أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - مـن يــربــح مــاذا فـي ســوريــا ومـن يـخـســر؟















المزيد.....

مـن يــربــح مــاذا فـي ســوريــا ومـن يـخـســر؟


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 704 - 2004 / 1 / 5 - 07:15
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


يبدو ان ما يُسمّى "الحرس القديم" في سوريا قد كسب جولة قمع "الربيع السوري" وخسرها في آن واحد. فقد استطاع القدماء الكبار في أجهزة الأمن والدولة والحزب الحاكم منع ظاهرة المنتديات المدنية من التوسع الى المدن السورية الأخرى، وتمكنوا من تحجيم الموجود منها في دمشق، وأثاروا قدراً كبيراً من البلبلة والانقسام في صفوف نشطائها. لكن الحرس القديم خسر الجولة ايضا بعجزه عن استئصال براعم الروح الجديدة جذرياً، وبعدم تمكنه من اطلاق يده الباطشة للتنكيل بالمثقفين والمعارضين السوريين.
استند حراس القديم اساساً الى تنشيط ذاكرة الخوف لدى السوريين الذين عقد الرعب ألسنتهم وشلّ حركتهم طوال ما يقارب عقدين من السنين بعد سنوات الثمانينات المجنونة.
وفي عبارة اخرى، حاول التيار المذكور احياء المنعكس الشرطي للرعب بقرع اجراس التهديد واستعادة خطاب بائد والتذكير بتراث ورموز وايام اقترنت بمخزون عظيم من الهلع في نفوس اهل البلد. ولا شك في ان القصد من استنهاض الخوف هو منع الزخم الاصلاحي من التحول الى ديناميكية تجديدية وتراكمية تصنع حقائقها ووقائعها وذاكرتها الجديدة. لكن العمق التكويني لهذا التيار هو انه ادمن سياسة القوة واستغنى بها عن قوة السياسة وكفاءتها. فهو لا يستطيع ان يفوز الا اذا سحق خصومه سحقاً، وكل ما دون ذلك هو خسارة له. وهذا يعني ان تيارنا المحافظ لا يملك سياسات احتياطية بديلة، علماً ان مقياس قوة اي طرف سياسي هو حيازته بدائل سياسية متكافئة او شبه متكافئة. ولعل لجوءه الى "اسلحة الدمار الشامل" فور انتقاله الى الهجوم المضاد، اعني ابتداء غزوته بالتخوين والاتهام بالوطنية والعمالة والتلويح بالعنف، يكشف عن ضعفه وافلاسه السياسي والاخلاقي. لكن المؤشر الاكثر دلالة على توتر التيار نفسه ونفاد صبره وافلاسه هو هجوم ائمة الجوامع في النصف الثاني من شباط الماضي على دعاة "المجتمع المدني" وربط دعواتهم بالتحلل الاخلاقي و... الزواج المدني. بالطبع لم يهبط الوحي على المشايخ من السماء، ولا طرح احد ابدا قضية الزواج المدني في سوريا. من المعروف على كل حال أن خطب يوم الجمعة في المساجد لا بد ان تحظى بموافقة امنية مسبقة، اما هذه المرة فيبدو ان هناك سعيا ًلخلق قضية مشتركة بين الامناء على "الوطن" والامناء على الايمان القويم.
في هذه النقطة ايضا ينكشف الاستعداد الخطر للجوء المباشر الى الاسلحة الاستراتيجية الفتاكة، والاخطر هو محاولة اضفاء القداسة الدينية على سياسات ظرفية، والانتهازية المطلقة لطبقة سياسية لا تتورع عن تدنيس المقدس من اجل تقديس مصالح دنسة. من الواضح أخيرا ان تداعي الالفاظ وحده هو مصدر الجمع بين المجتمع المدني والزواج المدني. ترى الا تقتضي المصلحة الوطنية الغاء كلية الهندسة المدنية من جامعاتنا: او - هذا اضعف الايمان - تغيير اسمها؟
على كل حال، سواء خسر تيار التشدد الحكومي ام كسب، فان هناك خسارة صافية في سوريا، فلا شك من ان شوكة الاصلاح السوري قد ثلمت. وتبدد الكثير من طاقة الزخم الاصلاحي الذي اطلقته حملة محاربة الفساد ثم تغير العهد واطلاق سراح قسم من المعتقلين السياسيين المزمنين والتفاعل الاجتماعي الواسع مع هذه الاجراءات والتغييرات. فمن الواضح ان القوى المحافظة في السلطة قد انتقلت الى مواقع الهجوم، ومن الواضح ان النشطاء "المدنيين" فقدوا زمام المبادرة ولو الى حين.
ومع ذلك، من المبكر ان ننعى الانفراج السوري رغم ان فرص مأسسته آخذة في التضاؤل، ورغم ورود مؤشرات مستجدة الى احتمال مأسسة نظام الحزب الواحد واطالة عمره بتوسيع قاعدته من الاحزاب التابعة في الجبهة التقدمية. من المبكر نعي الانفراج اذا استطاعت المعارضة السورية والمثقفون الديموقراطيون الثبات على مبادىء الاصلاح السياسي، اي الغاء حال الطوارىء والاحكام العرفية او تقنين اعلانها في الزمان والمكان، وطي ملف المعتقلين السياسيين بكل صفحاته، وحرية العمل السياسي ورفض حصرها بالجبهة واحزابها، واخيرا كفالة قانونية لحرية التعبير والرأي والصحافة، ولعل من الضروري عدم السماح باعتبار معركة المنتديات قد حسمت لصالح اغلاقها بالبحث عن اية سبل قانونية وسلمية لاستمرارها، بما في ذلك تجريب الالتزام بالشروط التعجيزية الخمسة الشهيرة. قد لا يجدي ذلك نفعا، لكن فائدته لا تقتصر على فضح ارادة التعجيز السلطوية، بل تتجاوزها الى اكتساب التمرس والاهلية على العمل العام، ورفض الهزيمة والانكفاء وتنمية الجاهزية على خوض "حرب مواقع" سلمية طويلة النفس. من الضروري ايضا الوقوف بثبات في وجه اي محاولات لشق حركة المعارضة السورية وثمة مؤثرات مستجدة ايضا الى محاولات من هذا النوع. وبالعكس قد يكون افضل تكتيك سياسي راهن هو المبادرة الى تشكيل اطار عريض يضم كل الاحزاب والتيارات والافراد الذين يشاركون في مطالب الاصلاح السياسي المذكورة، وهي المطالب التي تشكل قاعدة الاجماع الامتن لأي تطلع تغييري في سوريا.
والقصد على كل حال هو ان مستقبل الاصلاح في سوريا يتوقف علينا ايضا، على قدرتنا نحن نشطاء التغيير الديموقراطي على خلق اشكال جديدة، مرنة وفاعلة، تنظيميا واعلاميا، للعمل العام، وليس على قرارات السلطة وحدها او اطراف منها. ويبدو ان جانبا من افلات زمام المبادرة من بين ايدي المنادين بالتغيير يعود الى اخطاء سياسية وقعوا فيها. ان نوعا من التساهل مع الذات ونقص الخبرة السياسية هو الذي جعل مفهوم "المجتمع المدني" يفرض حضوره وتصدره في وعي النشطاء والتغييريين وعملهم وقد يكون جوهر الخطأ هو تحويل مفهوم تحليلي نظري شعارا سياسيا عمليا. فبهذا خسرنا الجولة الاولى والاهم، اعني معركة الوضوح، وهي معركة سياسية بامتياز، لأن من يكسبها يستطيع ان يتصل بجمهور اوسع ويجتذبه الى الميدان العام. ومن يخسرها ينعزل ويتراجع ويتفكك. ولعل ما يثير التأمل هو السهولة التي تراجع فيها شعار الديموقراطية متواريا خلف "المجتمع المدني". ان جانبا من تفسير ذلك هو ضعف دور الاحزاب السياسية المعارضة وثقل حركتها، وتاليا غلبة لغة المثقفين واساليبهم.
قد تكشف الايام او الاسابيع القريبة المقبلة عن معدن المعارضة السورية وقدرتها على الارتفاع الى مستوى العمل السياسي الكبير، التاريخي والوطني، او بقائها صغيرة بين الصغار. فهل تتحول المعارضة السورية رقما صعبا في المعادلة السياسية في بلادها، وتنتزع حقها الشرعي في الوجود والعمل الوطني الديموقراطي في مقابل "الخطوط الحمر" التي تزيد السلطة عددها كل يوم؟
ليس هذا سهلا، ولكنه ليس مستحيلا ايضا. ان الفشل فيه يعني تمديد عمر التعفن والفساد في سوريا، وربما عودة الخوف وتكسير الرؤوس. ستكون هذه هي الهزيمة الوطنية الحقيقية
14 نيسان 2001



