سعيد موسى
الحوار المتمدن-العدد: 2264 - 2008 / 4 / 27 - 02:55
المحور:
القضية الفلسطينية
((مابين السطور))
من منا لم تتكشف له الأسباب الأمنية جراء مخطط الانسحاب أحادي الجانب من قطاع غزة, لقد برع حكماء بني صهيون في تجيير سلوكيات الحاضر , بما يجعل العديد من الأسئلة الحائرة تتراكم, وبما يجعل من الآخرين تجيير أسباب تلك السلوكيات في ظل المجهول لأيدلوجياتهم, والبعض يستهويه شعار النصر المبين, في حين أن المخطط لزراعة الجريمة, حدد له زمن ومناخ الزراعة, والاختيار بعناية نوعية السماد السياسي, وقد تمت عملية دراسة الجدوى جراء ذلك الاندحار, ويعلمون أننا سنسميه انتصار, لكنهم خططوا لفصل وحرب أهلية وحصار, وكانت توقعات حكماء صهيون ضمن برتوكول الانسحاب من غزة, ليحصلوا على عوائد اقل تكلفة من الإشراف المباشر على المحصول, على أمل جني ماطاب من شرور الثمار, وفي محصلة التوقعات الصهيونية دمار وفصل وصراعات وطنية دامية, وتبرير وتزوير للوعي العالمي, بان الاحتلال اندحر, وان المقاومة بعد ذلك إرهاب, ومن ثم جريمة الحصار.
فهل ابتلعنا طعم الاندحار, وتغنينا بأنشودة الانتصار, هل حل علينا نتيجة رحيل الصهاينة, أو وهم الرحيل, وحدة وتحرر وازدهار؟ أم وقعنا في شرور أعمالنا, وانقلب التنافس السياسي إلى صراع دامي؟؟ هل كان لنا حكماء للحق في مواجهة حكمائهم للباطل؟؟ أم أخذتنا العزة بالإثم, ونزلنا عن الجبل للاستئثار بالغنائم, ونسينا أن العدو ما اندحر إنما التف علينا من خلف الجبل؟؟ لم يسجل تاريخنا الوطني منذ مائة عام سذاجة ولا غباء سياسي بهذا الكم والكيف, الذي وضعنا مصيرنا رهينة مخططات الغير الاستثمارية, حيث المادة الخام لدينا جيدة, والأيدي العاملة رخيصة في خدمة الصناعات الشرقية والغربية, فساء ماصنعنا خسارة مابعدها خسارة, خطها التاريخ كوصمة عار وطنية في تاريخنا الفلسطيني الناصع.
لقد انتقلنا من مشهد الاندحار, مرورا بمشهد الفتنة والدمار, وصولا إلى جريمة العقوبات الجماعية والحصار, انه حصار كافر جائر لامبرر له بهذه الوحشية النازية, لا منطق له بهذه الهمجية البربرية, والعالم صامت يعلم جذور المخطط الصهيوني, ويعلم مسبقا التداعيات التي يصبوا إليها حكماء صهيون جراء الاندحار, وبمباركة العالم أصبحت المجازر الوحشية, لاتهز الضمائر البشرية,ليس بسبب منطقية مبررات حكماء صهيون التي لا تقنع ولا تنطلي على عاقل أو حتى مجنون, بل إنها العنصرية الصهيونية والانحياز الحاقد والجنون, لقد امتزجت ألاعيب وخداع الصهاينة بفتنتنا الوطنية وانشطار وحدتنا الصلبة, التي طالما استعصت على العدو والصديق, فكان الصمت لديهم مبررا بحجة خلافاتنا, وسقوط حرمة الدم الفلسطيني, وتعدد مشاربنا وتبعاتنا الإقليمية والدولية, فقد سقطت هيبة تأثيرنا كمحرك وباعث للثورة مع سقوط متانة بنياننا الوطني, لكن كل هذا خطته حوافر حكماء صهيون, ونحتته في صخر المخطط الآثم المجنون, وليتهم اكتفوا بالصمت على قاعدة لتقل خيرا أو لتصمت, بل قالوا وفعلوا شرا وأصبح شبح الحصار والتجرؤ على الثوابت الفلسطينية بصوت مرتفع, في أحط وأرذل وأجرم عملية مساومة شهدها تاريخنا القديم والمعاصر, وما زلنا بغبائنا وسذاجتنا رحماء بأعدائنا أشداء على أهلنا, فهل من حكماء يتداركون ما أفسده التطرف الوطني, و إصلاح صمام أمام وحدتنا, وترميم سفينة عودتنا, والعودة عن تحدي الذات والسير في طريق وعرة رسمها حكماء صهيون في صميم برتوكول الاندحار عن غزة, وما حدث لغزة هو تحصيل حاصل ودليل وقوعنا في شرك مخططاتهم السوداء, هل نبقى على عنادنا الكافر بكل القيم والمثل الوطنية , أم نتدارك الخطر الداهم والذي يصعب صده بهذه الشرذمة الوطنية, التي هي مدعاة زحف الوصاية الإقليمية والدولية, على قٌصر لايعرفون مصلحة ذاتهم ويحتاجون لإعادة تأهيل, بعد أن علمنا العالم كيف هو الإصرار بالتضحيات الجسام على التحرير وانتزاع الحقوق,, أنعقل أم نحن بحاجة إلى مزيد من الظلم الجائر الذي يبرره الصديق قبل العدو, وننقذ ما يمكن إنقاذه.
وهنا يتبادر إلى الذهن سؤال حول حقيقة وحدود ومحددات الاندحار عن غزة, هل أصبحت غزة محررة وذات سيادة؟؟ ماذا بشان خطوط التماس مع الدولة المجاورة, جمهورية مصر العربية؟؟ في الظاهر يبدو أن الاندحار عن غزة شامل وكامل, بمافيه الاندحار والانسحاب من معبر" فيلادلفيا" الحدودي وبوابة غزة الجنوبية, مع بوابة جمهورية مصر الشرقية, فلا اعتقد أن حكماء صهيون تركوا ثغرة داخلية أو خارجية دون تخطيط, لأنهم يرصدون كما يقول مثلهم" بأربع عيون" نتاج زرعهم ويتحينون دائمة أوان حصادهم, يعلم الجميع أن ذلك الاندحار ماهو سوى إعادة تموضع وشرك وإعادة انتشار, لأنهم لم يبارحوا غزة تلك الرقعة الصغيرة والأكثر كثافة في العالم, إلا على مسافة أمتار وفي بعض المناطق مئات الأمتار, ففي الداخل اتى زرعهم أٌكله السمين, وخطط للمعبر بشكل مزري, وابتزازي لجمهورية مصر العربية, بما يتعلق بقيود " كامب ديفيد" , ونعلم جيدا على ارض الواقع فان الحدود السياسية هي(مع الاحتلال الإسرائيلي) وليس مع فلسطين المحتلة, ولا مع وهم وشبهة غزة المحررة, لكن حكماء صهيون أرادوها حدود ومعبر خاضع للاتفاقية مع تلاشي وجودهم على المعبر, سابقا وحسب اتفاقية المعابر (2005) كانت عيون الرصد الصهيونية بالتكنولوجيا, وبالوكلاء الأوروبيين على أساس أنهم وسطاء, ولاحقا حدثت عملية" مراوغة وجود" ماكان لجمهورية مصر أن تقبل بها, لأنها في الأساس موجهة في مخطط حكماء صهيون ضد مصر العربية, دمار صهيوني وفتنة داخلية وحصار, يقصد من خلف تشديده على الشعب الفلسطيني كتحصيل حاصل انفجار, على اعتبار عدم وجود الطرف الإسرائيلي في غزة المحررة!! ومعبرها على الجانب الفلسطيني, وتكون مصر العربية هي التي تقع عليها الشبهات بالمشاركة الفعلية في حصار وتضييق الخناق على الشعب الفلسطيني, انه دهاء ومكر حكماء صهيون, يبتعدون عن المعبر الحدودي الذي يقع تحت سيطرة المقاومة الفلسطينية, ولا وجود صهيوني بنقاط مراقبة عسكرية, أو أي صورة من الوجود بين المعبر بشقيه(الفلسطيني والمصري) , ومطلوب من مصر أن تحترم اتفاقية كامب ديفيد, وحدود إسرائيل كسلطة احتلال معها , لان هذه الازدواجية السياسية المصطنعة تخضع إلى أصول المعاملات الرسمية السياسية, فمثلا لو أراد مواطن مصري أن يزور قطاع غزة فعليه الحصول على تأشيرة دخول من "سفارة الكيان الإسرائيلي" بمصر العربية وليس من السفارة الفلسطينية, وفق هذا النهج والمنطق السياسي, تكون المعادلة "المصرية الإسرائيلية) , وواقع الأمور حدوديا رغم ظاهر الانسحاب, أن لاحدود( مصرية فلسطينية) , لكن نتيجة مخطط حكماء صهيون, أصبحت الحدود بعد الانسحاب على الأرض( فلسطينية مصرية) دون أي اتفاقيات, فالاتفاقية الوحيدة هي بين مصر والكيان الإسرائيلي, مع عدم وجود تسوية سلمية واتفاقية لجلاء حقيقي, فالاندحار تكتيك يستهدف القلب الفلسطيني والجار المصري على حد سواء.
