|
مظاهر الاستبداد في الحكم الاسلامي
مهدي النجار
الحوار المتمدن-العدد: 2256 - 2008 / 4 / 19 - 11:09
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ان الاستبداد السياسي (الوراثي/ الشمولي) بنوعيه الملكي والجمهوري ،هو الاشد تجذراً في العالم الاسلامي بحيث يعتبر واحداً من الصفات الاساسية لنوع الحكم السائد وهوامتداد لمبدأ التوريث الاسلامي القديم ( اي مبدأ الوراثة في الحكم) الذي ابتدعه الامويون لاول مرة ( 663 – 754 ) باعتباره الحاكمية المشروعة التي وفقها يعتبر الحاكم ( الخليفة/ الملك/ الرئيس/ الامير...) مصدراً للسلطات كلها من عسكرية وقضائية وادارية ولا تخرج هذه السلطات من قبضة يده، حيث اعتبر اول خليفة اموي معاوية بن ابي سفيان (ت/680 ) ان السلطة هبة من الله. نُقل عنه انه خاطب العراقيين بعد تمكنه من الامر وبسط يده على الكوفة، بالقول: " يا اهل العراق، اترونني قاتلتكم على الصيام والصلاة والزكاة وانا اعلم انكم تقومون بها! وانما قاتلتكم على ان أتأمر عليكم، وقد أمَّرني الله عليكم... انما انا خازن من خزان الله، اعطي من اعطاه الله، أمنع مَنْ منعه الله" (القاضي عبد الجبار/ فضل الاعتزال) وقال مثل ذلك ثاني خليفة عباسي ابو جعفر المنصور (ت/775) مخاطباً المسلمين في موسم الحج: " ايها الناس انما انا سلطان الله في ارضه، اسوسكم بتوفيقه وتسديده، وتاييده وتبصيره، خازنه على فيئه اعمل بمشيئته، واقسمه بارادته، واعطيه بأذنه ... قد جعلني عليه قفلاً، اذا شاء يفتحني لاعطائكم وقسم ارزاقكم فتحني، واذا شاء ان يقفلني عليها اقفلني " (ابن قتيبة/ عيون الاخبار) وقد هيمن هذا النوع من الحكم على امتداد حكم الدولتين الاموية والعباسية (663 – 1258 )، اي منذ القرن السابع وحتى القرن الثالث عشر ، وليس من المستغرب ان تطول مدة حكم بعض الخلفاء حتى تضرب الرقم القياسي ( كما في تعبيراتنا المعاصرة) فقد كانت مدة خلافة الناصر لدين لله 46 سنة و10 أشهر و28 يوما، الا ان هذا الرقم القياسي يبدو اعتياديا ومعتدلا اذا ما قورن بفترة مكوث حكام الدول الاسلامية المعاصرين الذين يعزُ عليهم التخلي قيد انملة عن مقاعدهم الى حين يقبض سبحانه وتعالى ارواحهم فيتركوها بكل تركاتها لاولادهم حتى ولو لم يبلغوا سن الرشد! او تتسلط عليهم حركة انقلابية عسكرية تزيحهم عن اماكنهم بعنف ليحل محلهم الاسوء والاغشم، وهنا نورد بعض النماذج لملوك ورؤساء بعض الدول الاسلامية حسب مدة حكمهم، باستثناء منطقة الخليج العربي التي عرفت بحكمها الوراثي الشمولي الى ما لا نهاية : *الملك حسين/الاردن- مدة الحكم 47 سنة- اعلن ملكاً خليفة لاخيه طلال بن عبد الله بن الحسين الاول الذي اجبره البرلمان على التنحي بسبب مرض ألم به طويلاً وذلك عام 1952 وكان عمره آنذاك 17 سنة ولم يكن يبلغ السن القانونية، فشكل مجلس للوصاية على العرش وتم تتويجه 1953 توفي الملك حسين اثر اصابته بسرطان في الجهاز البولي سنة 1999 وتولى الحكم من بعده ابنه الملك عبد الله الثاني. *الملك الحسن بن محمد الخامس/المغرب - مدة