محمود الزهيري
الحوار المتمدن-العدد: 2265 - 2008 / 4 / 28 - 10:58
المحور:
المجتمع المدني
من أهم أسباب التخلف العلمي والتقني والحضاري التي أودت بنا إلي هاوية سحيقة يجاهد بعض المنصفين والمخلصين للخروج منها ولكن تبوء بعض المحاولات الصادقة للخروج من هذه الهوة السحيقة بالفشل , بأسباب من أصحاب المصلحة في إزكاء نار الصراعات الدينية التي تبدأ عادة بالتمييز الديني بأنواعه المتعددة والتي تكاد لاتتناهي , وإنما حينما ينتهي نوع تتبدي أنواع متعددة أخري في الظهور علي سطح الأحداث الدينية والإجتماعية بملابساتها السياسية والإقتصادية ذات الصلة بالمجتمعات بداية من الميلاد وحتي إعلان حالة الوفاة , وماتتخللهما من أحداث ومناسبات .
ومن الملاحظ أن بداية التمييز الديني تتأتي من النصوص الدينية التي تحوز القدر الأعظم من القداسة في قلوب المؤمنين بهذه النصوص الدينية , وكذا بماتحمله تلك النصوص الدينية من تفسيرات وتأويلات متعددة تأتي محمولة علي نفسيات وعقليات من فسروها وتأولوها لتكون تفسيراتهم وتأويلاتهم متخذة مأخذ الإتباع حتي يتم الوصول إلي المرحلة الخطيرة التي يتوحد فيها النص الديني مع التفسير أو التأويل ليأخذا جوهراً واحداً وشكلاً متحداً في الصلة بين النص وبين من فسره وتعهد تأويله ليدعي بعد ذلك أن إرادته توحدت مع إرادة السماء المقدسة زمن هنا تبزع صنمية قداسة الفرد وكأنها في صراع مع قداسة رب الأفراد , الفرد الصمد !!
وعل إثر هذه النتيجة يتم إلغاء كافة العقول لأنها قد تم تأجيرها بالجدك أي بما تحمله من أدوات ومعدات عقلية تساعد علي التفرد في العقلية والإبتكار , لأن الإبتكار والتفرد يعتبر من ثم , هو بعينه الإبتداع اللعين بإدخال أمور يأباها رب الناس , والأنبياء والمرسلين , ومن ثم تبقي الحقيقة المطلقة الوحيدة قد خرجت من عباءة النص الديني , لكي تختبئ في عباءة مفسر النص الديني أو من تكفل بتأويله , أو من يعهد إليه بتفسيره أو تأويله .
وأسس التمييز الديني متجزرة في التاريخ , ومتبدية للعيان في الحاضر المعاش لكل من له عينين أوألقي السمع , وشهد عليه بتفاعلاته الحياتية المختلطة بجميع مناحي الحياة , وأن هذا التمييز الديني بإعتباره قضية , أو أزمة , أو مشكلة لم يتم حلها , أو لن يتم حلها وحسمها إلا بتسيد المفاهيم المدنية .
وإذا كانت هناك بعض الأسئلة أو الإستفسارات علي أبسط تقدير والتي تبني علي خلفية في الواقع العربي والإسلامي أولاً والواقع الدولي والعالمي ثانياً , والذي يستدعي الإهتمام في المقام الأول هو واقعنا العربي والإسلامي , وربطه بأزمة التمييز الديني والمفاضلة بين الناس والتمييز بينهم بأسباب دينية مختلطة بواقع بيئي محدد وجغرافية تكاد تكون متشابهة , وظل التلازم بين الأسباب الدينية المنسحبة علي الواقع المعاصر بكافة تأزماته التي هي في الأساس أسبابها راجعة إلي الفساد السياسي والإستبداد واغتصاب الحكم والسلطة وتحريم فكرة التداول السياسي السلمي للحكم والسلطة عبر قنوات سياسية ذات صفة المشروعية الدستورية والقانونية , ومع ذلك تأتي ثانية الأسباب إلي وجود المظاهر الدينية المنحسرة في الشكل والبعيدة عن الجوهر الديني , والتي تبرزها سلطات سياسية ذات مصلحة في وجود كافة أنواع التمييز الديني والتي تعتاش منها في سبيل بقائها في الحكم والسلطة لفترات زمنية طويلة , وتشاندها في ذلك التيارات الدينية التي تحرم الإشتغال بالسياسة وتجعل من أياً من ممارساتها كبيرة من الكبائر التي لاتغتفر ولايجدي مع إستغفار ولاتنفعها توبة حال كونها رجس من عمل الشيطان الرجيم حسب مفاهيمها , وغالباً ماتكون هذه التيارت موجهة سياسياً وترعاها أنظمة حكم شمولية مستبدة وتغذي وجودها في المجتمعات العربية والإسلامية التي يبزغ فيها أصنام التمييز الديني ليصبح التمييز الديني لوناً من ألوان العبادة حال كون التمايز عن عقائد الغير وعباداتهم ومظاهرهم التعبدية , ومناسباتهم الإجتماعية والدينية هي بحق ألوان من ألوان الكفر والفسوق والعصيان , ومن ثم وجب ديناً علي هذه الجماعات الدينية محاربة تلك المظاهر من خلال عمل بسيط في أدائه , وله من الخطورة مايهدد كيان المجتمع ويزلزل أركان الدول .
