|
قرع امريكا لطبول الحرب سياسة مناهضة لجماهير العراق
فارس محمود
الحوار المتمدن-العدد: 129 - 2002 / 5 / 13 - 20:25
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
ان النص الذي بين ايديكم هو البحث الذي قدمه فارس محمود الى الندوة التي عقدتها كل من اللجنة العربية لحقوق الانسان في فرنسا والمنتدى الثقافي العراقي والتي جرت في العاصمة الفرنسية باريس في 13 من نيسان 2002. ***********************************************
منذ اسابيع، غدت مسالة "ضرب العراق" او تهديد امريكا بتوجيه ضربة عسكرية له من المسائل التي تهيمن على الساحة السياسية وعلى صعيد وسائل الاعلام والصحافة العالمية. ان الملف العراقي يعود بقوة للساحة اليوم. ولكن، للاسف، ليس من اجل رفع الحصار الاقتصادي او تاكله مثلما كان الحال عليه قبل 11 ايلول، بل عاد هذا الملف اليوم الى الواجهة تحت الاثار المباشرة و التداعيات المباشرة لاحداث 11 ايلول.
من الايام الاولى لهذا الحدث، كان معلوماً ان فرصة ما قد قدمت لامريكا على طبق من ذهب لحل مشكلاتها لا مع طالبان و بن لادن والقاعدة وغيرها من الجماعات الاسلامية، بل لحل معضلات اعمق واعمق على الصعيد العالمي وعلى صعيد قضايا المنطقة ومنها الملف العراقي الذي بقى دون حل طيلة اكثر من عقد كامل واجهت معه امريكا المشكلات تلو المشكلات.
من اليوم الاول قلنا ان امريكا تنوي على مخطط اوسع بكثير على صعيد العالم. من الايام الاولى، ابلغ بوش العالم كله ان حملة مجابهة الارهاب ستكون طويلة جدا، ستستغرق سنوات ووضع اكثر من (50) مركز ودولة بوصفها عرضة لحملة محاربة الارهاب وعبأ جماهير امريكا المفزوعة والمرتعبة بان تطول صبرها لان هذه الحرب ستكون طويلة الامد. وقسم هذه الحرب الى مراحل، الامر الذي يعني عملياً ابقاء الباب مفتوحا امام المشاريع والمخططات الامريكية التي هي بامس الحاجة الى الحروب لحلها. فمن يستطيع ان يمسك ويلجم امريكا المهتاجة والجريحة في عقر دارها؟
واكدنا في حينه بان اوضاع 11 ايلول تماثل، في جانب كبير منها، اوضاع حرب الخليج واهداف حرب الخليج وان يكن باوضاع مختلفة وظروف مختلفة وبتوازنات للقوى مختلفة وبدرجات مختلفة من تضارب المصالح بين حلفاء الامس ابان الحرب الباردة وخصوم مابعد الحرب.
ومع تقدمها في الحرب ضد افغانستان، بدأت امريكا مساعيها لجر اقدام العراق لتصفية الحساب معه، وبدات بالترويج عبر وسائل اعلامها "المحايدة" لاتهام العراق بصلته بالمهاجمين الانتحاريين، وتم الحديث عن لقاء احد مسؤولي السفارة العراقية بمحمد عطا في براغ، وبالتالي الربط بين العراق والقاعدةَ. بعدها، تم اتهام العراق بالجرثومة الخبيثة. وراح المحللون و وسائل الاعلام الماجورة التي تستمد حركتها من تعليمات وزارة الخارجية والبنتاغون، يتحدثون عن ان هناك 3 بلدان فقط بمقدورها صنع الجرثومة الخبيثة وهي: امريكا، روسيا، والعراق. ولان امريكا لاتضرب نفسها، وليس لروسيا مصلحة في ضرب امريكا، لهذا فان هذه رسالة صريحة بان العراق وراء مسالة الجمرة الخبيثة. ولكن الامر كان معروفا ان استخدام الجمرة الخبيثة لهو من صنع الدوائر اليمينية المتطرفة في نفس امريكا. وهو ماتبين لاحقاً.
