|
ما العمل بعد الزلزال ؟
العفيف الأخضر
الحوار المتمدن-العدد: 129 - 2002 / 5 / 13 - 20:30
المحور:
اخر الاخبار, المقالات والبيانات
الحياة (ت.م: 12-05-2002 ) (ت.هـ: 29-02-1423 ) (جهة المصدر: ) (العدد: 14297 ) (الصفحة: 16 - ملحق تيارات )
رفض رئيس السلطة الفلسطينية مشروع وزيره نبيل عمرو والمطالب باصلاحات جوهرية في تركيب السلطة الفلسطينية وخياراتها السياسية. استقال الوزير بشجاعة غير معهودة من الوزراء واصفاً بدقة نتائج حرب شارون علي الشعب الفلسطيني بالزلزال. انه بالفعل زلزال أطاح بكل شيء الا ببعض الاوهام الراسخة. بعد كل زلزال لا بد من اعادة التقويم، وفي الحال الفلسطينية من اعادة النظر في الشعارات وأنماط التفكير والتعبير الحرفية التي قادت الشعب الفلسطيني الي طريق مسدود والشارع العربي الي الاحباط واليأس. لهذه المراجعة المطلوبة من النخب الفلسطينية والعربية غايتان: الحد من الخسائر وتحضير استراتيجيا فلسطينية وعربية واقعية، أي تعرف كيف تقدم الأهم علي المهم ، كما كان يفعل بورقيبة كلما وجد نفسه في موقف سياسي حرج تضيق فيه دائرة الخيارات ويتطلب قراراً ليس سهلاً وليس شعبياً. الطريق الي مثل هذه المراجعة يمر، بالضرورة، بالنقد الذاتي وبقبول النقد بصدر رحب. وكلاهما يتطلب شجاعة نادرة، والحق يقال، في حوليات الشجاعة العربية، لأن حال نخبنا المصابة برهاب النقد هو كحال أي فرد أو مجتمع لم يفارق الطفولة الي سن الرشد تُكابد النقد كجرح عميق، كطعنة في الصميم، كتخريب للثقة بالنفس. مثلما يتخيل الطفل نفسه فوق النقد ويتشربه كتجريح واذلال كذلك يشعر الأطفال الكبار، الممتلئون باعجابهم النرجسي بأنفسهم، بالنقد كهجاء مقذع، أي كتفــكير جريء في اللامفكر فيه وككلام جارح في المسكوت عنه. الذهنيات والمجتمعات التقليدية تعتبر المعارضة خيانة والتفكير المختلف فضيحة لأنهما يشكلان خروجاً مرفوضاً عن ثقافة الاجماع السائدة في المجتمعات ما قبل الحديثة. لا شيء أشد خطراً عليها من التعددية في أي مظهر تجلت. لكن ذلك لا ينبغي له أن يردعنا عن ممارسة الفكر النقدي فنسائل كل ممارسة وأطروحة سياسية عن شرعيتها العقلانية حتي نشخص الأخطاء المسؤولة عما حدث ونحاول تحليل أسبابها. خطيئة النخب المميتة هي التعلل بالأوهام. الخطأ يمكن تصحيحه لأنه قابل للتفنيد بالوقائع والبراهين. اما الوهم، بما هو رغبة لذيذة وظيفتها تعويض حقيقة مريرة، فيستعصي عن التصحيح. لماذا؟ لأن الحجج والوقائع التي تكذبه تعتبر، بحيل لا شعورية، هي الكاذبة. التعلق بالأوهام هو الذي جعل نخبنا مشلولة ذهنياً وتالياً عاجزة عن التمييز بين الممكن والمستحيل في السياسة. والحال ان السياسة هي تعريفاً التعامل مع الممكنات. لكن النخب داخل فلسطين وخارجها تعاملت مع المستحيلات مثلا عندما حولت انتفاضة الأقصي الي تعويذة، أي وصفة سحرية صالحة لعلاج اختلالات المجتمعات العربية في علاقتها مع نفسها ومع اسرائيل ومع العالم: لقد حملت برسالة مصالحة العرب والمسلمين مع انفسهم بالتفافهم حولها واجماعهم علي قدسيتها، وبطرد الاستيطان والاحتلال من فلسطين وبتقليم أظافر الوحش الأميركي الذي لا يُسأل عما يفعل. فما الذي جعل هذه النخب تسقط علي الانتفاضة كل فانتزماتها الجبارة فتحولها الي مطلق ميتافيزيقي فوق النقد؟ بواعث عدة اقتصر منها الآن علي العجز عن القراءة الدقيقة لميزان القوي الذي لا سبيل لتعاطي السياسة فكراً أو ممارسة من دون معرفة قراءته باقتدار. حقنا واضح وقضيتنا عادلة وكفي الله المؤمنين بصواب القضية ثم التفكير في قدرة الطرف المقابل علي الاستهزاء بالحق والعدل طالما لعبة موازين القوي تسمح له بذلك! الحق و العدل ما كانا يوماً عاملين مقررين في صنع واتخاذ القرار الدولي أو الاقليمي. غياب هذه القراءة الضرورية لميزان القوي والمسؤول عن تفجير الانتفاضة وتحويلها الي عمليات انتحارية قدمت لشارون وموفاز علي طبق من ذهب الذرائع التي كانا يبحثان عنها لإعادة رسم الخريطة الفلسطينية. لو وجدت مؤسسات فلسطينية لصنع القرار علي ضوء المعطيات الفعلية لما غامرت بتفجير انتفاضة تسقط حكومة حزب العمل وتلغي نتائج مفاوضات طابا واقتراحات كلينتون وتنتخب شارون، العدو التاريخي لكل ما فيه اسم فلسطين، لتمني أخيراً بعد 19 شهراً من العذاب المتواصل بخسارة 8.5 بليون دولار، وتدمير البنية التحتية لكل من السلطة الفلسطينية والمجتمع المدني، وبخمسة آلاف فلسطيني سجين في اسرائيل، وبآلاف القتلي وعشرات آلاف الجرحي وخراب