|
بل نعم للعرب ونعم للعروبة
محمد منير مجاهد
الحوار المتمدن-العدد: 2274 - 2008 / 5 / 7 - 11:03
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
قدم الأستاذ كمال غبريال رؤية قطاع مهم من الليبراليين المصريين لعروبة مصر والوحدة العربية في مقال نشر له في 29 إبريل 2008 بجريدة البديل بعنوان "نعم للعرب .. لا للعروبة"، وتتلخص هذه الرؤية في أن فكرة الوحدة العربية من الأساس "فكرة تعسفية مقحمة علي الواقع وعلي حقائق التاريخ" وأن منظرو العروبة يستنتجون خطأ "أن المنطقة ما بين الخليج والمحيط هي بالأساس دولة واحدة وأمة واحدة، وأن الاستعمار أو الامبريالية هي التي تآمرت علي تفتيتها، تحقيقاً لمصالحها في الهيمنة ونهب الثروات" ويقول الأستاذ كمال أن هذا لا يعني "انعزال مصر وشعبها عن محيطها"، ويدعو إلى التعاون الموضوعي العقلاني علي استثمار المشترك بدلا من القفز فوق عناصر الاختلاف لإقامة وحدة تعسفية، وتتضمن المقالة عدد من المفاهيم الملتبسة لا تساعد في الوصول إلى صياغة صحيحة للمستقبل والمهام المنوط بنا إنجازها وهو ما سنحاول الرد عليه وتوضيحه في السطور التالية.
من هم العرب؟ سؤال مهم يجب الإجابة عليه، فأعداء العروبة يتحدثون عنها باعتبارها صفة عرقية أو سمة تصف جنس معين لا ينتمي إليه أبناء الفراعنة، والحقيقة أن كل من يتكلمون عن العرب يقصدون هؤلاء الناس المتحدثين باللغة العربية كلغة أم في المنطقة الممتدة من الخليج العربي إلى المحيط الأطلسي، رغم أن هناك دراسات محترمة تشير أيضا إلى مكونات عربية في الثقافات والحضارات التي كانت سائدة قبل وصول عرب الجزيرة في أعقاب ظهور الإسلام، وهو ما يفسر سهولة تحول هذه الشعوب إلى اللغة العربية وعدم حدوث الشيء نفسه بالنسبة للامتدادات شرق جزيرة العرب (فارس وبخارى وسمرقند .... الخ)، والأستاذ كمال نفسه وصف "الشعوب المتحدثة بالعربية" بأنهم "عرب" فلماذا تستثنى مصر من هذا طالما أننا أيضا نتحدث بالعربية؟
الانتماء للعروبة إذا هو انتماء ثقافي أساسا ولا دخل للأصل العرقي فيه، والعربي المعاصر ينتمي إلى روافد بابلية وأشورية وآرامية وفينيقية وفرعونية، وليس معنى أن يكون الإنسان "عربيا" أن يكون معاديا لمصريته أو سوريته أو جزائريته أو ... الخ، وكما أن اعتزاز الصعيدي أو البحراوي بإقليمه الجغرافي لا ينتقص من مصريته فإن اعتزاز المصري بمصريته لا ينتقص من عروبته ويمكن أن ننظر لهذه الانتماءات المتعددة باعتبارها دوائر متحدة في المركز تتسع وتتداخل ولا تتقاطع ولا يلغي أحدها الآخر، وقد ساعد على هذا الانتماء الثقافي المشترك التواصل والاتصال خلال الألف سنة الأخيرة، ويكفي أن نتتبع أسماء بعض العائلات المصرية لنجد المغربي والجزايرلي والتونسي والبليدي والشامي والعراقي والبغدادي والموصلي والبصري والنجدي والحجازي ومكي ومدني واليماني .... الخ، ونفس الشيء بالنسبة لأسماء بعض العائلات في الدول العربية.
