آرام كربيت
الحوار المتمدن-العدد: 2261 - 2008 / 4 / 24 - 09:27
المحور:
سيرة ذاتية
لقد هزمها زمنها المهزوم. وأضاف:
هواء بلادي متخثريا كريتل, عقيم, يتناسل عقم البقاء وخراب الحياة, مخلقاً وراءه رطوبة زنخة على أوراق البقاء. نحن أموات مرميين في أحشاء الزمن, نتناسل أحتشاء الموت والأرواح المكررة. لدي الكثير لأقوله لك:
ـ بلادي, بلاد الشمس النقية الناصعة, تكتنزالكره والمرارة والقهر الدفين, تتلون أيامنا بلون الرياح السوداء. كل شيئ في بلادي يتلون وفق هندسات مسبقة الصنع وتقاطعات تحط رحالها عند ماض بعيد.
كل شيئ في بلادي يا كريتل يخضع للقوانين والنواميس الأزلية, للمقدس, للصنم المرقع البالي الأنفاس, المحنط الفاتك لكل لون جميل, الرمز الجاثي فوق الألباب. ثم أضاف:
مثل أي مهرة في بلادي تقدم المراة الجميلة للقربان للمقدس, لمحراب الخضوع, لأيتام الصنم, للزوج المزنربقدسية العلاقة الزوجية, للزواج المصفوف على مصفوفة مرسومة بدقة القوانين المخزنة في عمق قوانين المقدس ورموزه الميتة في الموت والفناء المرصود على كل باب بيت وشارع.
قدمت أخته/ص/كأضحية العيد, كغنيمة من غنائم الحرب, بأتفاق مسبق ما بين الضحية والجلاد وقبول التوافق عليه. تزوجت من أجل الستر. الحياة في بلادي تبحث عن الستروالوداعة في زمن مفتوح على أفاق لا حدود لها, تبحث أن تسترعرائها المفكك من أجل الانتقال إلى حدود أخرى مزنرة على مقاسات الصنم.
لقد تزوجت وفق القواميس المكتوبة في اللوح المحفوض الموضوع فوق جنين الرمزالخالد في مكان ما في عقولنا المريضة. زواج مركب, صفقة ما بين المقدس ورموزه, وظيفة مركبة لقدرمركب من أجل الخلاص من المشقات ولوك الأفواه المريضة. في هذا الزواج, قدم جسدها عربون أتفاق بين الأهل والناس ورمزهم الوهمي, عربون مقدم سلفاً, مقايضة:
لحم حلو ولذيذ, لحم طازج, مرهون, وضع فوق طبق مرصع بالذهب, مبارك من المقدس, مبارك من الجميع, قبولهم لهذه الثنائي المهزوم, ثم يصلى عليه ويسجى أمام المذبح الرباني.
بعدها..
سافرت إلى قدرها, زوج مهندم, مكيس, ملفوف على مقاس المقدس, ملفوف باللون الأسود, ينتظرها من أجل الأكل.
جسدها المرتعش, المنتفض, المنحبس في جثمانها لم يقبل الهرس واللوك. قالت مثل أية مهرة قوية:
لا أقبل أن تأكل لحمي. أنا لست لك, لا أريدك زوجاً على مقاس النواميس والطقوس والمقدس, إنني أرفضك وأرفض نفسي أن تتلون على مقاسك الأسود. لن أقبل بك, لن أقبل أن تلوكني كما تلوك حذائك. أنت مريض وجسدك المتعفن لا يقوى على حمل امرأة حرة مثلي. لماذا غدرت بي, لماذا كذبت علي وعلى الناس, على مقدسك وصنمنا, لماذا لم تقل إنك عاجز ومهزوم ولا تقوى على حمل نفسك, هل تريدني جارية, عبدة, أمَةٌ لك, خادمة ترعاك تحت وصايا الرمز. أنا راحلة منك إلى نفسي. قالت من ديار الغربة والبرد والقطب المتجمد:
أخي العزيز:
لن أبقى في هذه الديار, بيد زوج عاجز, مريض, لديه القلب, والأوجاع المزمنة, وعقل متوارث التكرار, عقيم,. يمضع الماضي ويجتره.
