آمنة الذهبي
الحوار المتمدن-العدد: 2280 - 2008 / 5 / 13 - 11:21
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
مع انهيار الاتحاد السوفيتي وإسدال الستار على عهد الحرب الباردة مطلع العقد الأخير من القرن الماضي أصبحت ظاهرة القطبية الواحدة أمرا مسلما به بالمعنى الدقيق للمصطلح إذا تجمعت في الولايات المتحدة كل مراكز الثقل الدولي باعتبارها القطب الأوحد المؤهل لقيادة العالم مع توفر مراكز ثقل صنع القرار الدولي لها كالقوة العسكرية والاقتصادية , مع تلك المتغيرات اصطلح الرئيس الاميركي جورج بوش الأب على الفترة ((النظام الدولي الجديد )) ليعلن ميلاد حقبة جديدة وهو ما يرى فيه الدكتور حسين شريف في الجزء الرابع من موسوعة ينابيع المعرفة في السياسة الدولية المعاصرة سيرا على غرار حقبة عصبة الأمم بعد الحرب العالمية الأولى والأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية وهو ما يحقق لبوش صورة أسطورية ويحقق لأميركا انفرادية بالنظام الدولي , وهو ما تحقق له بعد التصرف الحاسم في حرب الخليج الثانية وهي الخطوة العملية الأولى للدخول الاميركي الفعلي بقوة الى منطقة الخليج العربي والتي قادت تفاعلات الأوضاع السياسية بعدها الى حرب ثالثة كان طرفاها المباشرين العراق والولايات المتحدة إلا أن نتائجها الاقتصادية جرت على المنطقة بأسرها .
وبالنظر الى تداعيات الأعوام الأربعة التي تلت تأريخ التاسع من نيسان 2003 والذي أجهزت فيه أميركا فعليا على نظام الحكم القائم في العراق وأصبحت المسيطر الرئيس على ساحة العمليات والمحتل لأرض العراق حسب تعريفات الأمم المتحدة فان الولايات المتحدة الاميركية التي تربعت على عرش القرار الدولي بلا منازع أو رادع وجدت نفسها أمام تحدي اكبر يجمع المفكرون ورجالات السياسة على انه لم يكن في حسبان المخطط في السياسة الاميركية فبدلا من الانفتاح السياسي والاقتصادي والنمو والتقدم الذي وعدت بإحلاله في العراق والمنطقة وكانت قد روجت له عبر آلتها الإعلامية وجيشت له وسائل مادية ومعنوية واستخباراتية ضخمة . بدلا من ذلك كان على الأرض العكس تماما , وهو التحول الملموس في الانتقال بالعراق من النظام المنضبط بقوة السلاح الى الفوضى العارمة أو الغوغاء التي لم تتمكن القوات الاميركية ضبط زمامها حتى ألان والتي رافقتها عملية تدمير للبنى التحتية للبلاد والإنسان ورغم الوعود والإعلانات عن إعادة الأعمار إلا أن أي من ذلك لم يصبح بحكم الملموس حتى ألان إلا على نطاق ضيق , أما ما كان واضحا للعيان من قريب وبعيد فهو مظاهر القتل والدمار والاقتتال الطائفي والعرقي إضافة الى الوضع الاقتصادي المتدهور المترافق مع ارتفاع في معدلات التضخم الاقتصادي الى مستويات لم يعهدها العراق في قمة ألازمات التي مر بها قبل أحداث 2003 والمتزامنة مع تفشي البطالة التي وصلت الى 77% وفساد إداري على أعلى المستويات لم تجد معه كل القوانين والمتابعات القضائية نفعا وهو ما أحال العراق الى المركز الأول في سلم الفساد الإداري في العالم , كل ذلك كان له الأثر الكبير في تدني شعبية الولايات المتحدة في المنطقة على افتراض حيازتها على رصيد شعبي أصلا وضعفها في السيطرة على الموقف المتصاعد في الخليج العربي على اثر الخطوات الإيرانية الواثقة في طريق الوصول الى امتلاك القنبلة النووية تلك الفكرة التي تشكل أول مشاهد فلم الرعب القادم في الخليج العربي الذي لم تنفض الأقطار المطلة علية أثار الحرب الثالثة الدائرة فيه والتي تسعى على ما يبدو لإيقاف السيناريو عند هذا الحد وتسابق عقارب الساعة للتوصل الى حل يجنبها تكرار السيناريو العراقي والذي بدأ بالطريقة ذاتها أي أسلحة الدمار الشامل .
