|
سبل معالجة ظاهرة البطالة في العراق
فلاح خلف الربيعي
الحوار المتمدن-العدد: 2254 - 2008 / 4 / 17 - 10:41
المحور:
الادارة و الاقتصاد
يواجه الاقتصاد العراقي في الظروف الراهنة مشكلة الارتفاع الكبير في معدلات البطالة بعد أن أصبح أكثر من نصف شباب المدن العراقية عاطلين عن العمل، في حين لا تتجاوز مشاركة المرأة في القوة العاملة 19 بالمائة. هذه البطالة في معظمها بطالة هيكلية ناجمة عن تفاقم ظاهرة الاختلال في الهيكل الانتاجي كنتيجة لتوقف قطاعات الإنتاج الرئيسة وبخاصة قطاع الزراعة والصناعة التحويلية ومعظم الأنشطة الخدمية من ناحية والتحول في أنماط الطلب على القوى العاملة في سوق العمل من ثانية ، فضلا عن دور العامل الموضوعي المرتبط بطبيعة سوق العمل التي تتطور بسرعة أكبر من التطور في نظام التعليم والتدريب وما سيترتب على ذلك التطور من اختلال العلاقة بين الشروط المطلوبة في سوق العمل والمؤهلات المعروضة من مخرجات النظام التعليمي.وقد ارتبطت تلك المشكلة بمجموعة واسعة ومتشابكة من العوامل والتحديات، في مقدمتها التوجهات غير الرشيدة للسياسات الاقتصادية للنظام السابق، التي أهملت القطاعات الإنتاجية وسخرت الإيرادات النفطية لتمويل الحروب وتبنت السياسات النقدية والمالية التوسعية ومولت العجز في الموازنة العامة عن طريق الإصدار النقدي الجديد، فأدت إلى ارتفاع معدلات التضخم وتدهورت مستويات المعيشة، في مقابل ذلك خفضت من الإنفاق على قطاعات التعليم والصحة، ونجم عن ذلك ارتفاع في معدلات التسرب المدرسي وانخفاض في كفاءة نظام التعليم، وتدهور إنتاجية رأسمال البشري، وأصيبت فرص التشغيل بأفدح الاضرار. ولمتابعة تأثير تلك السياسات على أنماط الطلب في القوى العاملة ومستويات البطالة في العراق، يجري التمييز عادة بين مرحلتين مهمتين في تطور الاقتصاد العراقي: الأولى: هي مرحلة الفورة النفطية التي استغرقت عقدا كاملا هو عقد السبعينيات من القرن العشرين وما صاحبها من فائض في الموازنة العامة، وتبن للسياسات الاقتصادية التوسعية وزيادة حجم التخصيصات الاستثمارية الموجهة نحو جميع الأنشطة الاقتصادية.وقد أظهرت تجربة التنمية في تلك المرحلة عن وجود إمكانيات كبيرة لتوظيف الموارد النفطية في مشاريع عامة منتجة والقدرة على تطوير الطاقات المؤسسية في إدارة الاقتصاد.الثانية: هي مرحلة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي بدأت منذ مطلع الثمانينيات من القرن العشرين ومازالت مستمرة حتى الآن، حيث واجه العراق في ظروف تلك الأزمة مختلف أنواع الويلات والمصاعب بدءاً من التدهور الكبير في إيرادات النفط مرورا بالحروب المدمرة وعسكرة للاقتصاد والحصار الاقتصادي الدولي وانتهاء بالاحتلال. وساهمت هذه الظروف في تعميق الاتجاه الركودي في الاقتصاد وتدهور قابلية القطاعين العام والخاص على استيعاب المشتغلين. كما شهدت نوعية التعليم تراجعاً ملحوظاً، نتيجة لتوقف عمليات تطوير البنية التحتية المتعلقة بالأبنية المدرسية والجامعات والمعاهد وعمليات تطوير المناهج، وساهم الارتفاع في معدلات التضخم في تدهور مستويات رواتب وإضعاف حوافز أعضاء هيئات التدريس. وكانت المحصلة هي عجز النظام التعليمي عن إنتاج الخريجين المؤهلين للعمل، والنقص الواضح في المهارات وهبوط الإنتاجية، كما شهدت هذه المرحلة تفاقم ظاهرة بطالة الخريجين نتيجة لتخلي الدولة عن سياسات التعيين المركزي في توظيف الخريجين وضعف قدرة القطاع الخاص على خلق فرص العمل الملائمة التي تتناسب مع تخصصات الخريجين وإخفاق خطة القبول المركزي في تحقيق المواءمة بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل فضلا عن القيود التي وضعتها الضغوط الاجتماعية حصرت مشاركة المرأة في بعض الأنشطة كالتدريس، كما أدت العوامل الاجتماعية إلى تركز المشتغلين في الأجهزة الحكومية وتضخم الجهاز الإداري كما دفعت تلك الضغوط صانعي السياسات التعليمية الى مخالفة شروط سوق العمل والاستجابة للشروط الاجتماعية.