|
من هم المدافعون الجدد عن الماركسية وكيف يهاجمونها؟ الجزء الثاني
خالد الصقر
الحوار المتمدن-العدد: 2276 - 2008 / 5 / 9 - 11:15
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
من هم المدافعون الجدد عن الماركسية وكيف يهاجمونها؟- نقد مقال للكاتب الوطني للنهج الديمقراطي عبد الله الحريف
بالرغم من مضي أزيد من 3 سنوات على كتابته يضل كتاب الرفيق خالد الصقر، الذي أقدم جزئه الثاني للقراء، ذا قيمة كبرى بالنظر إلى المسألة التي يتناولها، أي مسألة تقييم المرحلة الحالية للرأسمالية و المهام السياسية المرتبطة بها. فالزمن الذي مر على كتابة هذا الكتاب قد أكد العديد من الأطروحات النظرية و السياسية التي تناولها خ. الصقر. فالصراع بين الامبريالية الأمريكية و الامبريالية الروسية-الصينية حول الملف النووي الإيراني يقدم دليلا ماديا واضحا حول ضيق أفق القائلين بـ"انتفاء الصراع بين الامبرياليات" أو محدوديته. كما أن حجم نمو الاقتصاد الصيني في السنتين الأخيرتين و التصريحات الأخيرة لديك تشيني حول تزايد القدرات العسكرية للصين توضح هي الأخرى بعض اتجاهات الصراع بين الامبرياليات العالمية. يعتبر الجزء الثاني من كتاب الرفيق خالد الصقر ذا أهمية خاصة خصوصا في المرحلة الراهنة التي تتعالى فيها الصيحات حول المرحلة الجديدة من الرأسمالية و ما يرتبط بها من مواقف سياسية. فالحديث اليوم حول المرحلة الجديدة من الرأسمالية يخفي في طياته التراجع على مجمل المهام السياسية التي حددتها اللينينية، خصوصا تلك التي ترتبط بموقفها من الانتهازية و من رؤيتها لاتجاهات الصراع الطبقي بما هي اتجاه الثورة. و هكذا أصبحت المهمة المركزية لدى الداعين بالمرحلة الجديدة ليس تنظيم المقاومة الطبقية للبروليتاريا و الجماهير الشعبية من أجل حسم السلطة السياسية و تحطيم الرأسمالية و إنما تنظيم "الحركات الاجتماعية" المقاومة لما يسمونه بـ"العولمة المتوحشة" و توسيع أدوات "المجتمع المدني". بل لقد وصل الأمر ببعض ماركسيي العهد الجديد إلى التنظير لانخراط الماركسيين في "النضال" من أجل فرض ضريبة على المضاربات المالية، أي تعويض السياسة الثورية بالإصلاحية. و هذا هو المضمون السياسي لأصحاب المرحلة الجديدة. إن قيمة هذا الجزء من كتاب الرفيق خ.ص هو أنه يوضح أن الحجج التي تقدم بها بعض ماركسيي العهد الجديد بالمغرب حول "المرحلة الجديدة" هي ذاتها –أو في أغلب الحالات- الحجج التي قدمها لينين في دراسته للامبريالية. و كل ما هناك أن الظواهر التي رصدها لينين قد عرفت نموا كميا كبيرا بدون أن تحقق قفزة نوعية لمرحلة أعلى من الامبريالية. و هو ما يعني على المستوى السياسي راهنية المهام السياسية التي حددتها اللينينية و على رأسها النضال الحازم ضد الانتهازية الذي بدونه لا يمكن إطلاقا الحديث عن النضال ضد الامبريالية من وجهة نظر الطبقة العاملة.
ملاحظة: النص يحمل بين طياته جداول ونظرا لكون التقنية المستعملة ببوابة الحوار المتمدن لا تسمح بنشر الجداول ، فلكل من يرغب في قراءة المقال بطبعته الكاملة المرجو الاتصال بالبريد الالكتروني رفقته. مناضل شيوعي بالمغرب هل الرأسمالية بالفعل دخلت مرحلة جديدة؟ ************************** في نقد حجج الحريف حول المرحلة الجديدة للرأسمالية. ************************************* أما فيما يخص المرحلة الجديدة للرأسمالية فسوف نتوقف عندها بشكل آخر، فقد أصبحت هذه المقولة تطبع كل الكتابات إلى حد أنها أصبحت من البديهيات عند البعض ومدخلا أساسيا للانقضاض على لينين و ماو تسي تونغ وسوف نحصر ملامستنا لهذه المسألة من زاوية نقد حجج الأستاذ الحريف وإذا استحضرنا مقولات لكتاب آخرين فذلك لن يكون إلا هامشيا. فما هي إذن، محددات هذه المرحلة بالنسبة للأستاذ الحريف ؟
أ- التحول الكيفي شرط ضروري للانتقال من مرحلة لأخرى. **************************************** قبل أن يطرح صاحبنا محددات هذه المرحلة يثير انتباهنا بما مفاده أنه: «إذا كان من الغرور طرح تصور متكامل للمرحلة الجديدة من الرأسمالية خاصة وأن ملامح هذه المرحلة لازالت غير واضحة بعد، فإنه من الممكن إبراز بعض الإرهاصات و الميولات العامة التي يناط بالحركات التقدمية المناهضة للرأسمالية دراستها وتوضيحها وتصحيحها»[1] فعوضا أن يقول لنا الكاتب بأنه لا يملك تصورا واضحا عن المرحلة الجديدة وأنه عاجز عن بلورته، عوضا عن ذلك يتحفنا بمقولة أنه «من الغرور طرح تصور متكامل» لهذه المرحلة. وكأنه أراد أن يتواضع لكن أناه المتضخم منعه من ذلك. وبالرغم من ذلك فالسيد الحريف كان واضحا من الجهة المقابلة، وهي ما تهمنا هنا – أي أنه أقر منذ البداية بعدم امتلاكه لتصور متكامل لهذه المرحلة الجديدة وفي ذات الوقت يقر بشكل قطعي أن الرأسمالية دخلت مرحلة جديدة من تطورها. إذن، فالكاتب هنا مطالب بأن يوضح أمرين أساسيين: الأول: أن يثبت أن سمات الرأسمالية قبل هذه «المرحلة الجديدة» قد تجووزت. والثاني: أن يبرهن أن هناك سمات جديدة للرأسمالية تختلف جوهريا عن سماتها السابقة. إذ لا يكفي أن نقتصر في معالجة هذه المسألة من الناحية النظرية بالتركيز على السمات الجديدة، بل يلزم أيضا، البرهنة على تجاوز الرأسمالية للسمات «القديمة» أو لبعضها. لكن الكاتب لا يفعل هذا ولا ذاك، بل يقتصر على «إبراز بعض الإرهاصات والميولات العامة». ومهما يكن، سوف نقبل بهذا المنطق ونتعامل معه، فما هي إذن هذه «الإرهاصات والميولات العامة» ؟ إن أول هذه الإرهاصات بالنسبة للكاتب هو اتجاه الرأسمالية نحو «التدويل» حيث كتب يقول: «إننا نعتبر أن أحد أهم تطورات الرأسمالية هو الاتجاه نحو التدويل «mondialisation»« وأن هذا الأخير «لا يتم بشكل متجانس وإنما في إطار بنية تراتبية ترتكز على صيرورة متناقضة من الإدماج والتهميش» بمعنى أنه إذا كان الإدماج الرأسمالي قد تم في البداية وإلى حدود هذه المرحلة، في إطار فضاء الدولة / الأمة وكذلك التهميش ..فإن التدويل الرأسمالي ينحو إلى إدماج مناطق معينة من مختلف الدول في الاقتصاد الرأسمالي وتهميش أخرى. وكذا إدماج قطاعات اقتصادية وتهميش أخرى وبالتالي إدماج فئات من البرجوازية وتهميش أخرى». وأن الشركات والبنوك المتعددة الجنسيات ...هي المحرك للتدويل والمستفيدة منه وأن الليبرالية الجديدة هي إيديولوجيتها التي تستطيع، بفضلها، إعطاء مصالحها صفة الصالح العام بل صفة الضرورة الاقتصادية الموضوعية» هذا هو كل ما لدى الكاتب من حجج أو من «إرهاصات وميولات عامة» لإثبات أن الرأسمالية دخلت مرحلة جديدة. هذا وفقط ولا شيء آخر إطلاقا، إنه الهزء بالماركسية. و كل محاكمة الكاتب لا تعدو أن تكون تكررا مبتذلا بشكل آخر لما قاله كاوتسكي منذ تسعين سنة. وقبل أن نوضح ذلك نود أن نتساءل هل بالفعل أن ما ذكره الكاتب يعتبر ظواهر اقتصادية جديدة ؟ لنرى إذن كيف ذلك، أي ما قالته الماركسية في التدويل والإدماج / التهميش. لقد علق أحد عمالقة الماركسية على الرأسمالية قائلا: «إن مسألة الإمبريالية ليست فقط واحدة من أهم المسائل، بل يمكن القول أنها أهم مسألة في ذلك المجال من علم الاقتصاد الذي يدرس تغير أشكال الرأسمالية في العصر الحديث»[2] و هذه الأهمية التي أعطاها لينين لدراسة الإمبريالية كانت تجد أساسها في اعتقادنا في اتجاهين أساسيين غير منفصلين ، الأول يكمن في ضرورة تحديد وبناء نظري صلب وواضح للتغيرات التي شهدتها الرأسمالية واكتشاف مختلف القوانين الموضوعية التي انبثقت على قاعدة هذه المتغيرات وتحديد المكانة التاريخية للإمبريالية وهو ما يمكن أن نصطلح عليه إن صح التعبير بناء معرفة بالواقع أما الاتجاه الثاني فهو تحديد الاتجاهات الأساسية التي يجب توجيه الصراع الذي تخوضه الطبقة العاملة في اتجاهها من أجل تغيير هذا الواقع أي من أجل حسم السلطة السياسية ، "فنحن لا نقول للعالم كف عن نضالك فكل نضالك باطل، وإننا نعطيه فقط الشعار الذي يجب أن يناضل من أجله"(ماركس) وقد حدد لينين في هذا الصدد ثلاث اتجاهات رئيسية : النضال ضد بقايا العصور الوسطى، أي ضد الحكم المطلق، النضال ضد الإمبريالية والنضال ضد الانتهازية، وسوف نعود فيما بعد إلى هذا الأمر. أما الآن فسوف نوضح ما قالته الماركسية اللينينية حول هذه المرحلة من تطور الرأسمالية والتي أسماها لينين بالطور الأعلى[3]. «إن تزايد التبادل وتزايد الإنتاج الكبير هما بالذات الاتجاهات الأساسيان اللذان لوحظا طوال القرون في العالم كله على الإطلاق. وفي درجة معينة من تطور التداول وفي درجة معينة من نمو الإنتاج الكبير في تلك الدرجة بالذات التي تم الوصول إليها في تخوم القرنين» التاسع عشر والعشرين على وجه التقريب هيأ التبادل تدويلا للعلاقات الاقتصادية وتدويلا للرأسمال، وأصبح الإنتاج الكبير كبيرا لدرجة أن الاحتكار أخذ يحل محل المنافسة الحرة. وأصبحت أكثر نموذجية ليست المؤسسات المتنافسة «بحرية» ، داخل البلد وفي العلاقات بين البلدان (التشديد أصلي)- بل الاتحادات الاحتكارية لأرباب العمل ، أي التروستات، وأصبح «ملك» العالم النموذجي الرأسمال المالي المتحرك والمرن خصوصا والمتشابك خصوصا، داخل البلد وعلى النطاق الدولي، والفاقد للشخصية والمنقطع على الإنتاج المباشر، والذي يسهل تركزه بشكل خاص ، والذي تركز بشكل خاص لدرجة بعيدة حيث تمسك بضع مئات من أصحاب المليارات وأصحاب الملايين بمصائر العالم بأسره لكل معنى الكلمة". ومنه فإن نزوع الرأسمال إلى التدويل ليس بالأمر الجديد، بل هو أحد سمات الإمبريالية وقد لاحظ ذلك لينين في أواسط العقد الثاني من القرن الماضي أما عن مسألة الإدماج / التهميش، فهي ليست سمة من سمات الإمبريالية وفقط بل إنها سمة من سمات الرأسمالية بشكل عام. فقد أوضح ماركس ذلك بشكل جلي عند دراسته لقانون معدل الربح. نفس الشيء قد قاله لينين: «فالرأسمالية في الزراعة – كما في الصناعة – بحكم طبيعتها لا تتصور بطريقة متكافئة فهي تنمي أحد جوانب الزراعة في مكان معين – في بلد أو منطقة أو مزرعة – فيما تنمي جانبا آخر في مكان آخر»[4]. وتبقى نقطة أخيرة في أطروحة السيد الحريف أو في «إرهاصاته» يجب علينا تناولها لننتهي من ما أسماه «بالمرحلة الجديدة للرأسمالية»، فالجديد بالنسبة له هو أن عملية الإدماج / التهميش لم تصبح تتم في إطار فضاء الدولة / الأمة بل في إطار آخر لم يقل لنا ما هو بل لمح إليه أي الإطار العالمي، وحتى لا نوصف بأننا نطلق الكلام على عواهنه لنستمع إلى الكاتب: «وحتى نكون واضحين أكثر (وكم هي جميلة هذه الصيغة) سنعطي بعض الأمثلة: فدول المركز نفسها لم تبق تلك الفضاءات الاقتصادية المتمركزة على الذات حيث يتم توزيع العمل بينها على أساس موازين القوى، فهذا القطاع تهمين عليه الإمبريالية الفلانية وتنظم تدويل والتطور يتم بشكل غير متكافئ على المستوى الوطني، بل هناك مناطق في الولايات المتحدة الأمريكية أو أوروبا الغربية، تعاني من تهميش حقيقي، وكذلك الأمر بالنسبة للبرجوازيات....غير أن هذا الإدماج لمناطق أو قطاعات أو برجوازيات من مختلف الدول لا يتم على قاعدة المساواة بل يخضع لموازين القوى الاقتصادية والسياسية والعسكرية بين البرجوازيات المختلفة»[5]. فبالإضافة إلى التناقضات التي تحملها هذه الفقرة، حيث يؤكد الكاتب من جهة على أن توزيع العمل بين دول المركز لا يتم على أساس موازين القوى، ومن جهة أخرى يقول بأن: «الإدماج...لا يتم على قاعدة المساواة بل يخضع لموازين القوى»، بالإضافة إلى كل دلك، ما هي نتيجة هذا التحليل ؟ ألا يؤدي بنا هذا التحليل في آخر المطاف إلى الإعلان عن انتفاء الدولة القومية ؟ وما معنى «أن هذا التطور يؤدي إلى إعادة هيكلة الأجهزة الإنتاجية وبشكل عام اقتصاديات كل الدول الرأسمالية، بما في ذلك المتطورة تحت غطاء الليبرالية الجديدة، في اتجاه ضرب تماسكها وطابعها الممركز على الذات» التي تشكل رأسمال عالمي موحد ؟ ألا يعني ذلك أن هاته المرحلة الجديدة هي مرحلة «استثمار مشترك للعالم من قبل الرأسمال المالي المتحد على النطاق الدولي» كما قال كاوتسكي ذات مرة ؟ أليست هذه بالضبط هي نظرية «الإمبريالية العليا» أو «ما فوق الإمبريالية» التي قال عنها لينين أنها "ما فوق الهذر" ؟ لكن ألا «يسير التطور في اتجاه الاحتكارات، وعلى ذلك في اتجاه احتكار عالمي واحد، تروست عالمي واحد، هذا لا جدال فيه، ولكنه كذلك خال من كل معنى كما لو قال المرء أن «التطور يسير في اتجاه إنتاج المواد الغذائية في المختبرات. ونظرية ما فوق الإمبريالية هي بهذا المعنى لغو لا طائلة تحته، كما لو قال المرء ب «نظرية ما فوق الزراعة»[6]. فإذا كان كاوتسكي قبل تسعين سنة يحلم بهذه المرحلة ليستنتج منها تطور الإمبريالية نحو السلم فإن أصحابنا قد أعلنوا أن هاته المرحلة قد حلت مع اختلاف وحيد هو أنها تتسم الآن بما يسمى «الليبرالية الجديدة»، لكن قبل أن نتوقف عند هذه النقطة نود أن نؤكد على أمرين اثنين أساسيين: أولا: إن عملية توحد الرأسمال الإمبريالي لمختلف الدول، أو لبعضها على النطاق الدولي ليس بالأمر الجديد على الإطلاق «فالرأسمال المالي الأمريكي وغيره» قد اقتسم العالم كله «سابقا» باشتراك ألمانيا ...في السنديكا العالمي لقضبان السكك الجديدة أو في التعريف العالمي للملاحق التجارية....»[7]. ثانيا: إذا كانت الرأسمالية قد دخلت بالفعل مرحلة جديدة فإن ذلك يستدعي بالضرورة إيجاد مفهوم نظري جديد للتعبير عنها. وهو ما لم يفعله الكاتب، لكنه يمكن أن يسميه كالكل «بالعولمة» أو من الأفضل أن يسميها «بالميغا إمبريالية» كما أسماها المهدي المنجرة، فهذا المصطلح هو على كل حال مشتق من الإعلاميات المجال المفضل لصاحبنا سواءا في مجال إبداع النظريات والإرهاصات أو في مجال المال والأعمال. ومهما يكن، فهل بالفعل أن تحديدات السيد الحريف سليمة ؟ و ما هي نتائجها السياسية ؟ وعلى ماذا تعبر إذن كل الأحداث الجارية حاليا على النطاق الدولي ؟ ماذا يعني الصراع الحالي بين الحلف الإمبريالي الأمريكي – البريطاني، الإيطالي، الاسترالي وبين الحلف الفرنسي – الألماني-الروسي ؟ وهل يعني خروج إسبانيا من تحت أجنحة الولايات المتحدة أن الحزب الاشتراكي العمالي يعبر عن "الفئة غير المدولة من البرجوازية" في حين يعبر حزب أثنار عن الفئة المدولة من البرجوازية الإسبانية ؟ أليس كل هذا الواقع أكبر دليل على أن ما تقوله هو أكبر كذبة ؟* والحال أن كل ذلك لا يعفينا من المزيد من بسط المسألة قيد الدراسة، لذلك سوف نبدأ بالتأكيد على أن المعالجة النظرية تقتضي نبد المفاهيم الضيقة الأفق كتلك التي استعملها صاحبنا الحريف المدافع عن الجوهر الحي للماركسية وأنه «لا يمكن الكلام عن التقسيم التاريخي الملموس للمرحلة الحالية إذا لم يستند هذا التقسيم على التبيان التام لجوهر الإمبريالية من ناحيتها الاقتصادية والسياسية على حد سواء»* فما جوهر الإمبريالية من الناحية الاقتصادية ومن الناحية السياسية ؟ إن جوهر الإمبريالية الاقتصادية هو الاحتكار، فمع نمو الإنتاج الرأسمالي الكبير والتطور الهائل للتبادل التي أصبحت معه دوائر الإنتاج والتبادل تتسع وتنمو إلى درجة «تدويل العلاقات الاقتصادية وتدويل الرأسمال» لينين فمن جهة أدى التمركز الشديد والعالي للإنتاج و الرأسمال إلى درجة «نشأت معها الاحتكارات التي تلعب الدور الفاصل في مجمل الحياة الاقتصادية" (لينين) ومن جهة أخرى انبثق الرأسمال بوصفه اندماج للرأسمال الصناعي والمعرفي موفرا شروط بروز الطغمة المالية بالإضافة إلى ثلاثة خصائص رئيسية أخرى كانت محددا للإمبريالية التي «اكتسب فيها تصدير الرأسمال أهمية قصوى وابتدأ تقسيم العالم بين التروستات العالمية وانتهى تقسيم جميع أقطار الأرض بين كبريات البلدان الرأسمالية»[8]. فتلك هي أهم الخصائص التي «تجلى فيها بالضبط تحول الكمية إلى كيفية»* ونحن هنا نؤكد على كلمة «أهم» لأن الماركسية وكل المنتسبين إليها فعلا وليس قولا لا ينسون أبدا «أن التعاريف بوجه عام هي ذات طابع شرطي نسبي وأنها لا تستطيع أبدا أن تشمل جميع وجوه علاقات ظاهرة في حالة تطورها الكامل»(لينين) لذلك سوف نسأل صاحبنا الحريف – الذي لم يقل شيء في هذا الصدد بل اقتصر على إتحافنا ببعض المفاهيم البرجوازية وبعض الإرهاصات الذاتية – هل هناك من وقائع تثبت تجاوز الرأسمالية لهاته الخصائص ؟ ونحن هنا نؤكد على ضرورة إبراز الخصائص المناقضة لما هو «قديم»، خصائص مختلفة نوعا أي كيفيا لخصائص الإمبريالية ، على اعتبار أن الرقي والانتقال من مرحلة إلى أخرى هو بالضرورة انتقال يحمل تحول الكمي إلى كيفي وهذه هي الألف باء الجدل. فعندما برهن لينين على تحول الرأسمالية من مرحلة المنافسة الحرة إلى مرحلة الاحتكار اعتبرها تحولا كيفيا وليس « تحولا من حيث الشكل حتى تستطيع الاستمرار من حيث الجوهر» كما نسبت إليه، وهذا التحول قد برهن عليه لينين بإثبات أن الاحتكار يزيح النافسة الحرة وأن «الرأسمالية لم تصبح إمبريالية رأسمالية إلا عندما بلغت في تطورها درجة معينة، عالية جدا، عندما أخذ يتحول إلى نقيضه بعض من أخص خصائص الرأسمالية (يقصد لينين المنافسة الحرة)...» كما أن ماركس قد أثبت أن الانتقال من مرحلة المانيفاكتوره إلى المرحلة الصناعية هو أيضا انتقال نوعي أي انتقال من الكم إلى الكيف. لذلك، لا يكفي للبرهنة على أن الرأسمالية دخلت مرحلة جديدة أعلى، سرد الظواهر الجديدة وفقط. بل يلزم أيضا البرهنة على أن هاته الظواهر أو بعضها هي انتقال كيفي، وكما هو واضح فالسيد الحريف لا يفعل هذا ولا ذاك، وهو بذلك يتهرب من كل محاولة جدية لمقاربة المسألة من الزاوية النظرية. ب- مضمون الامبريالية الاقتصادي. *********************** قبل أن نثبت بأن المرحلة الحالية للرأسمالية هي ذاتها المرحلة الإمبريالية نود أن نؤكد على أننا لا ننفي، ولا يمكننا ذلك، بروز العديد من الظواهر الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الجديدة، ولا ننفي حتى إمكانية انبثاق ظواهر أخرى أشد تعقيدا، فبالنسبة لنا تشكل الظواهر الخارجية نقطة الانطلاق وليس النتيجة النهائية، لأننا نقف وننطلق من أرض ماركسية واضحة. وبالتالي، لن نحصر مسألة التأكيد على أن المرحلة الحالية لتطور الرأسمالية هي الإمبريالية بمجرد ترديد وتكرار عنوان كتاب لينين كما يفعل البعض، بل سوف نحاول تقديم البرهان على ذلك من خلال محورين أساسيين، الأول يتعلق بتقديم الدلائل على أن الخصائص التي حددها لينين للمرحلة الإمبريالية لازالت هي ذاتها نفس الخصائص التي تتسم بها المرحلة الحالية. ثانيا دراسة الاتجاه العام للتطور الرأسمالي الحالي وما يفرضه على الحركة العمالية من مهام وما يفرضه علينا نحن كماركسيين لينينيين بالمغرب.
أولا: في تمركز الإنتاج والرأسمال و تطور الاحتكارات ************************************** إن عملية تشكل وظهور الاحتكارات والتي ابتدأت منذ نهاية القرن التاسع عشر كانت بمثابة النتيجة الموضوعية والطبيعية للتمركز الشديد والعالي للإنتاج الكبير وللرأسمال وقد لاحظ ذلك كل من ماركس و إنجلز. و بعدما أصبحت هذه الاحتكارات هي الظاهرة الاقتصادية الأكثر بروزا سواء على الواقع أو من خلال كتابات الاقتصاديين آنذاك، تمكن لينين من دراستها وتحديد المهام التي تفرضها على الطبقة العاملة وحزبها داخل الصراع الطبقي. و الرأسمالية بحكم طبيعتها تنحو دائما نحو المزيد من التمركز سواء في الإنتاج أو تمركز الرأسمال، فهل المرحلة الحالية للرأسمالية افتقدت هذه السمة أو الخاصية ؟ طبعا لا، بل بالعكس فإن تمركز الإنتاج الكبير والرأسمال وصل إلى درجة عالية وعالية جدا وهو ما لم ينفيه لينين بل أكده باستمرار لكن هل هاته الدرجة العالية من التمركز أفضت إلى بروز أشكال أخرى غير الاحتكار؟ لا أعتقد أن هناك من يقول بهذا، ورغم ذلك فلا يمكن لأحد أن ينكر أن مستويات تطوره ارتفعت إلى درجة بعيدة وبعيدة جدا عما كانت عليه في بداية القرن العشرين، بل إن الماركسيين لم ينفوا أبدا إمكانية التطور في اتجاه بروز تروست عالمي موحد داخل المرحلة الإمبريالية نفسها. ونحن طبعا لن ندخل في جدال حول صحة أو عدم صحة تلك الإمكانية بل سوف نتساءل هل وصلت الرأسمالية حاليا في هذه المرحلة بالذات إلى هذا المستوى من التطور ؟ لا بكل تأكيد، وسوف نثبت ذلك في تناولنا لتقسيم العالم. أما الآن فسوف نورد المعطيات الإحصائية حول درجة التمركز هذه. 358 مليارديرا في العالم يمتلكون ثروة تضاهي ما يملكه 2.5 مليار من سكان المعمورة، أي ما يزيد قليلا على نصف سكان العالم. و أن هناك 20% من دول العالم تستحوذ على 85% من الناتج العالمي الإجمالي، و على 84% من التجارة العالمية و يمتلك سكانها 85% من مجموع المدخرات العالمية[9].
ثانيا: في تطور الرأسمال المالي: ******************** لعل الخاصية الثانية والأساسية التي تميز العصر الإمبريالي هي تشكل وانبثاق الرأسمال المالي وسيطرته على العالم كله. وقد وضح لينين والكثير من الاقتصاديين كيفية نشوئه باعتباره نتيجة لاندماج الرأسمال الصناعي والرأسمال البنكي فدرجة تمركز الرأسمال المصرفي العالمي وتمركز الإنتاج الصناعي الكبير وفرا شروط اندماجهما لينبثق عن هذا الاندماج الرأسمالي المالي وتنشأ عن هذا الأخير الطغمة المالية. فهل لازال الرأسمال المالي هو سيد العالم ؟ أم ظهر شكل جديد آخر ؟ فأصحاب المصارف الكبرى لازالوا هو أنفسهم أصحاب المصانع العملاقة، مصانع الأسلحة والمعدات الفخمة وهم أصحاب شركات النقل الجوية والبحرية والجوية وهم أصحاب شركات البترول و المعلوميات وهم أصحاب شركات التأمين..إنهم هم أنفسهم ملوك البورصات والأسواق النقدية. أما عن اتجاه أسياد المجتمع العبودي الحديث نحو الاستثمار في القطاعات الغير منتجة أي في المضاربات المالية وما على شاكلتها فتلك بالضبط هي ما أشار إليه لينين بتكون الطغمة المالية، وعن ارتفاع درجة التطور وسيطرة هذه الطغمة فهو أمر لم ينفيه أحد من قبل وإذا استشهد به أحد للحديث عن المرحلة الجديدة للرأسمالية فإنه يستشهد بحجج ليس أبدا في صالحه وإنما ضده بالضبط. «إن الإمبريالية هي تراكم هائل للرأسمال النقدي في عدد قليل من البلدان يبلغ 100 إلى 110 مليار فرنك من الأوراق المالية، ومن هنا تنمو بصورة خارقة طبقة أو بالأصح فئة أصحاب الريع، أي الأشخاص اللذين يعيشون من قص «الكبونات» الأشخاص المنعزلين تماما عن اشتراك في أي مشروع، أشخاص مهنتهم الفراغ» ص56 وقد تكونت هذه الطغمة المالية وكل الظواهر التي ذكرناها في مسارات شديدة التنوع وحسب شروط في غاية الاختلاف من دولة إلى أخرى ، إلا أن ذلك لم يمنع من استنباط الخيوط المشتركة بين كل تلك الأحداث والظروف، وهو ما قام به لينين وبطريقة خلاقة في كتاباته عن الإمبريالية. فكيفية تكون ونشوء هذه الظواهر كان مختلفا في حدود كبيرة جدا ما بين هذه الدولة أو تلك ففي فرنسا – التي أسماها لينين بالإمبريالية الربوية - بشكل مختلف عنها في ألمانيا وفي هذه الأخيرة بشكل مختلف عن الولايات المتحدة الأمريكية واليابان... نفس المصدر. أما فيما يتعلق بتصدير الرأسمال الذي يشكل «أساس الإمبريالية الاقتصادي الجوهري» والذي «يشدد لدرجة أكبر عزلة فئة أصحاب الريع التامة عن الإنتاج، ويتسم بطابع الطفيلية كامل البلاد التي تعيش من استثمار عمل عدد من بلدان ما وراء البحار والمستعمرات»[10] فهو لازال بكل تأكيد السمة الأكثر بروزا في المرحلة الحالية ولازالت معه عزلة البورصات وأصحاب مهنة الفراغ في ازدياد مطرد. في مسألة تقسيم العالم بين الاحتكارات العالمية... ********************************** لم يكن بكل تأكيد حدث "انهيار" الامبريالية الروسية حدثا تاريخيا عابرا أو عاديا (بالرغم من موضوعيته)، بل، لقد كان حدثا تاريخيا قلما شهده الصراع الطبقي على المستوى العالمي وانعطافا تاريخيا بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى. فعلى طول مرحلة ما سمي «بالحرب الباردة» ظلت الولايات المتحدة الأمريكية تلعب دور القائد الاقتصادي والسياسي والإيديولوجي والعسكري أيضا للمعسكر الإمبريالي الغربي في صراعه ضد التحريفية السوفيتية وحلفائها من الدول الشرقية وغيرها، وقد ظل هذا الصراع يحكم مجمل العلاقات بين الدول بما فيها العلاقات بين الدول الإمبريالية والدول التبعية أو حتى الدولة الإمبريالية فيما بينها. لكن ذلك لم يكن بمعنى أن التناقضات فيما بينها قد اندثرت أو خملت، بل فقط بمعنى أن تلك التناقضات نفسها كانت محكومة إلى هذا الحد أو ذاك بهذا الصراع ذاته. فإذا كانت إحدى نتائج الحرب العالمية الثانية توسع المعسكر الاشتراكي آنذاك وتحرر العديد من البلدان من قبضة الرأسمال المالي على رأسها الصين، فإن ذلك لم يكن إطلاقا لينفي الصراع بين الإمبرياليات بحكم طبيعة الرأسمالية الاحتكارية التي تنزع ذاتها نحو السيطرة من خلال لا الاستحواذ على الأراضي والبلدان بالقدر الذي تحتاجها لنفسها بل بالقدر الذي يضعف خصومها ومنافسيها في السوق الداخلية والخارجية على حد سواء. وبالرغم من التخفيف من حدة الصراع العسكري المباشر بين البلدان الإمبريالية فإن ذلك لا يعني بتاتا غياب تلك التناقضات فالإمكانية الاقتصادية لإزاحة المنافسين في عصر الاحتكارات كانت ولازالت قائمة ف «الإمبريالية هي، اقتصاديا، رأسمالية احتكارية، ولكي يكون الاحتكار تاما يجب إزاحة المنافسين ليس من السوق الداخلية (من سوق الدولة المعنية)، بل ومن السوق الخارجية ومن العالم بأسره، فهل هناك إمكانية اقتصادية (التشديد أصلي) «في عصر الرأسمال المالي» لإزاحة المنافسة حتى في دولة أجنبية ؟ أجل، طبعا، وهذه الوسيلة هي التبعية المالية وشراء مصادر الخامات ومن ثم كافة مؤسسات المنافس»[11]. كما أن الصراع بين الدول الإمبريالية قد أخذ أشكالا عديدة، فقد كانت مختلف الصراعات «المحلية التي شهدتها العديد من البلدان التبعية، في حقيقة الأمر عبارة عن صراع بين الإمبريالية لكن «بأدوات محلية». وهكذا فقد كان من الطبيعي، بعد كل تلك السنوات من بناء التوازنات ومن كل تكل التراكمات، أن ينتج عن ذلك الانهيار المذوي والمخزي، أكبر هزة وزلزال يشهده العالم المعاصر بعد ثورة أكتوبر العظمى و الثورة الثقافية الصينية ولن نبالغ إذا ما قلنا بأن حجم وضخامة تلك الهزة جعلت تأثيراتها تمتد لتحدث العديد من التصدعات في أبعد قرية نائية على سطح الأرض. لقد "كانت قوتها بحجم قوة ما يفعله الزلزال بقش الدجاج إذا ما استعرنا صيغة ماركس القوية". وبذلك أسدل الستار على أكبر مأساة في تاريخ الإنسانية وأطلق العنان مرة أخرى وبشكل مطلق للرأسمال المالي لأن يرفس ويدمر كل ما تبقى من الحواجز التي كانت ولازالت تقف أمام نزعته الجامحة والجنونية نحو السيطرة على العالم، وهي نفسها الأحداث التي رفعت ستارا آخر معلنة بداية ضرورة إعادة تقسيم جديد للعالم وفق التوازنات الجديدة الناتجة عن تراكمات المرحلة السابقة. إن العبرة الأولى، الأساسية والجوهرية التي يجب على الماركسيين اللينينيين استخلاصها من تلك الأحداث هي ضرورة التشبت بالمبدأ الأممي الأول" يا عمال العالم اتحدوا"، وهي أيضا الإيمان الراسخ بأن الرأسمال لا يمكن أن يوقف زحفه إلا الطبقة العاملة، التي أزيحت من دائرة الصراع على يد التحريفية وهي الأخرى لا يمكنها أن تحقق ذلك إلا بالقضاء عليه كليا أي مناضلة تحت الشعار الثوري، النضال من أجل تحطيم الرأسمال. ومهما يكن، فهل الخاصيات والسمات الأخرى للإمبريالية: أي اقتسام العالم بين اتحادات الرأسماليين الاحتكارية وانتهاء تقسيم العالم بين كبريات الدول قد اندثرت أو تجوزت ؟ إن كل المعطيات الحالية تؤكد عكس ذلك، بل إن أصوات المدافع وقصف الصواريخ لازال يذوي بهذه الحقيقة حتى في أذن الصم، لكن لا يجب أن ننسى أن هناك العقول الصماء وليس فقط الأذان الصماء. لقد أشرنا سابقا إلى الدور القيادي الذي لعبته الإمبريالية الأمريكية على طول مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، فكان لزاما أنه بعد انتهاء هذا الصراع أن يتسم تقسيم «التركة» التي خلفتها انهيارات الروس وكذا إعادة تقسيم العالم كله وفق هذه الموازين الجديدة. فما هو إذن، معيار إعادة تقسيم العالم ؟ لا يمكن أن يكون شيئا آخر غير القوة. «لأن من غير المعقول في ظل الرأسمالية أن يكون هناك أساس لتقسيم مناطق النفوذ والمصالح والمستعمرات إلخ غير حساب قوة المشتركين في التقسيم، قوتهم الاقتصادية العامة والمالية والعسكرية وهلم جرا»[12]. كما أن التقسيم الجديد لا يشمل طبعا مناطق نفوذ التحريفية المنهارة بل سوف يشمل كل بقاع العالم و «من المضحك الظن بأن الرأسمالية الأقوى لن تغتصب من الرأسمالية الأضعف كل ما نهبته هذه الأخيرة فهل يمكن ترك الرأسماليين الأقوياء إلى جانب الرأسماليين الضعفاء والظن بأنهم لن يعمدوا إلى الاغتصاب ؟ و إلا فلأي شيء يصلحون إذن ؟"[13]. وإذا أردنا أن نسمي الأشياء بمسمياتها، هل يمكن ترك الإمبريالية الأمريكية إلى جنب الإمبريالية الفرنسية، التي قال عنها وزير الدفاع الأمريكي، رامسفيلد، فرنسا العجوز. لقد كان العدوان على العراق في بداية التسعينات، والتدخل العسكري الإمبريالي في يوغسلافيا والصومال وغيرهما بمثابة إبراز الموازين العالمية الجديدة وتقسيم تركة الاتحاد السوفياتي المنهار في حين شكلت أحداث الحادي عشر من شتنبر الإعلان الفعلي عن بداية إعادة تقسيم العالم ككل على ضوء موازين القوى تلك. فقد كانت كل الوقائع تثبت أن ضرورة إعادة تقسيم العالم قد نضجت ووضعت في جدول أعمال أصحاب الاحتكارات الأمريكية وملوك البورصة ولا تنتظر إلا من يبدأ تفعيلها ، وإذا كان التاريخ الرسمي المزور يقول لنا أن «ضربة المروحة» هي السبب في احتلال فرنسا للجزائر فلا غرابة أن نسمع منه أو من تلامذته أن صدام حسين الديكتاتور البعثي أو حتى الظلامي أسامة بن لادن هو السبب في احتلال العراق وأفغانستان وهو الذي أعطى الفرصة «لصقور البيت الأبيض» لتنفيذ ذلك. والحال، لقد أثبتت كل تلك الأحداث ولازالت تثبت الأحداث الجارية أيضا أن أصحاب المصارف ومؤسسات التأمين ومصانع الأسلحة والبناء...يمسكون ويتحكمون بمصائر العالم بأسره وأن هؤلاء ، أسياد المجتمع العبودي الحالي، هم الآن في صراع ضار من أجل إعادة تقسيم العالم وأن مرحلة «التروست العالمي الموحد» لازالت بعيدة. فـ"مما لا ريب فيه أن التطور يسير باتجاه تروست واحد ووحيد تروست عالمي يبتلع كافة المؤسسات بلا استثناء وكافة الدول بلا استثناء. ولكن التطور يسير نحو ذلك في ملابسات و وثائر و تناقضات و اصطدامات و هزات ليست أبدا اقتصادية فقط، بل وسياسية وقومية إلخ، بحيث لا بد وأن تنجز الإمبريالية حتما وتتحول الرأسمالية إلى نقيضها قبل أن يصل الأمر إلى التروست العالمي الواحد. وقبل التوحيد العالمي «الإمبريالي الأعلى» للراسميل المالية القومية (التسطير لي)[14]. لقد حاولنا أن نبسط بإيجاز شديد وبالشكل الذي يسمح به هذا العمل، على القارئ خطأ وعدم التقدير السليم للكاتب لمسألة المرحلة الجديدة للرأسمالية مقتصرين بشكل كبير على الناحية الاقتصادية، لكن استحضار البعد السياسي والاجتماعي أيضا هو الأمر لا مفر منه بل ضروري لمقاربة الإمبريالية. فماذا تعني الإمبريالية سياسيا ؟ وما هي إفرازاتها وانعكاساتها على الحركة العمالية وعلى الشعوب والدول التبعية ؟ وهل ما قدمه السيد الحريف من «مستجدات» في هذا الاتجاه يمكن أن نأخذ به كحجج لإقرار انتقال الرأسمالية إلى مرحلة جديدة أخرى ؟ و قبل ذلك، هل بالفعل ما قدمه الكاتب بالفعل جديد وصحيح ؟ لكن، قبل أن نجيب على هذه الأسئلة نود أن نؤكد على أن تناولنا لمسألة «المرحلة الجديدة للرأسمالية» بهذا الإسهاب هو : أولا: اقتناعنا بأن المرحلة الحالية هي نفسها المرحلة الإمبريالية بالرغم من التطورات الحالية، وهو اقتناع مبني على المعطيات والوقائع الخارجة عن فكرنا أي من خلال الوقائع والمعطيات الموضوعية. ثانيا: إن تأكيدنا على ذلك هو تأكيد على راهنية المهام السياسية التي تفرضها المرحلة الإمبريالية والتي أفرزتها الماركسية اللينينية و أثبتتها كل الأحداث والآلام والجراح الماضية وكل تاريخ الحركة العمالية العالمية. وبالرغم من ذلك فإننا مقتنعون أن التطور التاريخي للإمبريالية أحدث العديد من التغيرات والتحولات الكبيرة التي تشكل دراستها وتحديد اتجاهاتها العامة إحدى المهام الجوهرية الملقاة على عاتق الماركسيين اللينينيين، في الوقت الراهن خصوصا إذا استحضرنا واقع الضبابية الإيديولوجية والبلبلة الفكرية المنتشرة حاليا كالهواء في كل مكان.
-*-*-*-*-*-*-*-****-*-*-*
بالرغم من مضي أزيد من 3 سنوات على كتابته يضل كتاب الرفيق خالد الصقر، الذي أقدم جزئه الثاني للقراء، ذا قيمة كبرى بالنظر إلى المسألة التي يتناولها، أي مسألة تقييم المرحلة الحالية للرأسمالية و المهام السياسية المرتبطة بها. فالزمن الذي مر على كتابة هذا الكتاب قد أكد العديد من الأطروحات النظرية و السياسية التي تناولها خ. الصقر. فالصراع بين الامبريالية الأمريكية و الامبريالية الروسية-الصينية حول الملف النووي الإيراني يقدم دليلا ماديا واضحا حول ضيق أفق القائلين بـ"انتفاء الصراع بين الامبرياليات" أو محدوديته. كما أن حجم نمو الاقتصاد الصيني في السنتين الأخيرتين و التصريحات الأخيرة لديك تشيني حول تزايد القدرات العسكرية للصين توضح هي الأخرى بعض اتجاهات الصراع بين الامبرياليات العالمية. يعتبر الجزء الثاني من كتاب الرفيق خالد الصقر ذا أهمية خاصة خصوصا في المرحلة الراهنة التي تتعالى فيها الصيحات حول المرحلة الجديدة من الرأسمالية و ما يرتبط بها من مواقف سياسية. فالحديث اليوم حول المرحلة الجديدة من الرأسمالية يخفي في طياته التراجع على مجمل المهام السياسية التي حددتها اللينينية، خصوصا تلك التي ترتبط بموقفها من الانتهازية و من رؤيتها لاتجاهات الصراع الطبقي بما هي اتجاه الثورة. و هكذا أصبحت المهمة المركزية لدى الداعين بالمرحلة الجديدة ليس تنظيم المقاومة الطبقية للبروليتاريا و الجماهير الشعبية من أجل حسم السلطة السياسية و تحطيم الرأسمالية و إنما تنظيم "الحركات الاجتماعية" المقاومة لما يسمونه بـ"العولمة المتوحشة" و توسيع أدوات "المجتمع المدني". بل لقد وصل الأمر ببعض ماركسيي العهد الجديد إلى التنظير لانخراط الماركسيين في "النضال" من أجل فرض ضريبة على المضاربات المالية، أي تعويض السياسة الثورية بالإصلاحية. و هذا هو المضمون السياسي لأصحاب المرحلة الجديدة. إن قيمة هذا الجزء من كتاب الرفيق خ.ص هو أنه يوضح أن الحجج التي تقدم بها بعض ماركسيي العهد الجديد بالمغرب حول "المرحلة الجديدة" هي ذاتها –أو في أغلب الحالات- الحجج التي قدمها لينين في دراسته للامبريالية. و كل ما هناك أن الظواهر التي رصدها لينين قد عرفت نموا كميا كبيرا بدون أن تحقق قفزة نوعية لمرحلة أعلى من الامبريالية. و هو ما يعني على المستوى السياسي راهنية المهام السياسية التي حددتها اللينينية و على رأسها النضال الحازم ضد الانتهازية الذي بدونه لا يمكن إطلاقا الحديث عن النضال ضد الامبريالية من وجهة نظر الطبقة العاملة. ملاحظة: النص يحمل بين طياته جداول ونظرا لكون التقنية المستعملة ببوابة الحوار المتمدن لا تسمح بنشر الجداول ، فلكل من يرغب في قراءة المقال بطبعته الكاملة المرجو الاتصال بالبريد الالكتروني رفقته مناضل شيوعي بالمغرب
مضمون الامبريالية السياسي ****************** لقد سبق وأن وضحنا بما فيه الكفاية على حضور المميزات والخصائص الأساسية للإمبريالية في ظل المرحلة الحالية من وجهة نظر الاقتصادية، أما الآن فسوف نحاول مقاربة المسألة من الناحية السياسية والاجتماعية. إن الإمبريالية هي الرأسمالية الاحتكارية، والاحتكار يعني النزوع الدائم للأقوى من أجل التهام الأضعف وإزاحته، والاحتكار يولد دائما الميل نحو الركود والتعفن، لذلك كان من الضروري أن يعكس البناء الفوقي السياسي القائم على قاعدة هذا الاقتصاد، طبيعة هذا الأخير وخصائصه، ومنه فإن البناء الفوقي السياسي لن يكون بهذا التحديد إلا انعطافا من الديمقراطية إلى الرجعية «فالديمقراطية تقابل المنافسة الحرة والرجعية تقابل الاحتكار»[15] وبذلك تكون «الإمبريالية من الناحية السياسية هي بوجه عام نزوع إلى العنف والرجعية»[16] وهذا بالضبط هو الأساس الطبقي والمضمون السياسي للإمبريالية. غير أنه لا يجب أن نفهم من ذلك، أن نزوع وانعطاف الإمبريالية نحو الرجعية لا يتعلق إلا بعلاقة البلدان الإمبريالية بالبلدان التبعية بل إنه نزوع نحو الرجعية على طول الخط أي حتى داخل البلدان الإمبريالية ذاتها، فالديمقراطية الغربية التي يتغني بها الانتهازيون وكل أذيال البرجوازية والإمبريالية قد كشفتما العديد من الوقائع والأحداث. فهل المرحلة الجديدة لا تؤكد هذه الخلاصات الأساسية ؟ بلا بكل تأكيد. إن المسألة الثانية في دراسة الإمبريالية سياسيا هي علاقتها بالاتجاهين الأساسيين في حركة العمال وهي مسألة ذات أهمية قصوى بالنسبة لمن يسعى أن يكون ممثلا فكريا وسياسيا للطبقة العاملة. فالإمبريالية التي تعني سطوة حفنة من الرأسماليين على العالم واقتسام العالم كله بين الدول والأكثر تطورا تعني أيضا الأرباح الاحتكارية الفاحشة لحفنة من أغنى الدول. وهي بذلك تخلق اقتصاديا إمكانية رشوة الفئات العليا من البروليتاريا، خالقة الشروط الموضوعية التي تعكس على المستوى الفوقي السياسي أيضا تكون وبروز الانتهازية في صفوف حركة العمال. وقد لاحظ كل من ماركس و إنجلز هذه الظاهرة وأوضحا الصلة التي تربط الانتهازية في حركة العمال بالخصائص الإمبريالية التي اتسمت بها الرأسمالية الإنجليزية في عهدهما. وقد كتب إنجلز إلى ماركس في أكتوبر 1858 قائلا: «في الواقع تتبرجز البروليتاريا الإنجليزية أكثر فأكثر، ويبدو أن هذه الأمة الأكثر برجوازية بين الأمم تريد أن تكون لديها في نهاية الأمر إلى جانب البرجوازية، أرستقراطية برجوازية و بروليتارية برجوازية، وبديهي أن هذا، بمعنى معين، أمر منطقي من أمة تستثمر العالم كله». أما لينين الذي عايش هذه المرحلة في نضجها، فقد ذهب إلى دراسة هذه الظاهرة من كل جوانبها الاقتصادية والسياسية والعلمية أيضا. ومن منظور الجدل المادي، لا يعتبر التناقض والصراع بين قطبي التناقض داخل وحدة معينة كميا أو ميكانيكيا بل كيفيا أيضا وجدليا، بمعنى أن هذا التناقض في صيرورة تطوره يمس حتى بنية كلا القطبين. إن هذا الفهم للجدل المادي، كان وحده كافيا، بالنسبة للينين لفهم تكون وظهور الانتهازية، داخل الحركة العمالية. الشيء الذي مكنه من تقديم الإجابة عليها بشكل سديد. وقد كانت تلك أيضا إحدى المؤشرات النوعية الأخرى التي أكدت انتقال ورقي الرأسمالية كيفيا من مرحلة إلى أخرى ف «الصفة المميزة للوضع الراهن هي وجود ظروف اقتصادية وسياسية تجعل الانتهازية، لا محالة، أبعد لدرجة أكبر(التسطير لي) عما يلائم حركة العمال من مصالح عامة وحيوية»[17]. فهل «المرحلة الرأسمالية الجديدة « تبرز غير هذه الحقيقة ؟ إنه لمن المؤسف حقا، أن ينتبه السيد الحريف إلى هذه الحقيقة بدون أن ينتبه إلى ما تعنيه من خلاصات سياسية وعملية، بل إن تأسفنا هنا غير سليم «فلو كانت البديهيات تقف أمام مصلحة الناس لسعوا بكل تأكيد إلى دحضها» وهو حال صاحبنا الحريف بشكل أو بآخر. إن النتيجة الأساسية لهذه الخلاصة – التي أصبحت بديهية – تكمن في أي موقف يجب على الطبقة العاملة والماركسية اللينينية أن تقفه اتجاه الانتهازية، إن الكاتب يتهرب من الإجابة الواضحة على هذا السؤال المحوري لكنه في ذات الوقت يقدم لنا إجابة ضمنية، هي ذاتها الإجابة الواضحة التي يعبر عنها وبدافع عليها تيار النهج الديمقراطي، أي ضرورة التحالف مع الانتهازيين ومع الإصلاحيين أيضا. فالكاتب يؤكد لنا على طول المقال، ضرورة استحضار الأوضاع الجديدة والمتغيرات التي انبثقت من صلب الواقع الموضوعي، ويتحفنا في ذات الوقت بضرورة تحيين الماركسية وعدم التقيد بتعاليمها «غير الكاملة» والبالية. إلا أنه في هذه النقطة بالذات لا يتجرأ على ذلك. فبعد عرضه لفهم لينين للأرستقراطية العمالية ولتحول الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية إلى حليف للبرجوازية وإلى إفلاس الأممية الثانية يكتب قائلا: «وقد تمكن لينين، قبل غيره، من أن يفهم الدور الثوري لحركات التحرر الوطني في المستعمرات مهما كانت الطبيعة الطبقية لقيادتها»[18] . هكذا إذن، هذه هي خلاصاتك من لينين ؟ لكن، لماذا لا تتحدث أيها الأستاذ الجليل، عن التغيرات الجديدة التي حصلت منذ ذلك العهد إلى يومنا هذا في هذه المسألة أيضا، أي في مسألة الانتهازية؟. هل لازال الواقع الاجتماعي والطبقي لتركيا- التي استشهدت بها – على حاله منذ ذلك العهد ؟ ألم تنم الطبقة العاملة وتبرز على الساحة السياسية أيضا داخل هذا البلد ؟ وإذا كان الأمر كذلك، كما هو عليه، ألا يعني ذلك دفاعا عن الانتهازية وعن البرجوازية ؟ «إن المقادير الهائلة من الرأسمال المالي المتمركز في عدد ضئيل من الأيدي» والذي ينشئ شبكة كثيفة في منتهى السعة من العلاقات والصلات لا تخضع له فقط جمهور المتوسطين والصغار من الرأسماليين وأصحاب الأعمال، بل كذلك الصغار جدا، هذا من جهة، ومن الجهة الأخرى النضال العنيف ضد فرق الماليين من الأمم والدول الأخرى كل ذلك يسبب انتقال جميع الطبقات المالكة أفواجا إلى جانب الإمبريالية"[19]. إن كل ما ذكرناه سالفا، ليؤكد مرة أخرى على طبيعة المرحلة الحالية من الرأسمالية بوصفها مرحلة الإمبريالية ويؤكد من الجهة المقابلة أن المهام التي رسمتها وحددتها الماركسية اللينينية لازالت راهنية إن لم تكن قد أصبحت أكثر استعجالية. أما فيما يخص النقط الأخرى أو التجليات الأخرى للعصر الإمبريالي التي أكد عليها لينين فإنها لازالت هي الأخرى قائمة إلى يومنا هذا بل زادت حدتها أكثر. وسوف نقتصر على ظاهرتين ، هما على كل حال ، ليس محض اختلاف مع معظم دعاة «المرحلة الرأسمالية الجديدة». الأولى تكمن في اتجاه الإمبريالية نحو إنقاص نسبة الناشطين في القطاعات المنتجة وتضخم الجيش الاحتياطي للعمل. وهنا نود أن نشير إلى أن خطأ السيد الحريف ومن على شاكلته أي الذين يحاولون التأكيد على نقص الطبقة العاملة كميا، يكمن في حصر العديد منهم للطبقة العاملة في مجرد العمال الناشطين دون الانتباه بما فيه الكفاية إلى نسبة ازدياد الجيش الاحتياطي للعمل. أما الظاهرة الثانية فتلك التي تتعلق بانخفاض الهجرة من البلدان الإمبريالية وازدياد الهجرة نحوها من البلدان الأكثر تأخرا ذات الأجور المنحطة، ولعل هذه التي أشار إليها لينين وقبله انجلز لازالت قائمة إلى حدود المرحلة الحالية بل إن درجة تعمقها وصل إلى حد أفرزت معه العديد من جمعيات الهجرة السرية في العديد من البلدان. تبقى الإشارة هنا إلى أننا اقتصرنا على معظم الظواهر التي أشار إليها لينين في تحليله للمرحلة الإمبريالية ، لكننا لا نود بذلك أن نقول إطلاقا، بالاستغناء عن دراسة وتحليل مختلف الظواهر الجديدة بل بالعكس تماما وهو ما سنحاول إنجازه في أقرب وقت ممكن.
أزمة الدولة و أزمة التفكير البرجوازي الصغير. ******************************** أما النقطة الأخيرة التي حاول بها السيد الحريف، الدفاع على المرحلة «الجديدة» للرأسمالية فتكمن في ما قاله بخصوص انعكاسات هذا التطور على الدولة وعلى الدولة التبعية بشكل خاص، وهنا سوف نتوقف معه قليلا أيضا لما لهذه «المقاربة النظرية» من تداعيات سياسية وعملية. وقد طرح الكاتب المسألة متسائلا على النحو التالي: «هل لا يمكن أن نجد في هذه التطورات أسباب أزمة الدولة، وخاصة في العالم الثالث؟ « ومباشرة بعد هذا التساؤل المشروع، يسترسل الحريف قائلا : «فالدولة ، التي كانت تعبر عن مصالح الطبقة السائدة المتحالفة، أصبحت تفتقد قاعدتها الطبقية السابقة لتصبح، أكثر فأكثر، المعبر عن مصلحة الفئة المدولة من البرجوازية، هذه الفئة التي تخدم مصلحة تدويل الرأسمال أكثر من خدمة مهمة التراكم على الصعيد الوطني ...وهكذا تنزع أجهزة الدولة، في هذه البلدان إلى التحول إلى أدوات لتنفيذ سياسات الرأسمال المدول». إن هذا المقطع، لوحده ، يوضح لنا أي ضيق أفق وأي تشوش نظري يسري في تفكير كاتبه. ما الدولة؟ إنها نتاج استعصاء واستحالة حل التناقضات الطبقية و تعبير عن مصالح الطبقات المالكة. وما هي هذه التناقضات ؟ إنها أساسا التناقضات بين الطبقات المسيطرة والطبقات المسيطر عليها، ولا يمكن فهم أزمة الدولة إلا بفهم هذه الحقائق الأولى. و إذن، وما دامت الدولة تعبر عن مصالح الطبقات المالكة والمتحالفة، فإن هذا التحالف مثله كمثل أي تحالف، مهما كانت طبيعته، ليس ثابتا ولا أزليا. وهو رهين بمستوى موازين القوى الاقتصادية والسياسية بين مختلف الطبقات والفئات الطبقية. وموازين القوى، هي كما يعلم الكل، مقدار متحرك وليس ثابت ، محكوم بالمعطيات السياسية أساسا عند الحديث عن التناقض الأساسي داخل المجتمع الرأسمالي أي عند الحديث عن التناقض بين الطبقة العاملة وحلفائها الموضوعيين وبين البرجوازية وبكل فئاتها الطبقية. أما عند الحديث عن موازين القوى بين الطبقات المسيطرة فلا مناص من التحديد الاقتصادي بالدرجة الأولى، دون إغفال أو التقليل من المستوى السياسي فهدا الأخير يعبر بشكل أو بآخر على المستوى الأول أي الاقتصادي، إن القوة هي مقدار اقتصادي. وهكذا فالقاعدة الاقتصادية التي تقوم عليها الطبقات المسيطرة تفرز في صيرورة تطورها مستويات مختلفة ومتغيرة من التحالفات بين مختلف الطبقات والفئات الطبقية. وهذا ليس بالأمر الجديد على الإطلاق ، فكل تاريخ المجتمعات الطبقية يبرزه بوضوح وخير مثال يمكن أن ندرجه هنا. وهو ما أصبح شبه عرف لدى الماركسيين. هو التحليل القوي الذي قام به ماركس لدراسة الصراعات الطبقية في فرنسا [20] إن أول جملة يبدأ بها ماركس كتابه الصراع الطبقي في فرنسا كانت كالتالي "إن أصحاب المصارف هم من سيحكمون الآن فصاعدا ...". إذن فالدولة وإن عبرت في مرحلة معينة على فئة دون الأخريات فإن ذلك ليس بالجديد على الإطلاق بل إنه من طبيعة الرأسمالية كنظام طبقي، لكن لنتساءل هل القاعدة الطبقية للدولة بالمغرب لازالت على حالها منذ عشرين سنة أو ثلاثين ؟ أو للدقة هل موازين القوى بين التحالف الطبقي المسيطر لازالت هي ذاتها ولم تتغير منذ الاستقلال اللقيط ؟ لا أعتقد أن هناك من يستطيع أن يتجرأ للإقرار بذلك. فبمجرد إطلالة على مختلف الصراعات السياسية التي شهدها المغرب يمكن أن نتأكد من ذلك، وإذا استحضرنا مجالات أخرى غير السياسية يمكن أيضا أن يتضح ذلك.مثلا، بقراءة متأنية لقانون الاستثمارات الأخير أو ما قبل سوف نجد هذه الحقيقة ساطعة بكل وضوح، فما معنى التخفيض أو إلغاء أداء رسوم البقع الأرضية المخصصة للمشاريع «التنموية» ؟ أليس ذلك تطاولا ومسا بمصلحة الملاكين العقاريين ؟ وماذا تعني إثارة «ملفات الفساد» وسرقة المال العام بالرغم من أحد أبعادها المتعلقة بالمناورة مع الاتحاد الأوربي لإعادة جدولة الديون وبالرغم أيضا من أبعادها الإيديولوجية الرامية إلى تثبيت شعارات النظام من قبيل «العهد الجديد» و «دولة الحق والقانون» و"طي صفحة الماضي" وما على شاكلتها من شعارات أخرى. بالرغم من ذلك كله ألا تعني أيضا تطاولا على مصلحة البرجوازية البيروقراطية ؟ وهل الوثيرة المتصاعدة لخوصصة أو بيع القطاع العام هي أيضا من مصلحة البرجوازية البيروقراطية ؟ ولكن من الجهة المقابلة يجب الانتباه سواء داخل المغرب أو خارجه، فهناك نوع من التدخل بين مختلف هذه الفئات والطبقات ، بل إننا نجد في الغالب أن أصحاب العقارات والأراضي الشاسعة هم أصحاب المصارف وهم أنفسهم أصحاب المصانع الكبرى... لذلك عندما يقول السيد ع.الحريف بأنه «إذا كانت بعض فئات البرجوازية في المحيط، مدمجة في الاقتصاد الرأسمالي العالمي (البرجوازية النفطية مثلا)، فإن بعض فئات البرجوازية في المركز تظل مهمشة عنه» هو بذلك على صواب إلا أنه نسي أن تلك البرجوازية النفطية هي ذاتها المالكة للعديد من القطاعات الصناعية الكبرى والمالكة لوسائل الاتصال والمواصلات و ....كما أنه لم يفهم أن عملية التهميش ليست رغبة ذاتية للأفراد أو المؤسسات بل تحكمها الضرورات الاقتصادية، فإذا كان الرأسمال ينحو دائما إلى «الاستثمار» في القطاعات المربحة أي القطاعات التي تعرف معدلا للربح مرتفعا فإنه لا يجب أن ننسى أننا في مرحلة الاحتكار، فالمعدل الوسطي للربح ينتج من خلال حرية انتقال الرأسمال من فرع اقتصادي إلى فرع اقتصادي آخر ومن قطاع إلى آخر غير أن هذه الحرية قد تقيدت بشروط كثيرة جدا في ظل واقع الاحتكار. ومهما يكن، فإننا متفقون مع الكاتب، مع استحضار التحفظات الواردة أعلاه، في أن الدولة أصبحت «تفقد قاعدتها الطبقية السابقة»، فما هي النتيجة السياسية لذلك ؟إن الإجابة على هذا السؤال تجد أساسها في تحديد القاعدة الاقتصادية الجديدة وبالتالي الطبقية لجهاز الدولة، ففي أي اتجاه ينحو إذن هذا التطور؟ وما هي القاعدة الاقتصادية الجديدة والفئات الطبقية الجديدة التي تتجه نحو السيطرة على جهاز الدولة ليصبح المعبر عن مصالحها ؟ أو بمعنى بسيط ما هي الفئات الطبقية التي أصبحت أو في طريقها إلى السيطرة على جهاز الدولة ؟. إنها «الفئة المدولة من البرجوازية» هذه هي إجابة الأستاذ العظيم ع. الحريف، لكن ماذا يعني هذا المفهوم ؟ دائما حسب ع.الحريف إنها الفئة البرجوازية المعبرة عن مصلحة الرأسمال المدول. لكن هذا التحديد هو الأخر لم يحل المسألة وإنما فقط استبدال الأشكال بآخر. لأن الرأسمال المدول يستدعي تحديدا نظريا لكن الكاتب لا يفعل ذلك على الإطلاق بل يراهن في ذلك على المصطلح في حد ذاته ويقتصر على تكراره وكأنه شيء بديهي. الرأسمال المدول هو الرأسمال الذي يسعى إلى أن يكون مسيطرا على كل الدول أي فوق الدول، إن هذا النوع من التحليل هو ما عبر به ماركس على آدم سميت حيث وصفه بأنه «يفسر الماء بالماء» بل إنه أقل من ذلك. إن ما يسمى الرأسمال المدول ليس إلا مفهوما ضيق الأفق كصاحبه، فالمفكر البرجوازي الصغير لا يرى في الرأسمال سوى مالك الرأسمال وشكله ولا يستطيع بحكم موقعه وضيق أفقه أن يرى أن هذا الأخير (أي مالك الرأسمال) ليس إلا عبدا للأول أي للرأسمال، بمعنى أن الرأسمالي يخضع ويسير وراء ضرورات واحتياجات الرأسمال. لقد وضح ماركس بما فيه الكفاية صيرورة تطور وتكون الرأسمال بوصفه علاقات إنتاج وعندما كان يتحدث عن الإشكال التي يظهر فيها الرأسمال أي الرأسمال التجاري والرأسمال الصناعي فإنه يرتكز في هذا التحديد على القاعدة الاقتصادية التي تفرز هذا الشكل أو ذاك بمعنى تحديد لموقع هذا أو ذاك داخل الإنتاج الاجتماعي ككل. وفي تطور سير التراكم وتمركز الإنتاج الكبير وتمركز الرأسمال النقدي نشأ نوع من التحالف أو للدقة نوع من الاندماج بين الرأسمال الصناعي والرأسمال المصرفي ليكونا الرأسمال المالي وهذا الأخير باعتباره تعبيرا بشكل ما عن الاحتكار ينزع بطبيعته إلى التدويل أي إلى السيطرة على العالم، وقد وضحنا ذلك بما فيه الكفاية سابقا. إن عملية تشكل الاحتكارات وتشكل الرأسمال المالي قد اجتازت مسارات جد متنوعة ومختلفة إلى أقصى الدرجات لكنها تكونت أيضا في جدلية بين النشأة والتكون الوطني والقومي والعالمي. فإذا كانت البرجوازية تنزع سابقا إلى تحقيق حلمها المتمثل في إنشاء الدولة الوطنية والقومية فإن صيرورة تطورها ذاتها جعلتها تنزع إلى السيطرة على العالم بأسره. إن هذا الواقع الذي اتسم بإلحاق البلدان الأكثر تطورا وقوة للعديد من البلدان الأخرى سواء أخذ ذلك شكله المالي أو السياسي أو العسكري المباشر قد نتج عنه تكون مجموعة من البلدان الإمبريالية المسيطرة على كل أقطار الأرض والمتصارعة فيما بينها. وكذا تكون وظهور العديد من البلدان التابعة لهذه الإمبريالية أو لتلك، وإذا كانت ثورة أكتوبر قد خلقت وأوضحت للشعوب الأخرى عن مسارات جديدة لتطور المجتمعات، مسارات تقدمية بل المسار الوحيد الممكن للتقدم و الحتمي أيضا، فإن الأمور قد عادت إلى عهدها الأول لكن في درجات لولبية مختلفة ومرتفعة. وعادت معها أيضا العديد من الظواهر الأخرى بما فيه العسكرية أي الاحتلال المباشر. إلا أن ما يهمنا هنا هو عملية تكون الدولة التبعية وإن كان تكوينها قد قام هو الآخر في ظروف في منتهى التنوع وأخذ هو الآخر مسارات مختلفة ما بين هذا البلد وذاك. رغم ذلك كله فقد استطاع ماو تسي تونغ إبراز العديد من الخيوط الناظمة لعملية التكون هذه. فالبلدان التبعية أو -وهو الشيء نفسه-، الدول التبعية هي تبعية ليس بتبعية المؤسسات والأجهزة أو بتبعية الأشخاص والجماعات. بل إن ذلك لا يعدو أن يكون النتيجة الموضوعية لتبعية طبقات وفئات طبقية داخل المجتمع أو ذاك – وهي ذاتها إفراز لعملية تقسيم العمل على النطاق الدولي و المحلي. وهذه الطبقات أو الفئات هي نفسها التي تسيطر على جهاز الدولة ومؤسساته وتجعله في خدمة مصالحها ومعبرا عن احتياجاتها ومصالحها المرتبطة بشكل عضوي بمصالح الإمبريالية، بحكم طبيعة علاقاتهما أي بحكم علاقة التبعية للأولى للثانية. وإذا كان الرأسمال المالي قد تشكل في صيرورة تطور وتركز الإنتاج الصناعي الكبير وتمركز الرأسمال، فإنه قد خلق في صيرورة تطوره الظروف الاقتصادية لنشوء و سيطرة الرأسمال التبعي داخل هذه الدول و تبلور كل من البرجوازية الكمبرادورية والبيروقراطية. فعندما يقول لنا ع.