ـ لكن بلادك يا أختي ليست أقل قسوة ومرارة منه, بلادك يا أختي معجونة بالأحلام الماضية أيضاً, بلادك هاضمة للمحنط والمقدس, مستهلكة له, تعيد إنتاجه آلاف السنين بكل لون ولون, تمنحه الحياة الدائمة والديمومة, تعجنه وتخبزه وتأكله مع فطورها وغذائها وعشائها وفي لحظات جماعها. لا تعودي يا أختاه, الكلفة في تلك الديارأقل قسوة وأكثررحمة من هنا. قالت مثل أية مهرة أصيلة:
ـ سأعود, سأعود يا أخي إلى بيتنا, منبت رأسي وجسدي أو أتوه في شوارع الغربة والضياع. إذا كان بيتكم لا يتسعني, فالفلاة تستطيع أن تتلقفني. سأذهب إلى الغابات, إلى مجاري الأنهار والسهول والوديان, سأعيش مع البراري, أتكلم مع وحوش الغابات وحيتان البحروفقمات الماء لتقبلني بين ضلوعها, وهذا أشو وأقل كلفة ومرارة من زوج هاضم للمقدس, ومكررلملكوته الفاني. هل لفظني بيتكم يا أخي حتى لا تستقبلني عندكم.
ـ المسالة ليست كذلك يا أختي. إننا رهائن, مرهون للماضي, مبايعين وجودنا للوهم, للأ موجود. إننا نعيش في منظومة عاجزة, حنّطنا الإله وحنّطنا, حولنا إلى مومياء وحج وتحولنا إلى مومياء متحركة, خصاة ضمن وليمة الشهوة المعجونة بالهزيمة, لهذا نحن غرباء في ديارنا وسط بعضنا البعض. مشحونين بالفقرالروحي والإنساني, إننا ممثلون بارعون لتمثيل إرادة الرمزوطاعون المقدس, شحنته الخالدة في قلوبنا منذ أن تفتق العقل على نسل الخراب.
يجب عليك أن تحسبي الأشياء بدقة, لأن المسألة ليست بسيطة كما تظنين وتفكرين. سيسل سليل المحنط, سليل المقدس عهرهم ويفتكوا بك, بلحمك الطازج. ألا تعرفين أن هذا النسل المخصي يبحث عن يرقة يهضم بها عجزه وهزيمته. ستقفي بين أيدي الغزاة, الخصاة عارية تماماً, تنظرين إليهم كيف يأكلوك, يأكلوا لحمك وأنت واقفة لا تستطيعين أن تفعلي شيئاً. سأكون عاجزاً, خصياً أمام خصاء عام, سأكون ضعيفاً في الوقوف إلى جانبك والدفاع عنك. هذه ليست ترنيمة كاذبة أوحكاية عابرة, إنها حقيقة تلتف حول كل من يبان ضعفه في مكان ضعيف, لأن المقدس والوهم والصنم لا يشكل إلا اضلاع ضعيفة في سيمفونية الوجود. هؤلاء الضعفاء, لا تبرزأنيابهم إلا على الاضعف ولا يستقوون إلا على الخلية الضعيفة, مثل الخلية السرطانية.
سيحومون حولك مثل ذباب البراز, ينفشون وينفثون رائحتهم الكريهة, سمومهم النافرة ويدسوها في كل خلية حية منك. إن العجزة يا أختاه أكثر قسوة من ذئاب البراري, أنيابها أكثر سمية من كل السموم. لن نستطيع مقاومتهم يا أختاه بالمنطق والعقل والحجة. العجزة يا أختاه أكثر قدرة على الفتك ونبش ورود الروح وعجنها برماد قذارتهم الوسخة. إننا مغلفون بالعبودية وسراديب الظلام, سترين كيف سيرفعون عقيرتهم في وجهك, يضحكون في وجهك بينما قلوبهم السوداء تخطط لدفعك إلى طريق الضياع والهاوية. ستكونين قبلة لهم ومحط أنظارهم في كل شارع وزاوية, سيراقبوا هزائهم التكوينة من خلال الوصول إليك. يريدوك قبل أن يروا وجهك. مطلقة! إذاً أرض داشرة, غير مسورة, ليس لها حدود يحميها, ليس لديها رجل يحمي بابها, رأس يحمل جسدها, علينا الأسراع إليها من أجل أكلها قبل أن يسبقنا الأخرين للوصول إليها. جسد امرأة, جسد ما, ليس مهماً صاحبه, جسد يقذف عمق الهزيمة المستحكمة. ليس مهماً لون المرأة أوشكلها أو شكل أحاسيسها او لحظات موتها وفنائها. علينا أن نلحق الموكب قبل أن يحط رحاله في محطة أخرى. إنه تخطيط مسبق لأكلة شهية, لأن المقدس أباح الذبح والأكل.