ولم تبرز ظاهرة البطالة بوضوح خلال عقد الثمانينيات والتسعينيات بسبب ظروف التعبئة العسكرية العامة التي شملت معظم الافراد النشطين اقتصاديا، إلا أنها استفحلت بعد العام 2003 نتيجة لتوقف معظم المشاريع والمصانع عن الإنتاج بعد تدهور الوضع الأمني وعدم توفر الطاقة الكهربائية، وبعد أن اتخذت إدارة الاحتلال الإجراءات بحل الجيش السابق وتسريح مئات الآلاف من المطوعين والمكلفين في الجيش والشرطة وقوى الأمن الداخلي، فضلا عن توقف العمل بقانون الخدمة الإلزامية، وتفاقمت تلك الأزمة نتيجة استمرار تدهور الإنتاج الصناعي والزراعي والخدمي وعدم اتخاذ الإجراءات السريعة لمعالجة البطالة العالية والفقر وارتفاع الأسعار، وتعمير البنية الأساسية، وتأهيل الصناعات الرئيسة المخربة، وخاصة منها طاقات إنتاج الكهرباء ومياه الشرب، وتقديم الخدمات العامة. وبدلاً من معالجة الأزمة منذ البداية، ركز صانعو القرار على تصدير النفط الخام، والتمهيد لخصخصة الصناعة النفطية، وترويج لمنح الأسبقية للشركات الأجنبية في عمليات الاستثمار، وفي جميع مراحل تلك الأزمة، كان التصرف السيئ بالموارد النفطية، ولا يزال، أحد الأسباب الرئيسة في وجودها. ولا يزال الاقتصاد العراقي يواجه مشكلة الفشل في توظيف الموارد النفطية في بناء اقتصاد قوي يؤمن زيادة مستمرة في النمو والتشغيل وقدرة على تمويل مشاريع البنية الأساسية والمرافق والخدمات العامة، ولهذا فإن ترشيد التصرف بتلك الموارد سيظل العامل الرئيس في علاجها، لذا أصبحت معالجة التوجهات غير العقلانية في السياسات الاقتصادية أمراً ضروريا في المستقبل، لأن استمرار العمل بهذه السياسات من شأن أن يعمق الأزمة الاقتصادية الحالية بجميع مظاهرها المتمثلة بتراجع النمو في قطاعات الصناعة والزراعة والتجارة والخدمات، وانخفاض الدخول، وزيادة البطالة، وانتشار الفقر، وارتفاع الأسعار، وزيادة النقص في الخدمات والمرافق العامة، واستمرار النقص في الكهرباء ومياه الشرب، وتزايد الحاجة لإنشاء البنية الأساسية الاقتصادية (المادية) والاجتماعية والبيئية.وزيادة المديونية الخارجية. وفي المدى البعيد، فإن المظهر الأبرز في تلك الأزمة هو طبيعتها الهيكلية المتمثلة باستمرار بقاء الاقتصاد الوطني رهينة لهيمنة قطاع النفط.وبعيداً عن تفاصيل الأساليب والتحليلات الفنية المستخدمة في تلك المعالجة، نؤكد على أهمية التركيز على العناصر الهادفة إلى تحرير الاقتصاد من هيمنة قطاع النفط والتأكيد على أهمية التصرف الرشيد بالإيرادات النفطية ورفع مستوى النشاط الاستثماري والإنتاجي وتعزيز دور القطاع الخاص كسبيل وحيد لزيادة الدخول والتوظيف والتحسن في مستويات المعيشة على أن يقترن ذلك ببرنامج اقتصادي يهدف إلى توظيف الإيرادات النفطية لصالح الاستثمار العام في برامج ومشاريع البنية الأساسية والخدمات الاجتماعية العامة، ومن المهم أيضاً إدراك العلاقة السببية القوية بين تفاقم المشكلات الأمنية والاجتماعية والسياسية وبين استمرار المشكلات الاقتصادية والمعيشية من ناحية، وعدم التقليل من خطورة الأزمة الاقتصادية بحجة توفر الثروة النفطية والتفاؤل بالمستقبل من ناحية أخرى.
