حريق ليساسفة بالدار البيضاء:الطبقة العاملة المغربية بين محرقتي حوادث الشغل والاستغلال الطبقي

التوجه النقابي الديمقراطي الكفاحي

الحوار المتمدن-العدد: 2282 - 2008 / 5 / 15 - 11:37
المحور: الحركة العمالية والنقابية
    

مرة أخرى.. إنها الفاجعة. 27 عاملة و29عاملا التهمتهم النيران. المعمل يدعى روزامور لصناعة الأثاث المنزلي ، وهو عبارة عن عمارة تتكون من أربعة طوابق بمنطقة ليساسفة الصناعية بالدار البيضاء. كانت الساعة تشير إلى التاسعة صباحا عندما شب الحريق. المعمل مليىء بكل ما هو قابل للاشتعال (خشب، أثواب، إسفنج ،مواد لاصقة، ومواد كيماوية سائلة شديدة الاشتعال..). عبثا حاول العمال فتح الأبواب الحديدية الموصدة بأقفال إلكترونية. وبلا جدوى حاولوا اختراق قضبان النوافذ. كان إطفاء النار أو الاحتماء منها حلما لا سبيل إليه ولا وسائل تُتيحُه. صرخوا لساعات طلبا للنجدة. ساعات طويلة من الجحيم والرعب واجهوها قبل ان يتفحموا. قرعوا جدران الخزان طويلا قبل أن يرحلوا. رجال الإطفاء وكعادتهم كلما تعلق الأمر بنجدة أحياء شعبية ، جاؤوا بعد فوات الأوان بساعات ، وتنقصهم لوازم مواجهة كارثة بحجم حريق ليساسفة (مخزون مائي ضئيل – خراطيم فاسدة – عدد قليل من رجال المطافئ)... وبعدهم حل كل أصناف المنافقين تسبقهم الكاميرات التي ستأخذ لهم صورا ستذيعها وكالات الأنباء مرفوقة برسائل التعازي.

كانوا أزيد من 200 عامل وعاملة بينهم قاصرون ولم ينج منهم سوى تسعة (9). وكيف ومن أين ينجون والمعمل أو عكاشة كما يسميه العمال +نسبة إلى السجن الشهير بالبيضاء+لا أبواب للسلامة به ولا مخارج للدخان؟ كيف ينجون والمعمل ليس، كما يفترض أن يكون، بناية مضادة للحرائق متوفرة على جدار قاطع للحريق وأجهزة إنذار وقنينات اطفاء.

وبينما كان الموت يتربص بهم، عاش العمال حياتهم بالمعمل في شروط البؤس. شروط شبيهة باستغلال القرون الغابرة: يصلون عند ذ روة الإنتاج إلى 400 عامل وعاملة يتكدسون في طوابق البناية الأربعة. بلا شروط سلامة ولا ضمان اجتماعي ولا ترسيم ولا حرية نقابية. وبأجور هزيلة (ما بين 200 و 600 درهما في أسبوعين – الكانزا).


كوارث بالجملة

إن كارثة روزامور ليست حادثة معزولة وعرضية. فقبلها مات المئات من العمال والعاملات بحوادث الشغل جراء غياب شروط السلامة:

- يوم 28 ابريل 2008 أي يومان فقط بعد محرقة ليساسفة اندلع حريق مهول فجرا، في محل لصنع الأفرشة والوسائد والأرائك بحي الولاء الشطر الأول بحي التشارك ، أدى إلى مقتل ثلاثة شبان كانوا ينامون بداخله بعلية "السدا" وهم "ياسين شوقي" البالغ من العمر 20 سنة وكان يعمل بالمحل منذ 18 شهرا ، "محمد" الذي يبلغ من العمر 27 سنة ،أما الضحية الثالثة "كمال" فلا يتجاوز السادسة عشر من عمره

يوم 16 يناير2008 ، تسبب انهيار عمارة في طور البناء باولاد وجيه بالقنيطرة في وفاة 18 عاملا وإصابة 25 آخرين بجراح ،إد سرعان ما اتضح أن سبب الكارثة هو السعي نحو الربح السريع.

