صلاح الطويل
الحوار المتمدن-العدد: 2271 - 2008 / 5 / 4 - 10:16
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
في البداية , أود أن أشير , أنني لم أكن يوما ضد النظام الملكي بالمغرب . ولم يكن لي يوما منذ أن ناضلت بعودي وقلمي وعمري مع جميع أطياف اليسار المغربي , أي طموح سياسي أو مأرب انتهازي . ولم أتهافت يوما على أي منصب , وإن كان من السهل علي الحصول عليه , بقليل من التزلف والتملق ومسح (كابة) الزعيم وتلميعها . كما حصل للعديد من رفاق الدرب , الذين منهم من تخلى عن مبادئه ومواقفه الفكرية , ومنهم من تنازل عن دواوينه الشعرية مقابل منصب بالدواوين الوزارية , ومنهم الأكثر انتهازية في الحصول على حقيبة وزير , وما أكثرهم ممن تداولوا وتناوبوا دون أية نتيجة تذكر على تدبير شؤوننا العامة . في الوقت الذي كانوا فيه لا يعملون إلا على تدبير شؤونهم الخاصة . في دواوين وزارية تسخر جدرانها من التاريخ , وتلعن أبو التاريخ الذي جعل من الأصوات أسواطا تجلد ظهر التاريخ نفسه بامتياز.
لحسن حظي أو لسوءه . أنتمي لأسرة , تعتبر من الأسر المناضلة التي قاومت ضد الاستعمار الفرنسي بمدينة فاس . من أجل عودة الملك الراحل محمد الخامس لعرش أسلافه . وأتصور كيف فر والدي رحمه الله , من الجيش الفرنسي , حاملا معه 12 قنبلة وبندقية , في اتجاه (تيزي ويسلي) إحدى معاقل المقاومة وجيش التحرير بمنطقة الريف . وأتصور كذلك , كيف كان حينها يحلم بالحرية والانعتاق وعودة الملك الشرعي وطرد الاحتلال . لقد كان المسكين ساذجا حتى النخاع ,حين لم يظن أن ما يقوم به من تضحيات , سيجني ثمارها أبناء الخونة وأذناب الاستعمار . بل حتى والدتي , لازالت تلعن غباوتها التي كانت تجعلها تساق إلى مخافر شرطة الاحتلال رفقة زميلاتها من تلميذات وطالبات المدارس الحرة التي أنشأتها الحركة الوطنية , دفاعا وحفاظا على اللغة العربية التي كان المستعمر يعمل على تغييبها من المدارس آنذاك . من حقها أن تلعن غباوتها , حين ترى بأم عينها , أبناء المتخاذلين والعملاء , وهم من يصولون ويجولون في البلاد . بكل تأكيد ,ليست أسرتي وحدها من عانت من المقالب السياسية . بل الشعب المغربي برمته , (تقولب) , بعد أن ضحى بالنفس والنفيس , دون أن يدرك أن ما يغرسه من تضحيات , سيستفيد منه أبناء الخونة والمخبرين وأعداء العرش والوطن ومنعشي الفساد . فمن يستفيد الآن , دون أن يفيد بشيء , ولو يوما واحدا في هذه البلاد ..؟ من يلهف ؟ ومن يسرق ؟ ومن يبني مجده البورجوازي باستنزاف سواعد الكادحين , ولعق عرق جبين الأبرياء . من يحش الأخضر واليابس , ومن يسود غير المفسدين على الإطلاق.