وبقدر تعلق الأمر بمشكلة البطالة ينبغي اتخاذ الخطوات الكفيلة بمعالجة تلك المشكلة من خلال العمل على: 1- توجيه النسبة الكبرى من التخصيصات الاستثمارية لدعم القطاعات السلعية الأساسية وبخاصة الزراعة والصناعة ومشروعات البنية التحتية والكهرباء والمياه. 2- دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة وتنميتها لكونها مشاريع كثيفة العمل وتساهم فعلياً في امتصاص جزء كبير من البطالة. 3- العمل على تحديث المناهج التعليمية لمواكبة التطورات العلمية،وبما يضمن تأهيل الخريجين من الناحيتين العلمية والعملية. 4- استحداث برنامج وطني يقوم على التنسيق بين الوزارات المختلفة لخلق فرص العمل التي تتناسب ومؤهلات الخريجين. 5- إعادة النظر بخطة القبول المركزي بالتركيز على هدف المواءمة بين مخرجات التعليم و احتياجات سوق العمل. 6- إعادة النظر بسلم الرواتب والأجور الحقيقية بين وقت وآخر. 7- الاهتمام بالتعليم المهني والتقني بما يعزز مهارات الخريجين ويلبي احتياجات سوق العمل. 8- دعم القطاع الخاص من أجل خلق المنافسة المشروعة بينه وبين القطاع العام خدمة لدعم الاقتصاد الوطني. 9- تحسين الكفاءة الداخلية لنظام التعليم من خلال محاربة الفساد والممارسات الإدارية البيروقراطية. 10- تحسين المناخ الاستثماري لتشجيع الاستثمارات المحلية والأجنبية لخلق فرص العمل للخريجين وحسب مؤهلاتهم العلمية.
#فلاح_خلف_الربيعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دور الجهاز المصرفي في تنشيط سوق العراق للأوراق المالية
-
دور صناديق الاستثمار في الاقتصاد العراقي
-
دور شركة الكفالة المصرفية في تمويل المشروعات الصغيرة العراق
-
مبررات وشروط التحول نحو اقتصاد السوق في العراق
-
ظاهرة غسيل الأموال وسبل التصدي لها في العراق
-
تطور ظاهرة التضخم في الاقتصاد العراقي
-
إجراءات السياسة المالية وأثرها على أداء القطاع المصرفي في ال
...
-
دعوة إلى تأسيس المنتدى الوطني للحد من أخطار الكوارث في العرا
...
-
استراتيجية وأسلوب الخصخصة الملائم للاقتصاد العراقي
-
مراحل تطور مفهوم المجتمع المدني
-
مشاركة القطاع الخاص في التنمية في العراق بين الأهداف والقيود
-
قطاع النفط في العراق بين الواقع والأفاق المستقبلية
-
الاقتصاد العراقي بين اسلوب التخطيط ونظام السوق
-
التحديات التي تواجه عملية التنمية في العراق
-
سبل رفع مستوى التشغيل في العراق
-
دور الهيئة الوطنية للاستثمار في العراق
-
سبل تحسين مناخ الاستثمار في العراق
-
دور قطاع الصناعة التحويلية في عملية التنمية في العراق
-
سوق العراق للأوراق المالية الواقع.... والافاق المستقبلية
-
مقترحات لمعالجة مشكلة الديون المصرفية المتعثرة في العراق
المزيد.....
-
أسعار النفط عند أعلى مستوى في نحو 10 أيام
-
قطر تطلق مشروعا سياحيا بـ3 مليارات دولار
-
السودان يعقد أول مؤتمر اقتصادي لزيادة الإيرادات في زمن الحرب
...
-
نائبة رئيس وزراء بلجيكا تدعو الاتحاد الأوروبي إلى فرض عقوبات
...
-
اقتصادي: التعداد سيؤدي لزيادة حصة بعض المحافظات من تنمية الأ
...
-
تركيا تضخ ملايين إضافية في الاقتصاد المصري
-
للمرة الثانية في يوم واحد.. -البيتكوين- تواصل صعودها وتسجل م
...
-
مصر تخسر 70% من إيرادات قناة السويس بسبب توترات البحر الأحمر
...
-
البنك الأوروبي: التوترات التجارية تهدد الاستقرار المالي لمنط
...
-
مصر.. الكشف عن خطط لمشروع ضخم لإنتاج الطاقة الهجينة
المزيد.....
-
الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق
/ مجدى عبد الهادى
-
الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت
...
/ مجدى عبد الهادى
-
ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري
/ مجدى عبد الهادى
-
تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر
...
/ محمد امين حسن عثمان
-
إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية
...
/ مجدى عبد الهادى
-
التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي
/ مجدى عبد الهادى
-
نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م
...
/ مجدى عبد الهادى
-
دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في
...
/ سمية سعيد صديق جبارة
-
الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا
/ مجدى عبد الهادى
المزيد.....
|