|
من خرج من بيته ولم يلبس العمامة فلا يلومن إلا نفسه!!
سندس جليل العباسي
الحوار المتمدن-العدد: 2274 - 2008 / 5 / 7 - 11:03
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
يعلم اغلبنا بان جميع المؤسسات الدينية في العالم سواء أكانت مسيحية أو يهودية أو إسلامية ان لدارسيها وطلبتها في مراكزهم الدينية لباس معين يتميزون بارتدائه ويختلف لباسهم حسب درجاتهم العلمية.. وبغض النظر عن كوني مؤيدة لهذه المؤسسات أم لا، إلا انه من الملاحظ واللافت للنظر لباس طلبة المؤسسة الدينية الشيعية تحديدا، حيث بإمكاننا ان نرى ان لباس الطالب المنتسب اليها لباس طبقي عنصري فوقي تمييزي يسمى (اللباس الحوزوي)، وهو زي ثابت لجميع المراحل الدراسية ولكنه ذو خلفية طبقية متشددة ومصنف حسب الانتماء الى (آل البيت) وأعني آل بيت الرسول محمد، مع أنى أتحفظ على صحة الأنساب الحديثة فجميعها انساب منقطعة لا صلة لها بالواقع .. فالشخص الذي ينتسب الى آل البيت يرتدي عمامة ذات لون اسود بغية تميزه عن الفئات الأخرى الذين يرتدون عمامة بيضاء .. ولكي يستمر التمييز لابد للأشخاص الذين ينتمون الى آل البيت كما يزعمون ان يطلق عليهم (السادة) أو (الخواص )، في حين يطلق على ذوي العمامة البيضاء (الشيوخ) أو (العوام) .. وبهذا تشتد وتيرة التعصب الطبقي والعنصري، كما هو الحال مع السادة والعبيد في العهود البائدة، إذ انه مهما بلغت الدرجة الفقهية لطالب هذه المؤسسة الذي لا ينتمي لطبقة السادة أو الخواص فلا يحق له ان يكون مرجعا دينيا أعلى على الأعم الأغلب، أعني الجانب التطبيقي وليس النظري .. وفي هذا السياق، تذكرت انه في إحدى حلقات البرنامج الشهير (ستديو عشرة) الذي تقدمه السيدة أمل المدرس قبل تعرضها الى حادث الاغتيال، قالت السيدة أمل بأنه قدم لها ذات يوم استمارة أعدتها إحدى المدارس وفيها طلب معلومات على الطالب ملئها و إعادتها الى إدارة المدرسة، وهذه الاستمارة تتضمن عدة أسئلة عن مكان ولادة الطالب وتاريخ ميلاده وقوميته، لكن هناك سؤال عجيب وغريب يقول: هل ان الطالب من الخواص أم من العوام؟! حينها أثار هذا الموضوع غضب الكثير من العراقيين الواعيين لهذه الطبقية المقيتة، فكيف يصنف الناس حسب نسبهم الى خواص أو عوام!! ..ألم يخلقنا الله تعالى أحرارا متساوين كأسنان المشط؟ ..صحيح إننا نجل ونحترم آهل بيت رسول الله لكننا لا نستند في ذلك على النسب وحده، فالنسب لا يغني عن الله شيئا وقد ساوى الإسلام بين السيد القرشي والعبد الحبشي كما هو معروف وان مقياس الفضيلة عند الإسلام هو العمل الصالح، أما السيد الشريف الذي يقترف المنكر ويظلم الناس فلا شافع له عند الله حتى وان كان من أهل بيت الرسول ...والمأثور عن النبي محمد انه قال لاهل بيته في اكثر من مناسبة ((والله لو ان فاطمة ابنتي سرقت لقطعت يدها)).. وكذلك ((أني لا اغني عنكم من الله شيئا))
لقد حارب النبي محمد الطبقة الفوقية المتعالية بأنسابها على الناس، وان كان كذلك، فليس من المعقول ان يجعل النبي من أحفاده طبقة جديدة فوقية تحل محل تلك الطبقة البائدة، وقد أوصى النبي أمته بأهل بيته خيرا ولكن هذا لايعني ان تنشأ من أهل بيته طبقة فوقية متعالية بنسبها الى الأبد وتتخذ لها لباس معين كلون العمامة مثلا لغرض التميز ليس إلا.. الغريب والمتناقض في هذه الفئة ان يقولون عكس ما يدعون، إذ ان الإمام الخامنئي صنف الناس في كل المجتمعات الى صنفين هما الخواص والعوام، حيث يقول (فالخواص هم الذين تستند مواقفهم الى البصيرة والوعي وهم الذين يتخذون القرار بأنفسهم لا أولئك الذين يقرر مصيرهم الآخرون وان هذه الفئة من الخواص تضم أناسا متعلمين وغير متعلمين فقد يكون الخواص أناسا غير متعلمين لكنهم يفهمون ما ينبغي عليهم فعله ويعملون وفق تخطيط وارادة حتى وان لم يكونوا قد دخلوا المدرسة أو لديهم شهادة أو يرتدون زي العلماء.. وإننا عندما نقول الخواص فلا يعني ذلك زيا معينا فقد يكون رجلا او امرأة غنيا ام فقيرا ..