|
نظرة عامة حول جرائم غسيل الأموال !
احمد فايق دلول
الحوار المتمدن-العدد: 2288 - 2008 / 5 / 21 - 03:23
المحور:
الادارة و الاقتصاد
شاع مصطلح غسيل الأموال في أمريكا وأوروبا أكثر من شيوعه في البلاد العربية والإسلامية ؛ لما تتمتع به دول أمريكا وأوروبا من خصوصية اقتصادية رأسمالية ، ولأن مثل هذه العملية تحتاج إلى اقتصاد متطور لتحقيق أكبر قدر ممكن من الربح، فقد رافق قيام الجريمة المنظمة وانتشار عصابات الإجرام قيام نشاطات اقتصادية واسعة غير مشروعة من قبل هذه العصابات ، حيث تحصل هذه العصابات على أموال طائلة عن طريق نشاطاتها الإجرامية ، و طالما ان هذه الأموال يتم الحصول عليها بطريقة إجرامية و غير مشروعة ،فإن الدولة التي يقع فيها مثل هذا الأمر تلجأ إلي ملاحقة العصابات الإجرامية لمنعها من الاستمرار في ممارسة أعمالها الإجرامية و تقوم بمصادرة أموالهم و تجميد أرصدتهم في البنوك ، و حافظا علي الأموال المغسولة تقوم العصابات الإجرامية بتوظيفها في مشاريع إنتاجية و مرافق اقتصادية خارج حدود دولتهم بدون علم الدولة التي يستثمرون فيها بمصادر هذه الأموال ، لذلك عملية غسيل الأموال من شأنها إخفاء المصدر غير المشروع الذي تكونت منه الأموال . و عندما كانت عملية غسيل الأموال تتم في الخفاء ، فلا بد من لجوء العصابات إلي مكان سري و آمن ، لذلك لجأت إلي البنوك العالمية التي تتمتع بحرص دائم علي السرية و الكتمان من ناحية الأصول و الأرصدة ،ـوهذا ما شجع عصابات الإجرام علي وضع الأموال في بنوك عالمية علي شكل ودائع ادخارية بفوائد محددة ، و بذلك يدخل المال في عمل يقره القانون و يأذن به ، و من هنا يتحول من مال مغسول إلي مال قانوني نظيف ، و لذلك أطلق الاقتصاديون علي هذه العملية اسم جريمة تبييض أو غسيل الأموال القذرة . 1. مصادر المال الذي يخضع للتبييض : مما لا شك فيه أن كميات الأموال التي تخضع للتبييض في العالم كبيرة جدا ، و هي تأتي من التجارة في المحرمات و الممنوعات فغالبا ما تكون هذه الأموال من العقاقير و المخدرات العالمية ، نظرا لما تدره من عائد سنوي يذهب إلي جيوب و حسابات رؤساء العصابات ، حيث وجدت هذه العصابات إن غسيل الأموال هو الهواء التي تتنفس منه . و مصادر الأموال غير المشروعة ليس من تجارة العقاقير المخدرة فحسب ، بل هي تضم جميع عائدات الجريمة كلها من قتل ، و سفك للدماء ، و اختطاف ، و السطو ، و الاختلاس ،و الابتزاز و سرقة الآثار و المقتنيات الفنية ، و عمليات التزوير الواسعة النطاق للنقود و العملات الصعبة و كذلك الأموال المحصلة من الأعمال غير الأخلاقية ، حيث تشير تقديرات إحصائية و اقتصادية إلى أن نصف مجموع هذه العمليات مصدره تجارة المخدرات غير المشروعة ، أما النصف الآخر فمصادره متعددة ومتنوعة، مثل: أعمال الاحتيال والتزوير، وسرقة السيارات ، وما شابه ذلك ، كما أن تهريب الأسلحة يعتبر مصدرًا مهمًّا للحصول على المال الحرام ، فإذا تم جمع هذه الأعمال الإجرامية ، فإنها تشكل في النهاية فئة كبيرة من النشاطات التي ينشأ عنها المال الحرام. 2. كميات الأموال التي تغسل في العالم : ما تعترف به الدول في هذا الموضوع هو صعوبة تقدير الكمية الحقيقية للأموال الحرام التي تخضع لعمليات التبييض والغسل ؛ لأن هذا من قبيل العمل الإجرامي ، والعمل الإجرامي لا ينجح إلى إذا كان سريًّا مستترًا بعيدًا عن المراقبة ، وبعيدًا عن أعين الناس ، و على الرغم من التنسيق المتزايد بين الأجهزة السرية في العالم التي تختص في مكافحة الجريمة والمجرمين ، فإن هذه الأجهزة لا تملك خريطة كاملة و لا تفاصيل وافية عن حركة الأموال القذرة التي يعتقد أنها تمثل أرقامًا خيالية ، حيث أُعلن في آخر مؤتمر لمكافحة الجريمة المنظمة في العالم الذي عقد في " فيينا " عاصمة النمسا أن "المافيا" الإيطالية تحصل على أرباح تزيد عن ثلاثمائة مليار دولار من بيع المخدرات ، وهناك إحصائيات وتقديرات أولية تشير إلى أن حجم الأموال القذرة التي