أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - إعادة التفكير في وحدة سورية ومصر عام 1958















المزيد.....

إعادة التفكير في وحدة سورية ومصر عام 1958


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 703 - 2004 / 1 / 4 - 12:23
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


ـ 1 ـ
هناك سبب قوي في واقع اليوم يدفعنا إلى التفكير مجددا في الوحدة السورية المصرية عام 1958 بعد 44 عاما على تحقيقها. فالعرب لا يستطيعون كما أظهر تاريخ دولهم منذ ما بعد الاستقلال الانفصال عن بعضهم أو نفض اليد مما يُظن أنه يجمعهم. لكنهم أيضا لم يحققوا شيئا ذا بال في تحويل واقع عدم الانفصال إلى بناء كتلة فاعلة وقرار إيجابي بالعمل المشترك. العرب موحدون سلبيا عبر تخاصمهم وتنافرهم وعجزهم عن التفاهم وتماثل مواقفهم التنافسية، وفي الوقت نفسه عبر عجزهم عن الانفضاض والسير في مدارات متباعدة. ولو انتهت الخصومات العربية، ولو استطاعت الدول العربية أن لا تبالي بجوارها العربي ولا تهتم بأفعاله وردود أفعاله …،ربما لأمكن لنا عندئذ أن نتكلم عن نهاية العروبة السياسية. فالخصومة هي شكل التوحد العربي المعاصر ، وزوالها دون وحدة حقيقية قد يعني زوال فرص التوحد العربي في المستقبل.
أما السبب الأهم لعجز دولنا عن الانفضاض والتباعد فهو أن الدول العربية تقدم لبعضها البعض الآخر المناسب، الآخر الذي يشاركها المقياس حتى لو اختلفت المقاسات. فسورية تستطيع أن تؤكد أنها أكثر استقرارا من الدول العربية المجاورة، ومصر أقوى اقتصادا من مجاوراتها العربيات،  والسعودية أقوى في كرة القدم من دول الخليج الأخرى. لذا فإن "فض السيرة" العربية يُفقد هذه الدول الآخر الذي يساعدها في قربه الملتبس ومنافسته الغامضة على تحديد ووعي ذاتها وتقديم فرصة نادرة للتفوق في شيء ما على أحد ما.          
ـ 2 ـ
التفسير الغربي المعتمد لوحدة 1958يركز على أنها كانت مخرجا من وضع مأزقي وجدت الطبقة السياسية السورية نفسها وبلدها فيه: تحرشات تركية في إطار مبدأ أيزنهاور حول الفراغ الاستراتيجي في الشرق الأوسط بعد هزيمة الإنكليز والفرنسيين في أزمة السويس، تطلعات هاشميي العراق إلى إلحاق سورية بعرشهم في سياق المنافسة مع مصر والسعودية، صراعات العسكريين والسياسيين في سورية وعجزهم عن حل تناقضاتهم  واضطرارهم تاليا اللجوء إلى عبد الناصر لحلها؛ ثم الخشية من تنامي نفوذ الشيوعيين في سورية بعد انتخاب أول عضو برلمان شيوعي في العالم العربي عام 1954.بهذا فإن وحدة 1958 تجمع بين الاحتماء من أخطار خارجية أو داخلية وبين الهروب إلى الأمام. ينكر هذا التصور على النخبة السياسية السورية القدرة على الاختيار والإيمان بأفكار وقيم ويسلبها حرية الإرادة وعقلانية الفعل. كما ينكر على جمال عبد الناصر القبول الإيجابي وليس مجرد الانجراف الاضطراري السلبي. والحال كانت النخبة السورية النشطة تلك الأيام مستفيدة من نوعين من المؤثرات الحاسمة: عودة الديمقراطية إلى البلاد بعد سنوات دكتاتورية الشيشكلي، ثم انكفاء القوى الاستعمارية الغربية بعد العدوان الثلاثي عام 1956 . وقد ينبغي أن نضيف اكتساب قدر من الثقة بالنفس بعد تكون حركة عدم الانحياز وتحسن العلاقات مع المعسكر الشرقي وواردات الأسلحة منه بعد أن ربطت القوى الغربية تقديم السلاح للدول العربية بقبول العرب الانخراط في أحلاف يقودها مستعمروهم السابقون. كانت قيادة عبد الناصر في ذروة شعبيتها العربية بعد مؤتمر باندونغ وصفقة الأسلحة التشيكية وانتصار السويس.
