم من خلال التوجه الى كل طبقات الشعب، ومحور طبقي يتمثل في النضال من اجل مطالبهم الحياتية اليومية ضد اصحاب العمل على اساس ان هذه المعاناة المطلبية هي التجسيد المباشر لقضيتهم الوطنية والطبقية والمطلبية حتى ولو ادى بهم هذا الى ضرورة مشاركة العمال الاسرائليين انفسهم هذا النضال المطلبي بمعنى ان على عمالنا وراء الخط الاخضر وفي المؤسسات المختلطة المشاركة بأية حركة مطلبية للعمال الاسرائليين لسببين مهمين اولهما, انه من خلال هذه المشاركة سوف يوفروا الارضية التي تمكنهم من طرح مطالبهم الخاصة كطبقة متميزة لها حقوقها الوطنية المتميزة واهمها التنظيم النقابي الوطني اضافة الى ان زخم الاضراب سيجبر اصحاب الاعمال على الرضوخ المطالبهم ولو جزئيا وسيتعلم العمال عبرها دروسا نضالية وسياسية عديدة وتستفيد بذلك من كل اشكال الصراع داخل كيان العدو، يقول لينين مجلد – عن النقابات – ص 32 ( كل اضراب يعني خبرة الطبقة العاملة بأسرها واذا نجح الاضراب فأنه يبين لها قوة اتحاد العمال ويدفع الآخرين الى الاستفادة من نجاح الرفاق ) ولكن على العمال ان يدركوا ان عليهم المشاركة في الاضراب بصفتهم الوطنية لا من خلال دمجهم بالحركة العامة، وقد يرفض العمال الاسرائليين مشاركتهم اول وثاني مرة ولكن حين تتبين لهم اهداف العمال العرب السليمة سيطلبون هم التشارك في النضال وتستطيع الطبقة العاملة العربية بذلك ان تساهم استراتيجيا في القضية الطبقية والوطنية في فلسطين ومهما كانت النتائج المترتبة على المشاركة ضئيلة في البداية الا ان اهم انجازاتها انها سوف لا تجعل الطبقة العاملة العربية تقوم بدور البديل لليد العاملة الاسرائلية مما يساهم في تجذير العداء الشوفيني بين الجانبين وخاصة في اوساط العمال اليهود الذين سيشعرون حين يضربون هم عن العمل بينما يتابع العمال العرب العمل كبديل لهم مما يعني ان ذلك يقلل من فرص انجاح اضرابهم ويوفر الفرصة للرأسمالي الصهيوني لعدم الرضوخ لهم وسماع مطالبهم وهذا النضال ينبغي ان يصاحبة نضال من قبل القوى التقدمية والديمقراطية في اسرائيل في اوساط العمال من اجل افهامهم ان تحررهم الاجتماعي مرتبط جذريا بالتحرر الوطني لجماهير الشعب الفلسطيني.
الثاني: ان هذا سوف يساعد في تقريب وجهات النظر والتلاقي بين العمال العرب واليهود حتى في المسألة السياسية من خلال النضال المشترك الدؤوب وسيتحول اضطهاد العمال العرب وقمعهم من قبل البوليس وصاحب العمل الى اداة لتحول الوعي السياسي والوطني لديهم الى جانب كونها دروس في المسألة الطبقية ببعديها السياسي والطبقي للعمال اليهود انفسهم من خلال معايشتهم لهذا القمع الموجه لعمال يشاركونهم نضالاتهم المطلبية ذاتها.
ان هذه الاسس الواضحه سوف تمكن الطبقة العاملة العربية من خوض نضالها وقد شفيت كليا من امراض مثل الاقتصادية والذيلية المطلبية وكذلك الشوفينية المفرقة وتمكنهم من خوض نضالهم ببعديه القومي والطبقي دون ان تفقد احدهما محتواة او تلغيه لصالح الاخر.