الحكم 38 سنة – تم تنصيبه ملكا بعد والده سنة 1961 حتى وفاته 1999 اثر نوبة قلبية، تولى الحكم من بعده ابنه الملك محمد السادس. *العقيد معمر القذافي/ليبيا - مدة الحكم 39 سنة ، مازال مستمرا- قام العقيد معمر بثورة على الحكم السنوسي في ليبيا واستلم السلطة ومازال فيها. *سوهارتو/اندونيسيا - مدة الحكم 33 سنة – تولى السلطة بانقلاب عسكري عام 1965 ،ادت الاحتجاجات الطلابية واعمال العنف التي اجتاحت البلاد للاطاحة بالجنرال، اصيب بعد ان توارى عن الانظار بعدة جلطات قلبية، افادت منظمة "الشفافية الدولية" ان سوهارتو وعائلته جمعوا ثروات تقدر بالمليارت من اموال الدولة. *الحبيب بورقيبة/تونس – مدة الحكم 30 سنة – تولى الحكم 1957 وامام الحالة الصحية المتردية للرئيس بورقيبة، قام الوزير الاول زين العابدين بن علي 1987 بتغييره واعلن نفسه رئيسا جديدا للجمهورية. *حافظ الاسد /سوريا – مدة الحكم 30 سنة – تولى الرئيس اسد الحكم في سوريا سنة 1970 حتى وفاته عام 2000 اثر ازمة قلبية مفاجئة وكان يعاد انتخابه في استفتاءات متتابعة وفي كل مرة يحصل على نسبة اصوات تقارب 100 % . تولى الحكم من بعده ابنه بشار الاسد. *محمد حسني مبارك/ مصر – مدة الحكم 27 مازال مستمرا – تولى رئاسة مصر في 1981 وحصل على نسبة اصوات اغلبية مطلقة في خمس دورات انتخابية. *علي عبد الله صالح/اليمن – مدة الحكم 21 سنة مازال مستمرا – رئيس اليمن الشمالي (سابقا) منذ عام 1987 والرئيس الحالي للجمهورية اليمنية منذ 1990 . يستثنى من هذه الممارسة (الامساك بالسلطة ) المشير عبد الرحمن سوار الذهب الذي استلم السلطة اثناء انتفاضة ابريل/ 1985 باعتباره اعلى قادة الجيش وبتنسيق مع قادة الانتفاضة من احزاب ونقابات ثم قام بعمل غير مسبوق في العالم الاسلامي، اذ سلم السلطة الى الرئاسة المنتخبة في العام التالي، يذكرنا هذا بالحدث المماثل الوحيد الذي حدث في التاريخ الاسلامي في القصة المثيرة لمعاوية بن يزيد مع معلمه عمر المقصوص، واعتزاله الخلافة، قيل كان المقصوص من نفاة القدر، ويقول بالعدل، على طريقة المعتزلة، في ما بعد. لما مات يزيد بن معاوية خلفه ابنه معاوية الثاني ( عمره 13 عاما )، وقد استشار معلمه في امر البيعة، فاجابه: " اما ان تعدل او تعتزل". فخطب معاوية بن يزيد: ان جديّ معاوية نازع الامر مَن كان اولى به واحق ( يعني عليّ بن ابي طالب )ثم تقلده ابي، ولقد كان غير خليق به، ولا احبُّ ان القى الله عزَّ وجل بتبعاتكم، فشانكم وامركم ولوه مَنْ شئتم. ثم نزل واغلق الباب في وجهه، وتخلى بالعبادة حتى مات بالطاعون بعد اربعين يوماً، وكانت ولايته عشرين يوما. فوثب بنو امية على عمر المقصوص وقالوا: انت افسدته وعلمته، فطمروه ودفنوه حياً. (ابن العبري/ تاريخ مختصر الدول). ان متوسط معدل امساك السلطة من قبل الزعماء المعاصرين في العالم الاسلامي (ينطبق هذا الكلام بشكل نسبي على الاحزاب والتنظيمات السياسية، الدينية وغير الدينية، خارج سلطة الحكم من حيث الامساك برئاسة الحزب او التنظيم) حوالي ربع قرن للزعيم