|
محكمة الحريري مدخل لتوسيع حزام النار في المنطقة..
محمد عبعوب
الحوار المتمدن-العدد: 2254 - 2008 / 4 / 17 - 09:16
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
غريب أمر المحتفين بالمحكمة الدولية المنصبة للنظر في قضية اغتيال الحريري، والذين يعتقدون أن هذه المحكمة ستعمل على إظهار حقيقة هذه الجريمة ومعاقبة مرتكبيها والذين يقفون وراءهم، هؤلاء المراهنين على هذه المحكمة ابتلعوا طعم إسرائيل والغرب بتلهف فاق تلهف صانعيه ومدبريه، وفاتهم أن هذه المحكمة انما نصبت للتضليل عن قضية اكبر وهي قضية اغتيال امة بأكملها وإبقائها رهن التخلف والتطاحن .. قضية اغتيال الحريري وكما لم يعد خافيا على أي إنسان بسيط أو فائق الذكاء لم تعد محكمة من اجل الحريري أو من اجل وقف مسلسلات الاغتيال السياسي التي لم تشهد ازدهارا و توسعا إلا بعد أن وضعت المنطقة بأكملها تحت الوصاية الأمريكية والغربية والإسرائيلية مع بداية عقد التسعينات من القرن الماضي.. المحكمة بكل وضوح لا تخطئه عين بصيرة ما هي إلا مدخل لتوسيع حزام الدم والنار والاقتتال الطائفي والمذهبي والعرقي الذي يزدهر اليوم في العراق ليشمل سوريا ولبنان كمرحلة ثانية في مشروع الفوضى الخلاقة الأمريكي الذي تساق له منطقة الشرق الاوسط بخطى محسوبة بدقة، أما الضحية رفيق الحريري أجزم انه لن يكون في هذه العملية سوى ضحية ثانية سيتم تحميله مسؤولية ما ستؤول له المنطقة من دمار وخراب، وسيكون وهو في العالم الآخر مسؤولا على الخراب والفوضى التي ستعم المنطقة بعد تنفيذ هذه المرحلة من المشروع، وكيف له وهو في صمت القبور أن يدفع عنه هذه التهمة الجاهزة؟.. انا لا اقلل من خطورة جريمة اغتيال أي مسؤول سياسي من أي تيار او توجه سياسي ومن أي بلد كان ، ذلك أن اسلوب التصفيات الجسدية قد ولى في العالم المتحضر، ولم تعد التصفيات من هذا النوع معمولا بها لأنها هي الطريق الأقصر لإلحاق الهزيمة بالمنفذين ورفع شعبية الضحية وتعزيز مكانة الجهة السياسية التي يمثلها، وهذا ما لمسناه على الساحة اللبنانية بعد اغتيال الحريري والعديد من الرموز السياسية اللبنانية.. إن التصفية السياسية عبر الحجة والمناورة والمهارة في إدارة الصراع هي الطريق الأسلم والفاعل لإزاحة أي سياسي دون التورط في دماء او جنايات يترتب عليها ملاحقة قضائية محلية، او يتم تجييرها لخدمة مخططات لقوى كبرى كما في حالة الحريري الذي اصبح ضحية عالمية جند العالم وبأرفع مسؤوليه وبشكل وهمي لتتبع منفذي جريمة اغتياله في شكل مسرحي مفضوح .. لا أستطيع تفهم اهتمام العالم بهذه الجريمة دون غيرها من الجرائم التي ارتكبت في العالم ولا زالت ترتكب.. الم يتم اغتيال العشرات من الزعماء السياسيين في المنطقة قبل وبعد الحريري؟ الم تغتل إسرائيل الشيخ المقعد احمد ياسين وهو خارج من المسجد، ويخرج رئيس الدولة الراعية اليوم لمحكمة اغتيال الحريري ليبارك هذه الجريمة ضد ذلك الشيخ المقعد ؟الم يتم اغتيال الرئيس الجزائري الأسبق بوضياف والمصري انور السادات وهما على منصة رئاسية،؟ ليتم بعدها تنظيم محاكمات صورية شبه مغلقة قدم فيها المنفذون المباشرون للعدالة ولم يلاحق أيا من المخططين الرئيسيين للجريمتين والمستفيدين منها ، ويتم تجاهل القضيتين ومحو أي صدى لهما في آلة الإعلام الغربي صانع الأزمات ومفعلها .. الم تغتل الأيدي الآثمة بنازير بوتو في وضح النهار وفي مشهد منقول على الهواء مباشرة، ليتم في غضون اساببيع القفز على هذه الجريمة في الإعلام الغربي وتدخل طي النسيان لأنها تخدم مشروع الفوضى الخلاقة الأمريكي؟؟ الم يغتل إسحاق رابين رئيس وزراء (إسرائيل) أمام حراسه ويتم الآن الاحتفال بمنفذ عملية اغتياله، لأنه أنقذ إسرائيل من مشروع سلام قد يتحول الى سلام حقيقي لا ترغب واشنطن ولا صانعي السياسة الصهاينة في وجوده خلال هذه المرحلة على اقل تقدير؟ الم يتم اغتيال العشرات بل المئات من الأساتذة والصحفيين والعلماء في العراق و في أكثر من بلد عربي في صمت يعكس رضا الأوصياء على محكمة الحريري اليوم الذين هم من وضع الخطوط العريضة لهذه التصفيات للحيلولة دون تحقيق نهضة عربية حقيقية وانفكاك فعلي من قبضة التخلف والدكتاتورية ؟؟ آلاف الجرائم السياسية يتم اقترافها يوميا بمعرفة، وأحيانا تأييد رعاة ومدبري تدويل محكمة الحريري، فأين هم من كل هذه الجرائم؟؟!! لماذا لم تسخر هذه الدول آلتها الإعلامية الرهيبة للتحقيق في هذه الجرائم؟؟!! لماذا هذا الصمت المريب إزاء كل هذه الجرائم؟؟!! ما هذا الخرس المشبوه وفي أفضل الحالات وأندرها الهمس الخجول الذي مارسته آلة الإعلام الغربي ولا زالت تمارسه يوميا تجاه جرائم اغتال الأمم التي لا تقل خطورة عن جريمة اغتيال الحريري؟؟!! ندرك كبسطاء -وكما يدرك الكبار في وطننا الموبوء بسلطات دموية لا تعرف حدودا لضمان بقائها- أن قضية اغتيال الحريري لم تكن سوى فرصة سانحة لتنفيذ مرحلة جديدة من مخطط واسع لبلقنة المنطقة وإدخالها في اقتتال شامل تتم إدارته والتحكم فيه من قبل إسرائيل وأمريكا بما يخدم مصالحهم.. كما أننا ندرك أن هناك عشرات الحريريين القادمين الذين سيتم تقديمهم قرابين على مذبح المشروع الصهيوامريكي ليكونوا مدخلا لتنفيذ مراحل متقدمة في هذا المشروع عندما يحين وقتها.. إن الطريق السليم والصحيح والذي تفخخه واشنطن أمامنا وتحول دوننا ودونه، هو طريق بناء الديمقراطية وثقافة التسامح وتجذيرها في منطقتنا والتي بها سيتم التخلص من كل تلك السياسات العقيمة والفوضوية والقائمة على العنف والإقصاء والتعصب والمصادرة التي تسم منطقتنا العربية وتبقيها أسيرة للاقتتال والقتل السياسي و الطائفي والعرقي وللتخلف على جميع المستويات وبالتالي الارتهان لقوى أجنبية .. إن المحكمة الحقيقية والتي يجب أن تنصب وترصد لها الأموال والامكانات، هي تلك المحكمة التي تحقق في دور أمريكا والغرب خلال النصف الثاني من القرن العشرين والعقد الحالي في تنصيب أنظمة ثيوقراطية ودكتاتورية وفاشية فاسدة ظلت ولا زالت تحكم منطقتنا العربية بالقمع والفساد وتحولها الى بيئة خصبة لتنفيذ الجرائم السياسية على شاكلة جريمة اغتيال الحريري، وتقدم كل مسئول أمريكي أو غربي إلى جانب المسئول العربي عن أي جريمة ترتكب وفي مقدمتها جريمة اغتيال الحريري، محكمة تنظر في التصفيات السياسية على طول هذا الوطن وعرضه وبكل الخلفيات، لا محكمة انتقائية تصنعها الآلة الإعلامية الغربية وتديرها لخدمة أهداف وأجندة تخريبية، محكمة تنظر في آثار الاستعمار السابق