(Welcome to Lebanon ) بهذه الكلمات بدأت أحدى المذيعات اللبنانيات حواراً سريعاً مع واحد من مئات السواح الأجانب الذين حضروا و تواجدوا في موقع الأحتفال برأس السنة الميلادية الجديدة في العاصمة اللبنانية ( بيروت ) .. و بعد الترحيب بالضيف بالطريقة التي ذكرناها سألت المذيعة السائح الأجنبي عن مشاعره في تلك اللحظات و هو وسط حشد كبير من الناس من مختلف البلدان و هل هو مستمتع و سعيد لوجوده في لبنان في مثل هذا اليوم .. مجموعة من الأسئلة الديبلوماسية التي تحمل في طياتها ترحيباً بالضيف الأجنبي كانت الأجابة عليها من قبله بنفس الأيجابية .. كل هذا كان قبل أقل من ساعة من منتصف ليلة رأس السنة .
كان هناك مشهد آخر في مكان آخر ليس ببعيد جداً عن مكان المشهد الأول .. لكنه في ( بغداد ) عاصمة العراق و ليس في بيروت عاصمة لبنان .. فقبل أقل من ساعتين من أنطلاق العام الجديد و عندما كان العراقيون منشغلين بتوديع عام 2003 عام النصر و الحرية و أستقبال عام 2004 عام الخير و الأستقرار بأذن الله .. دوى أنفجار هائل قرب أحد المطاعم في حي العرصات الراقي في العاصمة العراقية بغداد و الذي يرتاده في بعض الأحيان السواح و الرعايا الأجانب المقيمين و العاملين في العراق .. و قد أدى هذا الأنفجار الى مقتل 8 أشخاص حسب التصريحات الأمريكية أو ما يزيد عن 50 شخصاً حسب الأخبار التي وردتنا من بغداد نفسها و من شهود عيان بعضهم من سكان المنطقة و البعض الآخر كان متواجداً فيها ساعة وقوع الحادث .. هذا طبعاً من غير عشرات الجرحى الذين أصيبوا بالحادث و عشرات البيوت التي تضررت و تهدم البعض منها فوق رؤوس أصحابها من جراء هذا الحادث الغادر الأثيم خصوصاً أن مراسلاً لأحدى الفضائيات العربية كان قد ذكر بأن تأثير الأنفجار الذي أحدثته السيارة المفخخة قد أمتد الى محيط 3 كيلومترات عن مكان الحادث .
فوراً و في الحال و قبل أن يصدر أي تصريح من داخل العراق و من موقع الحادث تم تبرير الجريمة من قبل بعض الفضائيات و محلليها السياسيين بوجود أجانب من الأمريكان و الأنكليز في المطعم مما جعله هدفاً ( للمقاومة !!! ) .. و من هؤلاء المحللين السياسيين محلل سياسي لبناني ناكر للجميل ( يعيش في أمريكا ) بلغ به الحقد على العراق و العراقيين و على أمريكا و الأمريكيين الذي يأوونه و يأوون أمثاله من النكرات أن قال ( " أن كانت " المقاومة العراقية هي التي نفذت هذه العملية فأكيد أنها " كانت تعتقد " بأنه " من المحتمل " أن يكون في المطعم أجانب من الأمريكان و الأنكليز ) .. فأي بؤس و سقوط بعد هذا الكلام المخزي و المخجل لأخينا المحلل السياسي ؟
و ليس غريباً بالطبع أن يصدر مثل هذا الكلام عن محلل سياسي لبناني لأنه في كل الأحوال و كأغلب المحللين السياسيين اللبنانيين أما قومجي أو أسلاموي .. والأسلاميون في بلداننا و كما عهدناهم و بناءً على تجربة شخصية يعتبرون الأحتفال بمناسبة رأس السنة الميلادية حتى من باب قول ( كل عام و أنتم بخير ) أو ( سنة سعيدة أن شاء الله ) ضرباً من الكفر أو رجساً من عمل الشيطان .. ففي أيام الجامعة و قبل ما يقارب العشر سنوات باركت لأحدهم في الجامعة بالعام الجديد و مددت له يدي لمصافحته و أذى به يرفض أن يمد يده لي و يجيبني بطريقتهم المقرفة و السمجة التي يتكلمون بها ( يا أخييييي " بجر و مط و تطويل الياء " هذا لا يجوز أنه من فعل النصارى ) و التي يصفها على أتم وجه الممثل الكبير عادل أمام في مسرحية ( الواد سيد الشغال ) .. ثم مضى العلامة التقي الورع في طريقه و تركني .. بربكم كيف يمكن للمرء أن يتعامل مع مثل هذه النماذج الجرثومية و الخطرة في المجتمع ؟ و ماذا يمكن أن تقدم مثل هذه النماذج لمجتمعاتها سوى الخراب و الجهل و التخلف و الأفكار المريضة و الهدامة التي نعاني من تداعياتها في هذه الأيام ليس في العراق فقط بل في كل أنحاء العالم .. لذا فأن من يحملون مثل هذا الفكر المتطرف المريض هم بالتأكيد من قاموا بهذه الجريمة و بهذا الفعل الدنيء في بغداد ليلة رأس السنة و كل هذا و كما ذكرت ليس غريباً على أمثالهم من الحشرات الضارة التي تعشعش للأسف و بكثرة في مجتمعاتنا .. لكن الغريب في الموضوع هو أن أمثال هؤلاء و في الوقت الذي تثور فيه نزعتهم القومجية و الأسلاموية المتطرفة لرؤية الأمريكان و الأجانب بشكل عام يحتفلون في العراق برأس السنة الميلادية المجيدة نراهم أذلاء كالفئران في بلدانهم لا ينبسون ببنت شفة و لا يرف لهم جفن و هم يرون الأجانب من السواح و غير السواح يسرحون و يمرحون في بلدانهم و يحتفلون فيها برأس السنة الميلادية كالأخ المحلل اللبناني القومجي على سبيل المثال .. فلماذا حلال في بلد المقاومة الأسلامية و بلد ثورة الحجارة و بلد الصمود و التصدي و غيرها من بلدان الشعارات الجوفاء أن يحتفل الأجانب برأس السنة الميلادية .. و حرام في العراق ؟
.......................
