|
ماركس .... مابين النقض ووعي الضرورة ... ( الحلقة الثانية )
هيبت بافي حلبجة
الحوار المتمدن-العدد: 2279 - 2008 / 5 / 12 - 11:33
المحور:
ملف الاول من آيار 2008 - أفاق الماركسية واليسار ودور الطبقة العاملة في عهد العولمة
في الحلقة الماضية تم التركيز المقتضب على الإشكاليات الحرجة في الفلسفة الماركسية ، تلك الإشكاليات التي وإن تضمنت شيئاً من النقض ، أنصبت بالنهاية في جدلية الفكر الماركسي ، لأنها أنطلقت بالأساس من الأدراك العميق لجوهر وروح تصورها ، كما أنها تتوازت معه ليس على صعيد الذاتي المنغلق ، بل على صعيد المحايثة الموضوعية لجدلية القوانين في الطبيعة وفي مبادئ المادة المدركة الواعية نفسها . فأي استبعاد لتلك الإشكاليات هو أستخفاف بالعقل الماركسي الطبيعي وحتى إزدراء للمنطق ولديالكتيك الفكر. وإذا عرت تلك الإشكاليات أوجه المآزق في الفلسفة الماركسية ، فهي ، من جهة ، أقل إحراجاً في حديتها وتنوعها من تلك التي تنبعث من كل ، وأقول من كل التصورات الأخرى دون أستثناء ، سواء كانت على شكل فرضية ، أم على صورة نظرية ، أم على شاكلة معتقد ، أم على هيئة دين وديانة ، أم على طراز طرح فلسفي أو فيزيائي رياضي . وهي ، من جهة أخرى ، تجابه خصائص ومزايا الفكر الماركسي ، تلك الخصائص والمزايا التي تزداد ثقالة و صقالة مع نسق النطور والزمن الموضوعي والتي لاتتكور ولا تتمظهر إلا بعد الضنى والضنك والتأمل . وقبل أن نسرد هذه المزايا لامناص من وضع بعض الأمور في نصابها الفعلي ، لاسيما بعد أدراكنا العميق للممارسات اللاماركسية ~ للأسف ~ التي قام ويقوم بها الحزب الشيوعي السوري ( بكل أجنحته ) ، والتي أوصلت البلاد إلى هذا الواقع المزري . ولاسيما أيضاً بعد هذه الأرتباكات النظرية بخصوص المسألة الماركسية في مشروع التقرير السياسي المقدم للمؤتمر الخامس للحزب الشيوعي السوداني . الأمر الأول . ينبغي أن نتحاشى أستعمال العبارات التالية ( الأسترشاد بالماركسية لدراسة الواقع ، الأهتداء بالنظرية الماركسية ، هنالك توجه ماركسي ، هنالك اسقاطات ماركسية ... الخ ) لأن الماركسية هي وحدة مختبر كيميائي في وحدة الموضوع في وحدة التفاعل في وحدة العلاقة في وحدة النتيجة ، ومن الأستحالة أقتطاع أبعاده ، أو الفصل مابينها ، أو الأرتكان إلى ظاهرياته الجزئية . وسنرى عند دراستنا لمزايا الماركسية كيف إنها تمثل الجزء الأول من القانون البيوفيزيائي العام ( قانون الكل أو اللاشيء ) ، أي هي كالنهر يسيل ، شئنا أم أبينا ، شاءت الأقدار أم أبت . فالمختبر قائم والطبيعة لاتلتزم إلا بقوانينها والوجود لايدرك إلامبادئه . الأمر الثاني . نجافي المنطق والحقيقة إذا قلنا ~ مقتبس من مشروع التقرير السياسي المشار إليه سابقاً ~ ( والمنهج الماركسي لدراسة الواقع ، وصولاً للقوانين العامة التي تتحكم في مسار هذا الواقع ، قادر على تجديد نفسه على الدوام ، أنه منهج قابل للتعديل حذفاً وإضافة وفق ما تمليه ضرورة تجدد الواقع ) . هذه كارثة في العلم الماركسي ، ويحتاج الأمر إلى أكثر من مقال لأستظهار بطلانه وعطالته ، لكن دعوني أركز على تاحيتين . الأولى أن المنهج الماركسي لابجدد نفسه على الأطلاق ، أنه واحد ذو وحدة لأنه قانون الطبيعة ، ومثله مثل كل القوانين في الطبيعة ، يحافظ على وحدته رغم تغير وتبدل محتوى أطرافه ، فعقد الزواج هو واحد لكن محتواه يتبدل من أحمد إلى عمر ، من فاطمة إلى زينب . وكذلك المعادلة الرياضية ما بين المسافة والسرعة والزمن هي واحدة لكن قياسات أطرافها تتبدل حسب المختبر العيني . الثانية . ما هي هذه ( ضرورة تجدد الواقع) وهل أدرك الحزب الشيوعي السوداني ما المعنى الماركسي من هذه العبارة ؟ إذا ما أستثنينا ضرورة ( وعي الضرورة ) التي لابد منها حين الأنتقال ، ضمن التشكيلة التاريخية الخامسة ، من المرحلة الأنتقالية ( الأولى ) إلى المرحلة الثانية ( المرحلة النهائية الشيوعية ) ، حيث يتم من منطق ومنطلق تلك الضرورة الأضمحلال النهائي لمفهوم الدولة ، السلطة ، القانون ، والأنتفاء التام لمحتوى الصراع الطبقي ، الملكية الفردية الخاصة ، الأستغلال ، الأستعباد ، لاتوجد ضرورة إلا مسألة حتمية الصراع الطبقي ما بين الطبقة الظالمة المضطهدة ( بكسر الدال ) والطبقة المظلومة المضطهدة ( بفتح الدال ) . أما ما تبقى من المسائل ، كالوضع الخاص للدولة ، كمسألة الفلاحين في الصين ، كمسألة تطور الطبقة العاملة في بلدان الشرق الأوسط ، فهي مفارقات في محتوى النظرية العلمية الماركسية . والمعيار الذي يحدد الجوهرهنا هو السمة السائدة التي بطبعها تاريخية والتي على ضوئها يكون التمايز ما بين المجتمع السوداني والأميركي ، والمجتمع المكسيكي والهندي ، والمجتمع البرازيلي والكندي هو تفارق في الدرجة وليس في المرحلة . الأمر الثالث . إن من أهم المعضلات التي تعاني منها الأحزاب الشيوعية الشرق الأوسطية وقوعها في مصيدة السياسة ولاسيما جنوحها إلى إستلام السلطة ، وأصرارها على إقامة العلاقات . في حين أنبغى إدراك التصور الماركسي الذي يؤكد أن علاقات الأنتاج تفرز ، من جملة ما تفرز ، الوعي الموازي ، والتركيز على أبعاد هذه المسألة بصورة تخمرية . لأن الطبقة المظلومة لاتعي تاريخانية ذاتها على طول الخط ، ولأن التفاعل التطوري لايمكن إلا أن يكون في خدمة الطبقة العاملة . و بالتضاد عندما هرعت الأحزاب الشيوعية في المنطقة إلى ( المواقف السياسية ) أضطرت إلى التعامل معها مثل تيارات البرجوازية الصغيرة ، وعندما هرولت إلى إقامة ( العلاقات ) تغافلت عن منطوقها الماركسي ، الذي يضفي على مفهوم ( العلاقات ) نوعاً من ذهنية البنى الفوقية ( الرمال المتحركة الخادعة ) التي تقتضي بالضرورة ، إلى جانب دور علاقات الأنتاج ، وعيها الموازي . و عن غياب هذا الأخير نجمت معضلات لتلك الأحزاب التي بدلاً من أن تلتزم بالفكرة ألتزمت بالمواقف والعلاقات ورضخت لتبعاتها ، وعوضاً عن أن تحث وتحض على تطور التاريخ نفقته ، وتناست إن الجهة الوحيدة التي تخشى تطور التاريخ ماركسياً هي الطبقة البرجوازية وليست الطبقة العاملة ! إلى هذا وذاك ، ما هي المزايا الجوهرية للفكر الماركسي ؟ وهل صحيح أن الماركسية أستقت مرتكزاتها من المصادر النظرية التالية : الأقتصاد الأنجليزي الكلاسيكي ( دافيد ريكاردو ، آدم سميث ) ، الفلسفة الألمانية الكلاسيكية ( جدلية هيجل المثالية ، أنتروبولوجية فيورباخ المادية ) ، الأشتراكية الطوباوية النقدية ( سان سيمون ، شارل فورييه ) ؟ أعتقد ان المسألة أبعد من هذا التصور ، لاسيما إذا أدركنا أن ماركس وهيجل من أكثر الفلاسفة وعياً للاهوت المسيحي ولمنطوق دورة الكمال التاريخي للخطيئة ، ولاسيما إذا أدركنا إن للماركسية مزايا شديدة الخصوصية . الميزة الأولى . الماركسية التي هي ليست تجربة ، كما أنها ليست أنعكاساً للواقع ، فهذه مسألة منغلقة وسطحية وتصح بصورة جزئية ، هي الكلي النسبي الجامع المانع في وحدة المختبر الواحد ، أو بتعبير غير فلسفي هي الواقع وميكانيزم تفاعلاته ، هي الأشياء وقوى نموها ، هي صيغ وصياغة الوجود ومبادئه وتطوره ، لذلك هي تمقت التطبيقات الجامدة وتنفر من الأطروحات الجاهزة ، لذلك هي تستميت في الدفاع عن تطور التاريخ ليس لأدراكه فقط إنما لتغييره على مستوى الدرجة والمرحلة . الميزة الثانية . هي ليست نظرية في علم الأجتماع وحده كما يعتقد البعض ، أنها نظرية ومنهج في الطبيعة والوجود ، في