يمكن عبر تاريخ منطقتنا الطويل أن نرصد أطماعا استعمارية أوروبية تجسدت في غزوات إغريقية ورومانية في التاريخ القديم وحملات صليبية في القرون الوسطى، إضافة إلى الحملة الفرنسية على مصر في العصر الحديث، ولكن هذه الغزوات الاستعمارية تختلف عن الإمبريالية، فالإمبريالية كما تستخدم حاليا تصف مرحلة من مراحل الرأسمالية التي تسعى فيها إلى توسيع أسواقها والسيطرة على منابع المواد الخام، وما يستتبع هذا من سحق لشعوب وقوميات لإلحاقها بالسوق الرأسمالي في موقع التابع، ولكن الأستاذ كمال وغيره من الكتاب "الليبراليين" يتعاملون مع "الامبريالية" باعتبارها نوع من السباب والشتيمة التي يصم بها القوميون العرب "الغرب" كوسيلة لتجميع العرب علي أساس العداء المشترك للآخر، وكأن احتلال بلدان المغرب العربي وسوريا ولبنان من قبل فرنسا، واحتلال مصر والسودان وفلسطين والأردن والعراق والخليج العربي ومسقط وعمان وعدن من قبل بريطانيا العظمى كانت مجرد أضغاث أحلام، أما اتفاقية سايكس-بيكو لتقسيم بلاد الشام ووراثة الإمبراطورية العثمانية وإقامة إسرائيل التي أعلن مؤيدوها أن أحد أهم أسبابهم في تأييدها هو فصل مصر عن المشرق العربي فهي مجرد اتهام ظالم من دعاة العروبة كي يصموا بريطانيا بالإمبريالية، والاستنتاج المنطقي من اعتبار الإمبريالية وهم هو أن الاستعمار الغربي قد جاء إلى بلادنا مدفوعا بالنوايا الطيبة والرغبة في انتشالنا من الفقر والتخلف، تماما مثلما جاءت قوات التحالف الأمريكي إلى العراق لإنقاذه من حكم صدام المستبد ونشر الديمقراطية.
لماذا يسعى "العرب" للتوحد؟ يصور الأستاذ كمال الأمر كما لو كان محاولة لاستعادة ماضي متخيل ومفترض، والحقيقة أن الدافع للوحدة بين أي بلدين أو أكثر هو المصلحة التي لا يختلف معنا عليها الأستاذ كمال، ولو انعدمت المصلحة فلن تقوم دولة الوحدة، ولا أظن أن الوحدة في الماضي شرط لوحدة في المستقبل، فلم تكن الولايات الألمانية موحدة في الماضي ولكن مع نمو الرأسمالية في الولايات الألمانية أصبحت هناك مصلحة في توحيدها ونفس الشيء بالنسبة للدويلات الإيطالية، والآن تتحرك دول أوروبا نحو الوحدة لتحقيق المصلحة المشتركة رغم تاريخ الحروب والصراع والدمار والتي كان آخرها الحرب العالمية الثانية، باختصار هناك مصلحة حقيقية وليست متخيلة للوحدة العربية لا لاستعادة مجد غابر ولكن لبناء مستقبل عامر.
