مازن كم الماز
الحوار المتمدن-العدد: 2258 - 2008 / 4 / 21 - 11:08
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
يؤرقني ابن الراوندي , يحرمني لذة التعايش مع العبودية للخالق من جهة , و بين البحث عن إنسانيتي و عن حريتي من جهة أخرى..منذ أن قرأت هذا الملحد الذي أطل علي من شوارع بغداد ملاحقا طريدا , بعد أن طرد مع كتبه و فكره من قصر الخليفة المهدي الذي جعل من دماء الزنادقة تسليته المفضلة , من يومها أصبحت غير قادر على ممارسة الحلول الوسط بين إنسانيتي و عبودية أي إله أو سلطة..من المستحيل اليوم أن أستطيع القبول بأنني إنسان و عبد في آن واحد..يقف أي منا أمام خيار صريح أو ضمني , لكنه خيار لا لبس فيه : هل خلقنا لنعبد إله ما أو لنكون عبيدا طائعين لسلطان ما أو لنعيش أحرارا ؟..إذا كنت تعتبر نفسك عبدا لأية قوة في هذا الكون فما عليك إلا أن ترمي حريتك بعيدا و تتفانى في خدمة سيدك , منتظرا "جنة" عبوديتك , لا تتردد يومها في أن تتخلى عن جوهر إنسانيتك , عن حريتك , و اقبل أن تكون عبدا مطيعا متفانيا في تنفيذ أوامر تلقى إليك و في الامتناع عما تنهى عنه , إياك أن تتجرأ على التفكير بحرية أو خارج النواهي و الأوامر التي تقدم إليك , إياك أن تتجرأ على أن تمارس حريتك الإنسانية , إياك حتى أن تحلم بحريتك تحلق عاليا على أشلاء الآلهة و السادة , إياك أن تكون حرا..يؤرقني بابك الخرمي و جنود المعتصم يقطعون أوصاله ثم يضربون عنقه و يلقونه أخيرا في النار..يؤرقني سبارتاكوس و هو يشن حملته الأخيرة على جيش روما العظيمة ليمزق الجيش الجرار جسده و حريته و إنسانيته التي لم يعترف بها يوما سادة روما و لا آلهة روما و لا دين روما و لا فلسفة روما و لا قانون روما , روما العظيمة , روما القادرة , روما السادة..هكذا تصر الآلهة على أن تحول حريتنا إلى جحيمنا الأبدي و تصر على أن الشرط الوحيد لنقبل في جنة نعيمهم هو أن نكون عبيدا طيعين , هكذا أصر ابن الراوندي على حرية عقله فوق كل الآلهة , و هكذا مات , بالضرورة , مطاردا من رجال السلطان , يؤرقني ابن الراوندي , ينتزع مني قدسية كل الآلهة و السادة دون رجعة , و ينقل إلي عدوى حريته , إصراره على أنه إنسان حر , أنه لم و لن يكون عبدا , عجزت بعد أن تعرفت على هذا الرجل أن أكون عبدا من جديد , و أصبحت مجرد مهرطق يبحث عن حريته حتى في الجحيم.........
#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