بعد رحيل طالبان غير الماسوف عليه، اطل بوش من على شاشات التلفاز ليتحدث عن ان صدام انسان "شرير" و"خطر على جيرانه" و"الم تروا مافعل بالاكراد من شعبه؟" وعن "استخدام صدام لاسلحة الابادة الجماعية بحق جيرانه والاكراد"- ولااعلم ما الجديد في كل هذا؟ علماً ن امريكا والغرب نفسهما من "عتم" على كل هذه المسائل حين كان "نظام صدام" عزيزاً للغرب. وطالب بوش بعودة المفتشين بدون قيد وشرط والا عليه ان يتوقع كل شيء من امريكا. ان التهديد هو ما تريده امريكا من كل هذه الالاعيب.
ان مبررات امريكا قد تفاوتت من مرحلة الى اخرى. وما ان تصدأ اسنة مبررات ما حتى تشحذ اسنة مبررات اخرى.
ان مبرراتها الاخيرة للهجمة على العراق هو تطوير العراق لاسلحة الدمار الشامل ومكافحة الارهاب. ان كلا المبرران كاذبان وواهيان الى ابعد الحدود. انها دعاية حرب. لااكثر.
فيما يخص اسلحة الدمار الشامل، امريكا صاحبة اكبر الترسانات النووية والكيميائية والبيولوجية. وفي الحقيقة، لم تتوانى عن استخدامها متى ما اقتضت الضرورة. امريكا هي الدولة الوحيدة في العالم التي استخدمت الاسلحة النووية، وابادت في غضون ثوان معدودات مئات الالاف من الابرياء والعزل والاطفال في هيروشيما وناكازاكي، ناهيك عن الاسلحة الكيمياوية والبيولوجية والمحرمة دوليا التي استخدمتها في فيتنام وجنوب شرق اسيا واماكن اخرى من العالم. امريكا نفسها،هي من استخدمت، وطيلة 11عاما، اكثر الاسلحة اجراما وفتكا في تاريخ البشرية، الا وهو الحصار الاقتصادي على جماهير العراق. ان صدام والحكومة العراقية مجرمين نعم. ولكن اذا كان من المؤمل ان يعاقب طرف لاستخدامه اسلحة الدمار الشامل، فامريكا ليس بوسعها ويجب ان لاتكون هي القاضي. بل هي من يجب محاكمتها اولاً.
اما مبرر مكافحة الارهاب، فليس هناك نكتة اكبر من هذه. ان اسرائيل تقوم يوميا بابشع الاعمال ارهابية واشدها رعبا وخطرا على جماهير فلسطين، على الاطفال، على النساء، على المدنيين العزل، ولاتقوم بذلك سرا، ولاتتناقله وكالات الانباء العالمية فحسب، بل يتم كل هذا بالدعم الامريكي السافر والوقح. ان الحكومة العراقية مجرمة، ولكنها مجرمة بقدر اكثر حلفاء امريكا في المنطقة.
ان هدف امريكا من قرع الطبول هذا واضح: اولا، ابقاء نار الوطنية الامريكية مشتعلة، وخلق قوة عسكرية هائلة ومتعاظمة هي بامس الحاجة اليها اليوم لتوسيع هيمنتها ونفوذها على العالم وتبرير تدخل هذه القوات في المناطق المختلفة من العالم. انها ضرورية لتبرير الميزانية الضخمة والهائلة للعسكرتاريا الامريكية امام انظار جماهير امريكا والتي تعادل وحدها ضعف مجمل الميزانية البريطانية. وثانيا، ان تسير العالم وفق مصالح وحاجات الشركات الامريكية وراسماليي هذا البلد وتامين السلطة المطلقة لمصالح هذا البلد بدون قيد او شرط وبالاخص بوجه منافسيها وخصومها اوربا وروسيا والصين.