يوم 28 سبتمبر 2006، شب حريق بشركة كروسينغ لصناعة الألبسة الجاهزة للتصدير، بالحي الصناعي مولاي رشيد بالدار البيضاء و أدى إلى موت عاملة حامل وإصابة 65 آخرين بجراح متفاوتة الخطورة. وكانت الكارثة مقبلة على التعاظم لو انفجر جهاز التسخين، حيث ستشمل البناية بأكملها وهي تأوي، علاوة على شركة كروسينغ، أربع شركات أخرى تشغل بمجملها 1000 عامل وعاملة.

يوم 15 اكتوبر 2006، اندلع حريق بمعمل خياطة بشارع الشفشاوني بعين السبع-الدار البيضاء، حيث مات عامل من عمال الاطفاء اثناء مقاومة الحريق، التي استمرت 4 ساعات بفعل هندسة المعمل غير الملائمة.

ليست الحرائق وحدها هي قدر العمال وهم يكدحون ليكدس الاخرون الارباح والخيرات:

يوم17 أكتوبر 2006 ، توفي عاملان بالمكتب الوطني للهدروكاربورات والمعادن بعد سقوطهما من علو 70 مترا لما كانا على متن آلة النزول إلى قاع المنجم (منجم ذهب باقليم تزنيت تابع لشركة أونا). وتعود أسباب الحادث إلى حالة آلة النزول المتردية بحيث فتح بابها بشكل مفاجئ مما أدى إلى سقوط العاملين في قعر البئر.

يوم 4 أكتوبر 2006، توفي عامل بمنجم إغرم أوسار بجبل عوام يوم الأربعاء. وكان العامل الضحية مشغلا كمؤقت ( مؤقت يعمل في باطن الارض!) لدى مقاولة تيغانيمين العاملة من باطن لصالح شركة تويسيت في مناجم جبل عوام بإقليم خنيفرة.

في 9 يونيو 2006 بتارودانت أصيب ثلاثة عمال كانوا يزاولون أشغال ترميم قاعة الاجتماعات لعمالة إقليم تارودانت، بجروح متفاوتة من جراء سقوط جزء من السقف عليهم، صباح يوم الجمعة 9 يونيو 2006، حيث نقلوا إلى إحدى المصحات الخاصة بأكادير،و حيث تحسنت الحالة الصحية لاثنين بينما توفي الثالث.

يوم 26 فبراير 2006، توفي العامل الحسين بلباز (39 سنة من أولاد تايمة) في الثامنة والنصف في بنسركاو قرب أكادير، حيث لفظ أنفاسه الأخيرة تحت عربة حمل الأسلاك الكهربائية الخاصة بشركة الإنجاز الالكتروني والالكتروميكانيك التي عهد لها بتجهيز تجزئة فرح 2 (الشطر الثاني) بالكهرباء تهشم رأس العامل عندما هوى عليه حديد العربة، إذ لم يكن يحمل الخوذة الواقية.

يوم 26 يونيو 2006، لقي عامل حتفه، وأصيب آخر بجروح بليغة فى الرأس، نقل على إثرها إلى مستشفى الحسن الثاني بأكادير، من جراء انهيار حائط كبير لمعمل قديم لتلفيف الحوامض «السوسية» بشارع المقاومة، ، على الساعة الثانية والنصف، أثناء قيامهما بأعمال هدم المعمل.
في غشت 2005، توفى العامل بورصاص محمد (30 سنة متزوج أب لثلاث أطفال) بعد خمسة أشهر في حالة شلل ناتج عن إصابته بأحد المقالع التابعة لشركة "سوديمين" في "بودليت" على تراب تجموت نتيجة سقوط حجر عليه.

يوم 9 غشت 2006 بالدار البيضاء أدى سقوط لوح على عامل وكمية من الآجور على عامل آخر بورش بناء قرب المركب الرياضي+ العربي بن مبارك+ بفعل انقطاع الحبل الحديدي الذي مس أسلاك الكهرباء فقطع التيار بالقطاع، إلى كسور وجروح العاملين بالظهر والأيدي والأرجل والكتف.

يوم 31 غشت 2006 مات عامل بناء آخر صعقه التيار الكهربائي حوالي الساعة الخامسة صباحا بعمارة في طور البناء بزاوية زنقة دوي بشارع سجلماسي مقاطعة الصخور السوداء عمالة الحي المحمدي عين السبع بالدار البيضاء.

- في أكتوبر 2006، مات عاملان زراعيان وجرح 20 آخرون بناحية الكارة بسبب الشروط التي يتم فيها نقل العمال الزراعيين.