ويتأتي دور آخر يبرز التمييز الديني ويكرس له بأساليب تتخفي بستار من المشروعية الدستورية والقانونية المشوبة في الأساس بعيوب التمييز الديني , ليبرز في المطاف لوناً جديداً من ألوان التمييز الديني يكون له في الواقع السياسي والإجتماعي المعاصر مشروعية دستورية وقانونية تبتغي الهيمنة علي المجتمعات والدول من خلال النصوص الدستورية والقانونية , والتي تريد صبغها بالصبغة الدينية للأغلبية العددية في مواجهة الأقليات الدينية الأخري من خلال الممارسات السياسية التي تدعي أنها تبتغي العمل من خلال أحزاب سياسية مدنية ذات مرجعية دينية , وهذه الجماعات كذلك تعتبر مكوناً أساسياً من مكونات التمييز الديني .
ومابين التيارات السلفية الدينية التي تحرم العمل بالسياسة , وبين تيارات الأسلمة السياسية , تكمن معظم أخطار التمييز الديني , فالتيارات الأولي متهمة في توجهها السلبي الموجه من قبل الأنظمة الإستبداية الحاكمة , والتيارات الثانية متهمة في توجهها الإيجابي لمخالفتها أبجديات العالم المعاصر في توجهاته الكونية المتعدية لحدود الزمان والمكان , والمتعدية لحدود مفاهيم النصوص الدينية لأي دين من الأديان السماوية أو الأديان الأرضية الوثنية وتغير مفاهيم النظرة للأوطان والمفاهيم الوطنية والقومية والمتمثلة في قضايا البيئة العالمية علي سبيل المثال وطبقة الأوزون والتلوث , وقضايا حقوق الإنسان , وتعدي الدور الوطني الإقليمي , والقومي الدولي إلي مفاهيم ذات أبعاد جديدة ومثالها التكافل والمساندة والمساعدة الدولية في العديد من القضايا كالكوارث والنكبات الدولية التي تحيط بدولة من الدول .
حتي أن مفهوم المواطنة الذي يعتبر هو أساس التقدم الإنساني الحضاري بل وفي نظري أنه هو المفهوم الذي يعتبر التوطئة الأساسية لبناء مجتمع دولي مكون من مجموعة من الأوطان القائمة علي أساس من المواطنة , والغائب عنها فكرة التمييز الديني بين المواطنين في أي صورة من الصور , والذي يحيل المواطنين جميعاً إلي الإنتماء للوطن أولاً مع تجريم أي إنتماء آخر يتضاد مع فكرة المواطنة .
ولكن علي المهتمين بالإنسان المجرد دون تحميله بأي معتقد أو فكرة أو مذهب سياسي أو ديني , ان يعلنوا أن من أهم وأخطر اسباب التمييز بين بني آدم وحواء هو التمييز الديني والعرقي .
وهناك جملة من الأسباب هي التي تساعد وتقوي تواجد التمييز الديني في دولة من الدول أو مجتمع من المجتمعات ومن أهم هذه الأسباب :
الفاشية الدينية :
والفشية الدينية ليست متعلقة بدين واحد فقط من الأديان وإنما من السهولة أن تكون متوفرة في جميع الأديان حينما يريد البعض من أدعياء الإيمان والقرب من الله أن يسيطروا علي قلوب وعقول وضمائر أتباع دين من الأديان لتأميم مصالح الناس من أتباع هذا الدين لتصب في مجري نهر المصلحة الشخصية والذاتية لأدعياء الصلة بالذات الإلهية وقربهم من السماء ووصولهم بقلوبهم وعقولهم إلي الإرادة العليا للسماء ورب السماء فيتفردهم بالمعلافة الكاملة والمطلقة لهذه الإرادة السماوية العلوية , ومن ثم يتوجب علي باقي المؤمنين أن يأتمروا بأوامر أهل التقرب والإلتصاق بالذات الإلهية في معرفتهم بما تريد هذه الذات المقدسة , وماتريد للناس أن يكونوا عليه من إتباع الأوامر والإنتهاء عن النواهي , ومن هنا تأخذ الفاشية الدينية مساراً يوجه إرادات الناس وضمائرهم وتشكل مشاعرهم حيثما يريد هؤلاء الفاشيون الدينيون من توظيف للناس بالتخديم علي مصالحهم الشخصية في حالات متعددة ومتكررة من تغييبات للوعي وإذدراء للعقل وتأميم للضمائر وتوحيدها لتكون تلك الضمائر الجمعية محتجزة ومأسورة بإرادة أصحاب الفاشية الدينية السائدة في بلدان ومجتمعات التخلف والجهل والرجعية , والمشبعة بمعتقدات وأفكار ورؤي وتصورات مسبوقة بالمشيئة والقدرة الإلهية , في حالات تغيبية مستمرة ومتتالية للعقل والوعي الإنساني بزعم الإتصال والإلتصاق بإرادة الله عظمت مشيئته , وتقدست قدرته , واللتان لم يتمكن إنسان ولانبي ولارسول من الإلتصاق بهذه المشيئة , وتلك القدرة , إذ أنهما من صفات الله تبارك إسمه وتعالي شأنه .
وحينما نقلب صفحات التاريخ يظهر منها مدي السواد الطافح من بين تلك الأوراق الملوثة بدماء الأبرياء بفعل الوصايات الدينية للفاشية الدينية المسيطرة علي العقول والساجنة للإرادت في معتقل الوصاية والتوقيع نيابة عن الله !!
إن الفاشية الدينية المتعددة حسب كل دين وطائفة وملة ونحلة ومذهب لتقوم بالإستغلال للبشر في أبشع الصور الإستغلالية مقدمة للنار والعذابات والنكبات والفتن والمهالك الدنيوية والآخروية لكل من يخالف عن أمر أو نهي تلك الفاشيات الدينية المتعددة , والتي لاتستحي أبداً ولاتشعر بالحياء أو حمرة الخجل من أفعالها المشينة ببني الإنسان , والتي تجدها شاخصة في كل دين وملة ونحلة وعقيدة ومذهب من المذاهب الدينية , حيث قديماً عبدت الأصنام والأشجار والنجوم والنار وغير ذلك أنواع وأصناف العبادات الأخري والمتعددة واللانهائية , وبالرغم من أن هذه العبادات والطاعات كانت لأوثان لاتنفع ولاتضر إلا أن أصحاب الوصاية الدينية الوثنية أو الوثنية الدينية كانت تحكم بالفاشية أتباع هذه الديانات , ومن ثم فإن الفاشية الدينية لم تخلو من الديانات السماوية ومعها الديانات الأرضية الوثنية لتحقيق مآرب ومصالح القادة والزعماء الدينين الفاشيين علي حساب مصالح المؤمنين بهذه الديانات في حالة مريبة من حالات الفصل شبه التام بين الناس ورب الناس .
ومن ثم نجد مايسمي بالزعماء الروحيين مع العلم التام بأن المسائل الروحية هي من باب المسائل الغيبية التي لم يرتقي إلي معرفتها الزعماء الروحيين , فكيف يرتقي إلي العلم بها آحاد الناس !!؟؟
الفاشية السياسية :
وهذه الفاشية السياسية لاتختلف كثيراً عن الفاشية الدينية بل هي تماثلها في النوع وتكاد تقترب معها في الدرجة وفي الغالب الأعم فإن هاتين الفاشيتين تكملان بعضهما البعض من نواحي عدة وكان من آثار هاتين الفاشيتين أن إشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر رجل دين , فالفاشية الدينية تمالئ الفاشية السياسية وتقوم بدور المحلل والمحلل له في إجازة حالات الدعارة السياسية المتمثلة في إنتهاك الحريات الشخصية وضرب أنواع من الوصايات المكذوبة بجانب إستخدام إرادة السماء للتبرير لأفعال أنظمة الحكم الفاشية من أجل تحقيق المنافع والمصالح المتبادلة بين أصحاب تلك الفاشيتين اللعينتين , ومن ثم تذهب الفاشية السياسية إلي توظيف الفاشية الدينية لتقوم أنظمة الحكم المدمجة في الدولة بدور الحارس للدين والقيم والمبادئ العامة والشخصية , بل وتدعي رعاية ألأديان والحفاظ عليها من الهرطقات والكفريات والإلحادات التي يعتنقها البعض , بل وترمي المخالفين لها من المعارضين بتلك التهم البشعة , وصولاً للتصفية المعنوية والإجتماعية , وإنتهاءاً بالسجن والإعتقال والتعذيب والتصفية الجسدية عبر كتائب إعدام تابعة للفاشية السياسية والرائد في المسألة هو الحفاظ علي الدين وقيم وثوابت المجتمع .
