|
الجهاد الإسلامي ... وأسئلة حول التنظيم والمنهج
سائد السويركي
الحوار المتمدن-العدد: 2264 - 2008 / 4 / 27 - 03:24
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لا أدري لماذا الآن بالتحديد أذهب للكتابة عن حركة الجهاد الإسلامي التي غادرتها منذ عام 94 م ، ولماذا أشعر بهذا الألم المفجع كلما وقع أمام ناظري عنوان أو خبر أو تصريح له علاقة بالجهاد الإسلامي ، وكأني أنكشف مجددا على الواقع المأساوي الذي وصلت إليه هذه الحركة التي دفعنا جزءا من أعمارنا في إطار مشروعها المقاوم ، وكأنها لم تعد هي بالمطلق ، وكأن الخراب الذي أصاب الواقع السياسي بشكل عام ، قد طعنها أيضا في الصميم ، ولا زالت تراودني أفكار كثيرة حول أسباب هذا الانهيار لحركة افترضنا أنها تملك الخلاص ليس للفلسطينيين وحدهم بل للأمة كلها ، ولا زلنا نطرح أسئلتنا الصعبة في مواجهة حركة لم يعد بإمكانها تقديم إجابات شافية على الأسئلة الوجودية التي تكسر أرواحنا . ما أغرانا بحركة الجهاد الإسلامي هو قدرتها على التعامل بجرأة مع الأسئلة المصيرية ، واجتهادها النوعي الذي قدمته في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات ، أسئلة تتعلق بفلسطين وبالإسلام والعلاقة بينهما ، تلك العلاقة التي تم تغييبها في اجتهادات إسلامية أخرى ، لا ترى في فلسطين أكثر من جغرافيا تشابه جغرافية أفغانستان ، قبل أن ينتصر منهج الجهاد ويدفعها لتبني شعار فلسطين هي القضية المركزية الأولى لجميع المسلمين في العالم ، وهي مركزية الصراع لمطلق الحق في مواجهة مطلق الباطل الذي تمثله إسرائيل ، ربما حواراتي مع كثير من شباب الجهاد الرائعين هي من تخرجني الآن عن صمتي ، خصوصا أمام أسئلة جديدة بوعيهم ، هم يشعرون بإشكالات الحركة ولكنهم لا يستطيعون تحديدها لغياب الرؤية والمنهج لديهم ، لذا تظل أسئلتهم تعبير مؤلم على السؤال عن اتجاه الحركة _ إلى أين _ بعد أن شارفوا على نهاية العقد الثالث من عمرهم المديد ، وما الذي تحقق من مشروع الجهاد ، وما الذي يميز حركة الجهاد عن حركة حماس ، وسر هذا التقارب بين قيادات حركة الجهاد وحركة حماس على أرضية يعتقد البعض أنها أجندة إيرانية ، وسر الكثير من الخطابات للسيد رمضان شلح الذي كان ملكيا أكثر من الملك في الكثير من خطاباته ولقاءاته على الفضائيات ، أحد أصدقائي مازحني بعد خطاب الدكتور رمضان في دمشق قائلا ، لقد كان مشعل أكثر اعتدالا منه . الجهاد الإسلامي المنهج حركة الجهاد الإسلامي لم يرد لها مفكرها ، أن تكون مجرد رقما إلى جوار الأرقام الأخرى على الساحة الفلسطينية ، وهو الذي آمن بأن هذا المشروع هو طفرة في الوعي الإسلامي الذي عانى من إشكالاته الخاصة على مستوى الوعي ، لقد كان الدكتور جزءا من حركة الإخوان المسلمين التي لم ير فيها أكثر من اجتهاد تقليدي لن يكون له أي مستقبل بعيد عن فلسطين ، وكأنه أراد أن يقول للاجتهادات الإسلامية الأخرى أن العالمية الإسلامية الجديدة ، لن تأتي إلا من خلال إدراك أهمية فلسطين في هذا الصراع الكوني الذي ستصبح فيه القدس مركزا للصراع الكوني لمشروعين نقيضين . القدس في الوعي الصهيوني هو الذي يمنح دولة إسرائيل مشروعية لوجودها ، وفي المقابل القدس هي من تمنحنا مشروعية لوجودنا ، الصراع من وجهة نظر الدكتور فتحي يحدد أهمية القوى الأخرى العربية والإسلامية والتحررية كقوى إسناد فاعلة للقضية المركزية ، ويعتبر أن جدلية الصراع تدفعنا للإرتباط مع القوى الأخرى ، على قاعدة اقترابها أو بعدها من فلسطين ، وكأنه يريد أن يقول ببساطة : انظروا إلى مركز الشر في العالم " إسرائيل " ، إن القوى الغربية جميعا تجعلها في مركز الصراع ، وهي قوى إسناد داعمة لها على كل المستويات العسكرية والأمنية والسياسية والاقتصادية ، إن فلسطين ضمن تصور منهج الجهاد لا تصلح لأن تصبح جزءا من أجندات أخرى أو ورقة ضغط بيد هذه القوة أو تلك ، لا يمكن أن تصبح المعادلة معكوسة لأن هذا مخالف للمنهج وحرف للصراع سيؤخر العالمية الإسلامية الثانية إلى أجل غير مسمى .