|
الاعلام من منظور اداري تنموي
اكرم سالم
(Akram Salim Hasan Al-janabi)
الحوار المتمدن-العدد: 2270 - 2008 / 5 / 3 - 10:29
المحور:
الادارة و الاقتصاد
من اهم الأمور ذات الدلالة في العالم الثالث هي قضية المشاركة الشعبية الأوسع في التنمية ، و تتحقق من خلال عدة مداخل على رأسها الحراك الإعلامي الايجابي الذي يسهم في تقديم جميع المعلومات الضرورية لجعل مساهمة الجماهير ممكنة في صنع القرار التنموي ، مع القاء الضوء على مدى هذه المشاركة ونتائجها وعقباتها ووضع الحلول اللازمة لها . وذلك يتطلب اعلاما بأتجاهين متفاعلين ديناميكيا ، الاتجاه الإعلامي ، والاعلام الراجع الاستعلامي الذي يقوم بعمليتي التغذية العكسية وتصحيح المسار آنيا ، كضرورة جوهرية لعملية الارتقاء التنموي ومغادرة الحلقة المفرغة للتخلف . وبذلك يتطابق مفهوم الاعلام كمهمة وطنية ملحة لها اهدافها الاجتماعية الديمقراطية مع مفهوم العلاقات العامة كوظيفة اساسية حديثة من وسائل الادارة والتحول الاقتصادي . فجمعية العلاقات العامة الدولية International Public Relations Association تذهب الى تعريف العلاقات العامة بأنها " الوظيفة المستمرة والمخططة للادارة التي تسعى بها المنشآت بأختلاف انواعها واوجه نشاطها الى كسب تفاهم وتعاطف وتأييد الجماهير الداخلية والخارجية ، والحفاظ على استمراره ، وذلك بدراسة الرأي العام وقياسه للتأكد من توافقه مع سياسات المنشأة واوجه نشاطها ، وتحقيق المزيد من التعاون الخلاق والأداء الفعال للمصالح المشتركة بين المنشآت وجماهيرها بأستخدام الاعلام الشامل المخطط " . كما يعرف المعهد البريطاني العلاقات العامة The British Institute of Public Relations بأنها الجهود المخططة المستمرة لأقامة التفاهم المتبادل بين المنظمة وجماهيرها والمحافظة عليه . ومن ابرز توجهاتها ومهامها ومبادئها التي قامت عليها هو انها عملية ادارية مستمرة ومخططة ، وانها بلورة للرأي العام . وانها فلسفة للادارة تجاه المجتمع . وانها نشاط اعلامي بأتجاهين من المؤسسة للجمهور ، ومن الجمهور للمؤسسة بشكل قياس وتقييم وانها نشاط مستمر لايتوقف عند اقامة علاقات طيبة بل يسعى الى المحافظة عليها . وفي معرض تناولنا السريع للعلاقة بين الاعلام او العلاقات العامة والتنمية ، نشير الى نظريتين مهمتين من نظريات التنمية ، الاولى نظرية روستو W.W. Rostow - او نظرية المراحل 1960 التي تؤكد على انه لايمكن لأي مجتمع ان يصل لدرجة النمو الا بعد سيره في طريق طويل شاق وبخمس مراحل هي : مرحلة المجتمع التقليدي استنادا لعدد من المؤشرات الانتاجية ، التي تشير الى حالة التخلف التي تشترك بها جميع بلدان العالم الثالث ، من خلال اشتراكها في بعض الصفات الاقتصادية السياسية والاجتماعية . مرحلة التهيؤ للانطلاق من خلال ايجاد ظروف اقتصادية سياسية اجتماعية يستطيع فيها المجتمع التحول من مجتمع تقليدي الى وضع يمكن فيه استغلال ثمار العلم الحديث والتغلب على انخفاض الانتاجية ، ويتميز بأنتشار التعليم .. وخلالها تنقلب الموازين لصالح التصنيع . مرحلة الانطلاق التي يتم فيها القضاء على مقاومات التغيير للنمو . وعدد روستو ثلاثة عوامل كشروط لانتقال المجتمع الى مرحلة الانطلاق ، هي ارتفاع معدل الاستثمار ، وتنمية قطاع اقتصادي رئيس ، وتوافر هيكل اجتماعي سياسي تنظيمي يحسن استغلال الموارد وتغذية النمو ودفعه الى الأمام . مرحلة الاتجاه