ربما اكتمال حصاد مخطط حكماء صهيون, بتوجيه الغضب الفلسطيني صوب الحدود المصرية, دون تدخل ودون تواجد إسرائيلي على المعبر في الجانب المقابل لمعبر المصري, أدرك المصريون مخطط حكماء صهيون, وحدث الانفجار الأول نتيجة الحصار الجائر, وقد أنشأت غرفة عمليات من حكماء مصر لإدارة الأزمة, التي هي صنيعة إسرائيلية حسب المخطط, وقد اشرف رئيس جمهورية مصر العربية بنفسه على غرفة العمليات تلك, فرد على الخناق الصهيوني بشعار(( أهلا بالضيوف الكرام,,, ادخلوها آمنين)) ولامسنا عدم الرضا الصهيوني على هذا الخرق لاتفاقيات " كامب ديفيد" وكأنها لعبة الأذكياء, أو حلقة مكر بين الطيبين والخبثاء, لان المطلوب صهيونيا والمتوقع غير ماحدث, فكان يقصد من تشديد خناقهم, وإيهام الآخرين وخاصة الطرف الفلسطيني بأنهم لاسيطرة لهم على المعبر, فيحدث الانفجار في وجه الأشقاء المصريين, ومن ثم يتوقع أن ترتكب القوات المصرية مجازر بشعة تبرر مجازرهم, وتحدث إرباكا في الشارع المصري وغضبا على سلوك حكومته الشبيه بسلوك الصهاينة, ولكن بفضل الله وحكمة حكماء مصر الشقيقة, تم تفويت الفرصة على مشهد سوداوي صهيوني, حسب خطة برتوكول الحصار لبني صهيون, وكان رد القيادة المصرية بما لم يتوقعه حكماء صهيون,بالمكرمة بدل المجزرة. وكأنهم يردوا بالقول لصهاينة وأعوانهم خاب ضنكم, فسعة صدورنا وحكمتنا أسمى واكبر من ألاعيبكم.
لم يسلم الكيان الصهيوني بهذه الجولة, بل شدد الخناق على قطاع غزة, وليس انسب من وصف المندوب الليبي الجريء لحصار غزة" بمعسكرات الإبادة النازية" " المحرقة" طوبى له من فارس عربي أصيل, لقد أصبحت غزة محرقة نازية صهيونية لمليون ونصف المليون من الفلسطينيين, وأصبحت غزة تئن تحت وطأة الحصار البربري الجائر والصمت العربي والدولي الظالم, فشلت الحياة في غزة ناهيك عن نكبتها الداخلية الوطنية وجريمة الانقسام, فيبدو أن مخطط حكماء صهيون اكبر من كل التصورات, ليس مجرد الدفع بالانفجار صوب مصر من اجل النيل من أمنها القومي وزعزعة استقرارها, إنما تطبيقا لحلم وأيدلوجية" رابين" حين تمنى أن يغفو ويصحوا فيجد غزة غارقة في البحر((فغفى وماصحى وبقيت غزة)), وقد كتبت سابقا" لا لمصرنة القطاع ولا لاردنة الضفة" هذا هو ذروة المخطط الصهيوني, الآن يشتد وتيرة الحصار على أعلى درجات سلم" حكماء صهيون" لدرجة الضغط وتوقع الزلزال, وإظهار المشهد على أن الفلسطينيون يبادون وان بيد مصر القرار والخيار, فالحدود(مصرية فلسطينية) هذا من حيث المظهر, لكنها ( إسرائيلية مصرية من حيث الجوهر), وعليه مطلوب من مصر مواجهة وقمع أي انفجار صوب حدودها, ومطلوب منها الالتزام ببنود اتفاقيات" كامب ديفيد" وان لاتسمح بدخول أو خروج إنسان أو وقود أو دواء إلا بتنسيق وموافقة رسمية من دولة الكيان الإسرائيلي, واعتقد أن مصر وان كانت لاتجرؤ على قولها, فإنها في هذه الورطة والأزمة العصيبة المفتعلة, تمنت على قاعدة واقع العلاقة الرسمية