اقتصادي ومعنوي غير مسبوق. اما حصاد الانتفاضة السياسي فأكثر وبالاً: الدولة الفلسطينية القابلة للحياة التي كانت قبل تفجير الانتفاضة في متناول اليد غدت بعدها أبعد منالاً: اسرائيل شارون لم تعد ناضجة للاعتراف بمثل هذه الدولة، وأميركا بوش ليست ناضجة لفرض حل دولي للنزاع. ونتائجها المؤجلة قد تكون أنكي: اضافة لاجئين الي اللاجئين بتهجير الفلسطينيين الي الأردن. وهكذا فالانتفاضة، كأداة لطرد المستوطنين والمحتلين، أدت الي عكس ما أراده صناعها منها. للذين صنعوها أو صفقوا لها بالأمس وفجأة شرعوا يتبارون اليوم في اكتشاف أخطائها نقول لهم انكم لم تكتشفوا بعد انها بحد ذاتها كانت هي الخطأ، لأسباب طالما حللناها هنا، في مقدمتها ان زمن الكفاح المسلح الظافر قد ولي بعد انهيار الكتلة الشرقية التي كانت تسانده ثم أهال عليه 11 أيلول (سبتمبر) التراب عندما ماثله بالارهاب. من ينادون بعد الزلزال بمواصلة الانتفاضة إياها تشبه حالهم حال من فقد عضواً لكنه ظل مع ذلك يتصرف كما لو أن العضو المبتور ما زال في مكانه. لو وجدت مؤسسات ديموقراطية بتعريف الحد الأدني: حرية الاعلام والنقاش داخل المؤسسات القائمة لما اتخذ عرفات قرار الانتقال من السياسة الي العنف الأعمي الذي قاد الي النتائج التي نعرف، ولما اتخذ صدام قرار غزو الكويت الذي ما زالت عواقبه الوخيمة معلقة كالسيف فوق رقاب شعوب المنطقة. بعدما اتضح عقم خيار العنف واستحالة خياري الحرب وحظر النفط لم يبق الا الخيار السياسي الذي قلما جربته القيادات الفلسطينية الا في أكثر اشكاله سوءا: سياسة الأسوأ. القضية المركزية في الممارسة السياسية هي تعريف المصلحة الوطنية في كل مرحلة من مراحل النزاع الاسرائيلي - الفلسطيني. وهي المهمة التي عجزت القيادات الفلسطينية المتعاقبة عن الاضطلاع بها. هذا العجز عن تعريف واعادة تعريف المصلحة الوطنية عائد لسببين: العجز في كل مرحلة عن قراءة ميزان القوي والتقيد بمتطلباته وفهم المصلحة الوطنية كحقيقة ثابتة لا تتغير بتغير المعطيات. في السياسة لا وجود لمصلحة وطنية في حد ذاتها معرفة بالآراء والمعتقدات والمبادئ الخالدة، بل توجد مصلحة يعاد تعريفها باستمرار علي هوي ميزان القوي أي ما تفرضه متطلبات الظرف. باسم المصلحة الوطنية رفضت القيادات الفلسطينية في 1947 قرار التقسيم وباسمها رفضت اقتراح بورقيبة بالعودة اليه سنة 1965، وها هي فصائلها الأكثر تطرفاً تنادي بالعودة المستحيلة اليه اليوم! في الستينات رفضت القرار 242 ونعته بـ التصفوي للقضية الوطنية وها هي اليوم، ربمـــــا بعد فوات الاوان، تحوله الي نص مقدس. سنة 2000 رفضت اقتراحات كلينتون الحبلي بدولة فلســــطينية قابلة للحياة، وفي 2002 تستجدي بوش أخذها بعين الاعتبار في أية مفاوضات محتملة مقبلة. وإذا لم يغـير الزلزال تصورها الخيالي للعالم فستراها قريباً - لكن بعد فوات الاوان - تناشده بالاعتراف بدولة فلسطينية علي كامل غزة فقط لا غير! وكل تخلف عن كل موعد يضربه لنا التاريخ ونحن بألف خير.
#العفيف_الأخضر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل يمكن أن يعتقل فعلا؟ غالانت يزور واشنطن بعد إصدار -الجنائي
...
-
هيت .. إحدى أقدم المدن المأهولة في العالم
-
ما هي حركة -حباد- التي قتل مبعوثها في الإمارات؟
-
محمد صلاح -محبط- بسبب عدم تلقي عرض من ليفربول ويعلن أن -الرح
...
-
إيران تنفي مسؤوليتها عن مقتل حاخام إسرائيلي في الإمارات
-
سيدة من بين 10 نساء تتعرض للعنف في بلجيكا
-
الدوري الإنكليزي: ثنائية محمد صلاح تبعد ليفربول في الصدارة
-
تجدد الغارات الإسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية وقتال عنيف
...
-
هل باتت الحكومة الفرنسية على وشك السقوط؟
-
نتنياهو يوافق مبدئيا على وقف إطلاق النار مع لبنان.. هل تصعيد
...
المزيد.....
-
فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال
...
/ المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
-
الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري
...
/ صالح ياسر
-
نشرة اخبارية العدد 27
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح
...
/ أحمد سليمان
-
السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية
...
/ أحمد سليمان
-
صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل
...
/ أحمد سليمان
-
الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م
...
/ امال الحسين
المزيد.....
|