|
هوس التكفير في عقول أعداء التفكير
صادق إطيمش
الحوار المتمدن-العدد: 2276 - 2008 / 5 / 9 - 11:10
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لا يمكن أن يُقال عن هذه الظاهرة، ظاهرة التكفير، التي يجتمع حولها كل ذوي الأفكار المتخلفة ممن ينعتون أنفسهم بالفقهاء والمشايخ ، إلا كونها أعراض مرض الجهل المطبق المزمن الذي أصاب هؤلاء الذين يفتشون عن ملاذ لهم في عالم اليوم ، عالم القرن الواحد والعشرين ، فلا يجدون سوى النفور والإشمئزاز والهروب من عفن ما يتقيئونه من قذارات توارثوا إجترارها منذ قرون ، فلم يشعروا ، لغباءهم المفرط ، بأن الزمان غير الزمان الذي يقصدون وإن المكان غير المكان الذي به يتحركون وإن بشرية هذا القرن هي ليست بشرية القرون ألأولى من عمر التاريخ . لقد قادهم غباؤهم هذا إلى سلوك الطرق التي زادت في علتهم حتى تفرق عنهم الناس حينما يكون لهم الخيار في ذلك . وبما أن نفوسهم البائسة لا ترضى بهذا الخيار الذي لم تعرفه قواميسهم ، فلجأوا إلى ما يلجأ إليه كل جبان ، ويتعكز عليه كل من سار على إعوجاج دروبهم وهذيان أفكارهم ، إلى ألإكراه والقوة لفرض أباطيلهم التي إعتبروها إيماناً وأكاذيبهم التي جعلوها أحاديثاً صحاحاً ، فأبوا أن يسمعوا قوة المنطق وحجة العقل لأنهم لا يفقهون هذا ولا ذاك بسبب جهلهم المطبق حتى بما يتشدقون بالدعوة إليه . جعلوا من خزعبلاتهم التي سوقوها كدين لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه قوانيناً صاغوها هم بأنفسهم ليحكموا الناس بها ، لأنهم بعيدين عن الدين الحق ، بعيدين عن دين السماء ، الذي لا يجيز وكالة أحد على أحد في أمور دينه ، حتى رسوله بالذات (ص) منعه دين السماء من تلك الوصاية ، فما أراد له أن يكون عليهم وكيلاً أو مُجبراً على ألإيمان ، فترك الناس وشأنهم بعد أن بين لهم السبيل القويم ، فمن شاء فاليؤمن ومن شاء فاليكفر، كما نص على ذلك القرآن الكريم الذي جاء مليئاً بمثل هذه الوصايا ، لا بل ألأوامر التي نهى الله عباده عنها . إلا أن مرضى العقول والنفوس يصرون على وضع القوانين الدينية البشرية التي يريدها دين الفقهاء وليس تلك القوانين الإلهية التي وضعها دين السماء . وهذا ما تجلى في تصرفاتهم الجنونية التي تبدأ بتكفير مخالفيهم لتنتهي بتحليل دمهم وعرضهم ومالهم ، وحين تسألهم عن مصدر ما ذهبوا إليه من أحكام جنونية لم يسمح بها ألله حتى لرسوله ، يجيبونك بأقوال الفقيه زيد والمستفقه عمر ، أما ما جاء في الكتاب والسنة الصحيحة فلا يقع ضمن حججهم لأن ذلك لا يتفق وضحالة أفكارهم وعمق جهلهم . هذا بالضبط ما حدث ويحدث منذ عشرات السنين في هذا الزمن الغابر الذي أصبح فيه الدين ألإسلامي