|
تفجيرات الجامعة المستنصرية ومحاولة اغتيال طارق عزيز - ذكريات شحصية
عبد الجبار منديل
الحوار المتمدن-العدد: 2280 - 2008 / 5 / 13 - 11:20
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بغداد مطلع نيسان 1980 الجامعة المستنصرية - كلية الإدارة والإقتصاد . كان كل شيئ هادئا في رحاب الجامعة بهندستها البديعة وحدائقها الغناء، حيث بدأ الربيع في اوج جماله وعطائه، لذلك انتشر الطلاب والطالبات بين الشجيرات والأزاهير يتسكعون في فترات الإستراحة وكذلك بين الممرات سواء داخل الباحة الرئيسية للجامعة بإتجاه الحوانيت المتعددة او نحو المدخل الشرقي للجامعة حيث نادي ومطعم الجامعة الواسع والذي يستوعب اعدادا كبيرة من الطلبة . كان الطراز المعماري الفريد للجامعة والذي استلهم فيه المهندس العراقي التراث العربي الإسلامي والنمط الهندسي للمدرسة المستنصرية التي بنيت في العصر العباسي وما يزال بنائها قائما على الضفة الشرقية لنهر دجلة عند مجمع اسواق بغداد القديمة. لقد كان البناء المعماري الرائع للجامعة مثار الدهشة والإعجاب الكبير للوفود الأجنبية التي تزورها، مما يجعلها تعبر عن اعجابها وتقديرها لمواهب وعبقرية المهندس العراقي، الذي ابدع هذا الصرح الجميل . وكانت البناية قد تم تشييدها خلال النهضة المعمارية الكبيرة التي شهدها العراق خلال العقد الستينات . كنت وزملائي الأساتذة في تلك الساعة من ساعات الظهيرة الربيعية الدافئة نعد العدة لعقد اجتماع اللجنة العلمية . وكانت مشكلة المناهج معضلة دائمية يواجهها اساتذة الجامعات العراقية نتيجة للقرارات الإرتجالية التي تتخذها وزارة التعليم العالي، وكان قد تعاقب على هذه الوزارة طيلة سنوات السبعينات والثمانينات اي منذ ان استلم حزب البعث الحكم، مجموعة من الوزراءالذين لا علاقة لهم لا بالعلم ولا بالتعليم، وكان بعضهم لم يدخل جامعة طيلة حياته وليس فقط للدراسة وانما حتى للزيارة . كنا نسعى الى انقاذ ما يمكن انقاذه من التقاليد الأكاديمية العراقية العريقة والتي كانت سائدة طيلة سنوات الأربعينات والخمسينات والستينات . ولكن أولئك الوزراء الأميين كانوا يصرون على التدخل في كل صغيرة وكبيرة من شؤون الجامعة ليستروا جهلهم الفاضح بكل مفردات التعليم الجامعي . عقدنا الإجتماع وقد كان علينا ان نعدل المناهج دون المساس بالتوجيهات المركزية للوزارة، وتلك كانت مشكلة حقيقة . فكيف يتم تعديل المناهج والأطر التي وضعت لها خاطئة ؟ وكيف يتم التعديل ما دام من المحرم المساس بتلك الأطر ؟ وهكذا كنا بين نارين نار الرغبة في التطوير ونار الممنوعات الكبيرة التي تمنع التعديل والتطوير . وكما يقول الشاعر : القاه في اليم مكتوفاً وقال له أياك أياك ان تبتل بالماء وخلال الجدل المتصاعد بين الأساتذة والنبرة العالية للمناقشات سمعنا فجأة ضجة غير طبيعة قادمة من الممرات ومن السلالم القريبة كما لو كانت آلاف الأقدام تضرب على الأرض . وخرجنا نستطلح الخبر. وأتى الخبر سريعاً، قالوا ان تفجيرات قد حدثت امام البوابة الرئيسية للجامعة، والغريب اننا لم نسمع وربما بسبب حرارة الجدال الدائر . وقالوا ايضاً انه تم اخراج الطلبة من القاعات على وجه السرعة لئلا تكون قاعات المحاضرات ملغومة . كان هناك هلعا حقيقيا . كانت الطالبات يصرخن ويبكين كما لو قد جرى فعلا تفجير قاعات المحضرات . نزلنا جميعا مع الطلبة الى ساحات وحدائق الجامعة. كانت الأخبار تأتي سراعاً . قالوا ان طارق عزيز كان في زيارة للجامعة وان احد الطلبة القى على موكبه قنبلة يدوية اثناء دخوله الجامعة، وان طارق عزيز اصيب بجروح طفيفة . كان ذلك امراً جديداً على الجامعات العراقية انذاك وكذلك على الطلبة وليس كما هو الحال في الوقت الحاضر . فلم يسبق طيلة الفترات السابقة ان تم تفجير قنبلة في الحرم الجامعي لذلك فقد حدث اضطراب شديد وهلع غير طبيعي . وكان الرعب قد وصل لدى بعض الطالبات الى اقصاه واصبح الكثير منهن في حالة هستيرية شديدة . بعد فترة وصلت مجموعات عسكرية بكامل السلاح والمعدات والخوذ الفولاذية