|
الإخوان المسلمون والدولة المحظورة
كمال غبريال
كاتب سياسي وروائي
(Kamal Ghobrial)
الحوار المتمدن-العدد: 2260 - 2008 / 4 / 23 - 10:43
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
السائد أن جماعة الإخوان المسلمين محظورة اسماً، وتتمتع في الواقع بهامش من حرية العمل في الشارع المصري وأجهزة الدولة، وأن الدولة تحدد لها الهامش الذي تقدره بما يتناسب مع توظيفها كفزاعة للداخل والخارج معاً، علاوة على إلهائها للجماهير بقضايا "الاعتداءات الطائفية" المسماة على سبيل التجمل "فتنة طائفية"، وبقضايا الأغاني والإعلانات الخليعة ومطاردة الأعمال الفنية والأدبية، وبالمواصفات الشرعية لزي النساء، ورجم كل من تسول له نفسه مناقشة ما هو معلوم من الدين بالضرورة، الذي هو بالتأكيد ما يحدده أساطين الجماعة. تبدو هذه الرؤية لعلاقة الدولة بجماعة الإخوان المسلمين صالحة لتفسير مختلف عروض الأكروبات والسيناريوهات التراجيدية منها والكوميدية، التي يقدمها الصديقان اللدودان للشعب المصري المغلوب على أمره والحائر بينهما، لكن رؤية معاكسة تماماً قد قفزت إلى الذهن أثناء أحداث 11 أبريل الجاري بنقابة الصحفيين المصرية. في هذا اليوم الذي تحدد لعقد مؤتمر "مناهضة التمييز الديني الأول" بمقر نقابة الصحفيين، وفقاً لتعاقد مع السلطات المختصة بالنقابة، فوجئ الجميع بسبعة أفراد متسلحين بالهراوات يحتلون مقر النقابة من الليلة السابقة، مغلقين أبوابه بالمفاتيح التي لابد وتسلموها من رجال الأمن. كان الظن في البداية أن تمرد الأشقياء هذا سوف يتم تصفيته، مادام السيد النقيب قد دخل مقر النقابة رغم مقاومة الأشقياء له بتعديات جسدية ولفظية، فالرجل ذو وزن إعلامي وسياسي من العيار الثقيل، وبالتالي سيكون على المحك هنا ليس فقط سيادة مؤسسة عريقة كنقابة الصحفيين، وإنما كرامة وسلطة رجل يجمع بين تمثيل الدولة وتمثيل الآلاف من الصحفيين. مع توالي الدقائق سراعاً، وتواتر الأنباء عما يحدث بالداخل، ورجال الأمن متراصون على الرصيف في الجهة المقابلة من الشارع في حالة حياد عجيب، لا يبدو عليهم ترقب أوامر قد تصدر إليهم في أي لحظة لإنهاء تلك المهزلة، بدأ اليقين بنهاية منطقية للمشكلة يتضاءل، ليحل محلة إحباط وذهول، تدل تلك النهاية على سذاجة تصور أن المواجهة كانت بين دولتنا العملاقة المستبدة، وبين حفنة من الأشقياء، وهو ما لابد أن يدفعنا للتفكير بطريقة مختلفة تماماً، فحاملي العصي لابسي البيجامات لابد وأنهم كانوا مجرد سفراء فوق العادة للقوة العظمى التي يمثلونها، تلك القوة القادرة على إيقاف دولتنا عند حدود معينة لا تتخطاها، ولم يفطن الأستاذ/ مكرم محمد أحمد لحقيقة تكشيرها عن أنيابها في الأيام السابقة، حين خرج زعيم تلك الثلة في الفضائيات يهدد ويتوعد ويجزم بعدم سماحه بعقد المؤتمر، ومحاولته دفع النقابة لإلغاء تعاقدها، وقتها ظن النقيب أنه يواجه هذا الحنجوري وبضعة أفراد معه، ولم يفطن لأنه بإصراره على عقد المؤتمر قد تجاوز هو ودولته الحدود التي رسمتها السلطة الفعلية التي تحكم مصر الآن!! لعل السيد النقيب قد أدرك الآن الوضع على حقيقته، بغض النظر عن ترضية خاطره الشكلية في اجتماع مجلس النقابة يوم الأربعاء 16 أبريل، والذي على هامشه دخل عليه صحفي مجاهد وخريج سجون، وكال السباب له ولمصر ولكل مقدساتنا الوطنية والإنسانية، فهذا الأخير يعرف كما لابد ويعرف جميع الحضور أن السيد النقيب عليه أن يرضى بحفظ ماء