ألعوبة بيد فقهاء الإرهاب وعباقرة التكفير. الذين لا يتركون مناسبة فيها فسحة من التفكير العلمي الجدي الهادف إلى إنتشال هذه ألأمة من أوحال الخرافات البالية والإنتقال بها من ظلام القرون ألأولى إلى حياة البشرية الحديثة التي يتنعمون هم قبل غيرهم بخيراتها تاركين ويلاتها على المساكين والمعدمين ، والأمثلة على ذلك لا تُعد ولا تُحصى ، إلا وجعلوها منبراً لنشر أفكارهم السوداء ووسيلة لكتم أنفاس الناس وقذفهم بالكفر وكل ما يترتب على هذا القذف من تبعات إجتاعية وسياسية ، يساعدهم على وضعها موضع التنفيذ شلة من الساسة المتنفذين القابعين منذ أجيال على كراسي الحكم ، لا همَّ لهم سوى إطالة هذا التسلط الهمجي إلى أطول ما يمكن ليمهدوا الطريق لخلافة أبناءهم واستمرار تسلط عوائلهم أو عشائرهم وعصاباتهم على أمور البلاد والعباد ، والفتاوى التي تؤهل لكل ذلك في متناول اليد دوماً ، وكأن ألحال يشير إلى إجتماع المؤسستين السياسية والدينية على قهر المواطن في المجتمعات ألإسلامية وإذلاله . ما حدث سابقاً للمفكر العربي الدكتور نصر حامد أبو زيد ولاحقاً في الندوة التي نظمتها الجامعة ألأمريكية بالقاهرة بعنوان " الفن وخطاب التحريم " إلا مثالاً من كثير من ألأمثلة على مثل هذه الظواهر المَرضية التي أخذت تتكرر على الدوام في المجتمعات الإسلامية اليوم . فحينما قررت لجنة ممن يُسمَون بأساتذة جامعة القاهرة تكفير هذا الرجل العالم، بالنيابة عن ألله ، بسبب أبحاثه التي قام بها في تسعينات القرن الماضي والتي لم تتلائم والتخلف الفكري الذي يحمله هؤلاء " ألأساتذة " ، وبما أنهم لم يجدوا طريقاً للرد عليه بردود علمية يستسيغها عقل إنسان العصر الحديث ، لجأوا إلى أبسط الحلول التي حققوا فيها دعم السلطة السياسية لهم ممثلاً بالعصابة الحاكمة في مصر ودعم السلطة الدينية ممثلاً بالأزهرية الناعقين بصوت الحاكم السياسي ، فقرروا وبكل بساطة إعتبار هذا الرجل كافراً وحكموا بتفريقه عن زوجته إجباراً وانتهى ألأمر بلا مغفرة ولا رحمة من هؤلاء . وتجددت هذه الدعوات ضد الدكتور نصر حامد أبو زيد حينما أبدى وجهة نظره بالحجاب على أنه ليس الفريضة السادسة التي يحاول رواد التكفير تسويقها على هذا ألأساس بين الناس . ومما أثار حفيظة المتمسكين بمناصبهم ألأزهرية أكثر وأكثر دعوة أبو زيد إلى ضرورة تطوير ألأزهر متسائلاً عن أفكار المصلح الأزهري محمد عبده في أفكار الأزهر اليوم . وإشارة إلى العقول العاجزة عن العمل والفكر العاطل عن ألإنتاج طلب أبو زيد الكف عن رفع شعار " لا إجتهاد في النص " وذلك بسبب إختلاف الظروف ووجوب التركيز على دعم الحرية : لأنه مع غيابها يتوقف العقل تدريجياً عن النبض .
وفي الندوة التي عُقدت في الثاني من الشهر الجاري شدد الدكتور أبو زيد من هجومه على من يسمون أنفسهم بعلماء الدين ومشايخه الذين يفتون بتحريم التماثيل سواءً من خلال صناعتها أو إقتناءها في المنازل أو بوضعها في الميادين العامة ، حيث قال : عيب أن نقول بتحريم التماثيل ، أو أن بعض المشايخ يقولون انهم خائفين على المسلمين من وجود التماثيل حتى لا يعبدها الناس . ثم قال :" لم يعد خطراً على الإسلام والمسلمين في الوقت الراهن وجود التماثيل لأن قوة الإيمان لا تحتاج إلى إخفاء التماثيل ، وإذا كان المسلمون بهذا المستوى من الضعف والهشاشة والهزال حالياً فهم يستحقون الفناء" . نعم إذا كان أيمان القلب لا يصمد أمام تمثال الحجر فما ذلك إلا ألإيمان الذي عبر عنه القرآن الكريم بقوله : قالت ألأعراب آمنا ، قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم ...( الحجرات 14) . فليس كل مسلم مؤمن إذن.... فهل هؤلاء المسلمون الداعون إلى تكفير المسلمين الآخرين لأنهم يتبنون أفكاراً حول الدين غير أفكارهم , هم مؤمنون حقاً حسب الوصف القرآني هذا....؟
لقد تطرق المفكر الدكتور نصر حامد أبو زيد إلى هذا الفكر التكفيري المتخلف في كتابه القيم الموسوم " التفكير في زمن التكفير، ضد الجهل والزيف والخرافة " الصادرفي منتصف تسعينات القرن الماضي عن مكتبة مدبولي بالقاهرة ، والذي لابد لكل من يريد كشف تفاهات النهج التكفيري أن يقرأه جيداً . لقد جاء في مقدمة هذا الكتاب : من المخجل أن يوصف بالكفرمَن يحاول ممارسة الفكر ، وأن يكون " التكفير " هو عقاب " التفكير" . هو مخجل في أي مجتمع وفي أي لحظة تاريخية ، وهو كارثة في جامعة القاهرة في العقد ألأخير من القرن العشرين . لكن لأنه لا يصح إلا الصحيح فقد خذل القضاء مكر الماكرين ، وكشفت ألأوراق أن ألأمر ليس أمر دفاع عن ألإسلام بقدر ما هو دفاع عن " الكراسي المزورة " والمصالح الدنيوية . ثم يواصل القول " ولأن ألأفكار لا تموت ـ وإن طالت يد الغدر حياة أصحابها وسُمعتهم وحاولت مس كرامتهم ـ فإن " الفكر" أعظم ما كرَّم الله به الإنسان على مخلوقاته كافة ، يواصل رحلته متصدياً للتكفير كاشفاً القناع عن وجهه القبيح ، الجهل والخرافة والتزييف . إنه التفكير في زمن التكفير ، عصا موسى التي تلقف ما خيّل السحرة للناس من سحرهم وإفكهم ، ولا يفلح الساحر حيث أتى . والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون " ولم يكن الدكتور نصر حامد أبو زيد وحده من المفكرين ألإسلاميين الذين تعرضوا لمثل هذه الهجمات التكفيرية من ذوي العقول المصابة بهذا المرض ، بل أن أستاذ الفلسفة ألإسلامية المعروف الدكتور حسن حنفي كان هو أيضاً واحداً من ضحايا هؤلاء المتخلفين فكرياً . لقد تعرض هذا المفكر اللامع لهذه ألإتهامات بالتكفير من قبل بعض الطلاب ، تصوروا من قِبَل مَن لم يتموا مرحلة تعليمهم بعد , ومن بعض المشاركين من " الباحثين " أيضاً في المؤتمر الدولي الثالث عشر للفلسفة ألإسلامية المنعقد بجامعة القاهرة يوم ألأول من شهر مايس ـ آيار الجاري حينما طرح ورقته البحثية حول : السنن ألإلاهية في نهضة ألأمم ، والتي جاء محتواها بما لا يتفق وآراء بعض التكفيريين ، وربما لأن عقولهم الضامرة لم تستوعب مثل هذه ألأفكار الفلسفية التي أرادوا تحويلها إلى جدل ديني ، مما إضطر رئيس المؤتمر الدكتور عبد الحميد مدكور ـ رئيس قسم الفلسفة ألإسلامية السابق في جامعة القاهرة ـ إلى التدخل في الأمر طالباً الإنشغال بالقضايا وليس بالأشخاص . وعلق على هذا الموضوع الدكتور نصار عبد ألله ، أستاذ الفلسفة بجامعة سوهاج قائلاً : أنه من غير المنطقي أن تحتفل جامعة القاهرة بمرور مائة عام عليها بتكفير عالم جليل مثل الدكتور حسن حنفي ، قد تختلف مع بعض أفكاره لكن ألإختلاف لا يمكن أن يجعل أي شخص يقبل بتكفيره . وأضاف الدكتور عبد ألله قائلاً : إن ما حدث في قلب جامعة القاهرة يوم أسود يذكرنا باليوم الأسود الذي ثارت فيه الجامعة ضد الدكتور طه حسين بسبب كتاب الشعر الجاهلي ، وقالوا يسقط العميد ألأعمى والعميد الكافر , مشيراً إلى أن ما حدث في مؤتمر الفلسفة سيكون له مردود كبير على كل مَن يفكر وسيدور في رؤوسهم ألف مرة مصير الدكتور نصر حامد أبو زيد قبل أن يفكروا أو يصرحوا ويكتبوا ما فكروا فيه وما يعتقدونه خوفاً من التكفير .