أما الخيارات المطروحة إزاء تلك الطموحات والتي يتوجب على الولايات المتحدة اختيار احدها فهي إيران نووية تعيد الى الذاكرة فرض النفوذ الإيراني على مياه الخليج صمام الاقتصاد العالمي قديما وحديثا وهو ما يعني منافسا جادا وقوي للوجود الاميركي أو بعبارة أخرى بدء عملية سحب البساط من تحت ألأقدام الاميركية في الخليج العربي وهو ما لا تضعه الولايات المتحدة في قائمة خيارتها في التعاطي مع الموقف وتقدم عليه خيار التدخل العسكري اذما فشلت الجهود الدولية في إقناع إيران بالعدول عن مشروع القنبلة , وهو الخيار الذي لا تبدي إيران أي ملامح في التعامل به محاولة كسب المزيد من الوقت في طاولة المفاوضات التي تبدأ عبر وسطاء وتنتهي من دون نتائج ايجابية لتعود للقبول بغيرها من جديد تنتهي بالنهاية نفسها فيما تتجاذب مع الولايات المتحدة إطراف الحرب الإعلامية بلغة التهديد والوعيد والذي تستغل فيه الولايات المتحدة الصورة الماثلة في العراق كدرس يجب على النظام القائم في إيران الإفادة منه فيما ترد إيران بوعود بالتصدي والمقاومة بخطاب يطغى عليه نفس التحدي القلق .
وفي الجانب الأخر من المواجهة تحاول طهران عرقلة التحركات الاميركية تجاهها بأسلوب الجبهات المتعددة تارة عبر ما يعلن عن دعم لمسلحين في العراق عن طريق مدهم بأسلحة متطورة لمقاومة الآلة العسكرية الاميركية وتارة أخرى في دعم حزب الله لضرب إسرائيل والذي تعده أميركا من المنظمات الإرهابية أو دعم منظمة حماس في فلسطين والأخرى هي أيضا ضمن القائمة الاميركية للإرهاب , مقابل ذلك فان قمة ما تكسبة إيران من ذلك هو تأجيل التقدم الاميركي صوبها بعض الوقت وزيادة التوتر في أعصاب أنظمة المنطقة التي تسعى عبر طرق إقناع مختلفة للحيلولة دون وقوع الحرب التي لن تتنازل عنها أميركا بسهولة أبدا .
إلا أن احتلال إيران أيضا ليس بالأمر اليسير أبدا إذ أن المساحة الجغرافية الشاسعة تجعل المهمة في غاية الصعوبة كما أن البرنامج النووي الإيراني لا ينحسر في رقعة جغرافية واحدة كما تشير التقارير بين الفينة والاخرى حيث وزع الإيرانيون منشأتهم النووية على عموم الرقعة الجغرافية للبلاد بعد أن تعلموا من درس مفاعل تموز العراقي الذي دمره الطيران الإسرائيلي في غارة جوية عام 1982 وهو ما يسقط قدرة أميركا على القضاء عليه مرة واحدة إضافة الى غياب العديد من العناصر التي توفرت لها في احتلال العراق كالطبيعة الجغرافية السهلية بالإضافة الى تأييد العديد من دول الجوار لإسقاط حكمه المتهاوي أصلا بسبب حربي الخليج السابقتين وثلاثة عشر عاما من العقوبات الاقتصادية إلا أن البرنامج النووي الإيراني يشكل خطرا على المنطقة وهو ما ستستغله الولايات المتحدة للتأثير في حكام المنطقة لكسب تأييدهم لذلك فمن المرجح جدا أن تكون الحرب ضربات جوية مركزة لأهداف منتخبة تندرج ضمن باب الضربات الوقائية خاصة بعد استصدار قرار الكونغرس الذي عد فيلق القدس الإيراني ضمن المنظمات الإرهابية وهو ما يمنحها الشرعية القانونية للضربة العسكرية .
أما النتيجة الحتمية التي ستصل لها الولايات المتحدة بعد ذلك فهي أعلى قمة العالم التي لن ينافسها عليها أحدا في الوقت القريب ليصبح القرن الحادي والعشرين هو القرن الاميركي بلا منازع ...
#آمنة_الذهبي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