فتحى سيد فرج
الحوار المتمدن-العدد: 2277 - 2008 / 5 / 10 - 07:44
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
خلال عام 2004 تشكل انطباع عام بإمكانية حدوث إصلاح في العالم العربي، نتيجة لبعض الضغوط الخارجية وتصعيد المطالب الداخلية، بحيث أصبح من الصعب على النخب الحاكمة ممارسة سياسات القمع التقليدية، وتقدمت قوى المعارضة والمجتمع المدني لتوسيع نطاق مساحة المد الديمقراطي أسوة بما يحدث في كثير من بلدان العالم، في إطار هذا الانطباع عقدت مكتبة الإسكندرية مؤتمرها الأول عن الإصلاح العربي، وكان من أهم نتائجه صدور "وثيقة الإسكندرية" التي تضمنت أوجه الإصلاح المختلفة وعنيت بتحديد آليات التنفيذ، وأبرزها إنشاء "منتدى الإصلاح العربي" الذي جعل من المؤتمر حدثا سنويا ينعقد في مارس من كل عام، وكذلك تأسيس "مرصد الإصلاح العربي" ليقوم بمتابعة مشاريع الإصلاح في كافة إرجاء الوطن العربي .
وقد قام فريق من الخبراء بإشراف الأستاذ.السيد يسين بإعداد تقرير عن المرصد تمت مناقشته عل هامش المؤتمر الثاني مارس 2005، واكتفت المكتبة عام 2006 بتوزيع كتاب بعنوان "مرصد الإصلاح العربي الإشكاليات والمؤشرات" تضمن مجموعة دراسات عن مفهوم وأهداف مرصد الإصلاح العربي، ومرتكزات ومؤشرات الإصلاح السياسي، وواقع الاقتصاديات العربية ومؤشرات أدائها، وأوضاع السياق الاجتماعي، وحالة الثقافة العربية، والسمات العامة للمجتمع المدني وإشكاليات فاعليتها، وعرضا لتجارب المراصد المتنوعة في بعض بلدان العالم، مع الإشارة إلى أنه سيتم نشر تقرير سنوي يتتبع خطوات الإصلاح في بلدان العالم العربي، وكانت دهشتنا بالغة حين أنتهي المؤتمر الثالث 2006 والرابع 2007 دون ذكر أي شيء عن نتائج هذا المرصد .
وفي مقاله الأسبوعي بجريدة الأهرام بتاريخ 8 / 5/ 2008كشف السيد يسين سر هذا الأمر فقد" واصل فريق المرصد عمله فأنجز التقرير الأول عام2006 ويتضمن قياس الإصلاح العربي عام2005, والتقرير الثاني عام2007 ويتضمن تقييم الإصلاح عام2006. ويمكن القول إن اللغة التي استخدمها تقرير عام2006 أثارت مشكلات متعددة تتعلق بعدم تسامح مؤسسات البحث والنخب السياسية الحاكمة العربية عموما مع إيراد الحقائق مجردة, أو أبراز السلبيات واخطر من ذلك إعطاؤها التكييف الصحيح, وهكذا تعثر نشر تقرير عام2006 نظرا لان مكتبة الإسكندرية أمضت وقتا طويلا للغاية في تقييمه, تحسبا لاعتراضات قد ترد من دولة عربية أو أخري, إذا ما نشر متضمنا الملاحظات النقدية علي أدائها السياسي, من واقع الأحداث الفعلية التي تمت فعلا والمسجلة في تقارير موضوعية" .
لهذا لم يكن غريبا اعتبار تقرير المؤتمر الخامس المنعقد في مارس 2008 هو الإصدار الأول لمرصد الإصلاح العربي، وقد حاول فريق المرصد ـ استفادة من خبرة تقرير2006 أن يراعي في تقرير2007 في مجال الصياغة ما أوصي به عالم الاجتماع السويدي المرموق جونار ميردال من أن الباحث قد يضطر أحيانا إلي استخدام لغة دبلوماسية للتعبير عن سلبيات الواقع, وهكذا مع حرصنا علي عدم التخلي عن التحليل الموضوعي والرؤية النقدية, راعينا أن يكون أسلوب التقرير ليس من شأنه الاصطدام المباشر مع ذهنية التحريم العربية, التي لا تقبل التوصيف الحقيقي للظواهر السلبية, وترفض عموما التحليلات النقدية, خصوصا إذا كانت تعتمد علي وقائع ثابتة لا مجال للطعن في صدقها, غير أن صدور التقرير الثاني تعثر أيضا لان مكتبة الإسكندرية أطالت فترة التقييم, بالإضافة إلي حماس إدارة المكتبة لصياغة مؤشرات كمية للإصلاح السياسي, تقوم علي أساس ترتيب الدول العربية علي مقياس واحد.
وفي إطار تعاون مكتبة الإسكندرية مع مشروع اسمه مبادرة الإصلاح العربي يشارك في أنجاز أعماله عديد من المؤسسات والمراكز البحثية الأجنبية والعربية, عقدنا ورشة عمل في مكتبة الإسكندرية لاستطلاع أمكان صياغة مؤشرات كمية للإصلاح العربي, وقد قدمت في هذه الورشة عرضا منهجيا شاملا للتراث العلمي في مجال المؤشرات الكيفية والكمية ووصلت إلي استحالة تطبيق مؤشرات كمية في عالم عربي لا تحترم دوله ثبات البيانات ولا صدقها, وقد أكدت ذلك بإشارتي إلي أن تقارير التنمية البشرية التي ترتب الدول علي مقياس واحد تخالف قواعد المنهج المقارن مخالفة منهجية صارخة, غير أن بعض المسئولين عن مشروع مبادرة الإصلاح العربي كانوا متحمسين حماسا ليس له أي أساس علمي لموضوع المؤشرات الكمية.
