|
بولندا في ظل الشيوعية
رحيم العراقي
الحوار المتمدن-العدد: 2271 - 2008 / 5 / 4 - 10:17
المحور:
في نقد الشيوعية واليسار واحزابها
أنجز انتوني كيمب ـ ويلش دراساته الجامعية في مدرسة لندن للاقتصاد ذات الشهرة العالمية وأصبح بعدها أحد الباحثين في جامعات اوكسفورد وموسكو وهارفارد وكامبردج. له العديد من الكتب من بينها: «ولادة نقابة التضامن» و«ستالين والطبقة المثقفة» و«أفكار نيكولاي بوخارين» و«المثقفون والسياسة» و«الستالينية في بولندة 1944-1956». هذا الكتاب «بولندا في ظل الشيوعية» قد يكون الكتاب الأول، وهو على الأقل من الكتب النادرة جدا باللغة الانكليزية التي جعلت من «بولندا خلال حقبتها الشيوعية موضوعا لها. أي تلك الفترة التي تقع بين الحرب العالمية الثانية وسقوط الشيوعية». وتكمن إحدى مواطن قوة هذا العمل أن مؤلفه يستخدم معلومات أرشيفية، لم يكن قد جرى اعتمادها سابقا، في موسكو وواشنطن حيث أصبح من الممكن الاطلاع عليها بعد أن جرى رفع «السريّة عنها». يمثل هذا الكتاب أيضا في أحد وجوهه دراسة للتطورات السياسية والاجتماعية التي شهدتها بولندا أثناء حقبة الحرب الباردة التي جعل المؤلف من تاريخها، كما يدل العنوان الفرعي للكتاب، أحد نقاط اهتمامه الرئيسية. ومن المعروف أن بولندا كانت هي البلد الأول الذي شهد حركة احتجاج، ذات طابع نقابي، اعتبارا من عام 1980 انطلاقا من ورشة غدانسك بزعامة ليش فاليسا، عامل الميكانيك، الذي أصبح فيما بعد رئيسا لجمهورية بولندا. من هنا تحظى الحركات الاجتماعية بتحليلات مسهبة في هذا الكتاب. وتتم معالجة الواقع البولندي في ظل الشيوعية من وجهات نظر متنوعة تشمل السياسة والمجتمع والاقتصاد والتاريخ. ويدرس المؤلف أيضا تطور الحركة الشيوعية البولندية وعلاقاتها مع الاتحاد السوفييتي. ولا يغيب منظور العلاقات بين الغرب والشرق في إطار الحرب الباردة عن اهتمام المؤلف. بل يولي، على العكس، أهمية خاصة لدراسة السياسات الأميركية حيال المعسكر الشيوعي السابق عامة، وحيال بولندا بشكل خاص. وإذا كان مؤلف هذا الكتاب يشرح بكثير من التفصيل آليات انبثاق نقابة التضامن ودورها في تحريك «البحيرة الجامدة» التي كانت تشهدها البلدان الاشتراكية على صعيد أي فعل احتجاجي، فإنه ينهي كتابه بفصل عن الكيفية التي أدارت فيها نقابة التضامن أول حكومة بولندية في فترة ما بعد انهيار جدار برلين عام 1989. إن المؤلف يعيد قراءة التاريخ البولندي تحت ظل النظام الشيوعي حسب التسلسل التاريخي لأهم الأحداث والمنعطفات التي شهدتها هذه البلاد منذ نهاية الحرب العالمية الأولى. وبدا من الطبيعي أن يتعرّض أولا لما يسميه «الحقبة الستالينية». وتشمل هذه الحقبة السنوات الواقعة بين عام 1945 ووفاة جوزيف ستالين عام 1953. ويذكر المؤلف من أهم الأحداث التي شهدتها هذه الفترة انعقاد المؤتمر الأول للحزب العمالي البولندي في شهر ديسمبر من عام 1945. ثم موجة التأميمات للقطاع الخاص التي طالت الآلاف من المشاريع في إطار عملية التحول «البنيوي» التي عرفها النظام الاقتصادي البولندي. وتتم الإشارة في هذا السياق إلى أن ثلثي البولنديين وافقوا في عملية «استفتاء شعبي عام» خلال شهر يونيو من عام 1946 على الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية التي قامت بها السلطة الجديدة. وكانت بولندا قد شهدت انتخاب أول دييت «برلمان» لها في مطلع عام 1947. انتصر الشيوعيون وحلفاؤهم في تلك الانتخابات وحصلوا