ان امريكا ماضية في مشروعها ومخططها، بيد ان العوائق التي تعترضها ليست قليلة ولا هينة:
1- ان ثمة سخط واحتجاج على صعيد الراي العام العالمي على مساعي امريكا في الغطرسة والعنجهية ودفع الشعوب نحو المجازر والحروب والويلات. وبالاخص انه راى بام عينة مجازر امريكا بحق جماهير العراق وكوسوفو. جماهير ليست مستعدة على السكوت على المجازر الوحشية لامريكا في العالم من اجل ارباح شركاتها وهيمنتها.
2- من الناحية الدعائية: فان مبررات امريكا هزيلة ولاتنطلي على احد. مثلما ذكرت، ان ايجاد مبررات مختلفة في كل مرحلة دلالة على عدم وجود مبررات واقعية وحقيقية. ان مبرراتها غير مقنعة لنفس رجالات البيت الابيض والقادة العسكريين، فكيف الحال مع الراي العام العالمي الذي له تجارب مريرة مع امريكا والمشاريع الامريكية؟ ان اوضاع اليوم ليست اوضاع مرحلة حرب الخليج. غدت الجماهير اكثر سياسية وتعقل سياسي. اذا استطاعت امريكا في حينها ايهام العالم بمخططاتها وجرت بحدود 30 بلد لارسال جيوشها الى المنطقة، فانها تشعراليوم بمصاعب جدية لاقناع اقرب اقرب حلفائها.
3- اوربا وروسيا، او ما يسمى بحلفائها، من البوادر الاولى للحديث عن امكانية ضرب العراق وشموله في "حملة مكافحة الارهاب"، اعلنت وقوفها بوجه هذه المساعي، واعلنت عدم استعدادها لتاييد مساعي امريكا نحو جر العالم نحو مزيد من الحروب من اجل عيون المصالح والاهداف الامريكية. وبالاخص اذا ما اخذنا بنظر الاعتبار ان قضية العراق نفسها قد تحولت، وطيلة اكثر من عقد،الى مركز وبؤرة للصراع والنزاع بين اوربا وروسيا والصين من جهة وبين امريكا من جهة اخرى. كل من اجل مصالحه التي ليس مستعداً لنحرها على مذبح المصالح الامريكية. ان روسيا، مثلاً، المتازمة اقتصاديا وتعاني تراجع سياسي على صعيد مكانتها الدولية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، تتعقب أي منفذ للعودة للساحة السياسية في الشرق الاوسط. وليس هناك افضل من العراق المتعطش لاي حليف، وبالاخص بمكانة روسيا، للاتكاء عليه في صراعه الضاري ضد امريكا. وبالاخص اذا ما اخذت روسيا بنظر الاعتبار كيف ان امريكا قد اركنتها جانبا في قضية الصراع العربي الاسرائيلي او الشرق الاوسط عموماً.
4- دول المنطقة، القومية العربية، الحكومات العربية: جابهت، ومن البدء، مساعي امريكا بهذا الصدد. انها بامس الحاجة لقوة سياسية وعسكرية وحتى اقتصادية على المدى البعيد مثل العراق من اجل صيانة "الامن القومي العربي" وبالأخص قبالة حكومة يمينية اسرائيلية مستهترة وفي ظل تعقد اوضاع عملية السلام والصراع العربي- الاسرائيلي مع مجيء حكومة شارون. ان اقرب اقرب حلفائها في المنطقة رفع راية معارضة الضربة.