اما العوام فهم الذين تعوزهم القابلية على تحليل الأمور ودراستها ولا تقوم تحركاتهم على أساس البصيرة فهم ينساقون خلف التيار العام وترهبهم الأجواء السائدة) ... يا لهذا التناقض الغريب لقد بنوا مؤسسة كاملة مبنية على التمييز والطبقية والفوقية والتعالي، وما لون العمائم إلا إحدى أدواتها للاستمرار في نشر الخرافات و الكرامات وتوظيف الأحلام لخدمتهم، بحيث اعتاد ذوو العمائم بأنواعها السوداء والخضراء والبيضاء على تخدير الناس البسطاء وهذا ما نراه في عيون الخطباء المععمين وحركاتهم وتمثيلهم وبكائهم المصطنع حول أهل البيت وخاصة قضية الحسين وحولوها الى مادة اشد تخديرا من الأفيون، بحيث بات البسطاء والجهلة مدمنون عليها دون وعي وتبصر .. لقد ذكر الأستاذ الدكتور علي الوردي في كتابه ( الأحلام بين العلم والعقيدة ) المزاعم التي تقول بان أهل البيت يغضبون ويشفعون لكل من يقدس السادة، الأمر الذي ارتقى بهم بمصاف الآلهة عن طريق توظيف الأحلام والرؤية في سبيل خداع البسطاء، منها على سبيل المثال لا الحصر، (يقال ان فقيه امتنع عن الصلاة على ميت يرجع نسبه الى أهل البيت، وكان هذا المتوفي ظالم متغطرس وله سيرة سيئة، و بعد ان ذهب الفقيه الى فراشه رأى في منامه ان السيدة فاطمة الزهراء معرضة عنه ولا تكلمه، ولما سألها قالت له ((يموت ولدي ولا تصلي عليه ))، وبعد تلك الرؤيا، تاب الفقيه واعترف بذنبه!!)... وتنتشر بين أوساط بسطاء الشيعة، ممن يتدينون بما يطلق عليه التدين الشعبوي أو المليء بالخرافات، قصة معروفة مفادها ان لصا من قطاع الطرق تعرض ذات مرة لزوار الحسين فسلب أموالهم وآذاهم، ثم رأى في منامه ذات ليلة وكأن القيامة قد قامت وان الناس قد حشروا للحساب، وكان الحسين واقفا وسط الحشر وبيده دفتر يتضمن أسماء الذين زاروا قبره .. ولما جاء دور اللص نظر الحسين الى الدفتر فوجد فيه اسم اللص، وتعجب اللص من هذا الأمر المستغرب، وعلم أخيرا ان الملائكة قد سجلت اسمه في دفتر الزوار لان شيئا من غبارهم وقع عليه اثناء قطعه الطريق عليهم وتسليبهم!!، وبهذا دخل اللص جزاء ذلك الى الجنة!! .. فاستيقظ اللص وهو ينشد شعرا: إذا رمت النجاة فزر حسينا لكي تلقى الآله قرير عين فان النار ليس تمس جسما عليه غبار زوار الحسين!!
ان الإمام الحسين الذي ثار في حياته على من استعبد الناس ونهب أموالهم لا يمكن بأي حال من الأحوال ان يشفع بعد موته الى لصوص وقطاع طرق ولو انغمسوا في الغبار المقدس الى قمة رؤوسهم.. كذلك من غير المعقول ان تأمر فاطمة الزهراء أو أحد الأئمة من أهل البيت الناس برعاية وطاعة (السادة) حتى لو كانوا لصوصا وجبابرة.. ومع الأسف الشديد، اعتاد بعض المسلمين الشيعة تداول هذه القصص والخرافات واعدوها من صلب الشريعة الإسلامية ... فهل تعرف أخلاق الإنسان من لون عمامته أم من أفعاله؟ .. في عصر الديمقراطية والانفتاح في العراق نرى إقبال الكثير من الشباب على ارتداء العمامة وخاصة السوداء وبالذات في أماكن الوسط والجنوب العراقي، علما انه رغم عنصرية هذا اللباس إلا انه لباس ديني.. ويبدو ان هؤلاء الشباب واغلبهم ممن لاحظ له من العلم والثقافة، اعتادوا لبس تلك العمائم للرياء والنفاق الاجتماعي، فهم يبحثون عن كل شيء ويبررون كل شيء في سبيل الحصول على شيء من الجاه والاحترام، وليعرف العوام ان هؤلاء لهم مرتبة ومكانة تعلو على مكانة العوام المساكين.. تذكرت حينها القرار الذي أصدره المقبور صدام ذات يوم على كل من يدعي انه من أهل البيت وليس هو منهم، كيف حينها