بل ويبدو هذا الأمر متضمناً دساتير تلك الأنظمة الفاشيستية التي تحاول علي الدوام اللعب علي العاطفة الشعبية والجماهيرية , وتكون نداءاتها بإسم الله ويتبعها إسم الجماهير أو الشعوب , وحينما تتحدث عن المجتمع تعجز عن التخاطب بلغة المجتمعات المنظمة التي يحكمها فقط القانون والدستور المدنيين لدرجة أن الحاكم قد يقترب إلي أن يكون إله أو ظل لإله في أرض الله !!
ولاغرابة فالتاريخ البشري الإنساني ملئ بأحداث مأساوية تم توظيف الدين وإختراع مفاهيم من عقول من سموهم رجاله للهيمنة والسيطرة علي الناس بواسطة من تم التخاطب معهم علي أنهم رجال دين تم توظيفهم من جانب رجال السياسة في حالة دمج غريبة لإتحاد الفاشيتين العنصريتين اللتين تجتمعان علي الدوام ضد الإنسان المجرد من إعتبارات الدين والعقيدة والمذهب والطائفة والملة والنحلة واللون والجنس والنوع والعرق , والدماء المراقة علي مدار التاريخ شاهدة علي تلك العنصريات المبنية علي التمييز الديني بواسطة الفاشية السياسية التي تقوم بإحياء تلك النعرات الدينية والطائفية لتقوم بتثبيت أركان أنظمة الحكم الفاشية عبر إثارة تلك النعرات العنصرية والطائفية والمبنية علي التمييز الديني !!
مجتمعات مأزومة :
المجتمعات المأزومة دائماً تؤمن بفكرة الحرام المطلق في كافة الأمور الدينية التي تجعل بينها وبين الأمور الحياتية والسياسية روابط وثيقة بينهما لتعزز فكرة الحرام المطلق مضفية ظلالاً من القداسة والرهبة علي تلك الأعمال والأفعال السياسية , حتي يتمكن اصحاب المصالح من الولوج إلي قلوب الناس من طريق الحرام المرتبط بالعذابات الدنيوية والنكبات الحاصلة لهم إثر مخالفتهم لقاعدة الحرام الديني اثناء ممارستهم للأعمال والأفعال السياسية , إنتظاراً لعذابات الآخرة الشديدة وإنتظاراً لنار جهنم التي وقودها الناس والحجارة , ومن ثم يبزغ صنم الوصاية لتحدث حالة من حالات التحول الوجداني للناس المأزومين بفكرة الحرام الديني , المتحول للحرام السياسي , ويصير هناك علي الساحة السياسية أوصياء يمتلكون ناصية الحقيقة الإلهية المطلقة العالمة بمرادات الله في الناس , وتصبح مصائر الناس معقودة بناصية أصحاب الوصاية , ومن ثم يتم الإنتصار لفريق إتخذ من الدين مطية عظيمة لها من القوة والقدرة والطلاقة والنفوذ علي وجدان ومشاعر وأحاسيس الناس , لتنفيذ كافة المآرب والمنافع السياسية من خلال الدين الذي جعله أصحاب الوصاية , وملاك الحقيقة المطلقة ملعباً لإدارة الصراعات السياسية , ومن ثم فإن المنتصر في النهاية , لن يكون من إستخدم الدين مطية , وإنما حسب مفاهيم اصحاب الوصاية المقترنة بالمصلحة , سيكون النداء عالياً خفاقاً , ليعلن إنتصارا للدين , ولكن سيكون هذا الإنتصار في مواجهة من ؟!!
سيكون في مواجهة الفريق الآخر الداخل في اللعبة السياسية , والذي سيكون في الغالب الأعم , من أعداء الدين , ومن ثم تٌجري عليه أحكام العصيان والتكفير والتلعين , ويتم تطبيق نظرية الإستحلال عليه وعلي الفريق السياسي الداخل للملعب السياسي بداءة بفانلة , وشورت , وحذاء المصلحة , في مواجة أصحاب الفانلات والشورتات والأحذية الدينية الذين أرادوا أن يضفوا علي قواعد وأصول اللعبة السياسية لون من ألوان القداسةالدينية تحقيقاً للمصلحة , في حين أن الفريق الآخر , قالها بداءة , أننا نسعي من البداية لتحقيق المصلحة !!
#محمود_الزهيري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