لا نريد أن نقول إن قرار الوحدة لا يدين إلى أسباب وشروط موضوعية، لكنه لم يصدر عنها وحدها.  فالطبقة السياسية السورية كانت ميالة منذ بداية اكتشاف العروبة الثقافية في عصر النهضة إلى وضع مركز ثقلها في مشاريع عربية مناهضة للأتراك الحاكمين. ولم تتحول العروبة إلى مشروع سياسي واع بذاته إلا بين الحربين العالميتين، وأصبحت برنامج عمل واضطرارا استراتيجيا وخيارا مصيريا في أتون نكبة 1948. بالمقابل دخلت فكرة العروبة الوعي المصري في أواسط ثلاثينات القرن العشرين، ودخلت ميدان التنظير الاستراتيجي بوصفها الدائرة الأقرب إلى مصر منذ عام 1953 في كراس عبد الناصر "فلسفة الثورة"، حيث يقول ناصر إن وعيه بالعروبة أخذ يتبلور أثناء حصار الفالوجة عام 1948.
وهكذا لم تكن الوحدة بنت ساعتها حتى لو أنها أنجزت على عجل. ويمكننا القول باختصار أن الأيمان والاضطرار قد أنجبا أول وحدة في تاريخ العرب الحديث. كان قرار الوحدة عقلانيا حتى لو كانت عقلانية إدارة دولة الوحدة موضع جدال مشروع كما سنرى. ولو كانت النخبة السياسية والمصرية أكفأ وأبعد نظرا ربما لأمكن للوحدة الدوام بل ولشكلت قطبا جاذبا للدول العربية الأخرى.       
اشترط عبد الناصر كما هو معروف على معجبيه السوريين ابتعاد الجيش عن السياسة وحل الأحزاب السياسية. في هذه النقطة كما في غيرها كانت جوانب من سياسة عبد الناصر عبئا على جوانب أخرى منها، وهو ما لا يزال يرفضه للأسف بعض المتحمسين لكل ما يخص رجل التاريخ الذي كانه بحق. فالواقع أنه مهما تكن صراعات الأحزاب في سورية فإنها بعزل الجيش عنها، بمنعها من اللعب بالجيش أو لعبه بها، كانت يمكن أن تؤمن للسوريين أقنية تعبير وضغط على السلطة الجديدة لدولة الوحدة التي كان من الواضح أنها ستكون ثقيلة الوطأة. بمعنى آخر كان من شأن الأحزاب السورية أن تكون صمامات أمان للسوريين لتحمل الفترة الأولى الحرجة ـ بطبيعة الحال ـ من عمر الدولة الجديدة، ريثما تتمرس هذه الدولة ويتمرس مواطنوها في القطرين بالوضع الجديد. في هذه النقطة كان الوعي الوحدوي ـ ولا يزال ـ ضحية الخلط بين الوحدة والتماثل، بين سريان ديناميكية سياسية واقتصادية ومعنوية منشطة تضمن الوحدة عبر التنوع وبين تماثل الهياكل السياسية الفوقية كأنها نسخ عن أصل واحد، بين التمايز البنيوي والتكامل الوظيفي المنتج والمفضي إلى التراكم وبين التماثل البنيوي والوظيفي الذي يفضي إلى ركام لا بركة فيه: دولة واحدة، حزب واحد، زعيم واحد، وإذاعة واحدة…والحال ليس بدعا احتفاظ أحد الإقليمين أو كليهما ببعض الخصوصيات، فحتى في دول عميقة التوحد مثل ألمانيا وإنكلترا، بل والهند، تحتفظ الأقاليم المختلفة ببرلمانات مستقلة تخدم تماسك الدولة، وتلبي ـ بحكم قربها من ميادين العمل المباشر ـ ضرورات التنمية، وتعوض عن المركزية السياسية العليا بشيء من اللامركزية في السياسات الدنيا.
من ناحية ثانية عزلت دولة الوحدة النخبة السورية النشطة التي كافحت من أجل الوحدة وبادرت لها، ناقضة بذلك القانون الاجتماعي الذي يقضي بالاعتماد على القوى الحية والناشطة والديناميكية. أكثر من ذلك كان يجب مكافأة هذه القوى سياسيا ومعنويا ومنحها الموقع الأقوى. ما حصل هو أن حزب البعث تم حله ثم حورب في انتخابات الاتحاد القومي، وعومل أكرم الحوراني معاملة غير كريمة، وترك لعبد الحميد السراج أن يجعل من الأمن بديلا عن السياسة، ومع ذلك فقد ضاق به الحال هو نفسه حين تركت السلطة المطلقة في القطر السوري لرجل لم يثبت كفاءة في أي يوم : المشير عبد الحكيم عامر.