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إعادة التفكير في وحدة سورية ومصر عام 1958
- وقع الطاغية، أين الضحايا؟
- من يصلح المصلحين؟
- خطط العالمية المحاربة صناعة الحرب وإنتاج الأعداء
- سورية والعراق والمستقبل
- طريق إلى تدمر
- ما هو غير جيد لأمريكا جيد للعالم
- استراتيجية ضعف عربية!!
- نهاية الوطنية العسكرية
- هل الإرهاب هو نمط الصراع الدولي المناسب لصراع الحضارات؟
- ربـيـع حـقـيـقـي فـي سـوريـا أم سـنـونـوة تـائـهـة؟
- عـقـد مـع ســوريــا
- القوة الامبراطورية والضعف العربي أية استراتيجية ممكنة؟
- نهاية الدولة الوظيفية العربية
- نافذة يسارية
- خريف دمشـــــق
- بعض عناصر خطاب الحرب الأمريكي
- المهاجرون في الأرض
- ثقافة الطوارئ نقد الثقافة السياسية السورية
- الحكم العضوض والتغيير الممنوع


المزيد.....




- هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب ...
- حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو ...
- بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
- الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
- مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو ...
- مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق ...
- أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية ...
- حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
- تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - مـن يــربــح مــاذا فـي ســوريــا ومـن يـخـســر؟