5- اما يسمى بالشارع العربي، فانه غاضب، ساخط وناقم على امريكا وسياسات امريكا وذلك لدعمها غير المشروط، وطيلة اكثر من نصف قرن، لاسرائيل في ظلمها لجماهير فلسطين، في فرضها الحصار الاقتصادي الجائر على جماهير العراق الذي راح ضحيته اكثر من مليون انسان، في دعمها لانظمتها الرجعية والاستبدادية. ان الحكومات العربية تدرك مدى سخط ونقمة هذه الجماهير جراء اوضاع الجوع والفقر والبطالة وانعدام الحريات السياسية والحقوق المدنية والاستبداد والقمع السياسيين. ولهذا، تتخوف كثيرا من احتمال انفلات الامور في حالة ضرب العراق بحيث يهدد اركان سلطتها وحكمها.
6- ان العراق ليس افغانستان،كما ان البعث ليس حركة طالبان التي هي عصابة معزولة في مجتمع يفتقد الى ادنى مقومات مجتمع. ان طالبان ليست حتى بقوة عسكرية متعارف عليها، سهل الاطاحة بها. ولكن النظام البعثي لازال قوة عسكرية يتمتع بالف نوع ونوع من القوات العسكرية للدفاع عن نظامه المجرم. حتى من الناحية الدولية، فانها غير معترف بها دوليا ماعدا عرابيها في السعودية وباكستان، على النقيض من النظام البعثي الذي شهدنا تلقف دول العالم له واولها نفس الغرب والدول العربية قبل 11 ايلول.
7- ناهيك عن حساسية العراق من ناحية الجغرافية السياسية وحساسية مجمل منطقة الشرق الاوسط مقارنة بافغانستان... الامتدادات الاقليمية المباشرة لمسالة العراق وتداخل وتشابك القضايا في المنطقة. فبالامس، سعت امريكا الى مساومة اوربا ودول المنطقة حول قضية فلسطين مقابل اعطاء الضوء الاخضر لها تجاه العراق.... ولكن الاوضاع اليوم تغيرت كثيرا مع التصعيدالشاروني لتضع عراقيل اضافية جدية على امريكا.
كل هذه عوائق جدية تعترض امريكا في مسعاها لضرب العراق. بيد ان امريكا، وبحكم انه توفرت فرصة تاريخية مهمة امامها ان فوتتها فسيكون من الصعب عليها ان تحصل على فرصة اخرى بهذه الاهمية والتاثير، ولهذا فانها تمضي بجهود جبارة من اجل عدم تفويت الفرصة الذهبية هذه. مستخدمة كل الاساليب الممكنة من اجل احباط وتحييد اثر هذه العوامل. انها ترشو هذا البلد وتلوي ذراع ذلك البلد، تخوف وتهدد هذا البلد وتساوم ذلك البلد. بصراحة وسفور وغطرسة بالغين، تتحدث عن انها ستذهب لوحدها اذا اقتضت الضرورة ولاتنتظر تخويل من احد...ان حديث رامسفيلد، وزير الدفاع، لهو معبر بهذا الصدد، حيث اكد، ردا على امكانية انفضاض التحالف ضد افغانستان اذا ما وجه ضد العراق، على ان "الاهداف تحدد الحلفاء" و"ليس الحلفاء من يحدد لنا اهدافنا". ان هذه رسالة موجهة الى اوربا وحلفائها قبل غيرها بان امريكا ماضية قدما في تنفيذ مشاريعها، ولن تنتظر احد. ان هذا دلالة ضعف امريكا وليس قوتها. لو لم تكن كذلك لما لجات الى هذا النوع من التعامل.ارسلت تشيني للمنطقة لكسب تاييدها في ضرب العراق.وسعت الى كسب موقف اوربا والدول العربية عبر مساومة المسالة الفلسطينية بالمسالة العراقية. اما فيما يخص الشارع العربي، فانها تعول على لجم الحكومات له وتكرار سيناريو تعامل برويز مشرف مع الاسلاميين المؤيدين لطالبان والمناهضين للمساعي الامريكية في باكستان و....الخ من اساليب وتحركات.