على أغلبية «مريحة». ويشير المؤلف هنا إلى العديد من الآراء التي صدرت عن بلدان في أوروبا الغربية وعن الولايات المتحدة حول «نزاهة» تلك الانتخابات و«نظاميتها». وشهد عام 1947 تشكيل أول حكومة «اشتراكية» وانتخاب أول رئيس للجمهورية بشخص بولسلاف بييروت، الذي غدا رئيس الجمهورية الشعبية البولندية. كذلك شهدت بولندا في تلك السنة قيام «الكومنفورم»، الذي كان بمثابة هيئة استشارية لمختلف الأحزاب الشيوعية. وكان المنظّر الشيوعي السوفييتي «جدانوف» قد اعتبر، باسم ستالين، أن هذه الهيئة تمثل التيارات الكبرى في الحرب الإيديولوجية ضد الغرب. وكان ستالين قد طلب عمليا من جميع الأحزاب الشيوعية في العالم الانضمام إلى الخط السياسي الذي تنتهجه موسكو. وهكذا جرى في عام 1948 «توحيد» الحزب الاشتراكي البولندي والحزب العمالي البولندي في حزب واحد أخذ تسمية حزب العمل البولندي الموحّد الذي أعلن رسميا عن تبنيه النهج الماركسي ـ اللينيني على الطريقة السوفييتية. وكان يوجد في بولندا آنذاك حزبان «رديفان» للحزب ومحاكم هما الحزب الفلاّحي الموحّد والحزب الديمقراطي. وكانت بولندا قد شهدت خلال «الحقبة الستالينية» تبنّي دستورين. كان الأول عام 1947 ثم خلفه الدستور الثاني عام 1952 أي قبل عام من وفاة ستالين. وكانت الحكومة السوفييتية بمساعدة الشيوعيين البولنديين قد نجحت في إنهاء صوت المعارضة «الشرعية» في البلاد. وهكذا استمرّت الفترة الستالينية بدون ستالين حيث مثل الحزب الشيوعي البولندي نظاما شموليا «توتاليتاريا» بمساعدة جهاز «الشرطة السياسية» و«المستشارين السوفييت». لكن المؤلف يؤكد أن بولندا لم تكن في الواقع مثل الجمهوريات الاشتراكية الأخرى، ذلك على أساس أنها أبدت قدرا أكبر من غيرها رفضها للنظام الذي فرضه عليها السوفييت. وكان للكنيسة، كما يشرح المؤلف في فصل يحمل عنوان «الثقافة المضادة»، وزن كبير باستمرار في الحياة العامة البولندية. وكذلك لعب الفلاحون دورا في وقف نظام «التعاونيات» على الطريقة السوفييتية. كما أثبت عمال الورشات البحرية أنهم «قليلو الحماس» للأيديولوجية الاشتراكية. ثم من إحدى هذه الورشات في غدانسك انطلقت نقابة «التضامن» المستقلة. تجدر الإشارة إلى أن «غدانسك» هو العنوان الذي اختاره المؤلف لأحد فصول الكتاب البالغ عددها 11 فصلا. ويحدد المؤلف القول إن غدانسك لم تكن «بؤرة» لمقاومة النظام الشيوعي عام 1980 فقط مع انطلاق نقابة التضامن. لكنها كانت أيضا إحدى بؤر المقاومة «المدنية» في عام 1970،عندما نظّم العمال إضرابا عن العمل.أطلقت الشرطة والميليشيات النار على المضربين ووقع العديد من الضحايا لتتشكل في البلاد كلها«لجان الإضراب». في مثل ذلك الجو قام المكتب السياسي للحزب الشيوعي البولندي بعزل «لادسلو غومولكا» وعيّن مكانه ادوارد جيريك الذي بقي في السلطة مدة عشر سنوات. وتميّزت فترة حكمه بانفتاح كبير على الغرب حيث قام بزيارة فرنسا مرتين وقام الرؤساء الأميركيون نيكسون وفورد وكارتر بزيارة بولندا. وفي عام 1970 قام المستشار الألماني آنذاك ويلي برانت صاحب مبدأ «السياسة الواقعية حيال الشرق». وكان غرض تلك الزيارة هو الاعتراف بالحدود الألمانية /البولندية التي قامت نتيجة للحرب العالمية الثانية.