وصل عدد العراقيين في المنافي جراء سياسات النظام المباد بين 3-4 ملايين نسمة، وتُعد الهجرات الأولى في نهاية السبعينيات وأوائل الثمانينيات من القرن المنصرم ذات طابعاً سياسياً على الأغلب الأعم. وكانت بيروت ودمشق أولى مدن اللجوء والهجرة لتلك الدفعة الأولى من السياسيين، ومنذ منتصف الثمانينيات وأوائل التسعينيات تركزت الهجرة نحو أوروبا بعد أن تأزمت الأوضاع الأمنية وقلت فرص العمل في الدول المجاورة للعراق.
وفي دول الاتحاد الأوربي وأمريكا واستراليا وكندا... .وبقية دول اللجوء حصل معظم العراقيين المهاجرين على أوضاع أفضل من حيث الخدمات الصحية والأمنية والمالية والسكن..وغيرها وتأقلم العديد منهم مع المجتمعات الجديدة.
والتجارب الديمقراطية في بلدان المهجر أضافت المزيد من الاكتساب والخبرة والممارسة للعديدة من العراقيين، ولكن (للأسف) تخندق قسماً منهم (الديناصورات تحديداً) منتسبي الأحزاب الشمولية في متاريس أقاموها كي لا يجرفهم التيار الديمقراطي الجديد. وكان شعورهم في اللاوعي يرفض أن يتقبل فكرة أن الدول (الإمبريالية) تتحلى بقيم إنسانية وتحترم حقوق الإنسان وتمارس النظم الديمقراطية.
لذا لجئوا إلى كل الأساليب للمحافظة على معتقداتهم المهزومة، وباتوا يعملون على تشويه أي شيء في الدول (الإمبريالية) الجديدة بغية التقليل من آثار الهزيمة الشخصية خاصة أن العديد منهم ليس لديه القدرة على الاعتراف بهزيمة الأفكار الشمولية بعد سنوات عديدة من النضال تحت خيمتها!!.
وعمدت الأحزاب الشمولية في المنافي الجديدة على ترسيخ الاعتقاد لدى منتسبيها بأن الأمر لم يعد هزيمة بقدر ما هي عيوب في تطبيق النظرية وصحة النظرية لا خلاف عليها، وبهذا استعاد البعض منهم توازنه وأخذ يناطح الصخر من جديد.
وتم تشكيل كوتونات منفصلة عن مجتمعات الدول المضيفة، مستغلةً حرية إنشاء المنظمات المهنية والاستفادة من الدعم المالي الذي تمنحه الدول المضيفة لمنظمات المجتمع المدني خاصة لمنظمات المهاجرين بغية العمل على اندماجهم في المجتمع الجديد.
وتلك الكيانات (الكوتونات) في أغلبها كيانات حزبية أو كيانات وهمية مسجلة فقط على الورق لدى المؤسسات الحكومية بغية الاستفادة من الدعم المالي لتغطية نشاطات حزبية بحتة وعلى حساب الجالية العراقية.
وعمدت تلك الواجهات الحزبية على طرح نفسها على أنها تمثل الجالية العراقية لدى سلطات البلدان المضيفة، وأنها تعمل لضمان مصالح الجالية. وبالحقيقية أنها أوكاراً حزبية تستغل المال العام لتغطية نشاطات حزبية، وتمارس إرهابها وتهديدها ضد أبناء الجالية (خاصة المثقفين منهم) بغية إخضاعهم لمؤسستها الحزبية.
ويعتقد ((جنان جاسم حلاوي)) لم يترك السياسيون العراقيون المثقفين العراقيين في سلام، حتى في المنفى، بل راحوا ينظمون أنفسهم في صور شتى للحصول على مغانم ومساعدات باسم الثقافة العراقية من الدول المضيفة للمهاجرين والمنفيين العراقيين. وهكذا شاهدنا العديد من المراكز الثقافية المزيفة في المنافي لا تمتلك من الثقافة سوى الاسم، وهي في الحقيقية تنظيمات طفيلية تابعة لهذا الحزب أو ذاك تتخفى وراء ستار الثقافة العراقية.
