جاء عقد المؤتمر التأسيسي لحزب التضامن الديمقراطي الأهوازي في يومي 18 و19 يوليو / تموز الماضي في لندن ليرسي قاعدة نضالية جديدة في الأهواز (عربستان) وهي العصيان المدني السلمي الذي من شأنه أن يساهم في أن تبرز الشعوب آراءها ومواقفها، وتصعد من مقاومتها دون اللجوء إلى العنف. ويعد هذا سابقة في تاريخ الحركة السياسية الأهوازية.
وهذا لا يعني على الإطلاق التخلي عن الأهداف الوطنية التي ظل شعبنا الأهوازي يناضل من أجلها منذ أكثر من سبعين عاما، وإنما يعني الانتقال إلى مرحلة أخرى من النضال الوطني من اجل الأهداف ذاتها ولكن بطرق وأساليب مختلفة عن الماضي.
وقد انعكست هذه القاعدة النضالية في البرنامج السياسي والنظام الداخلي اللذين تبناهما الحزب في مؤتمره من منطلق الأهمية السياسية المتعاظمة التي يكتسبها النضال السلمي نتيجة القناعة العامة التي باتت تتكون على الصعيدين الشعبي والنخبوي في الأهواز بأفضلية هذا النوع من النضال، لاعتبارات وأسباب عدة داخليا ودوليا.
وبرغم أن نتائج المؤتمر ما زال ينتظرها الكثير من التفاعلات سواء داخل الحزب أو على الصعيد الشعبي، فلا شك في أن المشروع السياسي الذي انبثق عنه يشكل نقلة نوعية في مسار النضال الوطني الأهوازي لما حمل من رؤى وإستراتيجيات جديدة تتسم بالوضوح والشفافية والواقعية، وتتوافق مع متطلبات المرحلة الراهنة، بعيدا عن المثالية المفرطة والتسويق العاطفي.
وبما أن حزب التضامن الديمقراطي الأهوازي هو امتداد تاريخي ونضالي للحركات والتنظيمات الأهوازية الوطنية التي ناضلت طوال العقود الماضية، وبذلت كل ما بوسعها لإخراج الوطن من وضعه المأساوي، وأن ثمة إدراكا شعبيا متزايدا بضرورة ملء الفراغ السياسي على الساحة الأهوازية، من خلال تبني مشاريع سياسية مترابطة عضويا وملهمة جماهيريا ومتفاعلة سياسيا وفكريا مع التحديات والتحولات الداخلية والدولية، فإن مشروع الحزب قد لقي لحد الآن استجابة مشجعة ومفعمة بالحماسة والأمل من عدد كبير من أبناء شعبنا في الداخل والخارج، وخاصة النخب السياسية والفكرية الواسعة الأفق منهم، انطلاقا من قناعتهم بإمكانية أن يشكل هذا المشروع حافزا فائق الأهمية في تصعيد وتيرة نضالنا الوطني وتعميقه وتوسيع دائرته لتشمل الساحة الأهوازية كلها، خصوصا في ظل التحولات الدولية والإقليمية المتسارعة.
ومن هنا فقد انضمت إلى الحزب رسميا شرائح كبيرة من المناضلين والمناضلات من اتجاهات سياسية وفكرية واجتماعية مختلفة، إلى جانب أعضاء ومناصري كل من حزب التضامن الأهوازي والحركة الديمقراطية الأحوازية وحركة التجمع الوطني في عربستان والجمعية العربية الأحوازية، وهي التنظيمات التي قامت بمساعدة عدد من الشخصيات السياسية الأهوازية المستقلة ذات التاريخ النضالي الطويل بتأسيس حزب التضامن الديمقراطي الأهوازي.
الواقع أن تشكيل حزبنا الجديد قد جاء تلبية لضرورة تاريخية فرضتها عوامل عدة، أهمها مقتضيات المرحلة النضالية الأهوازية الراهنة محليا ودوليا، ونضوج الظروف الموضوعية والذاتية إلى حد كبير، وحاجة الأجيال الصاعدة من شعبنا العربي لملء الفراغ التنظيمي، والارتقاء بنضالنا الوطني إلى مستوى القدرة على تغيير توازن القوى داخليا لصالح قضيتنا العادلة، وردم الفجوة الهائلة بين الطموحات والإمكانيات لدينا، وصولا إلى تحقيق أهدافنا الوطنية المشروعة وبناء مستقبل مزدهر لأهواز يسودها العدل والحرية والسلام.
ومن أجل أن ينهض الحزب بمسؤولياته الوطنية والنضالية، ويصبح برنامجه السياسي موضع إجماع أو أغلبية وطنية تقتنع به إلى درجة العمل والبذل من أجل مبادئه وأهدافه، فقد توقف المؤتمر ومن ثم اللجنة المركزية المنبثقة عنه أمام ضرورة توفير حياة داخلية سليمة للحزب تسودها علاقات موضوعية تؤمن انضباطا حزبيا صارما وأساليب ديمقراطية تضمن ممارسة النقد والنقد الذاتي، والتدرج والإقناع، حتى يتمكن الحزب من خلال ممارساته النظرية والتطبيقية من أن يتحول إلى قوة فاعلة ومؤثرة في تحرير الطاقات المعطلة في المجتمع الأهوازي، وتصفية آثار تحكم الدكتاتورية والشوفينية، ودفع العمل النضالي إلى مستوى القدرة على ردع سياسات النظام الإيراني الهادفة إلى فرض الأمر الواقع في الأهواز.