ألتوقف عن التفكير بسبب القذف بتهمة التكفير....هذا هو الأساس الذي يريده البعض لبناء المجتمعات ألإسلامية الحديثة . مجتمعات تخاف من إنطلاقة الفكر الذي أراده الدين ألإسلامي نفسه أن ينطلق حينما وضع تعاليمه لقوم يعقلون ، لقوم يتفكرون ، لقوم يفقهون ، لذوي ألألباب... إلى غير ذلك من المصطلحات القرآنية التي تريد تنشيط الفكر لا ضموره وخموله . فإلى أين يسيردعاة قوقعة الفكر وتجميد العقل ، هؤلاء الجهلاء التكفيريون ، بهذه المجتمعات ألإسلامية ، إن لم يكن صوب التخلف والتدهور والإنحطاط......؟ الدكتور صادق إطيمش
#صادق_إطيمش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ألقصف التركي لقرى جبل قنديل له ما يبرره....!!!!!
-
سعي الرأسمالية لعولمة العمل بعد عولمة رأس المال
-
لقد أهنتَ الشهداء قبل ألأحياء....يا سيادة الرئيس
-
لماذا إمتنع السيد ألسيستاني عن ألإفتاء في هذا ألأمر.....؟
-
هل مَن كان يتنظر غير ذلك من أحزاب الإسلام السياسي...؟ القسم
...
-
هل مَن كان يتنظر غير ذلك من أحزاب الإسلام السياسي...؟ القسم
...
-
يا وليد الربيع.....نشكوا إليك غيبة ربيعنا
-
شهاب التميمي......مناضل حتى النفس ألأخير
-
الجامعة العربية والغزو التركي للعراق
-
هكذا تكلم روبرت كيتس وزير الدفاع ألأمريكي
-
أبا نزار....يا صاحب القلب الطيب...وداعآ
-
إلى التضامن ألأممي مع الموقع ألإعلامي الحر - روج تي في -
-
ألأنظمة العربية يؤرقها كابوس ألإعلام الحر
-
من فمك أدينك يا أوردغان
-
جرائم الثامن من شباط تلاحق البعثفاشية وأعوانها
-
هل تجاوز اليسار العراقي دور المخاض...؟ ألشعب ينتظر الوليد ال
...
-
هزيمة علماء الشيعة أمام جهلتها
-
محنة الدين في فقهاء السلاطين القسم الثالث
-
محنة الدين في فقهاء السلاطين القسم الثاني
-
يا مراجعنا العظام....هل قتل النساء حلال أم حرام...؟
المزيد.....
-
هل انتهى دور المؤسسات الدينية الرسمية؟
-
استقبلها الان.. تردد قناة طيور الجنة بيبي الجديد 2024 على ال
...
-
الكشف عن خفايا واقعة مقتل الحاخام اليهودي في الإمارات
-
الجهاد الاسلامي:الاتفاق أحبط مسعى ايجاد شرق اوسط حسب اوهام ا
...
-
الجهاد الاسلامي:نؤكد على وحدة الدماء وصلابة الارادة التي تجم
...
-
الجهاد الاسلامي:نثمن البطولات التي قدمتها المقاومة بلبنان اس
...
-
الجهاد الاسلامي:اتفاق وقف اطلاق النار انجاز مهم يكسر مسار عن
...
-
حماس تشيد بالدور المحوري للمقاومة الإسلامية في لبنان
-
دول عربية واسلامية ترحب بتوقف العدوان عن لبنان وتدعو الى توق
...
-
دول عربية واسلامية ترحب بتوقف العدوان على لبنان وتدعو لوقفه
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|