كيف بدأ هذا العام ؟
بدأت هذه السنة من حيث انتهى العام الذي سبقها ، من جورج بوش وصدام حسين في أمريكا والعراق، ومن المقاومتين العراقية والفلسطينية في البلدين المحتلين، حيث الصراع العنيف مع عدوين هم بالأصل عدو واحد ، فلا فرق بين الذي يحتل بغداد والذي احتل ولازال يحتل القدس، ولا فرق بين الذي قتل أطفال العراق بالحصار ومن ثم بالحرب وفي زمن الاحتلال، وبين الذي يقتل الاطفال ويقتلع الأشجار ويصادر الاراضي ويواصل الاستيطان ويرفض مشاريع السلام في فلسطين المحتلة، حيث الكيان الدخيل الذي جاء من الغرب الى بلاد العرب بمساعدة الغرب والشرق و الروم والعجم.
أمل أن لا يكون غبيا كما يبدو ...
قبل الحرب في العراق بكثير وقبل الحرب في افغانستان بقليل ، وبالتحديد يوم جاء بوش الصغير ليصبح رئيسا للبلد الأمريكي الضخم والكبير أطلق الزعيم الكوبي فيديل كاسترو تصريحا قال فيه : أمل أن لا يكون غبيا كما يبدو .. هذه الكلمات كانت أول صفعة خارجية يتلقاها الرئيس الأمريكي الجديد والذي جاء انتخابه مشابها لانتخابات الرئاسة في الدول العربيية والافريقية، وحاول بوش جاهدا ان يثبت للعالم عدم صحة تصريحات كاسترو ، لكن طبيعته أبت أن تخرج عن جلدها فحافظت على شكله ومظهره الذي رآه به كاسترو ثم جاءت الأيام فيما بعد لتبرهن أنه أغبى مما توقعه الزعيم الثوري قائد رفيق تشي جيفارا ، فقد أكد بوش أنه أكثر تهورا وعنصرية وغباء مما توقعه المراقبون.
يوم انتصرت الخيانة على الاستبداد
ويوم انتصرت الخيانة في العراق على النظام الاستبدادي الذي كان يحكم البلاد بالقبضة الحديدة، وصلت النشوة ببوش حدودها القصوى فأخد يطلق التصريحات والتهديدات ذات اليمين وذات الشمال، ولم يسلم حتى الحلفاء التقليديين من اتهاماته وتهديداته. ويوم تم اعتقال صدام حسين غريمه وغريم والده الرئيس السابق جورج بوش من قبله، بدا بوش منتعشا وسعيدا جدا لمظهر صدام حسين ، حتى أنه ايد بشكل غير مباشر احتمال اعدامه. لقد تم أظهار الرئيس العراقي الاسير بالشكل الرث والحقير الذي تم تحضيره واخراجه بشكل هوليودي يخدم الدعاية الامريكية ، كان بوش الصغير مع والده بوش الكبير من أكثر الناس سعادة. ولم يكن هناك مجال للشك في ان إظهار صدام حسين بذاك الشكل المهين والمعيب سوف يساهم في شق الشارع العراقي ويعزز الانقسام الطائفي في بلد مزقته الحروب والحصار والأنظمة المستبدة. فبعد مشاهدة تلك الصور مباشرة حدثت تظاهرات في مدن عراقية مختلفة مؤيدة ومعارضة لاعتقال صدام حسين وإظهاره بالشكل الذي ظهر به أسيرا، ورغم ان الذين يفهمون ويعرفون الحقائق والوقائع يعلمون أن صدام الذي ظهر في التلفاز اسيرا وقذرا ليس بوضعية الانسان الطبيعي ولا العادي، بل انسان آخر تم اخضاعه لظروف ومعاملة و أدوية مخدرة وغير ذلك ساهمت في تحقيره وتعزيز تلك الفكرة، حيث كان الهدف منها إلغاء شخصية صدام المهيمنة على العراقيين.
قد يكونوا وفقوا في الانتصار على الرئيس المهزوم لكنهم بالتأكيد وقعوا في فخ الهزيمة الكبرى، حيث لا مجال امامهم سوى التسليم بان مكانهم ليس في العراق وان بقاءهم مشكلة وخروجهم ايضا مشكلة، إذن ما الذي جناه الشعب العراقي من الحرب غير الدمار والحروب والفوضى وتزايد احتمالات التفكك والحروب الاهلية والاثنية والطائفية ؟؟؟؟
أول الغيث قطرة ..