ان مجرد طرح المشاريع ليست مسالة كافية، فينبغي التنبة الى انه رغم التطور الكبير والتغيرات الموضوعية التي طرأت على الطبقة العاملة في الارض المحتلة الا ان هذا لم يتحول عمليا حتى الان الى تطوير وعي للطبقة العاملة لكي تاخذ مكانتها الحقيقية في طليعة النضال المطلبي والسياسي وتنظيمها في نقاباتها وحسب د. مصطفى جفال – المصدر السابق – ص 7 ( ويعود ذلك بشكل رئيسي لعدم اقتران هذه الامكانيات الموضوعية الثورية بالعوامل الذاتية حيث بقيت العديد من القوى الوطنية والقيادات العمالية في المناطق المحثلة متخلفة عن هذه التطورات وبقيت اسيرة افكار وتقاليد قديمة منسجمة مع وضع الطبقة العاملة في عهد النظام الاردني ولم تقم بالتالي بتحمل مهماتها في تنظيم وتوحيد وتوعية هذه الطبقة وخاصة جسمها الرئيسي والذي تشكلة فئة العمال العاملين في المشاريع والمؤسسات والمصانع الاسرائليية ), ثم ان عدم التطوير الواعي لدور الطبقة العاملة عندنا يعود في جوهرة لاسباب كثيرة فقد يتخيل البعض الان ونتيجة طبيعة القوى المسيطرة على النقابات ان " الاقتصاديين " ودعاة " الشرعية " قد انتصروا ولكن الحقيقة كما يقول لينين – ما العمل – ص 39 ان هذا الانتصار ( لم يجر عن طريق نضال سافر بين مفهومين متعارضين كل التعارض وانتصار احدهما على الاخر، بل عن طريق " انتزاع " الدرك للثورين الشيوخ ) فقد حدث اكثر من مرة في مناطق الارض المحثلة ان اقترب الطلائعيين من سلطة النقابات فيتدخل البوليس لانتزاعهم في احسم اللحظات مما سهل على القوى الذيلية المطلبية ودعاة " الشرعية " واشباههم تحقيق نصر " التزكية " في انتخابات النقابات دون منازع، وحتى لا يعتقد البعض انني احمل الاخفاق لعوامل خارجية او " للبوليس " اقول ان الطليعة الواعية قادرة على الرد على مثل هذه الاحداث وتفاديها وذلك اذا استطاعت تطبيق ما اشار به لينين لتفادي نفس الوضع قائلا – المختارات – ص 136 (.... مهمتنا العملية الاولى التي لا تقبل التأجيل: انشاء منظمة ثوريين قادرة على ان تؤمن للنضال السياسي القوة والثبات والاستمرارية ) وبقدر ما يتمكنوا من تأمين ذلك، بقدر ما يتمكنوا من تفادي مثل هذه الاخطار، اضافة الى ان هناك سبب آخر ساعد في امتداد سيطرتهم على النقابات ويتمثل بالفئوية وتحويل النقابات الى "نوادي" ومجموعة صغيرة مضمونة الاصوات وتطفيش العمال وعدم التوجه الجاد لتنظيمهم, كل ذلك كان يساعد على ابقائهم في سلطة النقابات، ورغم تغير هذه الظروف حاليا الا ان هذا لا زال يتطلب نضالا دؤوبا من اجل حركة نقابية قوية، موحدة، وممثلة حقيقة للبقة العاملة وشاملة لها فعلا اضافة الى اهمية وجود الطليعة القادرة على الثبات والاستمرارية حتى لا يحول تدخل البوليس مرة اخرى بينها وبين جماهيرها, ويتم انجاز حسم الصراع لصالح الطليعة ضد دعاة النضال " النقابي الشرعي فقط", يقول لينين – مجلد عن النقابات – ص 20 ( ان العامل العاجز بمفردة يصبح قوة في الاتحاد مع رفاقة وتتوفر له امكانية النضال ضد الرأسمالي والرد عليه ), ان هذه الحقيقة اللينينية لا ينبغي لها ان تغيب عن ذهن الطليعة العمالية في نضالها من جل القضايا الوطنية العامة واهمها قضية الطبقة العاملة الاكثر تأهيلا لقيادة النضال الوطني ولذلك فان وحدة الطبقة العاملة الفلسطينية في منظماتها النقابية وتحت قيادة