الوجه، على أن يبقى الحال على ما هو عليه، فالبلاد الآن تحت سيطرة جماعة الإخوان المسلمين، والتي تسمح للدولة بهامش حركة يختلف حجمه من مجال لآخر، فقد يحتل المساحة كلها في مجال ما، ليضيق حتى ينعدم في مجالات أخرى، تراها الجماعة المقدسة منطقة ممنوع الاقتراب منها أو التصوير، ويندرج ضمن تلك المناطق محاولة إزالة التمييز الديني في مصر، ومعاملة جميع المواطنين طبقاً لمفهوم المواطنة كأنداد متساوين، دون تقسيمهم إلى مؤمنين وأهل ذمة وكفار!! يمكن وفق هذه الرؤية تفسير ما نرى في الساحة المصرية بصورة أكثر وضوحاً ومصداقية، فالجماعة المحظورة (سابقاً) تسمح للدولة المحظورة (حالياً) بإرسال قوات الأمن وسيارات الإسعاف والمطافئ بعد (وليس قبل) إتمام الغوغاء حرق منازل ومتاجر وكنائس الأقباط، وتسمح لها بتنظيم مجالس صلح شكلية، يملي فيها الجاني شروطه على المجني عليه، لكنها لا تسمح لها بتقديم الجناة لمحاكمة عادلة. يسمح الإخوان المسلمون أيضاً "للدولة المدنية المحظورة" ومناصريها أن يضعوا على رأس نقابة الصحفيين أحد الرموز العلمانية، على أن يتمتع بحصافة تجعله يلتزم بالهامش الذي يضيق يوماً فيوماً، فإذا ما غفل عن رؤية الحدود المرسومة، فإنه يكفي لإيقافه عند حده نفر قليل (يسهل عند اللزوم التبرؤ منهم) يمسكون العصي وهم يرتدون ملابس النوم، سواء كان هذا النفر من المنتمين تنظيمياً للجماعة، أو كانوا من المأجورين بالريالات أو وعود الرضى يوم تأزف ساعة النصر المبين. السؤال الآن هو إن كان من المحتمل أن تقوم دولتنا المحظورة بانقلاب سلمي أو عسكري، تستعيد به سلطتها المسلوبة، وتعيد جماعة الإخوان المسلمين إلى دائرة الحظر، أو حتى شبه الحظر، أم أن أوان هذا قد فات، وأن الأمور تتجه نحو سيطرة كاملة للجماعة على البلاد والعباد، بالتوازي مع اتجاه الدولة المدنية نحو التضاؤل ثم التلاشي؟!
#كمال_غبريال (هاشتاغ)
Kamal_Ghobrial#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الرفض العنتري الرث
-
مسألة الصلح – تساؤلات بريئة
-
في زمن الغيبوبة والجنون
-
الحوار المتمدن قصة نجاح
-
مصر مصرية يا د. أبو المجد
-
الأقباط ومصيدة الفاشية
-
المظلوم ينقذ ظالمه
-
تهمة ازدراء الأديان
-
هذا يحدث في مصر
-
فسيولوجيا القيم المجتمعية
-
يوم الحداد الوطني
-
ثقافة الهيمنة
-
العقل والميتافيزيقا والوجود
-
الشرق وفلسفة التواطؤ
-
وداعاً عمرو موسى
-
البابا شنوده والانقلاب على الذات
-
تساؤلات قبطي ساذج
-
ومن العقل ما قتل
-
خواطر عشوائية
-
إلى المجمع المقدس: توسل ونداء
المزيد.....
-
كيفية استقبال قناة طيور الجنة على النايل سات وعرب سات 2025
-
طريقة تثبيت تردد قناة طيور الجنة بيبي الجديد 2025 TOYOUR BAB
...
-
الأوقاف الفلسطينية: الاحتلال اقتحم المسجد الأقصى المبارك 21
...
-
” أغاني البيبي الصغير” ثبت الآن تردد قناة طيور الجنة بيبي عل
...
-
زعيم المعارضة المسيحية يقدم -ضمانة- لتغيير سياسة اللجوء إذ أ
...
-
21 اقتحامًا للأقصى ومنع رفع الأذان 47 وقتاً في الإبراهيمي ا
...
-
24 ساعة أغاني.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 على النايل
...
-
قائد الثورة الاسلامية:فئة قليلة ستتغلب على العدو المتغطرس با
...
-
قائد الثورة الاسلامية:غزة الصغيرة ستتغلب على قوة عسكرية عظمى
...
-
المشاركون في المسابقة الدولية للقرآن الكريم يلتقون قائد الثو
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|