والحاضر لبلداننا العربية وتفرض على الدول المستعمرة -بكسر الميم- تقديم التعويضات المناسبة للشعوب عما لحق بها جراء هذا الاستعمار وحروبه و تضع ضمانات بعدم تكرار تلك الجريمة، محكمة تحقق في النهب المقنن لموارد منطقتنا وخيراتها من قبل شركات الاحتكار الغربية والتي تتحالف مع الأنظمة الحاكمة وتوفر لها الحماية من أي محاولة لتصحيح هذا الواقع وإقامة مؤسسات ديمقراطية ومدنية تحد من هذا الهدر المبرمج للموارد.. محكمة تنظر في جريمة ادخال اسلحة الدمار الشامل الى منطقتنا (اسرائيل) التي اصبحت تشكل تهديدا حقيقيا لامن واستقرار وسلامة شعوبنا .. أما أن يتم اجتزاء قضية اغتيال الحريري من سياقها العام وبشكل انتقائي وتفعيلها وتحويلها الى قضية أممية ودولية، فذلك امر يدعو للشبهة ويجعل أي مراقب ومتتبع للقضية يضع الف علامة استفهام وآلاف الافتراضات أمام هذا الاهتمام المفاجئ والمصطنع من الغرب بقضية شهدت منطقتنا قبلها وبعدها آلاف الجرائم المشابهة لها والتي تفوقها خطورة وسط صمت سياسي واعلامي غربي ودولي مريب..
#محمد_عبعوب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
احب العراق.. آكو حد يعوف العراق!!!
-
(وإذا ابتليتم فاستتروا..)
-
الموسيقى هوية انسانية
-
الحرية لآمنة منى
-
ايها الفلسطينيون الزموا بيوتكم حتى يغادرها
-
الحوار الاسلامي المسيحي : التسامح والحوار هو الطريق الى مستق
...
-
الحوار الاسلامي المسيحي : التسامح والحوار هو الطريق لمستقبل
...
-
هل المرأة انسان حقيقي!!!
-
عندما يتحول الايمان الى عصاب
-
دفاعا عن العربية
المزيد.....
-
دام شهرًا.. قوات مصرية وسعودية تختتم التدريب العسكري المشترك
...
-
مستشار خامنئي: إيران تستعد للرد على ضربات إسرائيل
-
بينهم سلمان رشدي.. كُتاب عالميون يطالبون الجزائر بالإفراج عن
...
-
ما هي النرجسية؟ ولماذا تزداد انتشاراً؟ وهل أنت مصاب بها؟
-
بوشيلين: القوات الروسية تواصل تقدمها وسط مدينة توريتسك
-
لاريجاني: ايران تستعد للرد على الكيان الصهيوني
-
المحكمة العليا الإسرائيلية تماطل بالنظر في التماس حول كارثة
...
-
بحجم طابع بريدي.. رقعة مبتكرة لمراقبة ضغط الدم!
-
مدخل إلى فهم الذات أو كيف نكتشف الانحيازات المعرفية في أنفسن
...
-
إعلام عبري: عاموس هوكستين يهدد المسؤولين الإسرائيليين بترك ا
...
المزيد.....
-
افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار
...
/ حاتم الجوهرى
-
الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن
/ مرزوق الحلالي
-
أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال
...
/ ياسر سعد السلوم
-
التّعاون وضبط النفس من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة
...
/ حامد فضل الله
-
إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية
/ حامد فضل الله
-
دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل
...
/ بشار سلوت
-
أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث
/ الاء ناصر باكير
-
اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم
/ علاء هادي الحطاب
-
اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد
...
/ علاء هادي الحطاب
المزيد.....
|