الطليعة الثورية تعتبر الاساس المادي الاول للوصول بالطبقة العاملة الى موقعها المطلوب ولذلك ينبغي حسبما يقول لينين – المصدر السابق – ص 29 ( ان يقوم نشاط الحزب في مد يد العون الى العمال في نضالهم الطبقي ومهمة الحزب لا تقوم في ان يختلق في رأسه وسائل دراجة ما لمساعدة العمال والقاء النور فيها ) ام هذا ينبغي له ان يعلمنا أحد الدروس المهمة لنا ضمن الظروف النضالية التي نعيشها وهو انه ينبغي النضال ضد كل المحاولات الرامية لشق الحركة النقابية والتخريب على وحدتها، لنا في درس " نادي الامل " و " نادي الشعب " او " الاتحاد" و "الجمعية " درس مفيد وفي واقعنا حسب مصطفى جفال – المصدر السابق – ص 131 ( المحاولات التي جرت في ايار 1978م لشق الحركة النقابية والتخريب على وحدتها النقابية على يد الاتجاهات اليمينية والانقسامية )اضافة الى اهمية توحيد وانتظام العمال تحت لواء نقاباتهم كمنظمات طبقية، فان هناك اهمية حاسمة وضرورية وهي اتحادهم " تحت قيادة حزب سياسي " يقول لينين – عن النقابات – ص 37 ( لا ريب ان العمال متى تراصوا واتحدوا تحت قيادة حزب سياسي واحد، سيتمكنون من اكراه الحكومة على الاستسلام سيتمكنون من الظفر بالحرية السياسية لانفسهم وللشعب الروسي بأسره ) ثم ان الموقف من الطبقة العاملة ينبغي له ان يحدد لا على انها طبقة مستضعفة ومسكينة، ولا على اساس الرجاء، بل على اساس انها الطبقة الاكثر ثورية، واتساعا وصلابة ومعاناة، وبالتالي الاكثرقدرة على الوقوف في الطليعة النضال الوطني، وهذا يحتم على الطليعة ارقى اشكال التوجيه والتربية السياسية للطبقة العاملة حذرين من جعلها منغلقة على نفسها ضمن رؤيا اقتصادية ولذلك ينبغي عليهم تنظيم التشهير السياسي في جميع الميادين بدون استثناء ذلك ان العامل حتى يستطيع ان يكون طليعة حقيقية وعضوا في طبقة قائدة لينين – عن النقابات – ص 113 ( ينبغي ان يكون لنفسة صورة عن الطبيعة الاقتصادية والسيماء الاجتماعية والسياسة للملاك العقاري والكاهن وصاحب الرفعة والفلاح والطالب والصعلوك وان يعرف قوتهم ونواحي ضعفهم..... وان يعرف ما هي المؤسسات التي تعكس هذه المصالح وكيف تعكسها ) وبمعنى اوضح للطبقة العاملة فانه ينبغي لهم ان يدركوا السيماء الخاصة لكل الطبقات وفئات الشعب حتى يتمكنوا من ان يصبحوا هيئة الاركان والعقل الواعي والقائد للجماهير الشعبيه من اجل مطلبها الوطني، واذا لم يتم القيام بهذه المهمه بشكل ناضج ومجدي فالسبب الحقيقي وراء ذلك حسبما يقول لينين المصدر السابق ص 114 ( تاخرنا عن حركة الجماهير, اذا فعلنا ذلك _ أي تنظيم تشهير واسع -ع . ص – "وهو علينا واجب ولنا ممكن " لراينا حتى اكثر العمال تاخرا يدرك او يحس ان الطالب وتابع البدعه الدينيه والفلاح والكاتب يتلقى الاهانات والطغيان من تلك القوه السوداء التي تضغط عليه وتسحقه في كل خطوه من حياته, وما ان يحس حتى يرغب: اشد الرغبه في ان يرد بنفسه ) فهذا الاسلوب يمكن الطليعة من القيام بمهمه التربيه السياسيه للطبقة العامله، ليس من خلال العمل وسعر بيع قوة العمل فقط، لا، فلا يجوز العمل من اجل تحسين شروط بيع العامل لقوة عمله فقط، بل وينبغي ان يجري العمل من اجل ربط نضالات العامل المطلبيه بالمساله السياسيه العامه تحضيرا للوصول بالطبقه العامله الى قمة هرم الحركه الوطنيه بمجملها.