نحو النضج الاقتصادي التي تؤكد فيها المجتمع مقدرته على الحركة ، واستيعاب وسائل الانتاج والتكنولوجيا ، وتتميز هذه المرحلة بتغير تركيبة القوة العاملة ، وتغير افكار المجتمع وتغيير ادوار اصحاب الثروات الى مديرين . مرحلة الاستهلاك الوفير ، وتتميز بأرتفاع المستويات الاستهلاكية لأفراد المجتمع وتخصيص قدر كبير من موارده للامور الاستهلاكية . فروستو يفترض ان التخلف مرحلة من المراحل التي تسير وفق آلية محددة ، وانه لولا تأثير النموذج الغربي الاستعماري لما ( أفاقت ) دول العالم الثالث من رقدتها !! وهو أمر مردود بكل المقاييس والشواهد التاريخية التي تؤكد على اجهاض وتقويض غالبية التجارب التنموية الجادة ، من قبل الهيمنة الاستعمارية العالمية ، اما حركة المساعدات والتنمية الغربية التي قد اشرت خلال الستينات والسبعينات فأنها كانت محدودة وتجميلية لأسباب تتعلق بقضية الصراع العالمي في مرحلة الحرب الباردة خلال القرن الماضي ، وتنافس المعسكرين على كسب ود تلك الشعوب . اما النظرية التنموية التي جاءت اقرب الى تطلعات شعوب العالم الثالث فهي نظرية ولبور شرام التي ربطت بشكل معاصر بين الاعلام والعلاقات العامة وبين التنمية . وقد ظهرت عام 1964 بهدف النمو المتوازن في كل قطاعات المجتمع . ويؤكد شرام ان ذلك لن يتحقق دون مشاركة وتعاون الشعب على تنفيذ الأساليب الجديدة من خلال عوامل عديدة منها : الربط الثقافي الاجتماعي الشامل . العلاقات والمعتقدات والقيم وعلاقاتها مع عملية التغير . المهارات وضرورة سيرها جنبا الى جنب مع التنمية . وهذا لا يمكن ان يتحق الا من خلال الاعلام وادواته المتجسدة في وسائل الاتصال التي تلعب دورا حيويا في تذليل العقبات التي تواجه التنمية ، وتوسيع آفاق الفهم والتعاون وايجاد المرتكزات المعنوية وارادة التغيير واللحاق بركب المعاصرة والتقدم . والتأكيد على مسألة النقاش والحوارات الخاصة بالتنمية من قبل اوسع القطاعات الشعبية في اتجاه المشاركة الوطنية بعملية التنمية وبرامجها وخططها . أي من خلال انشاء قواعد سلوكية وذوقية رفيعة في اذهان الناس تحث نحو تفعيل التنمية ، وتقف بالمرصاد ضد الانحرافات والتباطؤ . ولكن من ابرز المؤاخذات على نظرية شرام الاعلامية التنموية ، هو ان شرام شأنه شأن الكتاب الغربيين الآخرين ظل يعتبر شعوب بلدان العالم الثالث مجرد مقلدة محاكية في افضل حالاتها للنموذج الغربي المثالي . وان هذه الشعوب بلا تاريخ وارث ثقافي حضاري خاص بها يمكن استثماره محفزا في مساعيها نحو النهوض . فهي لا تعدو ان تكون في واقعها نسخا مشوهة للعالم الغربي . غير انه يجب علينا عدم انكار اهمية هذا الدمج بين الابعاد الاعلامية الاقتصادية الاجتماعية السياسية ، الذي التفت اليه شرام واكد عليه ، والقى عليه المزيد من الأضواء ، وبخاصة اهمية الاعلام كوظيفة متجددة واساسية ملازمة للنمو الاقتصادي في مرتكزاته وآفاقه الشاملة ، اذ لايمكن عزل الاعلام وانشطة وسائل الاتصال العامة عن حركة المجتمع وتطوره ابتداء من خلاياه ووحداته المؤسسية الاقتصادية الأولية وصولا الى مؤسسته الكبرى وهي الدولة ، التي لا يمكن لها ان تستغني عن هذه الأجهزة بأي حال من الأحوال ، بل تكون هذه الوظائف الإعلامية مضاعفة واستثنائية ونوعية ، في دول العالم الثالث الذي تكون قضية التنمية والاعمار والبناء قضية بقاء او فناء ، قضية حياة او موت ، قضية استقرار او تفكك وفوضى .