ليست هذه سوى حالات، لكنها تكشف عمق الأخطار التي تهدد العمال والعاملات جراء غياب شروط السلامة والاستهتار بارواحهم طلبا لتكديس الأرباح. أما حجم الكارثة فمفزع؛ فتقديرات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي المعتمدة على أرقام شركات التأمين تشير الى وجود 65 ألف حادثة شغل مصرح بها سنويا. وحسب مديرية التأمين والاحتياط الاجتماعي شهد العام 2000 زهاء 60 ألف حادثة شغل مصرح بها، كان قرابة نصفها حوادث خطيرة.

إن كوارث حوادث الشغل هي جزء ونتيجة للحرب الطبقية التي تطحن طبقة الأجراء والتي عرفت تسارعا على جميع الأصعدة (الأجور، الحماية الاجتماعية، الحريات النقابية، وشروط السلامة والعمل). إن حوادث الشغل إلى جانب الأمراض المهنية التي تفتك بأرواح الشغيلة هما الجزء الأكثر إيلاما من هذه الحرب، حرب تخوضها الباطرونا بغية الوصول إلى أقصى معدلات الربح من خلال خفض جميع أنواع التكاليف على حساب قوت وسلامة وظروف عمل الشغيلة مستفيدة من ارتفاع معدلات البطالة للضغط على العمال لقبول شروط إذلال وعبودية جديرة بالقرن التاسع عشر.

وقانون حوادث وأمرض الشغل هو الآخر يزيد من شره الباطرونا؛ فهذا القانون يهدف أساسا إلى التعويض، أي التدخل بعد وقوع الكارثة، ولا يتناول أسباب الخطر المهني ولا يتخذ إجراءات زجرية حقيقية ضد أرباب العمل المجرمين، وحتى القائم الطفيف منها لا يطبق.


لكي لا يتكرر ما حدث: لنقو نقاباتنا

إن الباطرونا المستقوية بحكومتها تستفيد كذلك من وضع الضعف الذي تعرفه المنظمات النقابية جميعها واستنكافها عن تنظيم المقاومة العمالية.. وقد أبانت كارثة ليساسفة حجم الجهد الذي كان يفترض أن تقوم به منظماتنا النقابية. لقد كان حجم الكارثة يتطلب الدعوة إلى إضراب عام على مستوى الدار البيضاء مقرون بحملة تعبوية ضد مخاطر الشغل. حملة يكون أحد أهدافها المباشرة والرئيسة بالإضافة إلى التضامن مع ضحايا المحرقة،العمل على عقد جموعات عامة بالمؤسسات الإنتاجية في الحي الصناعي بليساسفة تفضي إلى تشكيل أنوية ومكاتب نقابية وصياغة ملفات مطلبية وتحديد خطة نضالية.

كما ينبغي أن تكون الكارثة مناسبة للتقدم في تجاوز أحد أوجه النقص الذي تعرفه منظماتنا النقابية، نقصد الاهتمام بأمراض الشغل وحوادثه ، فالنقابات لا تقوم بما يقتضيه الموقف من رصد لشروط العمل الكارثية وتشهير بالجرائم المقترفة بحق العمال، وفتح أعين الشغيلة إزاء نقائص القوانين المنظمة، وجهد تحسيسي بالمخاطر، وصياغة مطالب واضحة قادرة على توحيد مختلف فئات الأجراء.

يذرف أعداء العمال بكل أصنافهم دموع التماسيح على ضحايانا في ليساسفة في الوقت الذي أطلقوا ويطلقون فيه يد الباطرونا لحشر شرائح متعاظمة من الطبقة العاملة وعموم الشعب في شروط العبودية والبؤس المؤدية لمزيد من الكوارث والمآسي والآلام. فلنجعل نحن المناضلين النقابيين الديمقراطيين في كل النقابات وباختلاف مشاربنا الفكرية والسياسية، من هذه الكارثة رافعة لتنظيم العمال نقابيا ورفع وعيهم لاسيما بمنطقة ليساسفة، ولنجعل من الاهتمام بورش مخاطر الشغل، حوادثه وأمراضه، بوابة لفضح جرائم الباطرونا ورافعة لوعي الطبقة العاملة. ولتكن أربعينية ضحايا ليساسفة والاضرابات العامة القادمة يومي 13 ماي بالوظيفة العمومية و 21 ماي بكل القطاعات إحدى الخطوات على هذا الدرب.

#التوجه_النقابي_الديمقراطي_الكفاحي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات