حسن مدن
الحوار المتمدن-العدد: 2257 - 2008 / 4 / 20 - 07:25
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
وسط كرنفال العولمة الذي تبارى المتبارون في تمجيده، تناسى الكثيرون أن العولمة بين أشياء أخرى كثيرة تعولمها، “تعولم” الفقر أيضاً.
صحيح أن القسمة الضيزى القائمة بين عالم غني يسبح في الثراء وبين محيطات واسعة من الفقر والعوز، لا بل والمجاعة في معناها الحرفي التي تودي بحياة آلاف البشر لأنهم لا يجدون ما يسد الرمق، لم تنشأ مع العولمة في صورتها الراهنة. لكن هذه العولمة أعطت أبعاداً غير مسبوقة على ظاهرة الفقر، هي التي ترافق صعودها على خلفية الإفقار المتزايد لقطاعات شعبية واسعة، بما في ذلك الفئات الوسطى، وصودرت الكثير من الضمانات الاجتماعية التي كانت الرأسمالية قد اضطرت إليها مُكرهةً في مراحل سابقة تحت ضغوط نضالات الحركتين النقابية والديمقراطية، خاصة في البلدان المتطورة.
منذ أكثر من عقد ونصف العقد من الزمان هُلل للنظام العالمي الجديد الذي أعلن عنه الرئيس جورج بوش الأب حين كانت قواته قد أحكمت سيطرتها على منابع النفط في الخليج، فيما كان الاتحاد السوفييتي قد لفظ أنفاسه الأخيرة، وقُدمت العولمة في أبهى وأبهج صورها. حينها تبارت الأقلام والشاشات في إظهار مفاتن ومحاسن العصر الجديد، الذي سيضع حداً للأنظمة الشمولية، وسيعمم الرفاه على العالم كله.
قالوا لنا إن التاريخ بلغ نهايته، بعد العولمة لم يعد أمامنا مستقبل آخر نذهب إليه. من يحلم بالمستقبل فعليه أن يرفع الرايات البيض استسلاماً، فعهد الأحلام الكبرى وأفكار التغيير قد ولى من دون رجعة، وسادت ثقافة ملغومة أطلق عليها ثقافة المراجعة، بموجبها تخلى الكثيرون عن أحلامهم، والتحقوا بالعربة الأخيرة في القطار الذي تحدث عنه فرانسيس فوكاياما في كتابه الشهير عن “نهاية التاريخ وخاتم البشر”.
كان فوكاياما قد حذّر هؤلاء من أن وصول هذه العربة الأخيرة قد يعرقله بعض قطاع الطرق، ولكنها في النهاية لاحقة ببقية عربات القطار إلى جنة الليبرالية الموعودة.
نحو عقدين فقط مرا على هذا الكرنفال، علينا أن نجول بأعيننا حول العالم لنرى أن هذا العالم يزداد فقراً كلما زاد ثراء القلة الذين أحكموا الخناق على ثرواته.
يبحث الناس عن السلوى والخلاص فلا يجدونهما في مكان، حتى عصَرَ الجوعُ البطونَ من الألم، فهبت الناس إلى الشوارع مُذكرة بالمقولة الخالدة للامام علي الذي عجب من امرئ لا يجد قوت يومه فلا يخرج شاهراً سيفه.
#حسن_مدن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