ويحدد المؤلف أحد الأحداث المهمة في تاريخ بولندا أثناء الحقبة الشيوعية انتخاب الكاردينال «فاجتيلا»، الذي كان راعيا لكنيسة كراكوفيا، بابا الفاتيكان تحت تسمية يوحنا بولس الثاني. كان ذلك في شهر نوفمبر من عام 1978 وفي العالم التالي 1979 قام هذا البابا بزيارة موطنه الأصلي بولندا. ثم وفي عام 1980 قامت مظاهرات عمالية حاشدة في ورشات منطقة البلطيق احتجاجا على قرار الحكومة رفع أسعار المواد الغذائية الأساسية. أُرغمت الحكومة على التراجع وعلى توقيع اتفاقيات« «غدانسك» مع ليش فاليسا. وأُقصي في ذلك السياق ادوار جيريك عن الحكم، وقامت نقابة «التضامن» المستقلّة. وفي عام 1989 أصبحت بولندا أول دولة تترك المعسكر الشيوعي «سلميا» لتشكل نقابة التضامن أول حكومة مستقلّة. وكان الدرس الكبيرمن التجربة البولنديةهوأن «الشجاعة المدنية» يمكنها أن تكون فاعلة في وجه أغنى الأنظمة العسكرية والبوليسية. كذلك ساهم عمال العديد من الورش الصناعية في وضع حد نهائي للحرب الباردة. ولم يتردد آلاف الشباب الذين كان درب المستقبل ليس واضحا بالنسبة لهم في الانخراط بالمعارضة السياسية وبنقابة «التضامن» المستقلة. وكانت هذه النقابة قد دخلت مرحلة العمل السرّي منذ إعلان الجنرال «ياروزلسكي» حالة الطوارئ في البلاد بنهاية عام 1981 وبداية تطبيق سياسة القمع ضد تلك النقابة بناء على أوامر صادرة عن موسكو.
#رحيم_العراقي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بولندا
-
الغراب:حكاية إشاعة.
-
حياة شكسبير
-
كيف تطهو الكبدة..؟
-
عالم «اوجين يونسكو».. نوع من الاحتجاج عما يجري في العالم
-
جيوسياسة التاريخ المديد لليوم الراهن
-
آيديولوجية اليمين المتطرف
-
أميركا في حالة حرب
-
الرجل الذي رأى الدب
-
الإصلاح الديني
-
الأجيال المتبدلة
-
أحلام السلام والحرية
-
جذور الحرية.
-
القارة الصفراء والعالم الجديد..
-
هوغو شافيز : النفط، والسياسة، وتحدي الولايات المتحدة الأميرك
...
-
الأُممية
-
أوليف تويست
-
المرض والدواء مابين الفقراء والأغنياء
-
ت. س. ايليوت
-
الفرنسيون والبريطانيون : عداوة في غاية اللطف...
المزيد.....
-
خبراء عسكريون يدرسون حطام صاروخ -أوريشنيك- في أوكرانيا
-
النيجر تطالب الاتحاد الأوروبي بسحب سفيره الحالي وتغييره في أ
...
-
أكبر عدد في يوم واحد.. -حزب الله- ينشر -الحصاد اليومي- لعملي
...
-
-هروب مستوطنين وآثار دمار واندلاع حرائق-.. -حزب الله- يعرض م
...
-
عالم سياسة نرويجي: الدعاية الغربية المعادية لروسيا قد تقود ا
...
-
إعلام: الجنود الأوكرانيون مستعدون لتقديم تنازلات إقليمية لوق
...
-
مصر.. حبس الداعية محمد أبو بكر وغرامة للإعلامية ميار الببلاو
...
-
وسائل إعلام: هوكشتاين هدد إسرائيل بانهاء جهود الوساطة
-
شهيدان بجنين والاحتلال يقتحم عدة بلدات بالضفة
-
فيديو اشتعال النيران في طائرة ركاب روسية بمطار تركي
المزيد.....
-
عندما تنقلب السلحفاة على ظهرها
/ عبدالرزاق دحنون
-
إعادة بناء المادية التاريخية - جورج لارين ( الكتاب كاملا )
/ ترجمة سعيد العليمى
-
معركة من أجل الدولة ومحاولة الانقلاب على جورج حاوي
/ محمد علي مقلد
-
الحزب الشيوعي العراقي... وأزمة الهوية الايديولوجية..! مقاربة
...
/ فارس كمال نظمي
-
التوتاليتاريا مرض الأحزاب العربية
/ محمد علي مقلد
-
الطريق الروسى الى الاشتراكية
/ يوجين فارغا
-
الشيوعيون في مصر المعاصرة
/ طارق المهدوي
-
الطبقة الجديدة – ميلوفان ديلاس , مهداة إلى -روح- -الرفيق- في
...
/ مازن كم الماز
-
نحو أساس فلسفي للنظام الاقتصادي الإسلامي
/ د.عمار مجيد كاظم
-
في نقد الحاجة الى ماركس
/ دكتور سالم حميش
المزيد.....
|