الواحد (باستثناء ورثته) وهي مدة من الزمن كافية لان يفعلوا اي شئ لشعوبهم، او على الاقل التمهيد لمن ياتي بعدهم، الاانهم وكما تشير التقارير والارقام الآنفة فشلوا فشلا ذريعاً في نقل شعوبهم الى مسارات الحداثة والرفاه، فاغرقوا بلدانهم بالفقر والبطالة والمديونيات والفساد الاداري والمالي، وتخلفت في عهودهم اشكال الاقتصاد ولم يحققوا اشكالا من الاقتصاديات الحديثة او الانتاج الصناعي المتطور رغم اهتمام بعضهم بالبهرجة العمرانية (شوارع/ بنايات ضخمة/ جسور/ ساحات/ مطارات ...).بسبب احتكارهم للثروات وانشغالهم في توسيع هيمنتهم والحفاظ على امنهم وامن عوائلهم، ان الحكومات الاسلامية المعاصرة بصورة عامة حكومات من نوع: مَلكيات/ أنظمة الحزب الواحد/ انظمة عسكرية/ ديكتاتوريات شخصية/ او بعض من هذه التركيبات مجتمعة... تعتمد هذه الحكومات عادة على اسرة واحدة، اساس قبلي او عشائري، من جهة اخرى نجد ممارسة اغلب هذه الحكومات مضادة في احيان كثيرة لحقوق الله وحقوق الانسان في آن معاً، اضافة الى فقدانها لاي اسس يمكن ان تبرر بها حكمها على اساس من الشرعية الدينية او الشرعية الديمقراطية او الشرعية الوطنية، ومن توصيفات هذه الحكومات الجوهرية انها غارقة في الفساد المالي والاداري، قمعية ومعزولة تماما عن احتياجات وتطلعات شعوبها ولا تشتري بفلس احمر حقوق الانسان او حرية الناس فهي منغمسة في ذاتيتها وفي كسلها ومنغمسة في نهب الثروات وتكديسها، منشغلة في تهيئة ابنائها لاقتناص السلطة وتداولها في ما بينهم وفي احسن الاحوال، اذا رضخت لمطالب العصر الملحة، فهي تمارس الديمقراطيات الحديثة بشكل هزيل ومضحك غالبا ما تحقق في صناديق الاقتراع او الاستفتاءات نتائج مذهلة تصل الى ما يقارب المئة في المئة! كأنها بذلك تضحك على ذقون العالم وذقون مواطنيها (هناك 10 دول فقط تتمتع بانظمة سياسية ذات ديمقراطية انتخابية، بغض النظر عن نوع الانتخابات، بينما لاتزال 47 دولة من دول منظمة المؤتمر الاسلامي اي ما نسبته 82,4 % من دول المنظمة، دون انظمة انتخابية). ان ما نلاحظه في الاستبداد السياسي في العالم الاسلامي (القديم والمعاصر) هو تمايزه بالتلازم (او احيانا التماهي) مع الاستبداد الديني، فنراهما في اغلب الاحيان احدهما يلبس جلباب الآخر ويستقوي به، ليضفي على نفسه الشرعية والهيبة والقوة، وقد تظافرت آراء اكثر العلماء من الناظرين في التاريخ الطبيعي للاديان، على ان الاستبداد السياسي متولد من الاستبداد الديني والكواكبي (عبد الرحمن الكواكبي/ت 1902 ابرز اقطاب التنوير في القرن التاسع عشر) يقول بهذا المعنى: "ان لم يكن هناك توليد فهما اخوان، وابوهما التغلب والرياسة، او هما صنوان قويان بينهما رابطة الحاجة على التعاون، لتذليل الانسان، والمشاكلة بينهما انهما حاكمان، احدهما في مملكة الاجسام والآخر في عالم القلوب" (طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد) 0 لذا كان من مظاهر هذا التلازم بين الاستبداد السياسي والاستبداد الديني ان تحلى اغلب الحكام في التاريخ الاسلامي بالاسماء الالهية (مثل: الواثق بالله، المنتصر بالله، المعتز بالله، القاهر بالله، المستنجد بالله ... ) وقدسوا انفسهم بصفاته القدسية فهم يعتقدون ان البلاد والعباد ملكهم شأنها شأن غنائم الحرب والاماء والجواري و" اينما تمطرين فهي ارضي"! مطبقين على انفسهم قوله تعالى: " لا يُسأل عما يفعل وهم يسألون" [الانبياء:23 ] وقد قامت الدنيا ولم تقعد حين قال الشيخ الازهري علي عبد الرازق بان الاسلام دين وليس دولة!، وتشير الرواية التالية الى ان الاسلام دين وليس دولة حكم. قال النبي لقومه: " ما ادري ما تقولون؟ ماجئتكم بما جئتكم به لطلب اموالكم، ولا لشرف فيكم، ولا لملك عليكم. ولكن الله بعثني اليكم رسولاً، وانزل عليَّ كتاباً، وامرني ان اكون لكم بشيراً ونذيراً، فبلغتكم رسالة ربي" (سيرة ابن اسحاق النبوية/ص 179 ). وقد حاول الشيخ علي عبد الرازق، على ذلك الاساس، ان يثبت في كتابه المشهور : "الاسلام واصول الحكم" الصادر في مصر سنة 1925 بان الخلافة (او الحكم) ليست اصلا من اصول الاسلام وان هذه المسالة دنيوية سياسية اكثر من كونها مسالة دينية وانها مع مصلحة الامة نفسها مباشرة، ولم يرد بيان في القرآن ولا في الاحاديث النبوية في كيفية تنصيب الخليفة او تعيينه.
#مهدي_النجار (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اهتزاز القيم الاخلاقية في العالم الاسلامي
-
نريد السماح لنا باحضار جواري!!
-
الرسوم المسيئة للرسول
-
هكذا تكلم الشيخ علي عبد الرازق
-
السلطة السياسية واحترام المثقف
-
مدخل لقراءة معرفية في القرآن
-
مأزق العالم الاسلامي
-
بؤس نقد الوعي: مجلة الاداب نموذجا
-
مدخل لفهم التنوير
-
بدوي اول الفلاسفة المعاصرين
-
الحالمون والازمنة الفاسدة
-
فلسفة الثقافة البديلة في العراق
-
النفري افكار مشوشة وتاريخ غامض
-
معنى الانسان في تصورات ابن عربي
-
الذكرى المئوية الثامنة لميلاد العارف جلال الدين الرومي
-
ايها المتشددون اصنعوا ثمة شئ للعالم
-
السهروردي قتيل الاشراق
-
سيبويه رائحة التفاح
-
صالح بن عبد القدوس
-
بَشَّارُ بن بُردٍ قتيل الهوى قتيل التمرد
المزيد.....
-
هكذا أعادت المقاومة الإسلامية الوحش الصهيوني الى حظيرته
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة-إيفن مناحم-بصلية
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تعلن استهداف مستوطنة كتسرين بصلية
...
-
المواجهات الطائفية تتجدد في شمال غربي باكستان بعد انهيار اله
...
-
الإمارات تشكر دولة ساعدتها على توقيف -قتلة الحاخام اليهودي-
...
-
أحمد التوفيق: وزير الأوقاف المغربي يثير الجدل بتصريح حول الإ
...
-
-حباد- حركة يهودية نشأت بروسيا البيضاء وتحولت إلى حركة عالمي
...
-
شاهد.. جنود إسرائيليون يسخرون من تقاليد مسيحية داخل كنيسة بل
...
-
-المغرب بلد علماني-.. تصريح لوزير الشؤون الإسلامية يثير جدلا
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف حيفا ومحيطها برشقة صاروخي
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|