#اكرم_سالم (هاشتاغ)
Akram_Salim_Hasan_Al-janabi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الاعلام المستقل وفق منظور اداري اقتصادي
-
حقائق ومعايير عن الادارة المحلية او الحكم المحلي
-
في اشكالية التفكير التحليلي
-
الارض امرأة
-
الرسالة الاستراتيجية strategic mission دليل للعمل بأتجاه الم
...
-
الرؤية الاستراتيجية Strategic Vision .. هل هي ضرورة ام ترف ؟
-
التفكير الاستراتيجي وآفاق المستقبل البعيد
-
التنفيذ الاستراتيجي والانظمة المعلوماتية الساندة
-
حول التوجه لأستصدار قانون للنفط والغاز في العراق
-
تساؤلات مشروعة حول تفكك الاتحاد السوفييتي
-
التنفيذ والصياغة الاستراتيجية وجهان لعملة واحدة
-
التنظيمات البيروقراطية في عصر الثورة المعلوماتية والتقنية
-
خصائص النظم الادارية في الدول المتقدمة
-
فلسفة الحرية في فكر المفكر العمالي الطبقي الراحل عزيز السيد
...
-
ادارة المعرفة والثورة التقنية المعلوماتية الجديدة
-
الادارة في الدول النامية بين النخب السياسية و الاجهزة البيرو
...
-
البدائل الستراتيجية وعملية الاختيار على المستوى الكلي
-
في نظريات الحداثة والتطوير التنموي وحلقة التبعية
-
نظرة في الادارة العامة المقارنة ونشأتها
-
الادارة الستراتيجية .. استخدامات متعددة ودور حيوي متجدد
المزيد.....
-
أسعار النفط عند أعلى مستوى في نحو 10 أيام
-
قطر تطلق مشروعا سياحيا بـ3 مليارات دولار
-
السودان يعقد أول مؤتمر اقتصادي لزيادة الإيرادات في زمن الحرب
...
-
نائبة رئيس وزراء بلجيكا تدعو الاتحاد الأوروبي إلى فرض عقوبات
...
-
اقتصادي: التعداد سيؤدي لزيادة حصة بعض المحافظات من تنمية الأ
...
-
تركيا تضخ ملايين إضافية في الاقتصاد المصري
-
للمرة الثانية في يوم واحد.. -البيتكوين- تواصل صعودها وتسجل م
...
-
مصر تخسر 70% من إيرادات قناة السويس بسبب توترات البحر الأحمر
...
-
البنك الأوروبي: التوترات التجارية تهدد الاستقرار المالي لمنط
...
-
مصر.. الكشف عن خطط لمشروع ضخم لإنتاج الطاقة الهجينة
المزيد.....
-
الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق
/ مجدى عبد الهادى
-
الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت
...
/ مجدى عبد الهادى
-
ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري
/ مجدى عبد الهادى
-
تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر
...
/ محمد امين حسن عثمان
-
إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية
...
/ مجدى عبد الهادى
-
التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي
/ مجدى عبد الهادى
-
نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م
...
/ مجدى عبد الهادى
-
دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في
...
/ سمية سعيد صديق جبارة
-
الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا
/ مجدى عبد الهادى
المزيد.....
|