أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ياسين الحاج صالح - العلمانية المحاربة - مناقشة لخطاب الرئيس شيراك حول الحجاب















المزيد.....

العلمانية المحاربة - مناقشة لخطاب الرئيس شيراك حول الحجاب


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 706 - 2004 / 1 / 7 - 04:14
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


"تتردّد أصداء الجدل حول مبدأ العلمنة في أعماق ضمائرنا". بهذه الجملة بدأ الرئيس الفرنسي خطابه الذي حظر فيه الحجاب في المدارس الرسمية في فرنسا. وبهذه الجملة محور الرئيس شيراك مناقشة مسألة الحجاب حول العلمانية واستنفر هذه إلى الخط الأمامي لحسم النقاش. ولكن عبر هذا الاستخدام الكفاحي للعلمانية نقل رئيس الجمهورية الفرنسية موقع النقاش من داخل العلمانية الفرنسية إلى خارجها. فمنذ أعوام يتمحور النقاش حول مدى تعارض (أو توافق) استقلال الأفراد بحرياتهم الدينية مع استقلال المجال العام عن التعبيرات الدينية. الآن أفتى الرئيس الفرنسي أن الاستقلالين متعارضان، ووضع العلمانية مقابل التعبير الديني الفردي، وبصورة أخص الجمعي (سماه "الطائفي")، و"قوانين الجمهورية" مقابل "الحرية الدينية".
لقد جعل الخطاب العلمانية طرفا في النقاش وليس حيزا محايداً يدور النقاش فيه. ما هو الطرف الآخر؟ احتاج الرئيس الفرنسي إلى إضافة "الصليب الكبير" و"القلنسوة اليهودية" إلى "الحجاب الإسلامي" حتى يصنع طرفا يرتفع إلى مستوى تهديد علمنة المدرسة الفرنسية. ولضرورات صنع الطرف الآخر اصطنع تمييزا يصعب ضبطه بين رموز دينية خفية مثل صليب صغير أو نجمة دواد أو يد فاطمة (ما هذه؟) وبين رموز واضحة؛ الرئيس في هذه الأخيرة هو للحجاب.
عبارات الرئيس شيراك حازمة وكفاحية ولا تحتمل لبسا. فهو يؤسس حظر الحجاب على العلمانية بوصفها "أبرز إنجازات الجمهورية". يقول: "ليس مسموحا أن تُرفض قوانين الجمهورية ومبادئها تحت ذريعة الحرية الدينية". وفي موقع آخر يعلن: "لا يمكن التفاوض على مبدأ العلمنة". فهل بلغ من إحراج الحجاب لمبدأ العلمنة أن أخرج هذا من التفاوض؟
حين يقول الرئيس شيراك "تندرج العلمنة في تقاليدنا، إنها في صلب هويتنا الجمهورية"، او "أدعو الفرنسيات والفرنسيين كافة، إلى أن يجتمعوا على الولاء لمبدأ العلمنة الذي يشكّل حجر الأساس في الجمهورية"، ألا يوحي بأن العلمانية الفرنسية دين ودولة، وأن حظر "الحجاب الإسلامي" في المدراس الرسمية ركن من أركانها بقدر ما إن حجاب المرأة ركن من أركان الإسلام، حسبما تبرع بالقول مشايخ من لبنان وسورية وغيرهم؟ هذه العلمانية المذهبية لا تساعد شيئا ولا أحدا.
والسيد محمد حسين فضل الله والشيخ أحمد كفتارو ...لا يساعدون أيضا على تقدم النقاش حين يجعلون الحجاب فرضا مثله مثل الصلاة. كلا. فمن الأسهل أن يُفهم منع الصلاة، الركن الذي لا جدال فيه، في الدائرة الرسمية أو في مكان العمل من أن يُفهم حظر الحجاب ("الركن" الذي احتاج إلى مساندة من الصلاة ليستقر). ذلك لأن المنع الأول أوثق صلة بمنطق الرأسمال وعقلانيته منه بـ"تدنيس" العلمانية، وهو تاليا أيسر تبرئة من "رهاب الإسلام". أما المنع الثاني فلا يمس العقلانية الرأسمالية بنفع أو بضرر، لكنه يبعد "مخاطر الانحراف" عن "مبدأ العلمنة" أو الإخلال بـ"ميثاق الجمهورية". قد تكون الصلاة أثناء العمل هدراً اقتصادياً أما الحجاب فخطر رمزي أكيد.