بعد العملية التفجيرية الكبيرة التي استهدفت القوات البلغارية في جنوب العراق نهاية الاسبوع المنصرم ، حيث قتل خمسة من الجنود البلغار وجرح عددا منهم، أعلن 30 جنديا من الكتيبة البلغارية التي ستحل مكان الكتيبة المتواجدة في العراق رفضهم الذهاب الى هناك لاستبدال رفاقهم. ويعد هذا العصيان للأوامر صفعة قوية للحكومة البلغارية التي تعتبر من أكثر الدول الخفيفة تبعية للادارة الامريكية وسياساتها المعادية للأمتين العربية والاسلامية. ولعل هذه البداية البلغارية ستكون بداية تعكس رؤيتها وتفرض وجودها على كافة الوحدات العسكرية للحلفاء الذين يقاتلون تحت إمرة امريكا ويساهمون في احتلال بلاد كانت حتى فترة قريبة من البلاد الصديقة، كما أنهم يموتون من أجل أهداف أمريكية ومصالح لقيادات وحكومات بلادهم، وبلا أية اهداف اخلاقية او انسانية حقيقية.
أمنية واحدة فقط ..
لفت انتباهي بداية العام الحالي برنامج بثته احدى الفضائيات البولندية الكثيرة ، وكان البرنامج عن احتفالات أعياد الميلاد والسنة الجديدة التي اقامها الجيش البولندي في العراق المحتل، فقد بدا واضحا تأثر الضباط والجنود بالغربة وبأجواء العيد والوحدة في البلاد البعيدة، حيث الحرب مشتعلة والمقاومة مستمرة والعمليات الاستشهادية والتفجيرية والهجومية تحصد الجنود من كل البلدان المشاركة في احتلال بلاد الرافدين.
بعد عرض قصير ومشاهد سريعة لحفلة بسيطة في مقر القوات البولندية في كربلاء ، ظهر فيها بعض الجنود والضباط وهم يقرعون كؤوس المدام ويتبادلون كلمة " نازدروفي" التي تعني بصحتك ، وكان أحد الضباط يوزع بسمات كئيبة على الكاميرا والواقفين بجواره، ثم سألت مراسلة الفضائية أحد الجنود عن امنيته في العام الجديد، فرد الجندي الشاب : أمنية واحدة فقط أن أعود لأهلي سالما.
هل لزيارة الحريري و عبيد علاقة بزيارة قريع للسعودية ؟
بعد زيارة احمد قريع رئيس الحكومة الفلسطينية للمملكة السعودية يقوم رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري بزيارة خاصة للمملكة، كما يناقش جان عبيد وزير خارجيته مع وزير خارجية السعودية سعود الفيصل قضية مكافحة توطين اللاجئين الفلسطينيين في لبنان ، ولا ندري إن كان هناك علاقة ما تربط بين الزيارتين وموضوع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، فالموضوع الفلسطيني في لبنان حاضر دائما وابدا، ليس لأن هناك حلول موجودة أو محتملة فقط لا غير بل لأنه وقبل أي شيء موضوع كرامة انسانية مهانة ومخيمات محاصرة وحياة قاسية أهم ما فيها المعاملة الغير طبيعية التي تختص بها سلطات البلد اللاجئين الفلسطينيين، فهؤلاء بلا حقوق اساسية منذ أن لجأوا الى لبنان رغما عنهم في النكبة سنة 1948، مخيماتهم هي نفسها بنفس المساحة التي سكنوا عليها منذ اصبحت تعرف بالمخيمات الفلسطينية في لبنان، لم يطرأ عليها تعديلات كبيرة منذ تلك الفترة، وقد كرس لبنان الرسمي تلك السياسة يوم اقر برلمانه قوانين جائرة بحق الفلسطينيين في لبنان، منها عدم السماح للفلسطيني بالتملك والتوريث ، وتقييد حركته في الدخول والخروج من والى لبنان وكانت كل هذه القرارات والقوانين أخذت في عهد السيد رفيق الحريري رئيس وزراء لبنان الحالي، ثم تبنى مجلس النزواب اللبناني قرار حرمان ومنع الفلسطيني من التملك والتوريث، بينما قرار الدخول والخروج من والى لبنان هذا القرار السيئ تمت إزالته أثناء حكومة الرئيس سليم الحص، هذا الرجل القومي العربي الشجاع، و الشخصية الوطنية اللبنانية المرموقة والمعروفة.
حرمان اللاجئ الفلسطيني من حقوقه المدنية والتضييق عليه يوميا وحرمانه من الحياة بشكل عادي في بلد عربي مثل لبنان قاتل وكافح وحرر أرضه من براثن الاحتلال الصهيوني يعتبر مشكلة كبيرة وقضية محيرة، إذ لا تخدم تلك الاجراءات سوى مشاريع التهجير والتوطين، وبهذا يقوم الذين يعارضون التوطين ويصوتون لصالح قرارات عنصرية بحق الفلسطيني تحت حجة منع التوطين بتقديم خدمات مجانية لمشروع قانون التوطين الصهيو أمريكي المقدم في أكتوبر من العام الماضي من قبل عضوة في الكونغرس الأمريكي ووقعه لغاية الآن تسعة من أعضاء الكونغرس.