الحريف بأن هذه الفئة البرجوازية المدولة أصبحت تخدم مصلحة تدويل الرأسمال أكثر من خدمة مهمة التراكم الوطني فإنه بكل تأكيد قد أغفل هذه الحقيقة رغم امتنانه لماو تسي تونغ و «الدفاع» عنه. فمتى كانت البرجوازية الكمبرادورية تخدم مهمة التراكم الوطني ؟ ومتى لم تكن في خدمة مصالح الرأسمال المالي أولا ؟ إنها مرحلة «الرأسمالية الجديدة» بالفعل لكن ما هو جديد فيها هو نسيان الحقائق والبديهيات ، نسيان وعود الماضي الجاثم على صدور أصحابنا والمشع في عقولنا. لكن، والحق يقال، إن كل ذلك ليس بالجديد، بل إنه ممتد في كل تاريخ المجتمعات الطبقية، فإذا كنتم قد نسيتم ضرورة «بناء الحزب الثوري تحت نيران العدو» ونسيتم أن الأقنعة قد سقطت منذ سنين فإننا نقول الآن ها هي ذي مرة أخرى تسقط الأقنعة فلنفتح الطريق الثوري. لكن السيد الحريف لا يود أن يقف عند هذا الحد، بل يتحفنا بالمزيد من إرهاصاته قائلا «هكذا تنزع أجهزة الدولة في هذه البلدان إلى التحول إلى أدوات لتنفيذ سياسات الرأسمال المدول» لكن ماذا كانت هذه الدولة فيما قبل ؟ ألم تكن عبارة عن دولة المعمرين الجدد ؟ ألم تكن أداة للسيطرة الطبقية ؟ ألم تكن الطبقات المسيطرة هي ممثل الرأسمال المالي محليا ؟ وإذا كانت هذه هي إرهاصات السيد الحريف فيما يخص الدولة التبعية فإنه لم ينسى الدول الإمبريالية فكتب قائلا: «أما في الدول الرأسمالية المتطورة نفسها، فإن قدرة الدول، بمختلف أجهزتها التشريعية والتنفيذية على بلورة وتنفيذ سياسات اقتصادية واجتماعية أو حتى ثقافة مستقلة، قد أصبحت تتقلص باستمرار أمام ضرورات تدويل الرأسمال وتفويض تلك الدول للعديد من اختصاصاتها لهيآت فوق-وطنية كالمجموعة الأوربية مثلا»[21]. أولا: إن الاستشهاد بالدول الأوربية في هذه المسألة بالذات، هو استشهاد غير موفق على الإطلاق فحلم تكون «الولايات المتحدة الأوربية» ليس بالجديد كما ان العمل في اتجاهه لم يبدأ البارحة أو مع نهاية الثمانينات بل إنه يمتد في جذور تاريخ الرأسمالية الأوربية قديما. و إلا فليحاول السيد الحريف أن يقول إن ضرورات تدويل الرأسمال تؤدي إلى تفويض الدولة الأمريكية والفرنسية للعديد من اختصاصاتهما لأجهزة فوق وطنية ولينظر في أي وضع مضحك وأبله سوف يلقي بنفسه فيه. ثانيا: إن اختصاصات الدولة تختلف من هذا المنظور أو ذاك أي أن ما تراه أنت اختصاصا للدولة هو بالنسبة لآخر غير ذلك، واختلاف وجهات النظر في هذه المسألة أي في مسألة اختصاصات الدولة هو اختلاف بين المصالح الطبقية أي أن الطبقة التي ترى بأن هذا الأمر أو ذاك هو من اختصاص الدولة لها مصلحة في ذلك ومن ثم فإن طبقة أخرى أو فئة طبقية أخرى لا تراه كذلك لأنه لا ينسجم ومصالحها وبالتالي تصارع لأجل أن لا يكون كذلك أي لا يكون من اختصاص الدولة. فمثلا ضبط السيولة المالية والنقدية لم تكن تراه الأرستقراطية المالية اختصاصا من اختصاصات الدولة نظرا لأن ذلك يتيح لها المزيد من إحقاق الشروط الاقتصادية لتسيطر على الدولة عن طريق الديون. كما أن التعليم والتكوين والتشغيل أيضا لا تعتبره كل الطبقات اختصاصا من اختصاصات الدولة فكل يراه حسب مصلحته. فما هي الخلاصة إذن من كل كلام الكاتب إن لم تكن اضمحلال وانتفاء الدولة أو على الأقل الدولة القومية – على النطاق العالمي، إن مجمل إرهاصاته لا تستحق إلا أن تكون غفوة مزعجة أي كابوس، لكنه ممل وسخيف أو في أحسن الأحوال يمكن اعتبارها ثرثرة، لكنها مع ذلك ككل ثرثرة تعبر بهذا الشكل أو ذاك عن رؤية طبقية معينة وبالتالي عن مصالح طبقية بعينها أصبحت الآن معروفة إنها مواقع البرجوازية الصغيرة التافهة الضيق الأفق. إن الكاتب لا يفوته أن يسجل أنه «لا مفر، من التأكيد، بهذا الشأن على أنه، إذا كانت الرأسمالية كأنماط الإنتاج السابقة المرتكزة إلى استغلال الإنسان للإنسان محكوم عليها بالزوال (أنظروا ذلك جيدا) فإنها تتوفر على قابلية أكبر للتطور من أنماط الإنتاج السابقة، وذلك لأنها أول نمط إنتاج قادر على أن يصبح عالميا لأنه يرتكز إلى السوق المعممة ولأن الرأسمالية تبدو...و كأنها خاضعة لقوانين اقتصادية موضوعية حيث يتم انتزاع فائض القيمة بشكل أوتوماتيكي وليس كما في الأنماط السابقة عبر اللجوء إلى الإكراه...»[22]. إذن الرأسمالية محكوم عليها بالزوال لكن ليس الآن بل بعد قرون، هذا ما تعود إليه كل فقرة هذا المدافع عن «الجوهر الحي للماركسية»، فنحن نعلم على كل حال كم استمرت سيطرت أنماط الإنتاج ما قبل الرأسمالية التي هي «أقل قابلية للتطور من الرأسمالية». لذلك يجب أن نسقط من أيدينا لافتات شعار تحطيم الرأسمال ونعوضها بلافتات أخرى مكتوب عليها شعار آخر لن يكون بطبيعة الحال سوى «النضال الديمقراطي الجماهيري» أو «الجبهة الاجتماعية"... أو لما خلص إليه الحريف قائلا «لذلك لا بد من تسليط سلاح النقد الماركسي على هذه الإيديولوجية وتجلياتها الحديثة». إلا أنه نسي أن سلاح النقد الماركسي لا يصوب دون اتجاه بل في اتجاه واضح ووحيد هو الثورة والقضاء على الرأسمال وإن اختلفت مساراته من هذا البلد أو ذاك وفق الشروط الموضوعية الاقتصادية والسياسية لهذا البلد أو ذاك. مرة أخرى الوقائع تؤكد موضوعات الماركسية اللينينية. ************************************** لقد قال ماركس ذات مرة على برودون إنه لا يرى في البؤس سوى البؤس ونحن نقول أن الحريف لا يرى في «القوة غير القوة» في حين أنها تحمل عناصر القوة وعناصر الضعف أيضا بل وعناصر الدمار. فالبروليتاريا مثلا تكمن إحدى عناصر قوتها في ازديادها المطرد إلا ان هذا الازدياد بوصفه هنا عنصر قوة يصبح من جهة أخرى أي مع تكون الجيش الاحتياطي للعمل الذي يزداد هو الآخر بشكل مطرد عنصر ضعف أيضا. وإذا كانت الرأسمالية تنحو في اتجاه أن تصبح نمط إنتاج عالمي كما بين ذلك مؤسسا الماركسية وكما تؤكد الوقائع تحليلاتهما. فإن اتجاهها هذا بالقدر الذي يعطيها إمكانيات هائلة للتنفيس عن أزماتها فإن هذا الاتجاه ذاته يلقي بها في الطريق المؤدية إلى حتفها النهائي. لكن ليس بشكل عفوي بل بهمة الثوريين في صفوف الطبقة العاملة وباستحضار مهامها العاجلة والأساسية و بتناقضات الدولة الإمبريالية فيما بينها و ... فإذا كانت المرحلة الراهنة تتسم بسيطرة الإمبريالية الأمريكية بالنظر إلى موقعها داخل موازين القوى العالمية «فهل من المعقول أن نتصور أن تناسب القوى بين الدول الإمبريالية سيبقى دون تغير بعد عقد أو آخر من السنين ؟ لا يمكن تصور ذلك على الإطلاق». لقد نسي صاحبنا الحريف قانون التطور اللامتكافئ الذي اعتبره من «الاسهامات الرائعة للينين». وربما نجد في الأحداث الجارية حاليا على المستوى العالمي ما يوضح بما فيه الكفاية حجم التناقضات التي تحبل بها الإمبرياليات ويوضح أيضا أن عهد التروست العالمي الواحد و «الرأسمال المدول» لازالت بعيدة وبعيدة جدا والحديث على حجم الصراعات داخل منظمة التجارة العالمية بل وحتى مختلف التناقضات حتى بين الإمبرياليات الأوربية سوف نحاول أن نلقي بعض الضوء على ما يقع في الشرق الأوسط وبالتحديد معنى احتلال العراق وأفغانستان. لقد كان التقاسم القديم للعالم مستندا كما سبق وأشرنا على قاعدة التوازنات العالمية القديمة المحكومة بالصراع ضد «شبح الخطر الشيوعي» إلا أن انتفاء هذه القاعدة سيولد احتياجات جديدة وضرورات جديدة لإعادة القسمة وفق الموازين الجديدة. فقد ابتدأت المناوشات بين الضواري حتى قبل سقوط التحريفية وترسخت بعده بشكل أكثر وضوحا[23]. وبدأت تتشكل التحالفات على الصعيد العالمي والمصادقات على المعاهدات العسكرية و»الأحلاف السلمية تحضر الحروب وتنشأ بدورها عن الحروب» مشترطة بعضها بعضا ومكونة تغير أشكال الصراع السلمي وغير السلمي على أساس صعيد واحد لا يتغير هو صلات وعلاقات الاقتصاد العالمي الإمبريالية والسياسة العالمية»[24]. إن الولايات المتحدة الأمريكية اليوم تقول لأوروبا، أنا التي حطمت «الشيوعية» وأنا الذي أعدت بنائك وأنا الآن سيدة العالم، ونحن أبناء اليوم وليس البارحة فأعطونا حقنا؛ بل سوف نستحوذ على نصيبنا. «لكن ماذا يعني نصيبنا ؟ وبأي صورة يمكن تحديده في العالم الرأسمالي، في عالم البنوك ؟ فالقوة هناك يحددها عدد البنوك والقوة هناك تحدد كما حددتها إحدى الصحف أصحاب المليارات الأمريكان بالصراحة الأمريكية الصرفة وبالوقاحة الأمريكية الصرفة. فقد أعلنت هذه الصحيفة «في أوربا تدور رحى حرب من أجل السيطرة على العالم ولغرض السيطرة على العالم يجب توفر أمرين : الدولارات والبنوك، أما الدولارات فهي موجودة لدينا وأما البنوك فسنؤسسها وسنسيطر على العالم»[25]. إن التنبؤات الأمريكية قد تحققت اليوم رغم أنها أخذت مسارات لم تكن متوقعة إطلاقا. فالأمريكيون أو للدقة الإمبرياليون الأمريكيون معروفون بالنزعة البرغماتية والعملية الجامحة. لقد فهموا قانون العصر الإمبريالي وعملوا في اتجاهه ووفرت لهم شروط غياب أو تغييب الطبقة العاملة الوصول إلى ما كانوا يحلمون به. وإذا كان البعث العربي في العراق يعتبر إحدى الحواجز التي تقف أمام زحف الرأسمال المالي الأمريكي على الخصوص وأمام الاحتكارات العملاقة فإنه من غير السليم اعتبار احتلال العراق هو فقط نتيجة للاحتياجات الاقتصادية الأمريكية الخاصة. إن الإمبريالية تنزع إلى السيطرة وإلى احتلال ليس بالقدر الذي تحتاجه إلى نفسها وإنما بالقدر الذي تحتاجه من أجل إضعاف خصومها ومنافسيها. وحساسية وأهمية منطقة الشرق الأوسط لا تحتاج إلى توضيح سواء من زاوية الثروات الهائلة التي تمتلكها خصوصا ما يتعلق بالنفط أو من زاوية موقعها الجغرافي والسياسي العسكري فهي تشكل قلب القومية العربية وكذلك الجبهة الشرقية لأوروبا ومدخلا أساسيا للشرق الأدنى وآسيا. لقد وصف لينين ذات مرة ألمانيا، عندما كانت طبول الحرب العالمية الأولى تدق، قائلا: «وعندما غدا الوحش الضاري الفتي الذي شارك في التقاسم آنذاك جولة رأسمالية قوية هي ألمانيا أخذت تقول: تعالوا نعيد التقاسم إنكم تريدون الاحتفاظ بما كان سابقا ؟ وتعتقدون بأنكم الأقوى ؟ فلنجرب من الأقوى؟" . وها هي الولايات المتحدة تقول نفس الكلام لكنها تعلم بحس أرفع من كل تفاهات البرجوازية الصغيرة الضيقة الأفق، أن الأمور لن تبقى على حالها إذ قد تجوع الوحوش الأخرى أو يظهر وحش ضار آخر ليقول نفس الكلام. و لذلك فهي تستعد للمعركة بإضعاف الكل ومحاصرة الكل ولا أحد إلا ضيقي الأفق يمكن أن يدير ظهره إلى أنياب الضيف التي تكبر وتشتد يوما بعد آخر، فلن تجد أي كتاب أو مقال في التاريخ الاقتصادي للعقد الأخير إلا ويعترف بهذه الحقيقة الواضحة ، ألا وهي سرعة وثيرة تطور الاقتصاد الرأسمالي في الصين فهي السنة الرابعة على التوالي تحقق أكبر نمو اقتصادي على النطاق العالمي. إننا هنا لا نود أن نقول بحتمية دخول الصين إلى حلبة المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة الأمريكية فقد يكون أي لص آخر غير الصين، لكننا نؤكد على حتمية الحرب العالمية الثالثة إذا لم تنتصر الاشتراكية على النطاق العالمي. فحتى وإن كان البعض يقول بأن طبول الحرب لم تدق بعد، فإنها على كل حال غير بعيدة عن ذلك، فالإمبرياليات العالمية المتصارعة والمتناقضة توقد النار اليوم تحت الطبول لكي تكون أصواتها، حين تعطى إشارة الانطلاق، قوية ومدوية. إن كل تاريخ الرأسمالية، كل تاريخ الإنتاج والتبادل البضاعي وكل تاريخ الأزمات الرأسمالية الدائمة والمستمرة، كل تاريخ القرن 19 و 20 يؤكد بجلاء هذه الحقيقة التي ينكرها العديد من ضيقي الأفق، العديد من ألقاهم وضعهم الطبقي بين نارين، البرجوازيون الصغار، دوي النزعة «الإنسانية» الطيبة لكن المقرفة والتافهة.و بماذا يحاولون إنكار هذه الحقيقة اليوم، ليس بشيء آخر سوى هذه النزعة «الإنسانية»، فبالنسبة لهم، أن ما وصلت إليه آلة الدمار العسكري والنووي يهدد في حالة قيام حرب عالمية اليوم، بنهاية تاريخ الإنسانية ككل ومن تم نهاية حتى الرأسمالية لذلك لن تجرئ هذه الأخيرة على نفسها، إن أحس رد على هذا المنطق المسكين هو كل ما أوضحناه سابقا من وقائع حالية ومن قوانين موضوعية التي تحكم تطور تناقضات الرأسمالية، لكننا بالمناسبة نود أن نستشهد بما استشهد به ماركس لوصف فعالية إحدى القوانين الرأسمالية وبالضبط قانون معدل الربح. "آمنوا 10% يشتغل الرأسمالي في أي مكان، 20% ينشط، 30% تمتلكه أحاسيس مجنونة، 100% يدوس بالأقدام جميع قوانين البشرية، 300% ليست تمة جريمة لا يجازف في ارتكابها حتى و لو قادته إلى حبل المشنقة". إنه قانون تطور الرأسمالية، وإذا أضفنا إحدى خصائص المرحلة، أي: الاحتكار فسوف يصبح ذلك القانون هو بالضبط ما أسماه لينين بقانون معدل الربح الاحتكاري فلتتصوروا ما يمكن أن يفعله هذا القانون بالرأسمالي الإمبريالي. إن الحرب ليس رغبة للقيادات أو للدول الإمبريالية وإنما هي نتاج موضوعي وحتمي لقوانين نمط الإنتاج الرأسمالي في مرحلته الحالية أي في مرحلته الإمبريالية التي انتهى تقسيم كل الأرض بين كبريات الدول. وكل إعادة تقسيم تفرز ما تفرزه من أحداث ووقائع. إننا لا ندعي إطلاقا بمقاربة المسألة من كل جوانبها أو حتى من مجمل جوانبها، فتلك مهمة لازالت مطروحة أمام كل الماركسيين وسوف نعمل من جانبنا على المساهمة في إنجازها، لكننا في ذات الوقت حاولنا أن نبيت أي إرهاصات يحملها إلينا السيد ع.الحريف ومن على شاكلته عن ما يسمى بالرأسمال المدول وأي نتائج أوصلته إليها طريقة تفكيره ومنطق تحليله، إنه «من الخطأ نظريا نبد تحليل التبادل والإنتاج البضاعي والأزمات إلخ عموما و «الاستعاضة» عن هذا التحليل بتحليل الإمبريالية ككل. وذلك لأن هذا الكل غير موجود «لذلك» كان هذا الربط بين «المبدأين» المتناقضين : المنافسة والاحتكار هو بالذات الأمر الجوهري بالنسبة للإمبريالية وهو بالذات الذي يمهد للانهيار، أي للثورة الاشتراكية»[26]. موقف الطبقة العاملة من السياسة الامبريالية. *************************** تلك هي خلاصتنا الأساسية من هذه المسألة. والآن وعلى ضوء كل ما سبق ذكره أي مهام يضطلع بها الماركسيون اللينينيون في هذه المرحلة داخل الحركة العمالية وأي مهام نضطلع بها نحن الماركسيون اللينينيون المغاربة محليا. وسوف نبدأ مما انتهينا به سابقا، أي تحديد موقف الطبقة العاملة اتجاه سياسة الإمبريالية في ظل المرحلة الراهنة، غير أن هذا التحديد لا يجد أساسه المتين إلا في تحديد الموقف الذي تقفه كل طبقات المجتمع اتجاه هذه السياسة، بحيث لا يوجد صور صيني يفصل هذه الطبقات فكل منها تحدد وتتحدد مواقفها في علاقتها بباقي الطبقات وتبعا لعقليتها العامة الناتجة من موقعها داخل الإنتاج الاجتماعي فوجهة نظر كل طبقات المجتمع وموقفها حيال الإمبريالية وحيال كل القضايا يحددها بصورة كلية مركزها في الإنتاج الاجتماعي. إذا كان من المعتاد أن يدافع الإمبرياليون المكشوفون والوقحون ومن على شاكلتهم من ممثليهم داخل البلدان التبعية، فهناك أيضا من الإمبرياليين من اقتصاديين وعلماء وصحفيين وساسة ممن يدافعون عليها بشكل مستور مخفين سيطرتها التامة وإجراميتها وتعفنها، ويقيمون الدنيا ولا يقعدونها على التفاصيل الجزئية التافهة محولين الأنظار عن جوهرها وطبيعتها بالزعيق التافه على شاكلة «إصلاح المنظومة الدولية» و «إصلاح منظمة الأمم المتحدة» و «الالتزام بالقانون الدولي» و «التقيد بمبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان» و «المواثيق الدولية» ... إلا أن هؤلاء وإن كان ضروريا فضح خلفياتهم الحقيقية فإن الأحداث والوقائع كفيلة بتعريتهم وكشف خداعهم فكل المدافع التي تقصف العراق، وقبلها أفغانستان ويوغسلافيا...كانت في ذات الوقت تهز كل أركان مباني الأمم المتحدة وترمي بأوراقها ومواثيقها إلى القمامة أو في أحسن الأحوال إلى الأرشيفات السفلية، إن صوت المدافع ببغداد وسفارات الإنذار كانت تدوي ببنايات الأمم المتحدة بحدة أكبر ورنين أقوى حتى من بعض مناطق العراق نفسه. «إن المسائل الأساسية في انتقاد الإمبريالية هي مسائل ما إذا كان في الإمكان تغير أسس الإمبريالية بالطرق الإصلاحية، ما إذا كان ينبغي السير إلى الأمام في اتجاه زيادة حدة التناقضات التي تنشأ عنها وتعميقها ، أم إلى الوراء في اتجاه تلم حدتها»* ففي سنوات العقد الأخير ، على وجه الخصوص ، برزت ونمت نزعة «مناهضة العولمة» في كل بلدان العالم تقريبا بما فيها البلدان الإمبريالية ، وأصبح حينها كبيرا وتحركاتها تجاوزت النطاقات المحلية وامتدت إلى المستوى الأوروبي بل والعالمي أيضا لكن هذه الظاهرة ليست بالجديدة ، فقد رافقت الإمبريالية في كل صيرورة تطورها التاريخي ففي الولايات المتحدة مثلا قد أثارت الحرب الإمبريالية ضد إسبانيا سنة 1898 بالفلبين معارضة «مناهضي الإمبريالية» آنذاك ، بقايا العثرة الديمقراطية البرجوازية كما أسماهم لينين، فقد أقاموا الدنيا ناعتين تلك الحرب بـ «الإجرامية» واعتبروا إلحاق أراضي الغير مخالفة للدستور ..» إلا أن هذا الانتقاد برمته يظل «أمنية بريئة» مادام الغير يخشى الاتحاد مع القوى التي تنشأ عن الرأسمالية الضخمة وتطورها»[27]. والكل يتذكر حملات الاحتجاج مع القوى العالمية المناهضة للتدخل الإمبريالي الأمريكي في الفيتنام وما خلفه التدخل الإمبريالي الأمريكي البريطاني الاسباني الأسترالي ...في العراق من تصعيد لوثيرة الاحتجاجات المناهضة للحرب العدوانية، إلا أننا هنا لا يمكن في أي حال من الأحوال أن ننكر ما قدمته تلك التحركات الجماهيرية من دعم للفيتناميين آنذاك ومن فضح للأمبريالية الأمريكية وحلفائها، لكن انتقاد الإمبريالية لا يجب أن يحصر من هذه الزاوية أو يكون أفقه هو تلك التحركات، بل إنها تنظر إلى المسألة من زاوية الأفق التي تعطيه مختلف الطبقات لتلك التحركات وفي أي اتجاه توجهه وهي المسألة الجوهرية بالنسبة لنا. ولما كانت خواص الإمبريالية السياسية هي الرجعية على طول الخط واشتداد الظلم القوي بسبب استبداد الطغمة المالية وإزاحة المنافسة الحرة، ولما كانت الوقائع والأحداث تكشف يوما بعد آخر على هذه الحقائق، وبعدما أزيل الغطاء الإيديولوجي الذي كان يجب هذه الحقيقة على ضيقي الأفق في عصر محاربة «الشيطان الأحمر» فإن معارضة الإمبريالية وانتقادها كان لا بد لها وأن تساير هذا الواقع وهو بالضبط ما عكسته النزعة الجديدة، نزعة «مناهضة العولمة». فأصبح الفاعلون فيها يوجهون ساهم نقدهم إلى التروستات وإلى الاحتكارات العالمية وأصبحت تتصاعد احتجاجاتهم ضد تدمير البيئة وضد الحروب وأصبحت تلك الاحتجاجات موازية لأب تحرك لمنظمة «الثمانية الكبار» ولاجتماعات منظمة الكات، بل إنهم أصبحوا ينظمون المؤتمرات الموازية لمؤتمرات القوى الاحتكارية والإمبريالية رافعين شعار «عولمة النضال ضد عولمة الاستغلال» غير أن هذا التقدم النضالي والميداني لم يوازي أي تقدم على المستوى الفكري أي على مستوى تحديد أفق هذا النضال واتجاهاته. وهنا بالضبط يتشكل ذلك الخيط الرفيع الفاصل بين ممثلي البرجوازية الصغرى بكافة تلاوينهم وممثلي الطبقة العاملة، بمعنى أن ما يميز هذا عن ذاك ليس هو الانخراط النضالي في هذه الحركة أو تلك وفقط، وإنما أساسا المضمون والاتجاه الذي يعطيه هذا أو ذاك لهذه الحركة أو لتلك وهذه مسألة سوف نعود إليها فيما بعد. فما هو المضمون الذي تنتقد به التيارات، المتواجدة حاليا داخل هذه الحركة، الإمبريالية والسياسية الإمبريالية ؟ وفي أي أفق توجه «صراعها» ضد هذه السياسة أو تلك من سياسات الإمبريالية؟ إن مجرد إلقاء نظرة على مختلف الشعارات الأساسية التي تناضل تحت يافطتها هذه التيارات داخل هذه الحركة تكفي لتوضح لنا ذلك. فقد وصل الحال ببعض المتمركسين إلى درجة "النضال" من أجل وضع الضريبة على المضاربات المالية !!! و الانضواء في إطارات وجدت و لا تزال لخدمة البرجوازية .... خلاصــــات أولية وأساســـية *********************** لماذا يجب التركيز على النضال ضد الانتهازية؟ و ما هي اتجاهات هذا النضال. ؟ **************************************************** لقد كتب هيلفيردينغ ذات مرة، أنه «ليس من شأن البروليتاريا أن تعارض السياسة الرأسمالية الأكثر تقدمية بسياسة انصرم عهدها هي سياسة عهد التجارة الحرة وموقف العداء من الدولة.» إن جواب البروليتاريا على السياسة الاقتصادية التي يمارسها الرأسمال المالي، على الإمبريالية ، لا يمكن أن تكون التجارة الحرة، بل الاشتراكية وحدها، والمثل الأعلى الذي يمكنه الآن أن يكون هدفا للسياسة البروليتارية ليس بعث المزاحمة الحرة. وقد غدا الآن مثلا رجعيا، بل فقط القضاء التام على المزاحمة عن طريق إزالة الرأسمالية». إن هذه الأسطر القليلة قد لخصت، إلى حد ما، كل مضمون واتجاه نضال البروليتاريا ضد الإمبريالية ونحن نؤكد على كلمة، إلى حد ما، لأن الماركسيين اللينينيين لا ينسون أبدا أن نضال البروليتاريا الأممي لا ينفي إطلاقا أو يقفز على شروط نضالها المحلي، فالممثلون الفكريون والسياسيون للطبقة العاملة ينطلقون في تحديد مهامها المباشرة على قاعدة «الشروط الاقتصادية والسياسية والاجتماعية العامة التي تكونت فيها هذه الطبقة وتطورت داخلها». وإن كان هدف البروليتاريا هو إقامة المجتمع اللاطبقي فإن مسارات الوصول إليه واتجاهات نضالها نحو تحقيقه تختلف من هذا البلد إلى ذاك باختلاف مراحل تطور البلد المعني. فنحن ماركسيون لينينيون، لذلك فشعارنا الاستراتيجي هو الثورة الاشتراكية العالمية الظافرة لكننا أيضا لا ننسى أو نغفل أننا نناضل بشكل مباشر إلى جانب البروليتاريا المغربية التي يجب أن نوجه سهامها نحو خلق الشروط الموضوعية الاقتصادية والسياسية من أجل إنجاز تلك المهمة العظيمة وهذه الشروط قد حددها الماركسيون اللينينيون المغاربة في ضرورة بناء الاستقلال الفكري والسياسي والتنظيمي للطبقة العاملة من أجل إنجاز مهام الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية، فهي وحدها التي سوف تضع في جدول أعمال البروليتاريا المغربية المهمة المباشرة التي يعبر عنها الشعار الثوري، تحطيم الرأسمال أي الثورة الاشتراكية. إننا اشتراكيون وعقيدتنا هي الاشتراكية وبالتالي فعملنا الإيديولوجي يجب أن يعكس هذا الموقف، لكننا في ذات الوقت، الآن، ديمقراطيون أيضا ولذلك يجب أن يعكس عملنا السياسي هذا الموقف بكل وضوح. إن مواجهة الإمبريالية مستحيلة، بدون الدخول الفعال و الدينامي للطبقة العاملة في قلب الصراع الطبقي وبدون قيادتها لهذا الصراع بوصفها حزبا سياسيا، وذلك ما لا يجب على الماركسيين أن ينسون ولو للحظة واحدة، إن كل تاريخ العقود الأخيرة وكل تاريخ المرحلة الإمبريالية يؤكد هذه الحقيقة الساطعة، ونسيان ذلك يعني نسيان كل ذلك التاريخ، إلا أن حضور الطبقة العاملة يبقى في آخر المطاف رهين بمستوى وعي ممثليها الفكريين والسياسيين بذلك، رهين بمدى عملهم في اتجاه تحقيق هذا الهدف، وهنا يكمن جوهر الأمر كليا. فالطبقة العاملة قد أزيحت عن هذا الصراع لعدة عقود والكل أصبح يعلم نتيجة ذلك، من انهيار للمشروع التحريفي ومن إطلاق العنان للمزيد من سيطرة أسياد المجتمع العبودي الحديث. فالحركة العمالية في عهد الإمبريالية تعرف تقاطبا بين اتجاهين رئيسيين الاتجاه الثوري، والاتجاه الانتهازي، ونسيان هذه الحقيقة يعني نسيان الماركسية ويعني التضحية بكل تاريخ نضال البروليتاريا العالمي، إنها خلاصة لا يمكن الحياد عنها إطلاقا، ومحاولة السيد الحريف ومن على شاكلته تنحو سياسيا بالضبط إلى طمس هذه الخلاصة بالذات. ومن هذه الخلاصة، يمكن أن نفهم إصرار لينين على ضرورة ربط النضال ضد الإمبريالية بالنضال ضد الانتهازية، حيث أن النضال ضد الإمبريالية لن يؤدي إلا إلى المزيد من الانتكاسات والهزائم إذا لم يقترن بشكل واضح مع النضال ضد الانتهازية، فالانتهازية ليست خيانة شخص ما أو خطأ أحد ما، بل إنها نتيجة عصر بكامله إنه عصر الإمبريالية. وإن كان الماركسيون اللينينيون يسعون في نضالهم، بجانب الطبقة العاملة إلى الحفاظ والدفاع على استقلالها السياسي والإيديولوجي والتنظيمي ويسعون إلى الدفاع عن وحدتها والرقي بنضالاتها إلى أبعد الحدود وإلى قيادتها لكل نضالات الجماهير الشعبية، إلا أنهم لا ينسون أن الطبقة العاملة في المغرب ليست وحدها في تناقض مع البرجوازية المسيطرة بكل فئاتها وتحالفاتها بل إن الماركسيين اللينينيين المغاربة مقتنعون بأن هناك طبقات وفئات طبقية أخرى لها نفس المصلحة في دك بنيان هذا النظام الاجتماعي ككل. وتلك هي الألف باء في علم التكتيك الثوري. فالبروليتاريا بالنسبة للماركسيين هي: «ليست ...ثورية إلا بقدر ما تعني فكرة الزعامة هذه وتطبيقها عمليا...فالبروليتاري الذي لم يدرك فكرة زعامة طبقته، أو ينكر هذه الفكرة هو عبد لا يدرك وضعه كعبد وهو في أحسن الأحوال، عبد يناضل في سبيل تحسين وضعه كعبد، لا في سبيل دك نظام العبودية»[28]. في حين أن الانتهازيين هم على عكس كل ما ذكرناه، فبحكم مصلحتهم أي بحكم موقعهم الطبقي يسعون في «نضالـ» هم داخل الحركة العمالية إلى شق صفوف الطبقة العاملة وإلى جعلها ذيلا من أذيال البرجوازية فكريا وسياسيا وتنظيميا أيضا. إن موقعهم الطبقي المتميز يجعل من مصلحتهم الحفاظ على البرجوازية وعلى عبودية العصر الحديث، عصر الرأسمالية الإمبريالية، لقد فقدوا بحكم مصلحتهم الثقة في البروليتاريا وأصبحوا أكثر المؤمنين الواثقين بالبرجوازية وبذلك فقدوا كل قدرة على استخلاص المهام التي يفرضها الواقع الموضوعي وتفرضها صيرورة التطور التاريخي. والانتهازية تأخذ ألوانا وأشكالا بعدد ما تأخذه البرجوازية من مواقف وبقدر ما تتغير ظروف ومعطيات الواقع بقدر ما تتغير جلالب الانتهازية وأغطيتها. فلنكن يقظين و صارمين في الصراع ضد الخطوط الانتهازية و التحريفية دفاعا عن المشروع التاريخي للبروليتاريا و سياسية و تكتيك البروليتاريا المنسجمين.
هوامـــــــش [1] . ع الحريف نفس المرجع. [2] لينين: الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية. [3] لقد نسي صاحبنا الحريف أن يقول بأن لينين هو الآخر قد أضفى صفة المطلق على مرحلة معينة من تطور الرأسمالية أي مرحلة الاحتكار، بل إنه يقولها ضمنيا. [4] . لينين: الرأسمالية في الزراعة، عرض لكتاب كاوتسكي، ص 166. [5] . ع الحريف نفس المرجع. [6] . لينين: الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية. [7] . لينين: نفس المرجع السابق. * . رغم أن مقال الحريف قد كتب قبل هذه الأحداث: أي عندما كان الكل بإمكانية أنسنة العولمة و انجرف هذا الكل إلى براثين الإيديولوجية البرجوازية. إلا أن ذلك لا يمنع من قول ما قلناه، فالنظرية أو الإرهاصات التي تفقد كل قيمتها في ظرف وجيز مثل هذا، لا يمكن أن تكون إلا مجرد أحلام مفكري الصوامع. [8] لينين: نفس المرجع السابق. * . لينين: نفس المرجع السابق. [9] .هانس بيتر مارتين، هارالد شومان: فخ العولمة. [10] . لينين: نفس المرجع السابق [11] . لينين: بصدد الكاريكاتور عن الماركسية، ص 92. [12] . لينين: الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية، ص 82. [13] . لينين: "تقرير عن الامتيازات".في كتاب "عن الإمبريالية و الإمبرياليين" ص 181. [14] . لينين: مقدمة لكتاب بوخارين "الاقتصاد الرأسمالي العالمي" ص 38. [15] . لينين: الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية، ص 91. [16] لينين: الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية، ص 43. [17] . لينين: الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية. [18] يثير الكاتب في الهامش إلى فضح لينين لاتفاقية سابيس-بيكو ودعمه لثورة مصطفى كمال في تركيا. [19] . لينين: نفس المرجع السابق. [20] أنظر في هذا الصدد : الثامن عشر من لويس بونابارت ، الحرب الأهلية في فرنسا، الصراع الطبقي في فرنسا. [21] . ع الحريف: نفس المرجع. [22] . ع الحريف: نفس المرجع. [23] لينين نفس المرجع ص 82. [24] الجزائر... [25] . لينين نفس المرجع . [26] لينين ، مواد إعادة النظر في البرنامج الحزبي ص 143. [27] لينين الأمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية ص 70-71. [28] لينين : الإصلاحية في الاش – ص 69.
#خالد_الصقر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الجزء الثاني من كتاب - من هم المدافعون الجدد عن الماركسية وك
...
-
الجزء الثاني من كتاب - من هم المدافعون الجدد عن الماركسية وك
...
-
الجزء الأول من كتاب - من هم المدافعون الجدد عن الماركسية وكي
...
-
الجزء الأول من كتاب - من هم المدافعون الجدد عن الماركسية وكي
...
المزيد.....
-
بالصور..هكذا يبدو حفل زفاف سعودي من منظور -عين الطائر-
-
فيديو يرصد السرعة الفائقة لحظة ضرب صاروخ MIRV الروسي بأوكران
...
-
مسؤول يكشف المقابل الروسي المقدّم لكوريا الشمالية لإرسال جنو
...
-
دعوى قضائية ضد الروائي كمال داود.. ماذا جاء فيها؟
-
البنتاغون: مركبة صينية متعددة الاستخدام تثير القلق
-
ماذا قدمت روسيا لكوريا الشمالية مقابل انخراطها في القتال ضد
...
-
بوتين يحيّد القيادة البريطانية بصاروخه الجديد
-
مصر.. إصابة العشرات بحادث سير
-
مراسل RT: غارات عنيفة تستهدف مدينة صور في جنوب لبنان (فيديو)
...
-
الإمارات.. اكتشاف نص سري مخفي تحت طبقة زخرفية ذهيبة في -المص
...
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|