تخضع لعملية الغسل يقدر (100) مليار دولار داخل الواليات المتحدة الأمريكية ، وثلاثمائة مليار دولار في مختلف أنحاء العالم ، ويقدر خبراء اقتصاديون آخرون أن كمية المال المغسول المتداول الآن في العالم يبلغ حوالي (600) مليار دولار أمريكي . وبتقدير الخبراء الاقتصاديين ، فإن هذه الأرقام تعني أن دخل الجريمة المنظمة يشكِّل أكثر من ثلث الناتج القومي الإجمالي (GDP) لكل دول العالم ، حيث يستخدم جزء من هذا الدخل في التأثير على ضعاف النفوس من العاملين في أجهزة مكافحة الجريمة ، وفي تسهيل القيام بالعمليات الإجرامية من خلال إغلاق العيون وصم الآذان بعد ملء الأفواه بالنقود ، و كذلك تستخدم هذه الأموال في رشاوى كبار السلطة في دول العالم و خاصة في الدول العظمي و الرأسمالية ، كما تستغل هذه الأموال في إظهار كبار المجرمين في بعض الأحيان بمظهر الأبرياء الذين يقدمون العون والهبات لدور العلم والعبادة والعلاج وملاجئ الأيتام وكبار السن، و كذلك تسهل عملية دخول كبار المجرمين إلي البرلمانات و الوصول الي سدة الحكم في كثير من دول العالم . 3. آثار عمليات غسيل الأموال المحرم : عملية تبييض الأموال الناشئة عن الجريمة التي أصبحت تستخدم في تقوية وتدعيم مؤسسات الجريمة المنظمة ، كذلك تستخدم في ضرب الاقتصاد العالمي ، و هناك جملة من الآثار السلبية التي تنشأ عن عمليات غسيل الأموال المحرمة ، و منها : 1. إن عمليات تبييض المال الحرام تؤدي إلى انتشار الجرائم، وتؤدي إلى زيادة عدد المجرمين؛ بسبب التحالفات التي تخلقها هذه العملية بين العصابات الإجرامية في البلاد التي تنتشر فيها عمليات تبييض المال الحرام ، و اهم هذه العصابات هو تحالف كارتل كالي، والمافيا الصقلية، وتحالف المافيا الروسية، وتشكيلات إجرامية باكستانية، ودانماركية ، وتركية، وهولندية. 2. إن عمليات تبييض المال الحرام تتم في العادة خارج حدود البلد الذي أخذت منه؛ خشية انكشاف أمرها ومصادرتها؛ وهو ما يؤدي في النهاية إلى إخراج الأموال الطائلة والمبالغ الكبيرة ، و بالتالي يحدث عجز في ميزانيات الدولة الخارجة منها الأموال ، و فائض في ميزانيات الدول الأخرى . 3. إن عمليات تبييض المال الحرام تؤدي إلى إثراء المجرمين بسبب غير مشروع، وتجعل من هؤلاء أصحاب رؤوس أموال طائلة يسخِّرونها في العمليات الإجرامية، وفي الاستمرار في السلوك المنحرف الخارج على القانون. 4. عمليات تبييض المال القذر تؤدي إلى تمكن عصابات الجريمة المنظمة من التفوق في المنافسة على المؤسسات التي تمارس أعمالاً مشروعة، بحكم تركز الثروة ورأس المال في أيديها، وهذا يؤدي إلى إخراج مؤسسات الأعمال المشروعة والنظيفة من السوق بالإفلاس نتيجة عدم قدرتها على المنافسة. 5. زعزعة الأمن الاجتماعي داخل المجتمع، وانتشار الابتزاز، وعمليات السطو المسلح، وقتل الناس، وأخذ أموالهم؛ وهو ما يجعل المجتمع ساحة إجرام، ويفقد أفراده عنصر الأمان والطمأنينة التي هي غاية كل إنسان في كل الأوطان والبلدان. 6. العمليات تؤدي إلى انتقال القوة الاقتصادية و السياسية في الدولة إلى أيدي العصابات الإجرامية ، و م ثم التحكم بمصير الدولة 4. الإجراءات الدولية لمكافحة تبييض المال الحرام: تكاتفت العديد من دول العالم و اتحدت في مكافحة جرائم غسيل الأموال ، فقد قامت الدول المعنية بهذا الموضوع بالتنسيق فيما بينها لاتخاذ التدابير القانونية والاقتصادية اللازمة لملاحقة غاسلي المال الحرام، وقامت بعقد المؤتمرات والاتفاقيات التي منها : أ - عقد اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية لعام 1988م. ب - عقد الاتفاقية الأوروبية الخاصة بغسل وتفتيش وضبط ومصادرة إيرادات الجريمة لعام 1990م. جـ - عقد المؤتمر الدولي لمنع ومكافحة غسل الأموال، واستخدام عائدات الجريمة في إيطاليا من 18 - 20 حزيران/ يونيو عام 1994م، ونظمه المجلس الاستشاري الدولي والفني بالتعاون مع حكومة إيطاليا وتحت رعاية فرع الأمم المتحدة لمنع الجريمة.