والحال إنه لأكثر إقناعا تأسيس حظر الحجاب على رفض التمييز بين الجنسين وعلى الدفاع عن الاختلاط مما على العلمنة التي اضطرت الرئيس الفرنسي إلى إدخال تمييز صعب بين رموز "واضحة" تخدش عفة المبدأ العلماني، وأخرى "خفية" تراعي مشاعره. فالأساس الأمتن هو أن الحجاب يميز النساء خلافا للصليب، كبيرا أو صغيرا، وخلافا لنجمة داود (وبالتماثل مع القلنسوة اليهودية الخاصة بالذكور، أليس كذلك؟). وبذلك يكون حظر الحجاب انتصار الجمهورية للنساء المسلمات ضد ما يفترض أنه "رمز دونيتهن" (حسب نسويات فرنسيات) دون مساس بدينهن، ودفاعا عن الاختلاط الديمقراطي وليس عن النقاء العلماني.
لقد دافع الرئيس شيراك عن الاختلاط حقا: "الاختلاط هو الذي يجب أن يسود لأنه يجمع ويضع الجميع على قدم المساواة"؛ وكذلك عن المساواة بين الجنسين: "تقاس درجة تحضّر مجتمع ما قبل كل شيء بالمكانة التي تشغلها النساء فيه"، لكن العلمانية ظلت طرفا في النقاش ومحوره في آن معا.
لعلنا حيال أحدى سمات الثقافة الفرنسية الراسخة، أعني أن ورثة العقلانية اللاتينية الفرنسيين لا يستطيعون، خلافا للأنكلوسكسون التجريبيين، أن يصدروا أي قرار دون أن يغلفوه بلغة المبادئ العامة كالجمهورية وفرنسا ومبدأ العلمنة، لكن هذا يجعل العلمانية الفرنسية أقرب ما تكون إلى عقيدة نقاء وطهر. فبعد أن ركز لواءها في "تقاليدنا" و"صلب هويتنا الجمهورية" (تتكرر نحن الجمعية بصيغة التملك: تقاليدنا...إلخ، 72 مرة على الأقل في الخطاب) رأى الرئيس شيراك أن المطلوب اليوم ليس "إعادة بنائها ولا تغيير حدودها، بل إحيائها عبر الحفاظ على ولائنا للتوازنات التي عرفنا أن نبتكرها، وعلى قيم الجمهورية". وإذا بدا أن مفهوم التوازنات غريب في الوسط الدلالي والمفهومي لخطاب شيراك، فإن الرجل يتحدث عن الحفاظ على ولاء لتوازنات ابتكرت في الماضي مستبعدا فكرة الحاجة إلى ابتكار توازنات جديدة. وفي مجمل خطابه يحتل الولاء (الولاء لمبدا العلمنة، الولاء لقيم الجمهورية أو لميثاقنا الجمهوري) مكانا متقدما على فكرة الابتكار. وفي موقع آخر يعلن أن "الأمر لا يتعلق بوضع قوانين جديدة ولا بتغيير حدود العلمنة، بل بأن نعلن باحترام إنما بوضوح وحزم، قانوناً يندرج في أعرافنا وممارساتنا منذ فترة طويلة". ويقترح كذلك وضع قانون للعولمة "يجمع كل المبادئ والقواعد المتعلقة بالعلمنة" يكون دليلا لسلوك الموظفين الحكوميين. كما يوصي بأن ينشئ رئيس الوزراء "مرصداً للعلمنة مكلّفاً بتحذير الفرنسيين والسلطات العامة من مخاطر الانحراف عن هذا المبدأ الأساسي أو الإخلال به".
"مخاطر انحراف"؟ أية ضروب من القلق ينتظر لهذا النقاء العلماني أن يعالج؟ أهو "الإسلاموفوبيا" كما لم يغفل نقاد من خلفيات متعارضة أن يشيروا؟ خلافا لمراصد حقوق الإنسان التي ترصد انتهاكات تتعرض له حقوق موصوفة يبدو أن اهتمام المرصد العلماني سينصب على رصد انتهاكات تتعرض لها "علمانية الدولة". العلمانوية، الأصولية العلمانية، تعلن حالة الطوارئ. 
من حق المرء أن يشعر بالقلق حين يكرر الخطاب كلمة فرنسا  44 مرة (بصيغ مختلفة: فرنسي، فرنسية، فرنسيون...)، وكلمة الجمهورية 21 مرة، وكلمة علمانية (بصيغة علمنة خاصة) 20 مرة. ومن اللافت أن كلمة الديمقراطية لم ترد ولو مرة واحدة. هذا يعطي فكرة عن المناخ النفسي والوجداني للخطاب. ثمة وطنية متشددة، بل متعصبة، تشعر أنها في خطر وأن "قوانين الجمهورية" مهددة، ويدور حديث متكرر عن ميثاق ومبدأ وولاء، وتسود الخطاب نبرة حسم وإغلاق لباب المداولة.
تريد العلمانية الفرنسية استيعاب المسلمين، لكن دون أن تتغير هي ذاتها، ودون أن تراجع أسسها وتبحث عن توزانات جديدة توسع من طاقتها الاستيعابية. هل هذا ممكن؟ العلمانية تحمل تاريخها، وهو تاريخ تفاعلها مع تحديات عرضت في مسار تاريخي يمتد أكثر من مائتي عام. حيال تحديات جديدة لا يسع العلمانية أن تطالب بالولاء لها وأن ترفض التفاعل في الوقت نفسه.                                                                                                             
دمشق 26/12/2003



