قبل اسبوع واحد وبمحض الصدفه نشرت وسائل الاعلام وفي يوم واحد خبرين ملفتين تحت هذين العنوانين : " الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير الجنوب تتفقان على تقاسم الثروه بعد الاتفاق على تقاسم السلطه " " اتفاق على تقاسم السلطة واجراء انتخابات في جزر القمر " . الاول يتعلق بمسألة جنوب السودان كقضية قومية وديموقراطية في اطار حق تقرير المصير الذي تم الاتفاق عليه منذ عام 1997 ، وتجدد الالتزام به وبمشاركه اقليمية – دولية في اتفاقية – مشاكوس – الاخيرة وحسب برنامج واسع ومفصل يتضمن الاعتراف بحق الجنوب في تقرير مصيره اما باعلان الدوله المستقله أو بالكونفدرالية أو الفدرالية أو الحكم الذاتي والذي بدوره اختار الكونفدراليه على اساس الشراكة الكاملة مع الشمال وتقاسم السلطة والثروه الى حدود 50% معه حسب اتفاقية واضحة ومحدده بضمانه منظمة – ايغاد – والقوى الدولية الاوروبية والامريكية . والثاني يدور حول ابرام اتفاق بين مكونات – جزر القمر – وهي عباره عن بلد من ثلاثة جزر رئيسية (نذا زيدذا– موالي – نزواني ) يقع في المحيط الهندي بالجنوب الشرقي من القاره الافريقية وبالقرب من جزيرة – مدغشقر – حيث تبلغ مساحته
/ 2230/ كم2 وعدد سكانة حوالي /600/ ألف المكون من خليط من الناطقين بالعربية والفرنسية ومن مسلمين ومسيحيين حيث أن كل جزيره في هذا البلد الاتحادي – الفدرالي – تتمتع بحكم ذاتي خاص والاتفاقية الاخيره وضعت حداً للانقسام والخلافات وعدم المساواة وتسلط الاغلبية .
طوال التاريخ عانت القوميات الاقل عدداً والاضعف والمغلوبه على امرها في البلدان المتعددة القوميات من ظلم وجور القوميات السائده عبر انظمة استبداديه شوفينية كما حصل مع ابناء الشعب الكردي في ظل الانظمة بالدول المقسمة لكردستان ، وبالامكان تحديد شعب كردستان العراق نموذجاً في هذا المجال خاصة وأن موضوع بحثنا هذا يتعلق بمستقبل الفدرالية الكردستانية المطروحة الآن بقوة بين الوسطين السياسي والثقافي على الصعيدين الكردي والعراقي .
وقد درجت القومية السائدة في العراق وفي غالب الاحيان من جانب بورجوازيتها على ممارسة التحكم بمصير القوميات الاخرى وخاصة القومية الكردية والتسلط عليها بعد حرمانها من كل الحقوق باسم الدين في اغلب الاحيان أو تحت ذريعة – وحدة الوطن – لمواجهة العدو الخارجي أو بحجة تأجيل البت بالمسائل الجانبيه " الى حين تحقيق الوحدة العربية او الانتظار حتى تحقيق النظام الاشتراكي أو الاسلامي لحل مختلف المسائل السياسية والقومية والاقتصادية والاجتماعية .
وكما ذاق الشعب الكردي ذلك الطعم المر وخبره فان التسلط من جانب القومية السائده وفي الجوهر هو حصيلة النزعة القومية الشوفينية والعصبيه الجاهليه التي تتوزع بين الانتماءات القومية أو القبليه والعشائرية أو الحزبية وهي بمجملها نقيض المبادى الوطنية وبالضد من العوامل المكونة للتعايش بين المواطنين على اختلاف اعراقهم وعقائدهم .