ولكن السؤال المطروح هنا: ماذا تتعقب امريكا؟ ماذا تريد بالضبط؟
ان القاء نظرة على الملف العراقي واوضاع وحال المجابهة بين العراق وامريكا قبل 11 ايلول، تزودنا برؤية لما تتعقبه امريكا من هذا التصعيد. اذ شهد العالم كله تراجع كبير في مكانة امريكا على صعيد قضايا كثيرة في العالم وبالاخص موضوعة الحصار الاقتصادي، فشل مشروع العقوبات الذكية، "عصيان " اوربا، روسيا، الصين ووقوفهم المستمر بوجه امريكا فيما يخص قضايا كثيرة على صعيد العالم منها: " الدرع الصاروخي، كيوتو ، مؤتمر ديربان،...ألخ.
ان اول هدف تتعقبه امريكا واكثرها فورية ومباشرة هو قلب ميزان القوى ومجمل هذه المسارات مرة اخرى بصالح امريكا واهدافها ، وفيما يخص العراق، تسعى الى فرض التراجع الجدي على العراق واعادة المبادرة وجعلها بيد امريكا وحدها مرة اخرى.
لقد جنت امريكا مكاسب من اليوم الاول لاختلال ميزان القوى لصالح امريكا، أي 11 ايلول، فمثلا، كانت مسالة عودة فرق التفتيش امرا منتهيا ومحسوما، اما الان، وبفضل 11 ايلول، اعيد مرة اخرى على الاقل على طاولة الصراع وانذار امريكا للعراق بتوقع عواقب وخيمة ان لم يستجيب لهذا المطلب. كذلك فيما يخص مسالة فرض العقوبات الذكية التي حققت فشل ذريع قبل اشهر، الان امريكا في وضع افضل لطرحه واقراره هذه المرة. الحصار عموما، دخل مرحلة مختلفة مع هذه الاوضاع. على الاقل، امريكا استطاعت ان تركن هذا الموضوع جانبا لاشهر في وقت كان يمضي نحو التاكل.
اما فيما يخص اسقاط النظام، بخلاف كل ادعائاتها، ما كانت امريكا تسعى يوما لاسقاط النظام. ما كانت تسعى الى انهاء الديكتاتورية في العراق وتوسيع الديمقراطية وحقوق الانسان. على العكس، اطالت بسياساتها في الحصار والقصف وابقاء اجواء الحروب والعسكرتاريا عمر النظام واعطته الفرصة لاستغلال هذه الاوضاع بالضد من مصالح الجماهير.
انها تريد اسقاط صدام وليس النظام البعثي. تريد احلال بديل ينسجم مع مصالح امريكا في المنطقة، تريد فرض سيناريو مثل السيناريو الافغاني: اجتياح عسكري، قصف، تنصيب كارازي اخر على العراق.
لكن المسالة ليست حول ماتريد، بل حول ماتستطيع. ما بمقدورها عمله وما ليس بمقدورها. مثلا بدون موافقة اوربا والدول المحيطة بالعراق، بدون الحصول على امكانيات وتسهيلات بجلب عشرات الالاف من الجنود، لايبقى لها مجال سوى القصف الجوي للمرافق الحيوية والبنى التحتية والاتصالات التي يذهب ضحيتها المدنيين بحكم كون العسكريين هم قوات محترفة تتمتع بامكانية افضل على حماية حياتها.
انها تتحدث مرة عن توجيه "ضربة للعراق"، ومرة اخرى عن "اسقاط صدام"، ومرة عن "عزل العراق" لخطره على المنطقة، او تاكيدات المسؤولون الامريكان عن ان هناك خيارات كثيرة ومتنوعة مطروحة امام الرئيس بوش، او ان "بوش لم يقرر بعد".... ان كل هذه تعكس مدى العوائق الجدية التي تعترض امريكا في خطوتها هذه. ان امريكا لاتعلم بالضبط هدفها المحدد والذي يمكن انجازه.