وهي تهرول بكراديس منتظمة كما لو كانت في ساحات القتال مما زاد الطالبات رعبا وقد ظهر ذلك من خلال الصراخ والعويل . كان هنالك ارتباك عام وظهر ذلك لأن تلك المجاميع العسكرية لا تعرف ما يجب عليها عمله . دخلوا القاعات مهرولين وخرجوا منها مهرولين واستمروا يهرولون في ممرات الجامعة . اتت المعلومات تم التاكد من عدم وجود متفجرات في القاعات لذلك فان على الأساتذة التوجه اليها ومباشرة محاضراتهم بشكل اعتيادي . كما انتشر الطلبة البعثيون بين الطلبة لحثهم على الدخول الى قاعات المحاضرات . توجهت الى القاعة التي فيها محاضرتي في تلك الساعة ولكن كان من الصعب تهدئة الطلبة فقد كانوا منفعلين ومستثارين ولاسيما وان اغلب طلبتنا كانوا من الإناث اللواتي كن في وضع يرثى له . بعد فترة قصيرة وصلت المعلومات بان على الجميع المغادرة الى بيوتهم. وقد كان من الواضح ان هناك ارتباك وحيرة لدى ادارة الجامعة في اصدار القرارات . في مساء نفس اليوم اعلن التلفزيون الذي هو عبارة عن قناة حكومية واحدة ... ان من قام بالعملية هو طالب من التبعية الإيرانية هو ( مير علي ) او ( غلام علي ) لا اتذكر جيدا . كما اعلن في نفس النشرة الإخبارية عن مهرجان حضره صدام في مدينة الصويرة . وكان واضحا ان صدام كان يريد ان يبعد نفسه عن الحادث بالحضور في المدينة التي ترعرع فيها الزعيم عبد الكريم قاسم . في اليوم التالي جرى تشييع الضحايا وهم طالبة اسمها ( فريال ) وطالب اخر . وتم الطلب من الأساتذة والطلبة المشاركة بالتشييع ولكني لم اشارك لشعوري بطبيعة اللعبة وذهبت الى بيتي . في المساء اعلن التلفزيون ان موكب التشييع قد تم ضربه بقنابل يدوية في طريقه الى باب المعظم امام مدارس ايرانية قديمة وفارغة ومتروكة منذ زمن طويل . وذهب ايضا عدد من الضحايا . وكأن من الواضح ان سيناريو معد سلفاً من قبل المخابرات العراقية وعلى اعلى مستوى وبإشراف شخصي من صدام. والغريب ان اجهزة الإعلام الحكومية لم تشر بعد ذلك لا من قريب او من بعيد الى الفاعل وماذا تم بشأنه . في اليوم الثالث حضر صدام شخصيا الى الجامعة ووقف خطيبا في الساحة القريبة من البوابة الشرقية للجامعة وكان يحيط به مجموعة من افراد المخابرات والطلبة البعثيين . وهدد – وسط التصفيق والهتافات – بأنه سوف يثأر لكل قطرة دم اريقت على ثرى الجامعة . ثم غادر على عجل . تأكدت في حينه بان الموضوع كله ليس اكثر من مسرحية اخرجها واشرف عليها صدام – وربما كان المقصود فعلاً هو قتل طارق عزيز والقاء اللوم على ايران كذريعة للإعلان الحرب على ايران . فضلاً عن انه – ومنذ اصبح رئيساً للجمهورية – قام بتصفية كل رفاقه المقربين من البعثيين القدماء الواحد بعد الأخر واحياناً بالجملة مثل عبد الخالق السامرائي وعبد الكريم الشيخلي وعدنان الحمداني وغانم عبد الجليل ومرتضى الحديثي وغيرهم كثيرون بحجج وذرائع مختلفة واحياناً مضحكة كأن لا ينهضوا وقوفا عند حضوره، او ان شربوا الشاي عندما يوضع امامهم قبل ان يبدأ هو، او ان يدخنوا السيجار امامه وعلى طريقته المتحدية . وهذا ما كان يفعله طارق عزيز هو الأخر حيث كان يحاكي طريقة صدام بمسك السيجار والتي تعطي شكل من اشكال العظمة الفارغة وربما كان هذا من ضمن الأسباب التي اثارت غيض صدام المصاب بجنون العظمة . أعقب ذلك عمليات تهجير واسعة لمواطنين قيل انهم من التبعية الإيرانية كما تصاعدت حدة الخطاب الإعلامي المضاد لطهران الى ان نشبت الحرب في ايلول 1980 .
#عبد_الجبار_منديل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مدينة الصدر ..مدينة البؤس والغضب
-
محاولة اغتيال عبد الكريم قاسم - ذكريات شخصية
-
تأسيس وتوحيد الدول وتفتيتها - العراق نموذجا
-
المحاكمات السياسية في العراق - محكمة المهداوي نموذجا
-
البحث عن المدينة الفاضلة
-
البحث عن البطل المنقذ
-
دور الشائعات في حياة المجتمع العراقي
-
العولمة بين انصارها وخصومها
-
الفساد في العراق... الوباء القديم الجديد
-
الجامعه المفتوحه
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|