استقبالا للعام الجديد تعوّدنا في كل سنة أن نصدر عددًا خاصًا نستعرض من خلاله حصاد أهم الاحداث في سنة نطوي صفحتها التاريخية، وأهم التطورات السياسية والاقتصادية - الاجتماعية والثقافية اسرائيليًا وفلسطينيًا وعربيًا وشرق أوسطيًا وعالميًا. نستعرض التطورات والاحداث بعين لتحليلية علمية فاحصة ونقدية، وذلك بهدف استخلاص العبر التي تعيننا في دربنا الكفاحي الطويل من اجل بناء مجتمع افضل وعالم افضل، مجتمع وعالم تسعد فيهما الشعوب في ظل رايات التقدم الاجتماعي الحضاري والعدالة الاجتماعية والمساواة التامة والسلم والامن والاستقرار والاشتراكية.
بتفاؤلنا الواعي نخطو لاجتياز عتبة العام الجديد وذلك بالرغم من أن احداث العام الماضي مؤطرة بالسواد ومخضبة بدماء ضحايا ذئاب العدوان من مجرمي الحرب اعداء الانسانية والتطور الحضاري للبشرية. فأحداث مسار التطور في بلادنا خلال العام الذي نودعه تدين وتحاصر سياسة الاحتلال والافقار والتمييز التي انتهجتها حكومة الاستيطان والجرائم اليمينية الشارونية. فتقرير لجنة اور كانت معطياته ادانة صارخة لسياسة دولة تقتل مواطنيها وتمارس بشكل منهجي سافر سياسة تمييز قومي وعنصري ضد الاقلية القومية العربية الفلسطينية، ضد المواطنين العرب في اسرائيل في شتى مجالات الحياة. ولم تستخلص حكومة اليمين الشارونية العبر الصحيحة من تقرير لجنة اور بل واصلت بشكل اكثر عدوانية ممارسة سياسة القهر القومي ضد الجماهير العربية والتي تمثلت بجرائم هدم البيوت العربية في النقب واللد والرملة وغيرها وفي التمييز في الميزانيات ضد السلطات المحلية وإقرار قوانين عنصرية في الكنيست معادية للعرب وللدمقراطية.
كما واصلت حكومة الاحتلال اليمينية في العام الفين وثلاثة سياسة تصعيد العدوان والجرائم والاستيطان في المناطق المحتلة ضد شعب الانتفاضة الفلسطينية بقتل وتدمير البشر والحجر والشجر، وادارة ظهرها للجهود والمبادرات الفلسطينية والدولية والاوروبية المبذولة لوقف نزيف دم الصراع ومحاولة التوصل الى تسوية سياسية عادلة نسبيًا تنصف الشعب الفلسطيني باقرار حقه في الدولة والقدس والعودة وتزيل الاحتلال ودنسه الاستيطاني وتوفر للشعبين، الاسرائيلي والفلسطيني، الأمن والاستقرار. فحكومة شارون وبالتنسيق مع ادارة بوش الامريكية تعمل بشكل منهجي على خلق وقائع استيطانية على الارض الفلسطينية المحتلة، مثل بناء جدار العزل العنصري والطرق الالتفافية والتوسع السرطاني الاستيطاني، هدفها الاساسي عرقلة ومنع قيام دولة فلسطينية سيادية على جميع المناطق المحتلة منذ عام 67، والاستعاضة عنها بكيان هش على شكل كانتونات ممزقة الاوصال وأشبه ما تكون بجزر معزولة لا تواصل اقليمي فيما بينها وتبقى تحت رحمة الامن الاحتلالي كمحمية استعمارية هزيلة.
ولكن "حسابات السرايا ليست كحسابات القرايا"، كما يقول المثل، فحكومة الكوارث اليمينية، تواجه من جراء سياسة تصعيد العدوان الدموي، أعمق ازمة شاملة، سياسية واقتصادية - اجتماعية واخلاقية، شهدتها اسرائيل منذ قيامها في عام النكبة الفلسطينية. فعام 2003 هو العام الثالث على التوالي الذي يواجه فيه الاقتصاد الاسرائيلي ركودًا اقتصاديًا عميقًا حيث تتراوح نسبة النمو الاقتصادي بين صفر الى واحد في المئة، وفي ظل هذا الركود الاقتصادي الذي يراوح في دفيئة سياسة افقار الفقراء واغناء الاغنياء السلطوية جرت في العام الذي نودعه عملية اعادة الانتاج الموسع للفقر والبطالة، إذ وصل عدد الفقراء حوالي خُمس تعداد سكان اسرائيل، اكثر من مليون واربعمائة الف انسان في اسرائيل يعيشون تحت خط الفقر وتصدرت اسرائيل لائحة البلدان المتطورة وسبقت المكسيك من حيث نسبة الاطفال الفقراء من مجمل عدد الاطفال. كما قذفت فروع الاقتصاد المأزومة الى سوق البطالة في العام (2003) اكثر من ثمانين الف عاطل جديد عن العمل. ليصبح عدد العاطلين عن العمل اكثر من ثلاثمائة الف انسان وحوالي 12% من القوة العاملة الاسرائيلية، ولمواجهة أزمة الركود الاقتصادي والعجز المتراكم في الموازنة الذي وصل الى حوالي ستين مليار شاقل اقرت حكومة شارون - نتنياهو خطة كوارث اقتصادية اجتماعية جوهرها ومدلولها هجوم منهجي على الفئات الاجتماعية المسحوقة وعلى العاملين للاقتطاع من لقمة عيشهم ومن مداخيلهم الهزيلة المحدودة، هجوم على مستلمي مخصصات التأمين الوطني والرفاه الاجتماعي، على العائلات احادية الوالدين وعلى اجور العاملين. خطة سيعاني منها هؤلاء في السنة الجديدة المقبلة.
لقد فجرت هذه السياسة اليمينية المجرمة بحق المحتاجين، والفقراء والعاملين احتجاجًا اجتماعيًا واسع النطاق تمثل باقامة العديد من الاطر والتنظيمات والحركات الاجتماعية الاحتجاجية التي انخرطت في ساحة الكفاح الاجتماعي، نذكر على سبيل المثال كفاح العائلات احادية الوالدين، مظاهراتهم واعتصاماتهم. نأمل في العام الجديد ان يتصاعد هذا الكفاح وان تدرك مختلف حركات الاحتجاج الاجتماعي انه لا يمكن الفصل بين الاجتماعي والسياسي، وان تحسين الاوضاع الاجتماعية مرهون ايضًا وبالاساس في ظروف اسرائيل العدوان بزوال الاحتلال، وسياسة العربدة العدوانية وترسيخ قواعد السلام العادل.
ان من أبرز احداث السنة التي نطوي صفحتها ان سياسة القوة وتصعيد الجرائم والمجازر والهدم والتدمير التي انتهجها المحتل الاسرائيلي قد فشلت في كسر ارادة شعب الانتفاضة وفي حسم المعركة عسكريًا. فصمود الشعب الفلسطيني اسطوريًا الممهور بأغلى ما يملك هذا الشعب - دم شهدائه - من جهة وانفضاح الوجه الوحشي الهمجي للمحتل الملطخ بدماء الابرياء، وبغبار هولاكو التدمير وصواريخ ودبابات الحسم العسكري الفاشل قد أديا الى محاصرة المجرم المحتل وادانته وحشره في زاوية العزلة دوليًا وفي عقر داره. فحصاد سنة 2003 يبشر بمحصول خير افضل في العام 2004، فرفض سياسة الحسم العسكري، رفض الاحتلال وجرائمه ضد شعب تواق للحرية والاستقلال، والدعوة لتسوية سياسية، تتسع دوائرها بانضمام قوى جديدة ومن مختلف الاوساط المدنية والعسكرية، من ضباط وجنود احتياط سلاح الطيران الى رؤساء الشاباك السابقين الى ضباط في الوحدة العسكرية المختارة التابعة للقيادة العامة للجيش الاسرائيلي الى كتاب وادباء، ورجال فن الى حركات احتجاج سياسية مثل "تعايش" و"كتلة السلام" الى احزاب عريقة في كفاحها ضد الاحتلال ومن اجل الحق الفلسطيني بالدولة والاستقلال امثال الحزب الشيوعي والجبهة الى قوى اليسار الصهيوني وغيرهم. فجميع هؤلاء يجمعون الرأي ان الاحتلال مفسدة ويجب التخلص من دنسه، يرفضون الخدمة في جيش يضطهد شعبًا آخر وانه لا مفر من زوال الاحتلال الاستيطاني وانجاز الحق الفلسطيني بالتحرر والاستقلال الوطني كشرط اساسي لا بد منه لبناء جسور وقواعد السلام العادل والامن والاستقرار التي تخدم فعلا مصلحة الشعبين.