الكورد بين الحقوق القومية وحق المواطنة :
كلما طرح الاكراد قضيتهم القومية أو قاموا بنشر برنامجهم القومي للسلام والتعايش مع الشعب العربي في العراق أو قدموا وجهة نظرهم حول المصير والمستقبل كما يحصل الآن تحت ظل العراق الجديد، يصطدمون باطروحات مضادة من جانب القوميين العرب المتشددين في العراق وخارج العراق ومن البدائل البارزة في هذه الايام للحقوق القومية الكردية المشروعه في اطار مبدأ حق تقرير المصير المعترف به لكافه الشعوب اطروحة حق – المواطنة – وهي قديمة – جديدة على أي حال كعلاج للقضية الكردية ، فمروجوها من بعض المثقفين القوميين الشوفينيين وبقايا حزب البعث وبعض دعاة الاسلام السياسي وقلة من المحسوبين على اليسار التقليدي يزعمون بأن " منح الاهميه الخاصة لموضوع – المواطنه – في المجتمع العربي من شأنه حل مسألة الاعراق والاقليات والثقافات الفرعية ، كما يجب ان لايجري تجاهل الخصوصيات الثقافية الفرعية العربية ، ويجب أن لانغفل الفروقات المتميزة لبعض الجماعات الفرعيه " ومن الملاحظ هنا أن مروجي مصطلح – حق المواطنه – يعتبرون الكورد والبربر وابناء جنوب السودان من – الاقليات – وثقافاتهم – فرعيه – أو فرعيه عربيه ، وهم يقيمون في مجتمعهم العربي أي انهم لايتمتعون بموقع – شعب – أو – قوميه لها عواملها التاريخية – أو ثقافتها – الاصليه – ولايقيمون على ارضهم القومية – التاريخية بل على الارض العربية وفي المجتمع العربي . والحل حسب رؤيتهم يكمن في
" وضع ابناء هذه الجماعات باعتبارهم – مواطنين – لهم كافة الحقوق ، والتاكيد على هذا الحق موجود في كل الدساتير العربية ولاحاجة الى نصوص جديدة " " وأن الاندماج الوطني هو حجر الزاويه في بناء الدوله الوطنية الحديثه " ولاشك ان الاندماج الذي يدعون اليه هو ما جربه حزب البعث في كل من العراق وسوريه وهو محاولات الدمج القومي للكرد والقوميات الاخرى في بوتقة القومية العربية عبر مخططات – الحزام العربي – وتغيير التركيب الديموغرافي والتهجير والهجرة المضاده – اقتلاع واسكان – والتي امتدت طوال اربعين عاماً ومازالت ساريه في بعض المناطق حتى الآن .
من جهه اخرى فقد غاب عن اذهان مروجي هذه الاطروحه المشبوهة والتي تفضح نفسها بنفسها ان هناك في الدول المتعددة القوميات ومنها العراق فرق بين قوميه شعب يسكن على ارضه التاريخية ومن السكان الاصليين وتمتد قضيته الى ابعد من حق المواطنه وبين " اقليه قوميه " مهاجره الى بلد آخر تبحث لها عن حق المواطنه لتعيش بسلام . لذلك نحن هنا أمام نموذجين للحق : حق قومي وحق المواطنه ومشاركة جماعية في السلطة والثروه ومواطنه فرديه وشخصيه ، والكرد لم – يهاجروا – الى العراق ليشكلوا – اقلية – وليس مطلوب منهم الاندماج – كمواطنين – بشكل هامشي وهزيل وعلى حساب التخلي عن الهويه القومية .
لقد برزت وتعززت قيمة حقوق – المواطنه – مع اعلان حقوق الانسان والمواطن من قبل الجمعيه الوطنية الفرنسية عام / 1789 / عندما عبرت عن المساواة وحق الملكية والحريات العامة وحق الحياة والامن ومواجهه الظلم والعيش بسلام وهذه المبادئ من صلب فلسفة الديموقراطية الليبراليه ، وهي نتاج
الفكر الانساني والنضالات السياسيه خلال ثلاثة قرون ابتدأت مع وثيقة الحقوق الانكليزية عام / 1688 / وتطورت مع الاعلان الامريكي لعام / 1776 / .
ومن الواضح ان مسألة حق – المواطنه – لم تطرح بشأن معالجة موضوع حقوق القوميات والعلاقة بين شعوب البلد الواحد بل جاءت من اجل تنظيم وتطبيع العلاقة العادلة بين افراد المجتمع بغض النظر عن العرق والجنس واللون واللغه والثقافه .
اما مروجو حق – المواطنه – من ابناء القومية السائدة على صعيد العراق والبلدان المتعدده القوميات الاخرى كحل مزعوم للقضيه القومية الكردية فليسوا الا شوفينييون من نوع جديد وخدعتهم هذه لاتنطلي على احد وما هي الا تحايل آخر لادامة الاضطهاد وحرمان الكورد والشعوب الاخرى من نيل حقوقها المشروعه في تقرير المصير واستمرار في نهج التجاهل ورفض الآخر القومي وقمع الارادة الحرة لتلك الشعوب واصرار على اعادة هذا الموضوع الهام المرتبط بمصير المجموع الى مرتبة حق الافراد . هذا الحق الذي تم انجازه في العالم المتمدن منذ حوالي ثلاثة قرون في حين أن نظام البعث في كل من العراق وسورية دأب على مصادرة هذا الحق عبر الاحصائيات – الصوريه – وحرمان المواطنين الاكراد من حق – الجنسية – لاشغال الكرد و حركتهم القومية بالقضايا الثانوية بدل الكفاح من اجل المسألة المركزية الجوهرية وهي حق تقرير المصير القومي .