وفي محاولة أخري من قبل مكتبة الإسكندرية لصياغة مؤشرات كمية للإصلاح العربي, تركت التحليل الموضوعي للواقع العربي بالمؤشرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي سبق ان اقترحناها وطبقناها بنجاح في تقرير المرصد الثاني والثالث, وأثرت أن تصمم استمارة بحث لاستطلاع إدراك النخبة العربية للإصلاح العربي. وقد وزعت الاستمارة علي نحو أربعة ألاف شخص من كل البلاد العربية. غير أن الاستجابة كانت في الواقع مخيبة للآمال فهناك ـ حسب التقرير الذي أصدرته المكتبة ـ نحو17 دولة لم يجب من كل منها سوي شخص واحدا وأكبر عدد من المجيبين كان من مصر نحو180 شخصا والأردن نحو160 شخصا.
ومع كل ذلك صيغت النتائج بالنسبة المئوية, كأن يقال أن70% وافقوا علي كذا, وان40% وافقوا علي كذا, مع أن ضآلة عدد المجيبين لا تسمح بهذا النمط من التحليلات الإحصائية, وكان أولي بالتقرير أن يقنع بالإشارة إلي بعض الاتجاهات في الإجابات التي لا تعبر أطلاقا عن أراء النخبة العربية, بحكم صغر حجم العينة, ومع ذلك يتحدث التقرير عن مقياس موحد لقياس الإصلاح العربي. وفي تقديرنا أن تحول مكتبة الإسكندرية من رصد وقائع الإصلاح السياسي في ضوء المؤشرات الكيفية التي وضع قواعدها وأسسها مرصد الإصلاح العربي الذي أسسناه، إلى محاولة قياس إدراك النخب العربية للإصلاح فيه، محاولة لتجنب العرض الموضوعي للبؤس الديمقراطي العربي والانتقال إلى مجال القياس غير الموضوعي وغير العلمي لاتجاهات النخبة إزاء الإصلاح !
وذلك لأنه في علم النفس الاجتماعي نفرق بين الإدراك perception وسوء الإدراكmisperception وهكذا حين يظن بحث المكتبة انه يقيس إدراك النخبة, قد يقيس بغير أن يشعر القائمون علي البحث سوء الإدراك! وهل يمكن الاطمئنان إلي ثبات وصدق إدراكات النخبة الليبية أو السعودية عن الإصلاح السياسي في هذين البلدين, اللذين يسوداهما نظام, لا يتيح لأي فرد أن يعبر بثبات وصدق عن طبيعة النظام السياسي, أو اتجاهاته أو محاولات إصلاحه؟
وفي هذه المجتمعات الشمولية يسودها ما يطلق عليه في علم الاجتماع ظاهرة الوعي الزائف نتيجة سيطرة الدولة علي النظام التعليمي وعلي الإعلام بكل أشكاله. مما يجعل وعي المواطن مشوشا, لأنه لا يستطيع التعرف علي وقائع مجتمعه كما هي, ولا علي حقائق الأوضاع السياسية والاجتماعية.
أن هذا الحرص علي صياغة مؤشرات كمية لا تتسم بالثبات والصدق ـ كما تقضي بذلك القواعد المنهجية ـ ليس من شأنه سوي تجنب التحليل الموضوعي للإصلاح العربي وفق المؤشرات الكيفية التي ترصد الواقع الفعلي, وتحلل بدقة وصراحة عملية الصراع السياسي بين دعاة الإصلاح في البلاد العربية وممثلي النخب السياسية الحاكمة الذين يقاومون الإصلاح, ويرفضون مبدأ تداول السلطة, والذي هو جوهر إي تحول ديمقراطي.
وفي تقديرنا أن علي الأكاديميين العرب مهما كانت علاقاتهم بالسلطة بالغة التعقيد أن يصارحوا الجماهير بمؤشرات العجز الديمقراطي العربي وأسبابه المباشرة, والتي تكمن أساسا في سلطوية النخب السياسية الحاكمة من ناحية, وفي تخلف الثقافة السياسية السائدة من ناحية أخري .
ما يحدث الآن وبعد مرور أربع سنوات يؤكد أننا عدنا لنقطة الصفر، فالحكام العرب مازالوا يتمسكون بمقاليد السلطة ويسدون كل الطرق لأي بادرة إصلاح، وحلم المجتمع المدني وقوى المعارضة في الإصلاح يشحب ويبدو أنه يحتاج لأساليب وطرق أخري، والدليل على ذلك ما نشرته جريدة البديل في 8/5/ 2008 حيث أرجع د . أحمد درويش وزير الدولة للتنمية الإدارية تأخر صدور تقرير "لجنة دعم الشفافية ومكافحة الفساد" التي شكلها من شخصيات عامة إلى عدم انعقاد أي اجتماعات للجنة في المرحلة الماضية، مشيرا إلى أنها كانت من المفترض أن ترفع تقريرها لرئيس الوزراء قبل نهاية ابريل الماضي، وصرح مصدر بوزارة التنمية الإدارية بأن درويش استعان بمستشاريه ومسئولين حكوميين لإنجاز التقرير بعد غياب أعضاء اللجنة عن كل اجتماعاتها .
وسوف نعرض في المقال التالي نتائج استطلاع النخبة العربية ورصد ومتابعة خطوات الإصلاح في بلدان العالم العربي من خلال التقرير الأول لمرصد الإصلاح العربي الصادر عن مكتبة الإسكندرية في إطار مؤتمرها الخامس مارس 2008، والذي يعكس صورة تردي الواقع العربي، رغم كل تحفظات أستاذنا السيد يسين .
#فتحى_سيد_فرج (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