كانت الوحدة محقة في تحجيم القوى القديمة وإضعافها لكنها لم تستند إلى القوى الاجتماعية والسياسية الصاعدة بل إلى قوى مصطنعة عبر عن اصطناعها "الاتحاد القومي"، وبالطبع إلى العواطف الشعبية التي كانت أشبه بسيل جارف لكن يسهل تغيير اتجاهه.
التناقض الثالث للسياسة الناصرية هو أن الصيغة الاتحادية أو الفدرالية هي الأقرب إلى تطور مسار تفكير ناصر العربي، لكنه أصر على الصيغة الدمجية في مفاوضات اللحظة الأخيرة التي حاول صلاح البيطار فيها عقلنة اندفاعة الضباط السوريين الذين وضعوا سورية بين يديه، والأرجح أنه فضل هذه الصيغة لأنها تمنحه سلطة مطلقة في دولة الوحدة. وهنا أيضا نجد التماثل ينتحل مقام الوحدة.
لعله لذلك اتسمت الوحدة بتناقض كبير ومؤلم. فقد كانت ذروة مشاعر التعاون ومشاريع التقارب العربي لكن أيضا بداية انتكاسها وحلول مشاعر المرارة والتشوش محلها. بدأت الوحدة كاملة عظيمة لذا كان تاريخ سنوات عمرها الثلاثة ونصف تاريخ انكماشها وتناقصها. ولو بدأت صغيرة وكبرت بالتدريج لتمرست بالتحديات الداخلية والخارجية وتمكنت من اجتذاب الدول العربية الأخرى التي كانت شعوبها شديدة الحماسة للوحدة وقائدها. أسف الجميع على انفراط الوحدة حتى من سعوا إلى الانفصال، لكنها انفكت لأنه لم تتكون نخبة أو طبقة سياسية قوية تدافع عنها.
ـ 3 ـ
اعتدنا أن نقول إن الوحدة العربية تقدمية حتما بصرف النظر عن شكل نظامها وإيديولوجية القائمين عليها. لا فائدة من هذه الحقيقة التي ليست في الواقع إلا شكلا مقنعا من أشكال الإضراب عن التفكير( التعبير لجورج طرابيشي). وهي لا تستمد معناها إلا من كونها توكيدا نسي جذره السجالي: رفض موقف من يشرط الوحدة بحزب أو إيديولوجية أو نظام حكم معين. لقد انطوت مرحلة بأكملها بكتلتها التاريخية وسجالاتها وشروطها السياسية والنظرية. وقد بات التحرر من التاريخ الإيديولوجي ومسائله واستقطاباته الأبدية شرطا للمعرفة وللعمل المثمر. فإعادة التفكير في الشأن القومي وقضايا التعاون والتكامل العربي يجب أن تتحرر من اجترار قائمة الأسئلة والمواقف التي لا تاريخ لها شأن كل إيديولوجية: الوحدة أم الاشتراكية، الوحدة العربية أم الإسلامية، الوحدة تمحو الدول القطرية أم هي جمع لها، هل تنطبق على العرب شروط تكوين الأمة أم لا…؟ ورغم أن الصمود في وجه الخارج الاستعماري أو الامبريالي أو التحدي الصهيوني كان عنصرا تكوينيا في كل تفكير قومي عربي فإن من الضروري أن نفصل تحليليا بين هذين المطلبين. الوحدة أو شكل فاعل من أشكال التكتل العربي ضرورة من أجل العرب، من أجل النهوض وتملك الحضارة والمساهمة الإيجابية في صنع العالم، قبل أن تكون ضمانة لهم ضد الغير.
في هذا السياق هناك عنصر أجده بالغ الأهمية رغم أنه مهمل أو غير مدرك: أعني تحرير الوجدان القومي من شقائه وتخفيف شحنة السخط والتوتر والغضب والانفعال العنيف المرتبط بالتفكير في القضايا العربية العامة. لقد باتت هذه القضايا مناسبة للندب وافتعال المفارقات واستعراضا سمجا لمشاعر التفجع، الأمر الذي ثبّت ارتباطا شرطيا بينها وبين العبوس وثقل الدم، وبالتالي عزل التطلع القومي عن الشباب والتفتح والتصالح مع الحياة. إذا تمكنا من فصل الالتزام القومي عن الروح المنقسمة والوعي الشقي فسنكون قد ربحنا الجولة الأولى والأهم في بناء الحركة القومية الجديدة. ستكسب القضية العربية إذا نجحنا في ربطها بتداعيات ذهنية إيجابية كالحرية وحقوق الإنسان والتقدم الاقتصادي التي لم تستطع الدولة القطرية إلا أن تكون قبرا لها.                