يتخذ الأستاذ كمال من فشل تجربة الوحدة المصرية-السورية للتدليل على عدم إمكانية قيام وحدة عربية، والحقيقة أن هذه التجربة لم تكن التجربة الوحيدة وسبقها وتلاها تجارب وحدوية ناجحة ومستمرة حتى الآن كتوحيد الحجاز ونجد وإنشاء المملكة العربية السعودية، وتوحيد الإمارات المتصالحة في دولة الإمارات العربية المتحدة وتوحيد شطري اليمن، والحقيقة أن فشل تجربة الوحدة المصرية السورية يرجع قدر كبير منه إلى الاستبداد السياسي الذي أدى بعد الانفصال بخمس سنوات إلى هزيمة يونيو 1967 التي لا زلنا نعيش آثارها حتى الآن، أما بالنسبة للأنظمة البعثية التي ذكرها المقال باعتبارها تجسيد للفكر القومي فهي ليست إلا أنظمة ديكتاتورية مستبدة يحركها قدر عالي من الانتهازية السياسية فالنظام العراقي مثلا تحت حكم صدام حسين رغم استخدامه لشعارات قومية عن "أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة" كان - حسب التعبير البعثي - منكفئا إقليميا (أي أنه كان مهتما بالقطر أكثر من اهتمامه بالأمة) إلا أنه سرعان ما تحول إلى نظام عربي شوفيني في بلد متعدد القوميات، ثم إلى نظام عربي سني في بلد متعدد الأديان والمذاهب، ثم إلى نظام عشائري تكريتي وانتهى به الحال إلى نظام يحكم فيه صدام حسين بواسطة أقاربه المباشرين.
هناك علاقة بلا شك بين رفض "العروبة" والحديث عن "عدم انعزال مصر عن محيطها وعن عدم العداء أو الاستعلاء علي جيراننا الأقرب جغرافياً وثقافياً" وبين التسويق للتطبيع مع الدولة الصهيونية التي تصبح مجرد واحدة من الجيران الأقربين، وعدم الاعتراف بالتالي بوجود صراع عربي - إسرائيلي أو قضية فلسطينية، فلا يمكن تسويق القبول بإسرائيل الصهيونية إلا في ظل مشاريع من نوع الشرق أوسطية أو البحر متوسطية أو ما شابه.
تبقى نقطة أخيرة أراها هامة وهي تبيان الموقف من القوميات غير العربية الموجودة في "الوطن العربي"، وبلا تردد أقول أنه من حقها تقرير المصير وإذا رأت أن تستمر في الاتحاد مع العرب كمواطنين متساويين تماما في كافة الحقوق والواجبات فلها ذلك وإن رأت أن تنفصل في دول خاصة بها فلها أيضا ذلك، ولا يمكن لأي عربي يتوق إلى تحقيق وحدته على أسس ديمقراطية وبرضاء شعبي كامل إلا أن يدين جرائم التطهير العرقي والإبادة الجماعية التي ارتكبت في العراق أو السودان أو غيرها من البلدان العربية بنفس القدر الذي يدين به جرائم التطهير العرقي التي ارتكبتها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني لأن حريتنا تكمن في الاعتراف بحق الآخرين في الحرية وبهذا المعنى وحده أقول نعم للعرب ونعم للعروبة.
#محمد_منير_مجاهد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مؤتمر شيكاغو خطوة صحيحة على الطريق
-
الحلقة النقاشية مصريون في وطن واحد: التمييز الديني وكيف نقاو
...
-
ندوة تخيلية عن القوانين والإجراءات الطائفية: شهادة غير المسل
...
-
في ضيافة أبونا إبراهيم
-
عن حرية الاعتقاد أتحدث
-
مصريون ضد التمييز الديني وليسوا ضد الإجماع الوطني
-
بل سنقاوم التمييز وندافع عن الإسلام
المزيد.....
-
استقبلها الان.. تردد قناة طيور الجنة أطفال الجديد 2024
-
“فرح أطفالك طول اليوم” استقبل حالا تردد قناة طيور الجنة بيبي
...
-
كاتدرائية نوتردام في باريس.. الأجراس ستقرع من جديد
-
“التحديث الاخير”.. تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah T
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف بالصواريخ تجمعا للاحتلال
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تعلن قصف صفد المحتلة بالصواريخ
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تقصف مستوطنة راموت نفتالي بصلية
...
-
بيان المسيرات: ندعو الشعوب الاسلامية للتحرك للجهاد نصرة لغزة
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تقصف بالصواريخ مقر حبوشيت بالجول
...
-
40 ألفًا يؤدُّون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|