وتم استغلال اسم المثقف العراقي من قبل حفنة من الجهلة والأميين الحزبيين عبر إقامة واجهات (ثقافية) تدعي تمثيلها للمثقفين العراقيين يقف على رأسها حثالات من الحزبين، يمارسون تهديدهم لكل من يحاول أن يقوم بجهد حقيقي يدعم النشاط الثقافي العراقي.
ومارست الأحزاب الشمولية سياسة (تفقيس) المنظمات المهنية فمثلاً في السويد بلغ عددها خلال ثلاثة سنوات أكثر من 42 جمعية ورابطة ونادي تدعي تمثيلها للجالية العراقية، وبات أغلبها يمارس إرهابه ضد أبناء الجالية وعلى وجه الخصوص المثقف، مما أشاع التوتر والأجواء غير الودية بين أوساط الجالية العراقية خاصة أن هذه المنظمات أخذت على عاتقها منح شهادات (الوطنية) لأعوان النظام المباد وبمساعدة مندسين من النظام المباد في صفوف الأحزاب الشمولية.
ويعتقد ((مؤيد عبد الستار )) "إن تشكيل منظمات (واجهة) للحزب الشيوعي العراقي أمر غير مجدي في بلدان الشتات، بل قد يكون مضراً في العمل السياسي، أن الحرية المتوفرة في الخارج وطبيعة العمل السياسي يكفل للحزب حرية الحركة وإن كانت نسبية. قد تكون منظمات الواجهة مفيدة داخل الوطن ولكن لا أرى لها أية ضرورة في الخارج (…) كما سادت أحياناً في أدبيات الحزب الشيوعي العراقي ونشرات والجمعيات القريبة منه لغة السباب والغمز من قناة الآخرين دون تمحيص.
إن ذلك يساهم في خلق أجواء غير ودية بين أوساط الجالية العراقية في البلدان المضيفة، كما لا تعزز هذه الأعمال مكانة الحزب، إن لم تسئ إليها، خاصة وأن هناك من يفتعلها لأسباب شخصية مستغلاً بذلك منابر الحزب وجمعياته لتنفيذ مآربه.
فنجد أعرق التنظيمات الوطنية المعارضة تدعوا منظماتها إلى احتوائهم (أعوان النظام) وتشجيع المزيد منهم على الانفكاك من النظام، غافلة عن المخطط الذي يحاك ضدها والشرنقة التي تسهل لها بيدها الالتفاف حول رقبتها، بل أخذ البعض يروج لأمثال هؤلاء ويمنحهم صكوك الغفران وشهادات حُسن السلوك والوطنية، وراح الذين حصلوا على فسحة للعمل في جمعيات ومؤسسات المعارضة تبني أمثال هؤلاء وأخذ يقدمهم ويحتال على إدخالهم في هيئات المنظمات وصحفها ليجدوا أمامهم مساحة معارضة ينفثون من خلالها سموم النظام الذي خرجوا لخدمته بعد أن خدموه في الداخل من الرأس إلى أخمص القدم".
وكانت تُعقد باسم المثقف ندوات ومحاضرات للترويج (للمثقفين) الحزبين، وكانت تلك الواجهات (الثقافية) تغطي النفقات المالية لاجتماعات حزبية تعقد في الدول الأوربية المضيفة باعتبارها مهرجانات ثقافية عراقية.
وكان أشباه المثقفين يستجدون تلك الواجهات لتنظيم ندوة شعرية لهم بغية الترويج لنتاجهم، وكانت تلك الواجهات تستجيب لتلك الرغبات شرط قيام هؤلاء الأشباه الدفاع عن سياساتها البائسة وتبرير سلوكها في الهيمنة والتسلط.