لذا، انها في منازلة مع العراق لكي تنتزع اكثر ما يمكن انتزاعه. ان هذا مرهون بميزان القوى المقبل وبالمسارات السياسية المقبلة وقدرة امريكا على الدفع بهذه الامور لصالحها. من الاجتياح وصولا الى الاكتفاء بالقصف مرهون بهذا.
بديل امريكا:
ان امريكا تسعى للقد من حفنة جنرالات ملطخة اياديهم بدماء اشرف الناس في العراق والمنطقة من امثال الخزرجي والصالحي كرئيس لعراق ما بعد صدام. بيد ان هدف امريكا ليس تنصيب هؤلاء براينا، بل انه توجيه رسالة لضباط الجيش في العراق والتلويح لهم بان وجود ضابط على راس الحكم في العراق ليس مشكلة بالنسبة لامريكا، بل وحتى مبعث تاييدها. ان هذا هو جزء من مسعاها لشحذ همة الصدامين الاخرين من ضباط الجيش للانقلاب واقامة نظام قمعي اخر ليديم عمر سلطة البرجوازية الحاكمة في العراق. او اجراء أي تغيير فوقي، شكلي، بوجود البعث او بعدم وجوده، من داخل صفوفه او خارجها، وبالتالي سلب ارادة جماهير العراق في اقامة نظامها السياسي المنشود.
ان بديل لمريكا ليس المؤتمر الوطني ولا الخرق البالية من امثال الوفاق وغيرها رغم كل خدماتها القذرة التي قدمتها لامريكا واصطفافها التام في خندق معاداة جماهير العراق في دعم وتبرير سياسات امريكا في الحصار والقصف الجوي وغيرها. ان امريكا تبحث عن يد قوية لمسك زمام السلطة في العراق في بلد متفجر بالقضايا: المسالة الكردية، سخط وغضب جماهير العراق بعد 3 عقود من الاستبداد البعثي ومصادرة الحريات السياسية والجوع والفقر والبطالة والازمة الاقتصادية الخانقة التي لاتزول بزوال صدام. بل تشتد هذه المطاليب وتتصاعد مع اسقاط صدام او النظام البعثي. ان قائمة مطاليب الجماهير لهي طويلة وان برجوازية متازمة حتى نخاع العظم غير قادرة على تلبيتها. وهنا تاتي حاجة امريكا والطبقات الحاكمة الى "قبضة حديدية" اخرى للعراق، الى "صدام" اخر مطيع لمصالح امريكا وقادر على لجم "غلواء" الجماهير.
لقد تحول دور المؤتمر الوطني وغيرها من الاحزاب السائرة في الركب الامريكي الى اللهاث لتنظيم مؤتمرات للضباط "الوطنيين الاحرار" والسعي الى نيل حصة من السلطة السياسية المقبلة في العراق عبر هذا السبيل. لان هذه الاحزاب تعلم علم اليقين انها احزاب منبوذة، ليس لها أي اعتبار لدى جماهير العراق. وان لم تاتي بها البوارج الامريكية والمخططات والمشاريع الامريكية، لن ياتي بها احد. ولن تاتي.
ان نفس الخزرجي والصالحي- علمت ويا للمهزلة انهم شكروا جماهير العراق على ايلائهم هذه الثقة- يعلمون حق العلم ان الجماهير ساخطة عليهم وعلى كل شيء فيه نفس عسكرتارية وحروب. انهم ليسوا غير اهل لهذا فحسب، بل ان جماهير العراق لديها دعوى عليهم وتنتظر اقرب فرصة تتمتع بها بارادتها حتى تحاكمهم على جرائمهم.
اما الاحزاب القومية الكردية، وبالاخص الاتحاد الوطني والديمقراطي الكردستاني: فانها اعتادت اللعب على حبلين، حبل بغداد وحبل امريكا، انهما يتحدثان عن "لسنا مع اسقاط صدام من الخارج"، والبرزاني يتحدث عن صدام بصفة "رئيسي" او "نحن مع الديمقراطية والتعددية السياسية" الذي هو الاسم الرمزي لـ"ليس لدينا مشكلة مع النظام، المهم ان يفسح مجال لـ"الاحزاب الوطنية" في السلطة، أي ان "يعطينا حصتنا من كعكة السلطة". انهم يتعقبون فيدراليتهم التي تعني حصتهم في السلطة، أي سلطة.