عرفات ووزير المالية سلام فياض
يقال أن بداية هذا العام لم تكن موفقة بين الرئيس الفلسطيني المحاصر ياسر عرفات ووزير المالية الطليق سلام فياض، فالأخير يريد ان يحدد ميزانية اجهزة الأمن الفلسطينية وأن يكون استلام و تقاضي الرواتب ليس باليد لكن عبر المصارف وببطاقات البنك، تماما مثلما يتم العمل والتعامل في اية مؤسسة او شركة وطنية في بلد ما، وهذا الاسلوب لا يروق للرئيس الفلسطيني الذي اعتاد ان يمارس عمله بحرية وأن يوزع المال حسبما يراه مناسبا وبدون الكمبيوتر و بطاقات البنوك. يعتبر هذا الخلاف من الأمور الجديدة والحديثة في عهد حكومة قريع التي لازالت تعج برموز الفساد السياسي والمالي، وقد هدد الوزير سلام فياض بالاستقالة ما لم يستجب عرفات لطلباته، ويريد فياض ان تقدم ميزانية الاجهزة الامنية بطريقة اكثر شفافية، وهذا الطلب ليس سهلا ولن يكون سهلا ولن يمر بدون ازمات جديدة. لقد برزت الخلافات الى العلن وبدأت الصحافة تتداولها ، هذا يعني اننا سوف نشهد قريبا محاولات تدخل خارجية، أهمها سوف يكون أمريكيا واسرائيليا، وهنا تكمن مشكلة الشعب الفلسطيني لأنه عالق بين النهج المتنفذ والمستفرد في السلطة وقبلها في المنظمة وبين تدخلات أمريكا واسرائيل في الشئون الداخلية الفلسطينية، فبينما هو يشجع الاصلاح والتحديث والتقليل من الفردية والشللية في الحياة العملية، ويطالب ويريد القضاء على الفساد والفاسدين شاء من شاء ورفض من رفض، نجد أن تدخلات الادارة الأمريكية واسرائيل تعيق تلك الطموحات الشعبية الفلسطينية، لأن الشعب الفلسطيني لن يقف مع امريكا واسرائيل ضد الرئيس ياسر عرفات المحاصر والمسجون بقرار امريكي اسرائيلي، وبهذه الطريقة لا يمكن ان يتم الاصلاح ولا أن يعالج الفساد بشكل صحيح، فلن يتسنى للشعب اخضاع السلطة والقيادات للمراقبة والمحاسبة وفق القانون، خاصة ان الرئيس محاصر والمؤسسات مغيبة وغائبة ومفقودة ومهدومة، كما أن النية غير متوفرة عند أهل السلطة، ولا توجد لديهم بوادر مشجعة كما لم توجد سابقا، وهم غير مستعدون لتقبل مبدأ الاصلاح والمحاسبة بالاسلوب الصحيح، ولم يبدوا أي استعداد عند لقبول مطالب الاصلاح التي بُحَت حناجر شعبنا وهو يطالب بها ، أما ما قامت به السلطة من اصلاحات شكلية سابقة فهي لم تَقُم به إلا بعد ان أجبرتها التدخلات الخارجية على القيام بذلك، فالخوف من عواقب الخارج بدا أقوى من التفكير بعواقب الداخل.
يعني فلسطين بدون تغيير
لا جديد طرأ على الوضع في فلسطين المحتلة ولن يكون هناك أي جديد مادامت فكرة شارون ملتقية مع فكرة بوش، وماداما كلاهما في عداء مزمن مع الشعب الفلسطيني وعداءوهما غير قابل للتبديل، و مادامت أفكار ابطال سلام الشجعان الفلسطينيين غير ملتقية مع توجهات ابطال انتفاضة الشجعان من المقاومين، انتفاضة الاقصى والاستقلال، انتفاضة مقاومة الموت لأجل الحياة والموت من أجل الحياة.
مادامت الأمور هكذا فلا جديد يعزز وحدة الفلسطيني، لأن تلك القوى التي تعشق التفرد بالعمل وتقدسه هي بالأصل ضد الوحدة، حتى وإن تحدثت عنها بالعلن، فهي ان تحدثت انما من اجل بيع المواقف ولوسائل الاعلام فقط لا غير، ثم لكي تظهر وكأنها أحرص الناس على الوحدة والحوار، لكنها من دواخلها لا تريد الوحدة ولا تقبل بالحوار فهذه القضايا ليست واردة في برنامجها، لأنها تريد وحدة وطنية على اساس اوسلو، أي بمعنى آخر أنها تتعامل مع المعارضة الفلسطينية مثلما يتعامل معها الطرف الاسرائيلي، أو تأتي معنا كما نحن وكما نريدك أو لا نريدك طرفا في العملية السلمية او جبهة السلام العالمية بقيادة بوش وشارون.