ويجد ((عبد السلام العالي)) حتى لو لم يكن المثقف يمتلك رأسمالاً فكرياً، فهو يمتلك رأسمالاً رمزياً يمكنه من أن يحمل اسم مثقف تعقد به الندوات، وتتخذ باسمه المواقف.
اللصوصية لأموال الجالية العراقية في المنافي:
بلغ حجم المنح المالية المقدمة لتلك الواجهات فقط في السويد ما قدره عشرات الآلاف من الدولارات سنوياً، يتم سرقتها لصالح الأحزاب الشمولية التي تمارس إرهابها على الجالية العراقية. فالمواطن الأوربي يدفع جزءاً من الضرائب لمكافحة الإرهاب، وبنفس الوقت يدفع جزءاً أخراً لتلك الواجهات لكي تمارس إرهابها داخل أوربا وضد مواطنين يحملون جنسيات تلك الدول من المهاجرين!!.
وبات المرء يشعر بالخجل حيت يتحدث الأوربيين أنفسهم عن حجم الفساد والسرقة التي تمارسها تلك الواجهات الحزبية، وأصبحت تلك السرقات واللصوص مادة للحديث في السهرات الليلية للمهاجرين العراقيين ومدعاة للتندر والاستهزاء بتلك الأحزاب الشمولية التي لم تصون نفسها من السرقة للأموال الجالية فكيف يمكنها أن تصون ممتلكات الوطن؟.
ويتساءل ((سلام عبود)) من منا يجهل الأعمال اللصوصية التي يتخذها البعض باسم النشاطات الثقافية للجمعيات والاتحادات الوهمية والنوادي على طول رقعة المهجر؟ من لم يسمع بذلك؟ إن صورة الخراب متعددة ومتنوعة، وهي لا تخص الداخل أو الخارجين تواً من الداخل. أن الخراب شامل وعام، وفي الخارج هناك كائنات متخصصة في الخراب تعيش حتى على خراب السلطة، أنهم خراب الخراب.
لم تنعكس سلبيات هذه الظاهرة الشاذة على الأحزاب الشمولية التي تقوم بخرق قوانين البلدان المضيفة والإساءة لحُسن الضيافة والمظاهر الحضرية، بل عمد أعوان النظام المباد اللذين تغلغلوا في تلك الواجهات لتعميم (ظاهرة لسرقة) لتشمل بقية أحزاب المعارضة العراقية وبات المشهد المعارض كما روج له أعوان النظام: عبارة عن مجموعة من الحرامية الأوغاد والسرسرية!!.
وكلما ارتفعت أصواتاً تطالب بالحد من هذه الظاهرة التي تسيء للمعارضة العراقية تعالت أصوات التهديد والإساءة والتخوين من تلك الواجهات، وفي كل مرة تتدخل بعض الشخصيات الوطنية المعارضة من أجل تهدئة الأوضاع ومطالبة الشرفاء من المعارضين عدم إثارة هذه الانتهاكات كي لا يستفيد النظام منها في الإساءة للمعارضة العراقية.
ولكن الطرف الأخر المخترق أمنياً من قبل النظام، كان يعمل على إثارة الفتن وتوتير الأوضاع من خلال تهديداته المستمرة ضد المعارضين الشرفاء ومن منابر تلك الأحزاب الشمولية مما أدى إلى طفح الكيل من تلك الأحزاب الشمولية وبالتالي أستل عدداً من المثقفين الشرفاء أقلامهم لتعرية هؤلاء السفلة واللصوص.
ومنهم ((قاسم غالي)) الذي عبر عن هذه الظاهرة الغربية بقوله: "أننا نواجه ظاهرة غريبة من نوعها وهي عراقية بامتياز يندر مثيلها في التجمعات السياسية وغير السياسية العربية والعالمية، من الخطأ السكوت عنها والتغافل عن وجودها في صفوف المعارضة العراقية. وإن إدعاء الحرص على سمعة المعارضة العراقية وعدم فسح المجال للطعن في مصداقيتها، أنما أصبحت من الأمور المحيرة للكثيرين بما فيهم أعضاء نشطون في صفوفها.