ولأن المفكر فتحي الشقاقي كان يؤمن بأن فلسطين هي ساحة الفعل لكل الإسلاميين ، فهو الذي أعاد إنتاج نماذج تاريخية شبيهة ، أبرزها نموذج عز الدين القسام الذي زاوج بين الإسلام والبندقية على قاعدة الواجب فوق الإمكان ، وعلى أرضية القرآن الذي تناول جزءا من هذا الصراع عبر سورة الإسراء ، وكأن اكتمال الدين لا يتم إلا بالربط الجغرافي لمكة بالقدس عروجا إلى السماء من هذه الجغرافيا بالذات . حركة الجهاد في بداياتها لم تكن مجرد رقم ، بل تحولت إلى ظاهرة التف حولها الكثير من المفكرين الذين فتحوا باب الاجتهاد السياسي على مصراعية أمام جيل إسلامي دوختهم فيه الاجتهادات الإسلامية الأخرى التي اقتربت من كل شيئ عدا فلسطين ، جيل كان مغرما بالأسئلة والأدب والشعر والفقه والسيرة ، جيل أصر على إلقاء حجر في البركة الراكدة لتتوالد الزلازل فيما بعد . منهج الجهاد ببساطة كان قريبا من وعي الشباب المتعطشين للعمل العسكري، انطلاقا من فلسطين ، وبالتالي أعتقد أنه من الإنصاف عدم إغفال الدور الذي قامت به للتهيئة للأحداث التاريخية المقبلة التي ستعرف عالميا بالإنتفاضة . اغتالت إسرائيل الدكتور فتحي لأنه مثل خطرا وجوديا عليها ، ولأنه وضع المشروع الإسرائيلي في الزاوية ، ولأن طرح القضية الفلسطينية كقضية مركزية تعني توجيه كل طاقات الأمة باتجاه واحد ، هو القدس ما الذي تبقى من الجهاد أسئلة ومخاوف شباب حركة الجهاد الإسلامي بمجملها ، تدور حول العلاقة بإيران وهل لا زالت حركة الجهاد الإسلامي تتحرك على أرضية مركزية القضية الفلسطينية ، أم أن الأجندة معكوسة ، وأن حركة الجهاد الإسلامي مضافا إليها حركة حماس وبفعل الحصار الظالم ، قد أصبحتا أدوات للمشروع الإيراني في فلسطين كأوراق ضغط للسياسة الخارجية الإيرانية في مواجهة المشروع الأمريكي . منذ فترة طويلة وهذا السؤال الشائك مطروح في ذهن بعض القيادات التي انفلشت عن حركة الجهاد الإسلامي أو لا زالت موجودة ، معتبرين أن ما يفعله التنظيم الآن هو اغتيال إضافي لمنهج الجهاد الإسلامي بعد اغتيال الدكتور فتحي الشقاقي على يد إسرائيل . المؤكد أن الدكتور فتحي الشقاقي قد استشهد وهو على خلاف كبير مع إيران والحرس الثوري الإيراني ، وأن هذا الخلاف قد أخذ أبعاده الكبيرة ، على أرضية فهم الدكتور فتحي لمركزية فلسطين في الصراع وأنه لم يكن مستعدا للتفريط بالرؤية والمنهج من أجل التمويل . خلافات كثيرة تعاني منها حركة الجهاد الإسلامي ، أفرزت مؤخرا تيارات جديدة أكثر قربا من المشروع الإيراني ، وهذه القوى النامية ستعزز إشكالية مأزق الجهاد الإسلامي كتنظيم ، لم يدرك قادته الجدد أن إيران معنية بمشروعها ولو عبر قنوات أخرى غير قيادة الجهاد الإسلامي التاريخية. تنظيم الجهاد الإسلامي فقد الرؤية والمنهج حسب رؤية بعض أبناء الجهاد الإسلامي ، وأن التنظيم كتنظيم قد أصبح مجرد رقم آخر في سجل الشعب الفلسطيني السياسي ، الذي مرت عليه الكثير من القوى السياسية التي غادرت بهدوء. إن حركة الجهاد الإسلامي مطالبة بتقديم إجابات على أسئلة نعتقد أنها ضرورية ، ومن ضمنها توضيح أبعاد العلاقة بين الحركة وإيران ، وهل لا زالت تؤمن بمركزية القضية الفلسطينية ، وأن إيران لا تعدو كونها مجرد قوة إسناد داعمة للمقاومة الفلسطينية ، وهل هي مستعدة للتخلي عن التمويل الإيراني إذا ما تأكدت حقيقة التوظيف للقضية الفلسطينية في إطار الصراع الإيراني الأمريكي .
#سائد_السويركي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في المحرقة الفلسطينية كل هذه التضحيات ... ولا زلنا نردح لبعض
...
المزيد.....
-
الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي
...
-
-من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة
...
-
اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
-
تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد
...
-
صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية
...
-
الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد
...
-
هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
-
الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
-
إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما
...
-
كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|