مشهد آخر .. و لكن هذه المرة في الجمهورية الأسلامية الأيرانية و بالتحديد في مدينة ( بام ) التي أصيبت بزلزال أحدث كارثة أنسانية تعد الأسوء منذ عشر سنوات .. ففوق أحدى الخيام التابعة لفريق الأنقاذ الأمريكي الذي أرسلته الولايات المتحدة الأمريكية للمشاركة في عمليات الأنقاذ التي أشتركت فيها أغلب دول العالم القادرة على مساعدة أهالي هذه المدينة المنكوبة أرتفع العلم الأمريكي .. علم الولايات المتحدة الأمريكية .. علم الشيطان الأكبر مرفرفاً و خفاقاً في سماء الجمهورية الأسلامية !
طبعاً بالنسبة لي فأن هذا المشهد ليس غريباً و لا مفاجئاً .. فأي أنسان ليبرالي لا يرى في أمريكا عدوة الشعوب و الشيطان الأكبر بل يراها درة الحرية و واحدة من أكثر دول العالم أن لم نقل أولها في مساعدة الآخرين و يرى أن مثل هذه الموقف النبيل ليس بجديد عليها لا يفاجأ بهذا المشهد بل على العكس تراه يميز و بسرعة بين سعة الأفق الذي تمتلكه الولايات المتحدة الأمريكية و ضيق الأفق الذي يمتلكه أعدائها و أعداء الحرية في هذا الزمان .
الغريب في كل هذا هو أن يخرج علينا أحد المحللين السياسيين الأيرانيين وهو أسلاموي الهوى و معروف بولعه بنظرية المؤامرة كما عرف عنه طيلة الفترة الماضية و بالذات منذ بدأ التخطيط لحرب تغيير النظام الصدامي في العراق و من ثم أسقاطه و حتى قبل أيام كيله للشتائم و الأتهامات لأمريكا و من يتحالف معها بسبب مشروعها الأنساني الكبير الذي بدء في أفغانستان و من ثم أمتد الى العراق حيث لا تزال أمريكا تواصل تنفيذ باقي خطواته و الذي تمثل بأسقاط نظام الملا عمر في أفغانستان و من ثم نظام صدام في العراق ذلك النظام الدموي البشع الذي أحدث في العراق ما لم يحدثه لا زلزال مدينة بام و لا زلازل تركيا و مصر و الجزائر مجتمعة بل ما لم يحدثه حتى بركان فيزوف الذي دمر مدينة بومبي الأيطالية و طمرها تحت حممه .. فما قتلته هذه الكوارث البشرية من أرواح يقدر بالألوف و أحياناً بعشرات الألوف لكن ما طمره صدام من الجثث في أرض العراق يقدر بمئات الألوف أن لم نقل بالملايين حسب بعض الأحصائات .. كما أن خسائر الدول التي أصابتها هذه الكوارث الطبيعية قدرت في أسوء الأحوال بمئات الملايين أو بمليار أو مليارين من الدولارات .. في حين أضاع صدام و معه نفر ضئيل ضال من أقاربه و عشيرته أموالاً تقدر بمئات المليارات من ثروات تعود لبلد بأكمله .
الغريب كما ذكرت هو في أن يخرج علينا ذلك المحلل السياسي الأيراني على أحدى الفضائيات ليرحب بفكرة مساعدة الشيطان الأكبر لبلاده و يعتبرها بادرة أيجابية و أنسانية بل و يقرئها من بعض النواحي رضوخاً و تنازلاً من أمريكا للجمهورية الأسلامية .. بالمقابل فأن ذهنية الكاتب و فراسة المحلل السياسي لم تسعفه طيلة الأشهر الماضية في فهم أن ما فعلته أمريكا في العراق هو أكثر أنسانية مما تفعله الآن في أيران و الذي تمثل بأنقاذ حياة 24 مليون أنسان لا ذنب لهم سوى أنهم أبتلوا بحاكم أخرق و مجنون لم تعرف البشرية في دمويته و أجرامه مثيلاً كصدام حسين يتّم أطفالهم و رمّل نسائهم و دفن أغلب رجالهم في مقابر جماعية و دفع البقية الباقية منهم الى النفاذ بجلودهم الى المنافي و الأصقاع البعيدة .
فلماذا أذاً مساعدة أمريكا لكم و رفعها لعلمها على خيمة صغيرة لأحدى فرق الأنقاذ في أيران حلال ؟ في حين مساعدة أمريكا للعراقيين في الخلاص من جلادهم و مجرد وضعها للعلم الأمريكي و من ثم العراقي على وجه صنم الطاغية في ساحة الفردوس قبل أسقاطه حرام ؟ و هل كان السيد المحلل السياسي الأسلاموي الهوى يفضل بقاء صنم الطاغية في ساحة الفردوس على أن يسقط بيد العراقيين و أصدقائهم من الأمريكان ؟ و هل يرى وجه صنم الطاغية أجمل من العلمين الأمريكي و العراقي ؟
أسئلة بسيطة نطرحها و نتمنى أن يفتينا فيها قومجيوا و أسلاميوا هذا الزمان الأغبر .