إن تلقي هذه الأموال بالكيفية التي هي عليه بدون أي ضوابط وقيام أشخاص بتلفيق مشروعات سياسية أو ثقافية بهدف الكسب والإثراء، أنما يشكل طعنة قوية لمدى مصداقية هذه المعارضة ومشروعية نشاطها في مواجهة النظام القائم في البلاد.
والشيء المؤلم في هذه الظاهرة، هو تحول الدعم المالي الذي يهدف تقديم خدمة عامة إلى وسيلة للنهب والارتزاق بصورة محاكاة خطيرة لعمليات النهب الواسعة التي يقوم بها صدام وأفراد عائلته وعدد محدود من أعوانه ومن المقربين من سلطته.
صدام ينهب الشعب العراقي وهؤلاء ينهبون ما تجود به الدول والمنظمات الدولية من دعم لقضية في جانبها الأكبر الآن، هي قضية إنسانية نتيجة تزايد عدد اللاجئين والمحتاجين والمعوزين من العراقيين في الخارج. ويبدو أن هذه الفلوس معروضة بصورة مجانية ومتاحة لكل من هب ودب من العراقيين الطامحين للحصول على المال وبأي وسيلة متوفرة.
إن عملية النصب هذه لا يمكن تسميتها، رغم كل التبريرات التي يقدمها المستفيدون منها سوى لصوصية مفضوحة وأن أصحابها مجرد لصوص. ويبدو أن وفرة الفلوس يشجع على وجود اللصوص".
وأكثر ما يقلق هؤلاء اللصوص وأحزابهم الشمولية، هو مساءلة جمهور الجالية العراقية عن أوجه صرف الأموال الممنوحة للجالية من قبل البلدان المضيفة، وهناك شكاوي عديدة تلقتها الجهات الأوربية من جمهور الجالية تطالبها بحجب الأموال عن هذه الواجهات الوهمية التي تعمل على الإساءة للجالية العراقية.
ونتيجة تلك السرقات التي تمارسها تلك الواجهات الحزبية للأموال العامة، وإشاعة أجواء من التهديد والخوف في مجتمعات مسالمة استقبلت العراقيين الفارين من جحيم الطاغية المهزوم لأسباب إنسانية ومنهم هؤلاء الأوغاد من اللصوص اللذين يسيئون للوطن والمواطن العراقي!!.وصف وزير الهجرة الهولندي الجالية العراقية بأنها: مجموعة من اللصوص والمجرمين!!
ويجد ((جميل هلال )) ليس من الحكمة ولا يخدم العملية الديمقراطية إعفاء المنظمات غير الحكومية من مساءلة جمهورها أو تجنبها وضع لوائح وإرساء تقاليد تحول دون تحولها من مؤسسات عامة إلى مؤسسات خاصة يهيمن عليها فرد أو مجموعة من الأفراد.
لم يكتفِ هؤلاء الأوغاد بما يسرقونه من أموال الجالية العراقية في المهجر لصالح أحزابهم الشمولية، بل عمدوا في الآونة الأخيرة إلى السفر إلى بغداد للبحث عن مغانم مالية جديدة بحجة تمثيلهم للجالية العراقية في المنافي!!.
لذا نحذر جميع مؤسسات الدولة الجديدة من التعاطي مع هؤلاء الأوغاد واللصوص، وهناك العشرات من المثقفين والشرفاء في المنافي يمكن أن يدلوا بشهاداتهم أمام المحاكم العراقية عن حجم الإساءات والتهديدات التي تعرضوا لها من قبل تلك الواجهات الحزبية وكذلك عن حجم السرقات التي مارسوها. وقد قيل قديماً ((إذا لم تستحِ فأعمل ما شئت!!.)).
ستوكهولم بتاريخ 7/1/2004.