5. مكافحة غسيل االموال اقتصادية ، والتي تمثلت فيما يلي: (أ) تكثيف الجهود الدولية للحد من استخدام النظام المصرفي في عمليات تبييض المال الحرام، وقد تمثل ذلك في إعلان بازل وتوصيات فرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية التي ضمت الدول السبع الصناعية، حيث كان من أهم توصيات فرقة العمل المنبثقة عن قمة الدول السبع الأكثر تقدمًا والأكثر تضررًا من هذه العملية ما يلي: 1. تجريم أفعال غسيل الأموال وتقرير عقوبات رادعة علي مرتكبيها . 2. تقرير المسؤولية الجنائية للمصارف والشركات باعتبارها شخصيات اعتبارية ، بالإضافة إلى إيقاع المسؤولية الجنائية على العاملين فيها، واعتبارهم شركاء في الجريمة في حال وقوع عملية تبييض للمال الحرام في مؤسساتهم ، اعتبارها بنوك غير مرغوب فيها ، وكذلك وضعها في القائمة السوداء . 3. الاحتفاظ بسجلات هوية للعملاء ومعاملاتهم وتبليغ السلطات المختصة عنهم إذا وقع الشك في مصادر أموالهم 4. اتخاذ التدابير اللازمة للتحري عن الأشخاص الذين يمتلكون مؤسسات أو شركات لا تمارس نشاطًا تجاريًّا في البلد الذي يقع فيه المكتب المسجل . 5. التحري عن العمليات الكبيرة ، وعن الأنماط غير المعتادة للمعاملات التي ليس لها هدف اقتصادي واضح أو هدف قانوني ملموس. 6. ويمكن للمصارف أن تحترز من عمليات غسيل المال الحرام إذا عرفت زبائنها الذين يودعون لديها أموالاً أو يتلقون بواسطتها تحويلات مالية، ووجوب تبليغ السلطات المختصة في حال إيداع كميات كبيرة من الأموال النقدية. 7. تشديد الرقابة على الأموال التي تدخل المصارف في كل دولة، ومعرفة مصادر الأموال التي يفتح أصحابها لهم حسابات في هذه المصارف، خاصة إذا كان المبلغ كبيرًا، ويشتبه أنه من كسب غير مشروع.
#احمد_فايق_دلول (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أهداف العولمة الاقتصادية وأدواتها !
-
صفقات السلاح الأمريكي . . . الواقع و الأهداف !
-
كيف نحقق وحدتنا الوطنية ؟
-
قطاع غزة بعد زيارة بوش
-
أحمد أسعد الشقيري
-
أحدث طريقة لرفع الحصار
-
الدولار الأمريكي في هبوط . . . إلي أين ؟
المزيد.....
-
البنك الدولي: إسرائيل دمرت 93% من فروع البنوك في غزة
-
يقترب من الـ 51 .. سعر الدولار اليوم في البنك المركزي والبنو
...
-
كلنا هنلبس دهب براحتنا من تاني “تراجع سعر الذهب اليوم عيار
...
-
إحصاءات أوروبية: روسيا ثاني مورد غاز للاتحاد الأوروبي بعد ال
...
-
“27 لاعب في القائمة” تشكيلة العراق المتوقعة في كاس الخليج..
...
-
وفد إسباني يزور الجزائر لتعزيز العلاقات بعد رفع القيود على ا
...
-
الكشف عن أسباب تأخير إرسال الموازنات: أضرار اقتصادية هائلة!
...
-
شركات نفط الإقليم تعلن عن زيادة بالإنتاج هذا العام
-
بلومبيرغ: -هوندا- و-نيسان- تستعدان لمفاوضات اندماج
-
بريطانيا تفرض عقوبات على 20 ناقلة نفط من أسطول الظل الروسي
المزيد.....
-
الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل
/ دجاسم الفارس
-
الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل
/ د. جاسم الفارس
-
الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل
/ دجاسم الفارس
-
الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق
/ مجدى عبد الهادى
-
الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت
...
/ مجدى عبد الهادى
-
ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري
/ مجدى عبد الهادى
-
تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر
...
/ محمد امين حسن عثمان
-
إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية
...
/ مجدى عبد الهادى
-
التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي
/ مجدى عبد الهادى
المزيد.....
|