(4)
الماركسية اللينينية مرشد للعمل كجزء من الفكر الانساني
في فلسطين اليوم قوى عديدة تعلن على رؤوس الاشهاد تبنيها للماركسية – اللينينية، وهي تلتقي في امور وتتعارض في اكثر، المهم ان لا تطابق في كافة المواقف والا لما كانت هناك كل هذه القوى وبهذا فانه لا بد ان تكون احداهن فقط هي على حق اكثر من الاخرين، ذلك ان تبني الماركسية – اللينينية ليست قرار يتعلق اليافطه فوق برنامج هذا الحزب او تلك الجبهة، ان ما علمنا اياه لينين ان الماركسي الحق هو ذاك الذي يعرف اين وكيف ومتى يحول ماركسيتة الى واقع ولذلك فلا ينبغي الاكتفاء بالماركسية – اللينينية كمجردات نظرية تدرس للدردشة في الصالونات ولقياس مدى الاطلاع وسعته بل ينبغي لها ان تتحول الى سلاح يلقي الضوء على الواقع لتحويلة الى ممارسة واعية نحو ما هو جديد عبر الطريق الى الهدف واذا لم تتحول الماركسية – اللينينية الى ذلك فانها تبقى سلاحا مغمدا، وليس يجدي الفارس نفعا حمل سيف جميل ولامع وحاد وقادر على فعل المعجزات ان لم يكن يدرك اين وكيف ومتى يخرجه من غمده, ورغم ان في تاريخنا الذي تقدم واشرنا اليه كان هناك حزب يدعي الماركسية – اللينينية الا انه فشل في انجاز مهمته، ذلك ان كل الاخطاء التي تقع فيها الحركة يتحمل مسؤوليتها الحزب الذي اخذ على عاتقة قيادة هذه الحركة، وحتى حاليا فان أي نقص أي تراجع، أي ضعف في الحركة نحن المسؤولون عنه، ليست الحركة بشكل اجمالي، ان أي خطأ ينبغي فهمه دائما على انه نقص من قبل الطليعة في الاعداد، في التوجه، في التخطيط، في تحمل مهمة القيادة وبشكل صحيح من قبل الطليعة. اننا محظوظون لسبب واحد وهو اننا نملك نظرية غنية بتجارب عظيمة في متناول ايدينا جميعا نحن العمال الفلسطينيين, ذلك ان الادبيات الماركسية وتجارب شتى الشعوب موجودة في ادبيات باللغة العربية وبامكان كل مناضل ان يتناولها، ومن واجبه دراستها دراسة علم، وهذا ممكن وفي متناول الجميع شريطة ان لا يتم ذلك على قاعدة تقديس النص بعيدا عن الظروف والمناخات التي جاء بها. لكن يبقى هناك سؤال واحد، هل يكفي ان تقرأ ؟ هل يكفي ان ندرس العلم دراسة اكاديمية ؟, وهل الماركسية وحدها هي فكر الثورة او هي وحدها الفكر الامي وهل الثوريين وقوى التقدم ملزمين فقط بتبرير ثوريتهم بالتزامهم المطلق بالماركسية اللينية وحدها فكرا واداء فقط ام ان الامر مفتوح لكل الفكر الانساني وتجارب البشر، فالماركسية كما كان قد اشار ماركس وانجلس وكما علم لينين تجارب البروليتاريا والشعوب الثورية، هي مرشد طليعي ودليل ثوري للعمل أي انها ليست نصا مقدسا.
