|
بُستان الجثسيماني والزيتونة العتيقة
زهير دعيم
الحوار المتمدن-العدد: 2261 - 2008 / 4 / 24 - 09:26
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
كثيرًا ما أزور اورشليم ، ثمَّ أعود فأحنّ َلزيارتها من جديد ، فانّ لها في نفسي طعمًا خاصًّا ، ومذاقًا خاصًّأ ووقعًا مؤثِّرًا ، ففي قلبي يسكن حبّها ، كيف لا وأنا اتخيّل في كلّ مرة الربّ يسوع ماشيًا في أزقتها ، ، أراه يجوب الشوارع والأزقة وخلفه التلاميذ والشعب بكلّ شرائحة ، الغنّيّ والفقير، الناموسيّ والفريسيّ, جابي الضرائب والسامريّ ، الرومانيّ واليونانيّ ، يحطّ عصا ترحاله في كل شبر هناك ، فيزرع الخير والبسمات والمحبّة . ويحلو لي ابدًا ، أن أبدأ من جبل الزيتون ، ثمَّ أنزل في أثر الفادي ، اشمّ عطر وجوده ، واريج محبته ، وأستمع الى همساته ووشوشاته ، فأسمعه يقول : " تعالوا اليَّ يا جميع المُتعَبين والثقيلي الأحمال وأنا اريحكم". "احبوا اعداءكم باركوا لاعنيكم" أنا هو الطريق والحقّ والحياة ". وأهدأ وأستكين في البستان ، بستان الجثسيماني ، هناك عند أقدام الزيتونات العتيقة ، فأصمت في حضرة التاريخ والقداسة ، وأروح أتخيّل هذا الاله –الذي كان قبل أن يكون العالَم –اتخيّله في الليلة ايّاها ، ليلة الخيانة ، بل قٌلْ ليلة الحياة ، اتخيّله يسجد ويجثو للآب العظيم ، والتلاميذ نيام ، وتروح قطرات العَرَق تسيل منه كقطرات دم : "يا أبتاه ، ان شئت أن تجيزَ عنّي هذه الكأس ، ولكن لتكن لا إرادتي بل إرادتك " ولكنه جاء لمثل هذه اللحظة ، وجاء ليضع نفسه عن أحبّائه ، جاء ليحمل آثام الخُطاة الذين اوّلهم أنا . كم أرتاح في هذا البستان ، فأروح أبحث تحت الزيتونة العتيقة الوسطى عن قطرات العرق ، بل قطرات الدم ، فأرى بعض الأزهار الحمراء، فلا أدري لماذا يأخذني خيالي بعيدا ، فأظنّها من بقايا تلك القطرات .ولطالما تمنيت أن أكون رسّامًا بارعًا ، حتّى ارسم ذاك المشهد بريشتي ، المشهد الذي يُلوّن خيالي ويزركش وجودي ، مشهد السيّد ، وهو يحارب ، ويجاهد بمحبته الفائقة من اجلنا وبسببنا! . انّي أصلبكَ يا سيّدي كلّ يوم ، انّي أجلدك يا فاديَّ في كلّ يوم خميس ، اجلدك بخطاياي وآثامي وشوكاتي ، ولكنني أرنو اليك وانت مُعلَّق على الخشبة ، فيصفو ضميري وترتاح نفسي ، فالطمأنينة تأتيني من تلك القطرات ، قطرات الدم ، وذاك الإكليل ، إكليل الشوك ومن ذاك الإله ، الذي حمَلَ الصليب ، وسار درب الآلام مرحلة مرحلة ، ينوء تحت هذا الصليب الخشبيّ الثقيل ، ينوء تحت وطأة آثامنا !!! يا بنات أورشليم لا تبكين عليّ بل ابكين على أنفسكنَّ " ..وأسير معه في الأزقة العتيقة ، أسير مع نفسي وأرى الجماهير اليوم هي ذاتها التي سارت بالأمس ، وأكلت من خبزه وسمكاته وخيراته ، وشربت من ينبوعه ، وشُفيت من اوصابها ، هذا الشعب الذي صرخ بالأمس فقط " اوصنّا،هوشعنا، مبارك الآتي باسم الربّ! ملك اسرائيل"..هي اليوم التي يقول بعضها : اصلبهُ ، اصلبهُ. ما أضعف هذا الجسد يا سيّدي ، وما أجحد هذا القلب ، القلب الإنسانيّ!!. وأتابع المسير ، وتنوء يا سيّدي تحت وطأة الحِمْل ، فيأتي ذاك العائد من حقله ، سمعان القيرواني ، فيحمله عنك . وأقف وأتساءل : أتُرى ترك الربّ ذاك القيرواني بدون اجرة؟!..ألم يعطِ السيّد لعُمّاله أجرًا كاملاً لقاء ساعة عمل واحدة ؟ أنت محظوظ يا قيرواني ، فالسيّد لا يبقى ولن يبقى مَدينًا لأحد . وأصل ...أصل الى القبر المُقدّس ، القبر الفارغ ، فأجثو وأقبّل اللاشيء ، فالشيء والأهمّ هو في السما،.يسوع ، يجلس عن يمين العرش ، ألمْ يقُل : "قد اكْمِل ". حقًّا يا حمَل الله ، ويا عريس الكنيسة ، كُلّ مَنْ شَهد الصَّلبَ وَحَمَل معك الصّليب وما زال ، يفرح يوم الأحد ويبتهج فلقد انتصر على ابليس وقهر الموت بسيده الحيّ ، الآتي قريبًا على سحاب المجد ....ليأخذنا الى اورشليم السماوية . يسوع ما أحلاكْ ..وما اعلى سماكْ غرِّقنا بحبّك وغسّلنا بدماكْ
#زهير_دعيم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دم أخيك يصرخ اليَّ
-
حان الوقت لتغيير السُّلّم !
-
الحقل الأغلى
-
جارة القَمَر مرّة اخرى
-
لغةُ الحياة ،لا لغة التكلُّلف
-
القلبُ الجديد
-
كم من الرجال مثلك يا اسواني؟!
-
فصحُ السّماء
-
عيد الأمّ
-
نهرٌ وصليب
-
صداقة - قصّة للأطفال
-
عُرس ابن الأرملة
-
عيد المرأة العالميّ -فُرصةٌ لحساب النَّفْس
-
غدًا يذوبُ الثّلج
-
....وسيسيرُ الربُّ على السَّحاب
-
عُشُّ السُّنونو
-
رسالة الى مُنتحِر
-
كذا أنا (2)
-
الذي لا ينام
-
هل انقسمَ المسيح ؟
المزيد.....
-
الأردن.. جماعة الإخوان تتبنى -عملية البحر الميت-
-
أنا البندورة الحمرا ?? .. تردد قناة طيور الجنة 2024 على القم
...
-
قائد حرس الثورة الإسلامية ينعى الشهيد السنوار ويؤكد أن المقا
...
-
الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان ينعى الشهيد يحيى السنوار ويؤكد
...
-
الاحتلال يقيد وصول المصلين إلى المسجد الأقصى
-
مفهوم الحرية الإسلامية تحت المجهر.. جدل متزايد وتحديات معاصر
...
-
نزلها “من هنا” تردد قناة طيور الجنة بعد التحديث على القمر ال
...
-
وزير خارجية كيان الاحتلال: غوتيريش يقود أجندة معادية لاسرائي
...
-
وزير خارجية كيان الاحتلال: غوتيريش يقود أجندة معادية لاسرائي
...
-
كاتس يهاجم غوتيريش مجددا: يقود سياسة معادية لإسرائيل ولليهود
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|