حتى ان "التعددية السياسية" لاتعني توسيع الحريات السياسية للجماهير قط. انها تعني القبول بمشاركة الاخرين في كعكة السلطة، افساح المجال للاخرين في كرسي الحكم. يعني "لاتحتكروا كرسي السلطة". لااكثر. استبداد حكومي واسع وعريض الاساس، استبداد حفنة احزاب وليس حزب واحد.
ان الحزب الشيوعي العمالي العراقي يقف بوجه قرع طبول الحرب هذه التي هي خطوة معادية لجماهير العراق والانسانية وتنذر بمستقبل كالح لهم. ويناضل من اجل حشد القوى على الصعيد العالمي للوقوف بوجه المجزرة التي تدفع لها امريكا.
يناضل الحزب، وبكل قواه، من اجل التصدي لسياسات امريكا بفرض بديل من اؤلئك المجرمين الذين خدموا ولعقود النظام الفاشي البعثي من فوق الجماهير وبالضد من ارادتها، بديل يديم نفس سلطة النظام البرجوازي الحاكم في العراق او نسخة "مرتشة" عنه. كما يناضل من اجل حشد قوى الجماهير واقامة حكومة علمانية غير قومية وغير دينية، حكومة تؤمن الحقوق والمطاليب والحريات الجماهيرية الفردية والسياسية والمدنية.
يطالب الحزب بالرفع الفوري وغير المشروط للحصار الاقتصادي وانهاء هذه المجزرة الانسانية بحق جماهير العراق.
ويعمل الحزب من اجل الحيلولة دون امرار المشاريع التي تطرحها امريكا والاحزاب القومية الكردية الحاكمة في كردستان ويطالب بالاقرار الفوري بحق جماهير كردستان بالاستفتاء على مطلب استقلال كردستان وتاسيس دولة مستقلة علمانية غير قومية وغير دينية.
يناضل الحزب من اجل احباط مساعي النظام الفاشي البعثي والخاصة بالاستفادة من هذه الاوضاع لتصعيد من حملات العسكرتارية والاستبداد السياسي وجعل جماهير العراق وقود حطب معركته الرجعية.
يناشد الحزب جماهير العراق لولوج الميدان والالتفاف حول الراية الراديكالية والشيوعية واقامة بديلها وسلطتها المعبرة باسمى الاشكال عن تطلعاتها بحياة افضل، راية الحزب الشيوعي العمالي.
#فارس_محمود (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الاوضاع الاخيرة في فلسطين!!
-
الاحزاب الشيوعية العربية والاصطفاف في خندق الاسلام السياسي
المزيد.....
-
شاهد لحظة قصف مقاتلات إسرائيلية ضاحية بيروت.. وحزب الله يضرب
...
-
خامنئي: يجب تعزيز قدرات قوات التعبئة و-الباسيج-
-
وساطة مهدّدة ومعركة ملتهبة..هوكستين يُلوّح بالانسحاب ومصير ا
...
-
جامعة قازان الروسية تفتتح فرعا لها في الإمارات العربية
-
زالوجني يقضي على حلم زيلينسكي
-
كيف ستكون سياسة ترامب شرق الأوسطية في ولايته الثانية؟
-
مراسلتنا: تواصل الاشتباكات في جنوب لبنان
-
ابتكار عدسة فريدة لأكثر أنواع الصرع انتشارا
-
مقتل مرتزق فنلندي سادس في صفوف قوات كييف (صورة)
-
جنرال أمريكي: -الصينيون هنا. الحرب العالمية الثالثة بدأت-!
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|