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المطابقة المستحيلة ياسين الحافظ ورهان الوعي
- مـن يــربــح مــاذا فـي ســوريــا ومـن يـخـســر؟
- إعادة التفكير في وحدة سورية ومصر عام 1958
- وقع الطاغية، أين الضحايا؟
- من يصلح المصلحين؟
- خطط العالمية المحاربة صناعة الحرب وإنتاج الأعداء
- سورية والعراق والمستقبل
- طريق إلى تدمر
- ما هو غير جيد لأمريكا جيد للعالم
- استراتيجية ضعف عربية!!
- نهاية الوطنية العسكرية
- هل الإرهاب هو نمط الصراع الدولي المناسب لصراع الحضارات؟
- ربـيـع حـقـيـقـي فـي سـوريـا أم سـنـونـوة تـائـهـة؟
- عـقـد مـع ســوريــا
- القوة الامبراطورية والضعف العربي أية استراتيجية ممكنة؟
- نهاية الدولة الوظيفية العربية
- نافذة يسارية
- خريف دمشـــــق
- بعض عناصر خطاب الحرب الأمريكي
- المهاجرون في الأرض


المزيد.....




- قائد الثورة الاسلامية يستقبل حشدا من التعبويين اليوم الاثنين ...
- 144 مستعمرا يقتحمون المسجد الأقصى
- المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية: مذكرة اعتقال نتنياهو بارقة ...
- ثبتها الآن.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 علي كافة الأقم ...
- عبد الإله بنكيران: الحركة الإسلامية تطلب مُلْكَ أبيها!
- المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الأراضي ...
- المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي ...
- المقاومة الاسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي ...
- ماذا نعرف عن الحاخام اليهودي الذي عُثر على جثته في الإمارات ...
- الاتحاد المسيحي الديمقراطي: لن نؤيد القرار حول تقديم صواريخ ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ياسين الحاج صالح - العلمانية المحاربة - مناقشة لخطاب الرئيس شيراك حول الحجاب