عندما مات الملك المرحوم , الحسن الثاني . وتقلد زمام الحكم ولي عهده محمد السادس . هتف الشعب المغربي (مات الملك ... عاش الملك) معتقدا أن رحيل الحسن الثاني , سترحل معه مرحلة مظلمة , لها ما لها , وما عليها . وفرح هذا الشعب فرح الأطفال و, وهو يرى ملكه الجديد , مرتديا سروال تجينز , والحذاء الرياضي , والطاقية الشعبية المزركشة , كأي إبن حي شعبي , في درب غلف بالبيضاء , أو باب الفتوح بفاس أو العكاري بالرباط . ملك شاب , انطلق في الحكم , ببساطته , وقبوله , بالتجاوز , لبعض القيم البلاطية الرخوة . ونهجه سياسة قرب خصوصياته الحياتية لدى شعبه . وجعلها في متناول الصحافة . وظهور زوجة الملك , لأول مرة في تاريخ النظام الملكي المغربي , وهي تقوم بواجباتها كزوجة , وبدورها كفاعلة اجتماعية , كباقي زوجات رؤساء العالم . كل هذه المؤشرات الحضارية الجديدة . جعلت الشعب المغربي يعتقد أن العهد الجديد , سيكون بمثابة قطيعة مع زمن الظلم والإضطهاد , والفساد العام . وما زاد في تكريس هذا الاعتقاد . هو إقدام محمد السادس في أولى خطوات حكمه . على عزل أكبر عدو لدى الشعب المغربي , وزير الداخلية السابق , الراحل إدريس البصري , أحد أذناب الطغاة التاريخيين , كالجينرال الدليمي وزميله الجنرال أوفقير , وغيرهم من القتلة وسفاكي دماء المواطنين والمناضلين . أبطال زمن الجمر والرصاص .
الآن حكم محمد السادس على مشارف نهاية عقده الأول . ولم يعد هذا الشعب , منبهرا بطريقة لباس الملك أو شعبيته , أو بساطته , ولا خصوصياته الحياتية , بقدر ما تهمه حياته التي لم يطرأ عليها أي تغيير , منذ عهد الحسن الثاني إلى يومنا هذا . فكل ما حققه النظام المغربي من تقدم على المستوى القانوني والحقوقي ومجالات المرأة . لم يكن سوى خطوات مفروضة لتلميع صورة المغرب الرسمي في عيون الخارج . أما الداخل وشعب الداخل, فلا يهم . لينطح رأسه مع أقرب أسوار مدنه , أو يرمي بنفسه في قاع البحر , أو يلجأ أقرب مستشفى للمجانين . وبالفعل , ما أحوجنا إلى شعب يجن دفعة واحدة , ليدرك هذا النظام المغربي , أنه محاط بثلة من خونة العرش والوطن , ثلة تعمل في السر والجهر , على تقليص شعبية الملك لدى شعبه , وتجتهد في توسيع الإضطرابات , وانعدام الأمن والسلم الإجتماعي , وخلق البلبلة وسط المواطنين . فالمغاربة لم يعودوا يحتاجون الآن إلى الأحزاب أو النقابات , ليخرجوا إلى الشارع العام , محتجين على الإرتفاع الصاروخي للأسعار, أوانعدام الخدمات الإجتماعية والصحية . وقد تأكد بما ليس فيه من شك , في ظل تزايد الفقر والبطالة والإقصاء الإجتماعي , والظلم القضائي . أن التنمية البشرية التي اتخذتها الدولة كشعارا للمرحلة , لم تعطي أكلها , ولم تفي بما يتطلع له شعبنا , من مساواة وعيش كريم في الحياة . والجهات الرسمية الخارجية , التي تحاول الدولة تلميع صورتها أمامها . هي الجهات نفسها من وضعت المغرب في آخر الصفوف الكسولة , فيما يتعلق بالتنمية البشرية وتحسين وضعية الإنسان .
المغرب , بالفعل بلد جميل. والشعب المغربي طيب ومتسامح حتى النخاع . ولا يحق لهذا الجمال وهذه الطيبوبة , أن تعبث بها أيادي المفسدين . فالشعب المغربي لا يتقاتل من أجل الحكم أو تغيير النظام الملكي بالمغرب , أو أي شيء من هذا القبيل . فما يطلبه هذا الشعب المسالم واللطيف أمام ويلات الواقع , سوى احترام كرامته , بتوفير متطلبات الحياة الضرورية , للعيش الكريم . وليس كما فعل المهرولون والمتهافتون الذين كانوا من المقربين للبلاط . حين كانوا يقتاتون من تحت مظلة الملكية , وفي نفس الوقت , متربصون لأية فرصة للإنقلاب عليها.
تلقننا حكمة الفناجين
درسا بليغا في الهبوط
فالأصابع حين تنفلت سهوا
تكون قبل الفناجين
آيلة للسقوط
#صلاح_الطويل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