ان دعوة الاخ الرئيس مسعود البارزاني في تحقيق الفدراليه القومية الكردستانية في اطار عراق ديموقراطي فدرالي والمحاولات الاخرى من جانب النخب السياسية والثقافية في كردستان في هذا الاتجاه ماهي الا اصرار وتصميم على اعادة بناء العراق الجديد ومساهمة كرديه الى جانب الشريك العربي والشركاء الآخرين من القوميات العراقية في التوصل الى افضل الصيغ الدستوريه وذلك في اجواء الحوار السلمي خاصة في هذه المرحلة التي تتطلب جهود جميع الخيرين من ابناء العراق الذين هم وحدهم يتحملون مسؤولية البناء والاعمار ووضع الدستور الجديد واعادة الحياة الى بلد حطمته الدكتاتورية وحولته الى انقاض . ان الارادة الوطنية الكردية في بناء العراق الجديد لاتنفصل عن اهدافه القومية المشروعه والتي تلتقي على الثوابت والمنطلقات والتوجهات التالية :
اولآً : تحويل العراق من دولة العرب الى دولة لمجموعتيه الرئيستين العربية والكردية وبالتالي دولة لجميع قومياتها تتشارك في الاحساس بالمواطنه الفعلية من جهة ومن جهة ثانية دولة للمجموعتين القوميتين اللتين تعيشان معاً لكن لكل منهما هويه قوميه مميزه ، وهذا يتحدد بواسطة تشريع دستوري.
ثانياً : النظرة على اساس حق – المواطنه –تختلف عن فكرة الدولة ثنائية القومية ، في الاولى لايتوفر الاعتراف بالقومية حيث يشغل الوظائف في مؤسسات الدولة مواطنون بناء على كفاءاتهم . وترتكز دولة
– المواطنين – على هوية – المواطنه – باعتبارها اهم عوامل الهوية الجماعية للفرد وتنقل الهوية القومية الى المجال الثقافي فقط أما الثانية أي خيار الدولة ثنائية القومية تحافظ على الهوية القومية باعتبارها العامل المركزي في الهوية الجماعية للفرد ، كما تعير الدولة ثنائية القومية الهوية القومية اهمية كبرى
وتكون جميع المؤسسات فيها بموجب تسوية دستوريه تضمن تقسيم الموارد العامة ( الثروه ) بالاضافه الى السلطات التشريعية و التنفيذية و القضائية بين كلتا المجموعتين القوميتين بصوره متكافئة .
ثالثاً : هناك ومنذ قيام الدولة العراقية شعور لدى الكورد بالتفرقة الشخصية والجماعية ، والاستبعاد فعليا عن مراكز النفوذ ، واستبعدوا نفسياً عن هوية الدولة ، وهذا الاستبعاد وفي احيان كثيره وجدله سنداً قضائياً ومؤسساتياً وحتى قبولا لدى النخبة العربية ، زيادة على ذلك فان الكورد مستبعدون تاريخياً وبشكل قاطع عن عملية صنع القرار في الشؤون السياسيةو العسكرية والامنية والاقتصادية والثقافية والتربوية ( حتى تلك التي تخصهم) وكذلك عن تعريف الدولة وهويتها وعلمها ونشيدها وشعاراتها .
رابعاً : عدم المساواة الجماعي أدى الى شعور المجموعة الكردية بعدم الانتماء للدولة العراقية ، وعدم المساواة في توزيع الثروه ادى الى افقار كردستان وتخلفه عن الركب الاقتصادي والاجتماعي والتقني .
خامساً : تأسيس الدولة العراقية باعتبارها دولة العرب وان التحدي الرئيسي هو الاستعداد لمواجهة اسرائيل بالحرب و – كل شيئ من اجل المعركة – وان الوحده العربية على رأس الاولويات ، وبذلك تم طمس واستبعاد التناقض بين دولة ديموقراطية تعددية القوميات تضمن المساواة من جهة وبين الدولة القائمة بمواصفاتها الدكتاتورية من جهة اخرى والتي استمرت حتى سقوط صدام حسين ، كما احتجب هذا التناقض حقيقة المسألة الكردية القومية في العراق وكردستان .
سادساً : ان المعنى الحقيقي – للمواطنة – العراقية بالنسبة للكرد سيبقى دون قيمة طالما حرم الكرد من حقهم في تقرير المصير ، وانعدمت قيم واسس الشراكة الحقيقية بين الشعبين في تقاسم السلطة والثروة .
سابعاً : العراق هي دولة ثنائية القومية بشكل رئيسي ( مع وجود قوميات اخرى ) وهي دولة عربية – كردية استنادا الى المعطيات الديموغرافية وحسب الاحصائيات الجاريه قبل تسلم حزب البعث لمقاليد السلطه والمطلوب هو توفير الوعي الموازي لهذه الحقيقه لدى الجانبين : العربي لتقبله لان الوعي بدوله ثنائية القومية لدى الجمهور العربي شبه معدوم ، والكردي لقبوله هذا الانتماء الجديد في عراق الغد ، واحساسه بكونه جزء من هذه الدولة الجديدة لانه يدير شؤونه الذاتية من داخلية وخارجية منذ اكثر من –12- عام .