لا شك بأن التنديد الدولي بجرائم المحتل الاسرائيلي واتساع دائرة التضامن مع الكفاح العادل للشعب الفلسطيني من اجل حريته واستقلاله الوطني كان لهما التأثير الايجابي على الرأي العام الاسرائيلي. ففي ظل الثورة المعلوماتية المعولمة فقد دخلت الحقائق الى داخل كل بيت في اسرائيل تقريبًا، حقائق تفيد معطياتها ان الغالبية الساحقة من بلدان العالم، تقريبًا اجماع دولي، في هيئة الشرعية الدولية، يجمع على ادانة الاحتلال وجرائمه ويطالب بزواله لضمان الحق الفلسطيني المشروع. حقائق تفيد معطياتها انه لا يؤيد سياسة العدوان والاحتلال والجرائم اليمينية الشارونية سوى ادارة عولمة الارهاب الامريكية وجزر منسية في المحيطات امثال ميكرونيزيا وجزر مارشال تعيش على فتات المائدة الامريكية - الاسرائيلية. حقائق تفيد معطياتها ان ستين في المئة من الرأي العام في بلدان الاتحاد الاوروبي الـ 15 يعتبرون اسرائيل الرسمية اكثر بلد في العالم يهدد السلام والامن العالميين و43% من الرأي العام الامريكي - الحليف الاستراتيجي للعدوان الاسرائيلي - يعتبر اسرائيل خطرًا يهدد السلام العالمي.
إن ما نأمله في العام الجديد ان تتوحد كل الجهود وكل القوى السلامية وعلى مختلف الصعد، اسرائيليًا ودوليا واوربيًا، في المعركة المصيرية لانهاء الاحتلال الاسرائيلي وانجاز الحق الفلسطيني المشروع بالاستقلال الوطني.
في رأينا ان ابرز احداث السنة التي نودعها يتمحور حول تصعيد عدوانية استراتيجية عولمة الارهاب الامريكي للهيمنة السياسية والاقتصادية في منطقة الشرق الاوسط. وقد تجسّد هذا العدوان بالحرب الاستراتيجية على العراق واحتلاله. وما نود تأكيده في هذا السياق ان الهدف المركزي للحرب العدوانية الانجلو امريكية على العراق لم يكن ابدًا تحرير شعب العراق والمنطقة من نظام ديكتاتوري مستبد ولتوفير الحرية والدمقراطية لشعب ما بين الرافدين. فاسقاط نظام صدام حسين كان الوسيلة للانطلاق الامبريالي لتجسيد هدفه الاستراتيجي المركزي بالهيمنة على أغنى منطقة نفط في العالم واستغلال الاطاحة بالنظام العراقي خارج موافقة هيئة الشرعية الدولية كنموذج بلطجي عربيد يلوّح فيه مهددًا لتدجين باقي انظمة المنطقة، خاصة ايران وسوريا، في حظيرة بيت الطاعة الامريكي. الغزاة الانجلو امريكيون لم يحرروا العراق بل احتلوه وداسوا على سيادته الوطنية وسيعملون بشكل منهجي لزراعة اراضيه بالقواعد العسكرية ليكون عامل تهديد ضد كل نظام يرفع رأسه معارضًا الهيمنة الامريكية. وما نود تاكيده لشعب العراق الماجد، لقواه الوطنية ولرفاقنا في الحزب الشيوعي العراقي المجيد انه لا يمكن ابدًا توفير الحرية والدمقراطية الحقة ما دام الاحتلال الانجلو امريكي جاثمًا على صدر وارض الشعب العراقي. فالمهمة الاساسية المطروحة على أجندة شعب العراق هي انجاز الاستقلال الوطني والتي تعني رص صفوف الوحدة الوطنية العراقية الكفاحية لمقاومة المحتل وكنسه والتخلص من دنسه، وفقط، ونؤكد على فقط، بعد كنس المحتل وانجاز الحرية والاستقلال للعراق تطرح مهمة طابع الحكم في العراق وشكل الدمقراطية، مهمة نأمل ان ينجزها شعب العراق بأسرع وقت وان يبني فعلا عراق الدمقراطية والتعددية والحرية والتطور الحضاري الذي يخدم المصالح الحقيقية لجميع ابناء وبنات الشعب العراقي. وما نأمله في العام الجديد ان يتحول العراق الى نار جهنم يحرق الغزاة المحتلين وان تنجح المقاومة العراقية بمختلف اشكالها في كنس المحتلين فهذا لا يخدم مصلحة الشعب العراقي لوحده بل جميع بلدان وشعوب المنطقة، لان طرد المحتلين من العراق يدق اكثر من مسمار في نعش مخطط الهيمنة الاستراتيجي الامريكي في المنطقة وخارجها.
نقلا عن موقع الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
http://www.aljabha.org/