لكي يمكن تطبيق مثل هذا الفهم العلمي للنظرية الثورية ينبغي للطليعة وهي تخوض نضالها من موقعها المتقدم في قيادة الطبقة العاملة ان تبتعد عن تربية الطبقة العاملة بتعميمات نظرية لا يوجد لها اثباتات الا في اذهان مثقفينا الموقرين ففي خضم النضال الى جانب الجماهير، معها ومن اجلها، ينبغي الادراك جيدا لما اشار له لينين – مجلد ماركس, انجلس والماركسية ص 166( اذا حاولنا ان نجيب بنعم اولا بصدد وسيلة محددة للنضال دون ان نبحث بالتفصيل الظروف الملموسة للحركة المعنية عند درجة التطور التي بلغتها هذه الحركة، فهذا يعني اننا تركنا تماما اعيد ان الماركسي ).
ان هذا يعلم ان على الطبقة العاملة ان لا تختلق النضال واساليبة من محض التصورات الخاصة وبعيدا عن الواقع، فان رفع شعار ما من اجل ان تناضل تحت لواءه الجماهير الشعبية وفي مقدمتها البروليتاريا ليس مجرد عملية لغوية او لفظية، يقول لينين – المصدر السايق – ص 89 ( وهكذا يرى ماركس ان مهمة العلم الصريحة هي ان يمطي شعارا حقيقيا للنضال، أي ان يعرف كيف يعرض هذا النضال بموضوعية بوصفة نتاج نظام معين من علاكات الانتاج، ان يعرف كيف يدرك ضرورة هذا النضال ومحتواه وسير تطوره وشروط تطوره، فلا يمكن اعطاء " اشعار للنضال " دون دراسة كل شكل من اشكال هذا النضال بكل تفاصيلة ) ولذا نحن نتوجه للطبقة العاملة كماركسيين، ينبغي ان نكون على المام تام بواقع حياتها وحياة كافة الطبقات الحليفة والعادية، بوضعنا في جبهتنا ووضع الاعداء في جبهتهم، وان نختار شكل النضال وشعار النضال من خلال دراسة عملية عملية للواقع عبر رؤيا خلاقة للعلاقة بين النظرية وهذا الواقع بظروفه الخاصة.
ان كون الماركسية مرشد للعمل يعني ان هناك اختلافات في ظروف وواقع وتطور كل بلد من البلدان، ويعني ايضا ن شعارات وتكتيكات كل بلد من البلدان تختلف من حيث الاسلوب المناسب وان كانت تعتمد في جوهرها وتوجهها على اساس احكام واحدة، عبر هدف واحد.
الطبقة العاملة، ليس بمقدورها ان تقنع بما تريدة لها، بل بما هو صيحيح وعلمي ذلك ان الاطروحات النظرية والشعارات السياسية ينبغي تبريرها برؤيا تاريخية وتقييم علمي للواقع وتوقع معتمد على العلم التاريخي الدياليكتيكي للمستقبل، لذلك فان اولى المهمات الملحة والمطروحة امام كل حاملي لواء ايديولوجية الطبقة العاملة ان يدرسوا بامعان سمات مميزات الواقع الذي تعيشة مساحتنا النضالية، وان يدرسوا الوضع الخاص والظروف التنظيمية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والايديولوجية التي تعيشها الحركة بشكل عام والطبقة العاملة وحركتها بشكل خاص، وعلى اساس نتائج علمية لدراسة علمية يمكنهم ان يحددوا التنظيمية والنظرية والسياسية الملقاة على عاتقهم.