الحدودية أن تكون السيطرة على ذلك المنفذ والحدود هي سيطرة لشريك السلام الذي يلزمها بتلك الازدواجية المحرجة, أو على مصر أن تقولها صراحة وبصوت عالي للصهاينة, لا وجود لكم بيننا وبين غزة ولا حق لكم في التدخل بتنظيم تلك العلاقة الحدودية مع السلطة الوطنية الفلسطينية الشرعية, أما أن يتأرجحوا بفعل مخطط حكماء صهيون, بين واقع الاتفاقيات مع الكيان الصهيوني, وواقع عدم تواجد طرف الاتفاقية على الجانب المقابل, ويريدون من مصر أن تتصدى للفلسطينيين المحاصرين, أو حتى تظم غزة لمصر وتأخذ مكان الاحتلال, وتسهم في ضياع فلسطين, وتقسيمها, مثل النهج النمطي الغربي الأمريكي الصهيوني, بتقسيم العراق وأفغانستان والسودان, فهذا أمر لايعقل, ولا ادري ما مدى صبر مصر على هذا المخطط الصهيوني الآثم.
والسؤال الذي يطرح نفسه بنفسه, ويتطلب إجابة مصرية واضحة, هل يعتبر المصريين حدودهم بموجب الأمر الواقع مع الفلسطينيين, أو مع الكيان الإسرائيلي؟؟ وان كان مع الكيان الإسرائيلي, هل يرضى ويقبل المصريون على تولي تنفيذ إرادة الكيان الإسرائيلي بالنيابة والمساهمة في الحصار؟؟ أم يفضل أن تتصرف الحكومة المصرية بموجب مصلحة أمنها القومي, بالتعامل مع الطرف الفلسطيني, طالما غاب عن الأرض الكيان الاحتلالي الإسرائيلي؟؟؟
فأي القرارات في ظل هذا السياق من الخيارات, ستنتهجه مصر العربية, لفضح مخطط حكماء صهيون وإسقاط تلك الخديعة المدمرة, فالوضع في قطاع غزة يزداد غليانا وسوءا, ولابد من تنفيس لذلك الحصار المجرم, فماهي الخيارات المصرية, لوضع الأمور في نصابها, خاصة وان المصلحة المصرية قوميا وعربيا ومصلحتها الذاتية تقتضي أن يسود الاستقرار في المناطق والدول المجاورة لها, كي لا تكون تلك الأزمة مدعاة للمتربصين بأمنها لتكون لهم مأساة حصار غزة مطية لإحداث فوضى تتجاوز التضامن مع غزة, وربما ثورة إن عرف لها بداية لن يعرف لها نهاية يخطط الأعداء لها, ولسنا نتمنى لمصر الشقيقة أي سوء, لكن الصهاينة الذين لم يتمكنوا من تنفيذ إستراتيجية التطبيع مع الشعب المصري, هم من يضمرون لمصر بمساعدة أشرارها شرا, لذا يفترض أن تحدد مصر بقرار جريء موقفها من تلك الخديعة الصهيونية الحدودية , وتساهم في رفع واختراق الحصار الجائر بالتنسيق مع السلطة الوطنية الفلسطينية, شاء أم أبى الأعداء, ليتم وئد مخطط الفصل حسب خارطة حكماء صهيون, كآخر مشهد لمخطط الاندحار عن غزة.
ولعلي قبل الانتهاء من مقالتي وفي نفس السياق, وعلى وقع المؤتمر الصحفي في القاهرة, وحديث القيادي في حركة حماس - محمود الزهار حيث يقول, إننا أعطينا ردنا على التهدئة, وان لم توافق إسرائيل , فسوف نفتح المعبر, ولن نقبل بأقل من فتح المعبر, فهل هذا التلويح موجه لكيان الإسرائيلي, أم لمصر؟ وما هو موقف مصر فيما لو تلكأ الكيان الإسرائيلي كعادته ورفض وثيقة التهدئة التي قدمتها حركة حماس؟
#سعيد_موسى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