سارت بنا السيارة مجتازة المدينة التي أقطنها وأخذنا طريق استوكهولم. قال لي صديقي في الطريق:
كريتل امرأة حرة, بسيطة, تلقائية وصلبة. عندما تشتهي رجلها, حبيبها, صديقها, ما أختاره قلبها, تبقى ليالي طويلة متأرقة, في حالة تأزم نفسي إلى أن تصل إلى جسده. قلت:
ـ إلى هذه الدرجة. قال:
ـ نعم يا صديقي. يصيبها الصداع ووجع الرأس إلى أن تحضنه وتنام معه. إن الرجل خلية من خلياها, نسل تكون في شرايينها. في لحظ الوصال تعود إلى منبتها, إلى الأصل, إلى خليتها الأولى, إلى تلك اللبنة التي خرجا منها معاً إلى حنينهم المشترك, الواحد إلى الأخر. هي من يبحث عن هذا الأخرالمنفلق منها, لا تتركه قبل أن يعتصر جسدها رحيق جسده, قبل أن تنتشي خلاياها بنبض خلاياه, بنبض الذكرى الأولى والذاكرة الأولى ليعودا معاً إلى اللحظة الأولى من تكوين ذاكرة خلايا البشر. الرجل بالنسبة لها دواء شاف لكل أمراضها الروحية والنفسية, ففي العودة إليه عودة إلى ذاتها. انها تمارس معه لعبة الحب دون خلفيات هاضمة أو مراعاة لمحنط أو مقدس كائن في عقلها الباطن. هي تريد الرجل لأنها تريده دون مقاسات مسبقة أورموز مقدسة على مقاس المقدس المهزوم والمنحط. كثيرة هي المرات التي تطلب مساعدتي,
صديقي العزيز:
ـ لدي صداع, خذ الأطفال بعيداً, ألعب معهم. صديقي, عشيقي, حبيبي سيأتي الأن, سأنام معه لأطفئ جدوة الروح والجسد, أريد ان أطيربهذا الجسد إلى البعيد, إلى الروح الأولى, إلى نفسي. أضحك من هذه اللعبة المدسوسة وأقول لها ما بين الجد والهزل:
ـ ما هي الفترات التي تصابين بالصداع. تضحك:
ـ لا أعرف, فالصداع علامة على أشتعال الجسد, يعطي الإشارة ويقررالرغبة في الوصال, ألبي ندائه وأرحل على أجنحة الرغبة التي تشوي قلبي وروحي وجسدي. ففي هذه اللحظات يكون كل شيئ في جسدي ينادي الأخرويصرخ أن يأتي, هذا النداء الصارخ يتأجج في الليل والنهارولا يموت أوينطفأ إلا وجسد الرجل يلتحم بجسدي. ففي وجوده يشتعل الجسد ويطفئ, يحلق ويعود إلى الأرض, يسموويسترخي. أعيش وأموت ويبقى وتبقى الروح مشتعلة مستمرة في العطاء والاستمرار.