الفيزياء ، في الرياضيات ، في البيولوجيا . وهذه هي أهم مصادر القوة في الرؤيا الماركسية . لأنها لاتغلق على نفسها أبعادها في مرحلة معينة أو عند حد مرسوم ، أنما كما أنها لاترنو أن تكون أنعكاساً للواقع تصيخ السمع إلى أكتشافات الفيزياء ، البيولوجيا ، الرياضيات ، علم الفلك ، لالتغير من طبيعتها كما توهم البعض ، بل سعياً منها التقرب إلى وعي نسبية الحقيقة التي تتكامل وتغدو أكثر أشراقاً . الميزة الثالثة . هي لاتخضع لا للواقع ولا للموضوع ، أنها العلاقة ما بين الأثنين ، أي العلاقة ما بين الموضوع والواقع . وأرجو الأنتباه إلى أن هذه العلاقة تتفارق وتختلف عن تلك التي ما بين الذات والموضوع ، ما بين الشكل والمضمون . فالعلاقة الثانية تحوم حول محور مكشوف ومخصص ولاتتجاوز أطرافها ، في حين إن العلاقة الأولى ، العلاقة المقصودة ، تتجاوز أطرافها ولاتحوم حول أي شيء بل تصبو إلى التطور التصاعدي . وإذا رسمت العلاقة الثانية محوراً دائرياً / أهليليجياً مثل دوران الأرض حول الشمس ، فأن العلاقة الثانية ترسم محور دوران الأرض في الفضاء . الميزة الرابعة . هي ليست نظرية لذاتها ، بل هي نظرية في ذاتها . وما المقصود من ذلك هنا ؟ الماركسية تستهدف الأتجاهات المتحركة مع الميكانيزم الراجح ونوعية السيرورة وكيفية الصيرورة و لاتحدد الأبعاد المستقبلبية الجامدة التي تهدم التصور الماركسي . ومهما كانت النتائج فأنها لاتنفلت من النسق الماركسي . أما في الحالة العكسية ، أي فيما لو كانت نظرية لذاتها ، لكنا إزاء نظرية مادية ساذجة أحادية الجانب . الميزة الخامسة . الماركسية لاتسعى إلى وضع تعريف نظري للمفاهيم التالية الحرية ، المساواة ، العدل . لأن هذه المقولات مثل غيرها هي جزء أصيل من أنساق تسير على هدى مستغرق في محتوى ومعنى وتطور الطبيعة والوجود . بهذا ، نكون قد بلغنا موضوع الحلقة الثالثة .....
#هيبت_بافي_حلبجة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ماركس ... ما بين النقض ووعي الضرورة ... ( الحلقة الأولى )
-
نقض مفهوم اليأس لدى كيركجارد ... ( الحلقة الأولى )
-
رسالة سرية للغاية للرئيس مسعود البارزاني
-
نقض اللوغوس .... وموت النظام
-
نقض مفهوم الكينونة ... لدى فيورباخ ( الحلقة الثانية )
-
نقض مفهوم الكينونة ... لدى فيورباخ ( الحلقة الأولى )
-
الشيوعي العمالي ... مابين ماركس وتروتسكي
-
الطيور المهاجرة .... نقض الأنسان وموت الطبيعة
-
1 رؤية مستعصية في واقع متناقض ....جدلية المعنى والقوة ... ال
...
-
الأشكالية اللبنانية ... ما بين السياسة ... ونقيضها
-
رؤية مستعصية في واقع متناقض ....جدلية المعنى والقوة ... الحا
...
-
دالة العنف ... ما بين الأرهاب والجهاد
-
رسالة نضالية إلى المؤتمر الرابع للحزب الشيوعي الكردستاني
المزيد.....
-
أمريكا تكشف معلومات جديدة عن الضربة الصاروخية الروسية على دن
...
-
-سقوط مباشر-..-حزب الله- يعرض مشاهد استهدافه مقرا لقيادة لوا
...
-
-الغارديان-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي ل
...
-
صاروخ أوريشنيك.. رد روسي على التصعيد
-
هكذا تبدو غزة.. إما دمارٌ ودماء.. وإما طوابير من أجل ربطة خ
...
-
بيب غوارديولا يُجدّد عقده مع مانشستر سيتي لعامين حتى 2027
-
مصدر طبي: الغارات الإسرائيلية على غزة أودت بحياة 90 شخصا منذ
...
-
الولايات المتحدة.. السيناتور غايتز ينسحب من الترشح لمنصب الم
...
-
البنتاغون: لا نسعى إلى صراع واسع مع روسيا
-
قديروف: بعد استخدام -أوريشنيك- سيبدأ الغرب في التلميح إلى ال
...
المزيد.....
-
افاق الماركسية واليسار ودور الطبقة العاملة في عصر العولمة-بق
...
/ مجلة الحرية
المزيد.....
|