وعلينا من جانب اخر ان تعرف كيف نستفيد من تجارب ونضالات البروليتاريا والشعوب التي خاضت وتخوض نضالها ان من المفيد لغاية قصوى دراسة تجربة مثل التجربة الفيتنامية ولكن بادراك ان ليس كل ما يعجبنا علينا نقله لانه جميل وثوري ولانه من المناسب رفعة كشعار طنان فلكل بلد ظروفها واسلوبها المختلف ولكل تجربة خصائصها رغم اشتراكنا جميعا في الجوهر.
ان عظمة الشعوب تكمن في قدرتها على التكيف مع المتغيرات والاستفادة من تجاربها وفي المقدمة القدرة على استخدام الروح النقدية في قراءة نجارب الذات على ضوء النتغيرات وحجم النجاحات والاخفاقات والآليات المناسبة لعدم تكرار هذه الاخفاقات اكان ذلك من قراءة الذات او من قراءة الآخر ايا كان موقعه من الذات, وبالتالي فان التجارب الحية للشعب الفلسطيني بينت بما لا يدع مجالا للشك ان علينا الاستفادة من الحقائق التالية:
1 – ان من المفيد دوما اتقان آلية تضييق مساحة الاعداء والقدرة على اخراج الهامشي وتحييده والتركيز على العدو الرئيس واتقان فن التعاطي معه على قاعدة تكبيده اكبر قدر ممكن من الخسائر وفي المقدمة الخسائر السياسية فهي التي تملك التاثير الاكبر والبعيد المدى.
2 – اتقان فن التحالف والتناقض خصوصا في معارك التحرر الوطني وعدم الخلط بين الطبقي والقومي او الوطني بما يضمن عدم اضاعة التمايز الطبقي والقدرة على التاثير في مسيرة الكفاح لصالح الغد بما يضمن تحقيقي اكبر انجداز ممكن لصالح قوى التقدم والثورة وفي المقدمة الطبقات الجذرية وذات المصلحة الاولى في التحرر من المحتل.
3 – ان مسيرة الكفاح الوطني الفلسطيني قادرة على اعادة تشكيل ذاتها التنطيمية والفكرية بما يوفر الاسس لصالح استعادة الشعار الاكثر ثورية لتوحيد الوطن الفلسطيني على اسس اممية موحدة لدور البشرية في مقارعة اعدائها من الطفيليين والراسماليين الامبرياليين الذين لا يعرفون معنى التحالف ابدا سوى على قاعدة ان المتحالف معهم هو خادمهم وهو الدور الذي تقوم به الحركة الصهيونية في فلسطين والوطن العربي والشرق الاوسط عامة, واحيانا يمتد الدور الصهيوني الخادم للامبريالية الى اماكن مختلفة من العالم بما في ذلك الدور المشبوه الذي لعبته دولة الاحتلال الصهيوني في افريقيا وامريكا اللاتينية. 3 – لا وجود لمسلمات مطلقة في الفكر الانساني وادوات الصراع وانماط ادارته هي نماذج متغيرة ومتطورة وهي لا تخضع لمفاهيم مغلقة او مسلمات من النوع المطلق ولك يعد بالامكان وضع ايا من مكونات الفكر الانساني خارج النقد والمناقشة والتطوير ومسلمات الاقوال والافعال لمن سبقوا هي ادوات لتقييد الايدي ومنع التطور والنجاح ايا كانت التجربة, فالتجارب السابقة قادت الى تحويل اشخاص او قادة الى ملهمين لا يجوز مناقشتهم وحولت اقوالهم واشخاصهم الى انماط للعبادة والتقديس ومنع الاقتراب وذلك يعني النهاية الحتمية لهذا الفكر ومنعه من التطور ومواكبة العصر.