تسيرالسيارة, بيك آب كبيرة على الطريق الدولي الواسع على أمتداد ربوع السويد الجميلة. تلال هنا, بحيرة عذبة هناك, أشجارعارية مغروسة في جذور الأرض والتراب, لم تتفتح نسائمها للرياح العجوزة الحاملة لبذورالبقاء المسترخية في رحم الأرض. الطبيعة مفتوحة على بعضها تتناغم بعذوبة وأنسجام, ندف ثلج خفيف يتمايل ويترنح في نزوله على نتواءت الأغصاء المسترخية عبر غابات مفتوحة على المدى المفتوح. لا أسوار ولا حدود عالية تحد من أفترش الغابات على طول البلاد وعرضها معانقة البحيرات المتجمدة تحت ضربات البرد القارس. المسافة تطول والطبيعة تلتحف البيوت المتناثرة للمزارعين السويديين على طول الطريق, بعض تلك البيوت يكون قابعاً على ربوات صغيرة أو تلال نائمة في حضن الغابات البكر, بيوت على الطراز الأوروبي على شكل مثلث متساوي الساقين, الأشجارعارية تماماً, تفتح نفسها وقاماتها, شهوات جمالها على المدى الطويل للغابات الممدودة على مسافات طويلة, غزلال هنا وأرانب برية وأهلية هناك, ترعى بالقرب من الطريق العام بأمان وأسترخاء, لا تخاف من البشر, أو الناس أن تغدر بها أو تقتلها. فالصيد ممنوع إلا برخصة, والحيوان له حقوق كاملة مثل البشر, وإن تجرأ أحدهم ودهس أرنباً أو غزالاً أو أي حيوان بري عليه أن يسعفه, أن يأخذه إلى أقرب مشفى من أجل أن يتلقى العلاج وإلا سيقبع المخالف في السجن مدة طويلة. كل فرد خاضع لسلطة القانون ولا فرق بين كبير وصغير, بين الملك أو رئيس الوزراء أو المواطن العادي. كل المواطنين سواسية تحت سلطة القانون وبطشه.
القانون قيد, حاجز, حدود عالية بين البشر, لكنه أقل قسوة من حياة داشرة في النظام الأبوي.
نقطع الطريق الضيق عبر سرعة محددة, محدودة, محاطين بالأشجارعلى الجانبين. الطريق لا يتسع إلا لسيارتين وبصعوبة يمكن التجاوز. نصعد تلال صغيرة ونهبط إلى منحدر بسيط, الطبيعة لا تبخل بأن تمنحنا جمالها ورقتها وعذوبتها ونقاءها. كل شيئ مرتب ونظيف, الطريق, البيوت المستلقية على الأطراف وحواف البحيرات, حضائر تربية الخيول, وتدريبها من أجل السباقات والمنافسة, قوارب صغيرة مضجعة على الشواطئ, ويتخلل المكان صمت وهدوء وراحة نفسية للناس المقيمون في هذه الوهاد الأمنة.
لا شيئ يعكرمزاج السويدي, لا حروب ولا فقر ولا صراعات جانبية, كل شيئ منظم, الإنسان والطبيعة والأمكنة. كل مواطن له حقوق في وطنه, بيت وراتب ومتابعة الهدف الذي يرتئيه. بالطبع له مشاكله ومتاعبه, كالعزلة والوحدة وعدم الأحتكاك بالناس بعد أوقات العمل.
العقلانية, والطيبة القائمة على معرفة إنسانية ووجدانية نابعة من وجدانه دون حسابات مسبقة أومقاسات على مقاس المقدس, المومياء والمحنط يدله على طريق الأرتزاق والجنة الموعودة. إنه بسيط في مأكله وسلوكه وعلاقاته, خفيف الظل في تصرفاته وشؤونه وشجونه.
كما أن نظرته للحياة والحيوان والطبيعة قائمة على العقلانية والطيبة والمعرفة. عندما يقدم لك خدمة لا يطلب مقابلها خدمة أخرى, ولا ينتظر منك أن تعيد له العين بالعين أو السن بالسن. لقد قدم لك خدمة لأنه مقتنع بذلك وإن غدرت به أو طعنته في ظهره لن يلوم نفسه لأنه قام بشيئ مقتنع به. لم أسمع أي سويدي قيم موقف شخص وفق أنتمائه الديني أو القومي أو المناطقي رغم تصرفاتنا الفضة الغليظة في تلك البلدان مثل عدم التقيد بالأنظمة والقوانين, الغش والكذب في سلوكنا وتصرفاتنا.