وانسجاما مع هذه الغاية، فقد تبنى المؤتمر أولا التضامن الشعبي وثانيا الديمقراطية كمدخلين أساسيين لتحقيق أهداف الحزب الوطنية والنضالية. فالأول أي التضامن الشعبي الذي يعكس الشعور العام بوحدة المصير، قد اعتمد من اجل تعبئة الجماهير وحشد طاقاتها و مد جسور التحاور مع القوى السياسية والاجتماعية الأهوازية الأخرى، وتعزيز الوحدة الوطنية وتحقيق الفعالية القصوى في النضال الوطني، خصوصا في ظل تصاعد الروح النضالية التي تتجلى في كل مواقع المقاومة في الوطن.
أما المدخل الثاني (أي الديمقراطية) فقد جرى تبنيه باعتباره الأداة المثلى لبناء القدرات الذاتية واستيعاب اختلاف الآراء وتضارب الاجتهادات، وتوفير زخم جديد لأفكار التجدد والتطور والانفتاح الحضاري التقدمي، على الصعيدين الحزبي والشعبي، وصولا إلى مستوى المقدرة على استيعاب التحولات السريعة في المنطقة، والتمكن من التصدي لسياسات النظام الإيراني وتبعاتها، وخاصة مشكلات الجهل والفقر والاضطهاد التي يسعى حكام طهران لترسيخها سياسيا واجتماعيا في الأهواز.
ولتوفير متطلبات نجاح نضالنا الديمقراطي هذا، يؤكد الحزب ضرورة المساهمة الفعالة حزبيا وشعبيا في بناء وتعزيز مؤسسات المجتمع المدني، والسعي لرفع مستوى الوعي الجماهيري قوميا وثقافيا واجتماعيا، وترسيخ مبادئ الديمقراطية في كافة المجالات، وعلى رأسها حقوق المرأة التي يعتبر الحزب النضال ضد احتقارها ووضعها غير المتساوي في المجتمع من أهم أولوياته السياسية والاجتماعية.
وهنا لا بد من الاستدراك بأننا لا ندعو إلى التبعية لمجتمعات أخرى في مجال فهم أو تطبيق الديمقراطية، ولا نؤمن بأي شكل من الديمقراطية يشترط الخروج أو الابتعاد عن الذات. وإنما نسعى في إطار برنامجنا السياسي ونظامنا الداخلي لتدشين طريق مستقل نحو الديمقراطية يتجاوب مع تطلعات شعبنا المشروعة، دون أن يتناقض مع خصوصياته الحضارية والدينية والقومية.
وحتى يتمكن الحزب من إثبات ريادته على المستويين السياسي والفكري وخلق قاعدة شعبية صلبة له في الوطن، فقد توقف المؤتمر طويلا أمام كيفية بلورة رؤية سليمة تمكن الحزب من التفاعل العقلاني والإيجابي مع المتغيرات الدولية والإقليمية والمحلية الجارية، في إطار ثوابته الوطنية ومبادئه المعلنة.
وفي السياق ذاته، فقد تم رصد مجموعة من المؤشرات الدالة على أن التطورات هذه تسير بصفة عامة في اتجاه مواز لقضيتنا العادلة، ومن أبرزها، استمرار تراجع مكانة النظام الإيراني دوليا وإسلاميا، وتعاظم الاهتمام الدولي بقضايا حقوق الإنسان والشعوب المضطهدة قوميا وطبقيا، وإخفاق نظام ولاية الفقيه في معظم مشاريعه السياسية والاقتصادية البالغة الطموح، وتفاقم أزمتي الشرعية والهوية لديه، وتصاعد النضال الجماهيري من أجل الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية في إيران، والنقلة النوعية في الوعي القومي والسياسي لدى الشعوب غير الفارسية (الأذربيجانيون، والأكراد والبلوش والتركمان واللور والبختياريون) وخاصة شعبنا العربي في الأهواز.
ومما لا شك فيه أن معظم هذه التطورات قد ساهم بدور مؤثر في جعل التحدي علامة بارزة للخطاب العام للحركة الأهوازية داخل الوطن وخارجه، الأمر الذي من شانه أن يسهم بدوره في احتواء الشعور باليأس والإحباط الذي طالما عانى منه المواطن الأهوازي، بسبب واقعه البالغ الصعوبة والمرارة، وتجاهل الأوساط العربية والدولية لما يتعرض له من ظلم وتمييز عنصري.
وبناء على كل ذلك، فقد توصل أعضاء المؤتمر إلى إجماع على أن الأجواء والظروف بشقيها الموضوعي والذاتي باتت ملائمة أكثر من أي وقت مضى لتصعيد نضالنا الوطني سياسيا وإعلاميا، وإبراز شرعيته دوليا وإقليميا، من أجل انتزاع اعتراف دولي وعربي بعدالة قضيتنا يساعد على تجسيد هويتنا الوطنية المتوجة باستقلالية قرارنا السياسي.
وانطلاقا من هذه القناعة، يتعهد الحزب أمام الشعب والتاريخ ببذل كل ما بوسعه لتحقيق هذه الغاية، من خلال التزامه التام بكل ما جاء ضمن برنامجه السياسي من أهداف ومبادئ وأساليب، حتى يثبت بذلك وفاءه الفعلي لما اتخذ على عاتقه من مسؤولية وطنية، معلنا لأحرار العالم قدرة شعبنا الأبي على نسف حاجز المستحيل وإثبات مقولة " ليس كل من يثقل بالقيود خاضعا ".
اللجنة المركزية لحزب التضامن الديمقراطي الأهوازي
ديسمبر/ كانون الأول 2003