دمشق 21/ 2/ 2002



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وقع الطاغية، أين الضحايا؟
- من يصلح المصلحين؟
- خطط العالمية المحاربة صناعة الحرب وإنتاج الأعداء
- سورية والعراق والمستقبل
- طريق إلى تدمر
- ما هو غير جيد لأمريكا جيد للعالم
- استراتيجية ضعف عربية!!
- نهاية الوطنية العسكرية
- هل الإرهاب هو نمط الصراع الدولي المناسب لصراع الحضارات؟
- ربـيـع حـقـيـقـي فـي سـوريـا أم سـنـونـوة تـائـهـة؟
- عـقـد مـع ســوريــا
- القوة الامبراطورية والضعف العربي أية استراتيجية ممكنة؟
- نهاية الدولة الوظيفية العربية
- نافذة يسارية
- خريف دمشـــــق
- بعض عناصر خطاب الحرب الأمريكي
- المهاجرون في الأرض
- ثقافة الطوارئ نقد الثقافة السياسية السورية
- الحكم العضوض والتغيير الممنوع
- نحو إعادة بناء الإجماع الوطني في سوريا


المزيد.....




- الوكالة الدولية للطاقة الذرية تعتمد قرارا ينتقد إيران لتقليص ...
- ZTE تعلن عن أفضل هواتفها الذكية
- مشاهد لاستسلام جماعي للقوات الأوكرانية في مقاطعة كورسك
- إيران متهمة بنشاط نووي سري
- ماذا عن الإعلان الصاخب -ترامب سيزوّد أوكرانيا بأسلحة نووية-؟ ...
- هل ترامب مستعد لهز سوق النفط العالمية؟
- عاجل | مراسل الجزيرة: 17 شهيدا في قصف إسرائيلي متواصل على قط ...
- روبرت كينيدي في تصريحات سابقة: ترامب يشبه هتلر لكن بدون خطة. ...
- مجلس محافظي وكالة الطاقة الذرية يصدر قرارا ضد إيران
- مشروع قرار في مجلس الشيوخ الأمريكي لتعليق مبيعات الأسلحة للإ ...


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - إعادة التفكير في وحدة سورية ومصر عام 1958