4 – يجب على الفكر ان يلائم الواقع المحيط الذي يعمل به واي مسعى للتغيير يجب ان ياخذ بعين الاعتبار الظروف والتركيبة الاجتماعية والاقتصادية ومنظومة القيم وانماط الفكر الديني والدنيوي السائدة في البلد المعني ويجب اخذ العبرة من تجربة الحزب الشيوعي في فلسطين الذي اعتمد اولا على نواة يهودية من المهاجرين المستوطنين في فلسطين ثم ارتكب ولو لفترة قصيرة جريمة الترجمة العربية لاسم الحزب بكلمة اباحي مما شكل عائقا خطيرا امام قدرة الحزب على التقدم في الاتجاهين العربي واليهودي فهو حاول التوفيق بين عدوين متصارعين على ارض ومصير وذلك كان ضرب من المستحيل.
#عدنان_الصباح (هاشتاغ)
ADNAN_ALSABBAH#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ليس لنا ما نسوقه
-
نحن أسياد المؤقت
-
غياب الرئيس عباس ضرورة اسرائيلية
-
من يكره غزة يكره نفسه
-
مديح الاغتيال...هجوم التوريط
-
أعيدوا لنا أبناءنا
-
أم قيس...قرية حدودها السناء
-
عصرنة التأصيل في مواجهة تحديات التحديث
-
البشرية مقابل حفنة لصوص
-
المقاومة والجبهة المفككة
-
عالم بلا حب
-
أو شرعنة الاحتلال
-
اتهام علني
-
مأزق ومليار حل غائب
-
اقرب السماء...اعمق الارض
-
وعي الفعل
-
فلسطين تحت الاحتلال
-
حجارة الموقد الفلسطيني
-
حكومة القرف الوطني
-
الفلسطينيون...الخبز او القضية
المزيد.....
-
ما هي حقيقة زيادة الرواتب؟ .. المالية تكشف عن جدول صرف رواتب
...
-
WFTU Declaration in Solidarity with the Arrested Unionists i
...
-
العملاق الألماني فولكسفاغن يعاني: إضراب وسط تفاقم الأزمة!
-
ألمانيا.. إضراب ما يقرب من 100 ألف عامل في -فولكس فاجن-
-
بعد مشاركة 100 ألف عامل.. إنهاء إضراب فولكس فاغن التحذيري
-
بيان الذكرى 72 لاغتيال الزعيم الشهيد فرحات حشاد على الع
...
-
دعوى على أبل بسبب -التجسس على الموظفين-
-
المرصد العمّالي يطالب بتحسين البنية التحتية بالقطاع الخاص لت
...
-
المرصد العمّالي يطالب بتحسين البنية التحتية بالقطاع الخاص لت
...
-
” 200 مليون دينار ” سلفة من مصرف الرشيد فورية في حسابات المو
...
المزيد.....
-
الفصل السادس: من عالم لآخر - من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الفصل الرابع: الفانوس السحري - من كتاب “الذاكرة المصادرة، مح
...
/ ماري سيغارا
-
التجربة السياسية للجان العمالية في المناطق الصناعية ببيروت (
...
/ روسانا توفارو
-
تاريخ الحركة النّقابيّة التّونسيّة تاريخ أزمات
/ جيلاني الهمامي
-
دليل العمل النقابي
/ مارية شرف
-
الحركة النقابيّة التونسيّة وثورة 14 جانفي 2011 تجربة «اللّقا
...
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
مجلة التحالف - العدد الثالث- عدد تذكاري بمناسبة عيد العمال
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
نقابات تحمي عمالها ونقابات تحتمي بحكوماتها
/ جهاد عقل
-
نظرية الطبقة في عصرنا
/ دلير زنكنة
-
ماذا يختار العمال وباقي الأجراء وسائر الكادحين؟
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|