بدأ أهل الكاظمية والنجف و كربلاء ينزعون عمائمهم السوداء ويبدلونها بالبيضاء و بعضهم يبحثون عن قبيلة من قبائل الجنوب تحديدا لتنتشلهم من ورطتهم هذه لان صدام المقبور وعدهم بشر العاقبة.. لكن اليوم وقد عاد هؤلاء للظهور مجددا بعد ان ذهب الخوف.. ولبسوا العمامة السوداء ثانية في عصر الحرية والديموقراطية، فهذا كل ما استطاعوا استغلاله في عصر الديمقراطية الجديد.. ودأبوا اليوم يتعالون من جديد على الناس بهذه العمامة، التي يذكرنا من يرتديها بعصور الجهل والتخلف و الأمية والخرافة.. هؤلاء حينما يرتدون العمامة فإنما يريدون القول بأنهم اعلى مقاما واجل واكثر احتراما من الآخرين، و أصبحت العمامة وسيلة للحصول على الامتيازات والوجاهة الاجتماعية واستغل المعممون سواء السوداء أو الخضراء أو البيضاء الناس بشكل مزري وجعلوهم مجرد أدوات وعبيد لأفكارهم ومصالحهم وغرائزهم، بل أننا نجد يعض الأشخاص ممن يحسبون على خانة العلمانية اتجهوا الى ارتداء اللباس الديني ويمسكون بالسبحة ذات التسعة والتسعين خرزة ويتباهون بذلك، فتراهم لا يتجرأون على نزعها من جهة و فرحين كونهم يعلنون للناس اجمع بأنهم من نسل الرسول، وبعضهم لبس العمامة ولم يدخل الحوزة الدينية، وبعضهم أهداه أحد رجال الدين عمامة كمكرمة لقاء تفانيه في خدمة بعض المليشيات الدينية!! وكل ذلك ، لفرض الرهبة والاحترام على الآخرين.. بدأ الأمر يختلط على الناس، حيث ذكر أحد طلاب الحوزة بان بعضا ممن يزعمون انهم رجال دين إنما لبسوا العمامة كذبا وافتراء، وان الحوزة تعلم بكذبهم إلا ان الفوضى في العراق سمحت لهؤلاء بتقمص شخصية رجل الدين.. ويتجلى خطر هؤلاء كونهم اصبحوا مفتين في المحاكم الشرعية التي تديرها بعض المليشيات.. أما الأحاديث والكتب التي طرحت في أهمية العمائم وفضلها لا أهمية الإنسان وعلمه فكثيرة.. تلك الكتب الفارغة التي لا تطرح سوى فكرا خاويا ونفسا مريضة لا تسمن ولا تغني من جوع ..ومن تلك الكتب: (1) الدعامة في أحكام سنة العمامة/ محمد بن جعفر الكناني الحسيني (2) تحفة الأمة بإحكام العمة / محمد بن احمد المعروف بابن الإمام (3) ذر الغمامة في در الطليسان والعمامة/ احمد بن حجر الهيثمي المكي (4) شارح الثمامة في وصف العمامة / احمد بن محمد الخفاجي أما اطرف ما قيل عن العمامة ونسب حقا أو زورا لشخصيات ذات مكانة في العالم الإسلامي كالرسول الكريم أو أحد أهل بيته، فهي: (1) قال رسول الله (لو ان رجلا خرج من منزله يوم السبت معتما بعمامة بيضاء قد حنكها تحت حنكه ثم أتى الى جبل ليزيله من مكانه لأزاله من مكانه )!! (2) قال رسول الله ( ان الله وملائكته يصلون تحت أصحاب العمائم )!! (3) قال الإمام الصادق ( ضمنت لمن خرج من بيته معتما بان يرجع اليه سالما )!! (4) قال الإمام الصادق ( من خرج من بيته في سفر ولم يذر العمامة تحت حنكه فأصابه ألم لادواء له فلا يلومن إلا نفسه )!! (5) قال الإمام الكاظم ( أنا ضامن ثلاثا لمن خرج معتما تحت حنكه يريد سفرا ان لايصيبه السرق والحرق والغرق )!!
و التحنيك هنا معناه (إدارة طرف العمامة تحت الحنك).. إنا لله وإنا أليه راجعون..
#سندس_جليل_العباسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الله.. بين ذيل البقرة وذيل الحصان
-
معتصمون وعاصون رغم انوفهم
-
مولاي الجليل.. لا تقتلوا الامام الحسين مرتين..
-
الابداع ومعاول الفقهاء المعاصرين
-
في بيتنا هبل واللاتي والعزة...!!
-
رعاة وقطيع من نساء
-
مسيرة مارثونية مليونية لانفاذ اطفال العراق
-
الكرامة والشهامة في ميزان الحضارة
-
من له إذنان صاغيتان فليسمع، أين حقي؟
-
كي تتعلم وتفهم
-
ابو الهول أكثر صخبا من برلمانياتنا
المزيد.....
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|