أحد الطلاب الأجانب, خول من قبل معلمة الصف بالذهاب إلى أجتماع للطلبة من أجل معالجة شؤون المدرسة. ذهب أخينا للقاء المرتقب, لقاء المديرة لمناقشة حاجاتنا مثل: زيادة عدد المعلمين أوزيادة عدد أجهزة الكومبيوتر, طاولات أو كراسي, مكان أوسع, غرف, صالة موسيقى أوتوسيع صالة الرياضة أو ما شابه ذلك. بعد عودته من الأجتماع سألته المعلمة ماذا طلبت من المديرة. قال:
ـ طلبت طلب وحيد, غرفة من أجل الصلاة, مسجد في مدرسة سويدية. قالت المعلمة:
ـ ماذا قالت المديرة. قال:
ـ ليس لدينا غرف كافية, المكان ضيق, لكننا سندرس الموضوع.
لم تعلق المديرة أكثر من ذلك, لم تعلق المدرسة, أكتفوا بأبتسامة صغيرة على محياهم لكن ربما أنفجروا في أعماقهم, شحاد ومشارط .
فالطالب, المواطن الجديد, القادم من بلدان المقدس, لا يفوت فرصة الربح, مسجد, ومعونة أجتماعية وأجرة منزل وطبابة ونقل, معونة شهرية لأطفالهم, مدرسة من أجل متابعة الدراسة وبعدها القليل من الصلاة والدجل والكذب من أجل دخول الجنة الموعودة. كل شيئ مسخر لخدمة الجسد النتن بعد الموت, أنتهازية في كل شيئ, الصلاة والصوم من أجل الربح, ودخول بلاد العجم من أجل المكسب, عقلية غزو وربح وهروب من الواجبات والعمل. هو نفسه قال لي:
ـ لن أعمل. قلت له:
ـ عمرك خمسة وثلاثين سنة, هل تفكر منذ الأن أن تجلس في البيت ثلاثين سنة. الا تعرف أن الضمان الاجتماعي في نصوص الأديان السماوية حرام. الأموال التي تصرف عليك قادمة من الضرائب والفوائد وأنت تعرف أن هذه الاشياء محرمة في جميع الأديان. قال:
ـ لم يبث العلماء في هذه المسألة, لا نعرف إن كان هذا الأمرحرام أو حلال. قلت:
ـ أنت تعرف وتكذب. الفائدة محرمة في الدين, ولكنك نفعي, كسيب.
أدقق النظرفي الطريق والبيوت ووجوه السويديين البيضاء, بشرتهم, شعرهم الأشقر, شكلهم المختلف عنا.
ندف الثلج تزداد سقوطاً على طول الطريق مع القليل من الضباب المتدحرج على الأرض, يغلفنا الصمت, صمت الطبيعة والناس والحيوانات. تسير سيارتنا بحذر مخافة أن تتزحلق على قرص الثلج الملاقح للاسفلت الأسود. أنظرإلى الأشجار الممتدة إلى اللأنهاية إلى المياه المسترخية في أوديتها عشرات الآلاف من السنين, هيئة البشر مغايرة تماماً لوجوهنا, الطول والقامة وتقاسيم المحيا, كل شيئ مختلف ولا يمكن أن نقارن بعضنا بشيئ, في الامزجة والتفكير والتكوين النفسي والروحي والنظرة للحياة والناس والطبيعة, في التطلعات والخلجات. أشعر بالغصة والمرارة في مشاهداتي, الغربة وحالة الانقطاع عن جذوري وموطني, مثل شجرة جذروها لا ينبت إلا في موطنها الأصلي, غريب بين غرباء, لا نفهمهم ولا يفهمونا. صوت الهواء يلسع السيارة, الثلج يتوقف, تخرج الشمس من مخبأها قليلاً ثم تعود لتنام خلف الغيوم الداشرة في السماء الرطبة. عيوننا مسمرة على الطريق وامتدادات الطبيعة وحالة الخواء والفراغ التي تنتابني طوال الوقت, لا أنا في هذا المكان ولا أنا في مكان أخر, احياناً كثيرة أعزيها لحالة أنقطاعي عن الحياة, لكن الأخرين لديهم نفس الشعور الذي ينتابني في غربتي.
يتبع ـ
#آرام_كربيت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